|
الشرق الأوسط ليس للبيع
محسن ظافرغريب "الشرق الأوسط ليس للبيع!"، هذا عنوان مقال في 5 حزيران 1952م، لعميدة الصحافة الألمانية Marion Hedda Ilse Gräfin Dönhoff التي توافق ذكرى مولدها المائة. وقد جمعت Dönhoff ذكرياتها عن "الشرق الأوسط" في كتاب صدر لاحقاً بعنوان: "المدني يروم الصلاة!". الصحافية الكبيرة Dönhoff أحد مؤسسي صحيفة Die Zeit المرموقة: http://www.zeit.de/index عام 1946، كان تأسيس "Die Zeit" فكتبت Dönhoff مقالاً بعد أن وضعت الحرب أوزارها مباشرة، ترسم فيه لقوات الاحتلال الإنجليزية معالم السياسة التي ينبغي إتباعها في ألمانيا بعد زوال ديكتاتورية "هتلر". وصل المقال إلى مجتمعين في مدينة "هامبورج"، كانوا يفكرون في إصدار صحيفة أسبوعية جديدة. انبهر المجتمعون بمقال السيدة Dönhoff، لوضوح وعمق أفكاره وسهولة عباراته؛ فبحثوا عنها وعرضوا عليها أن تشترك معهم في أسرة التحرير. وبدأت في أول آذار من العام نفسه تعمل في "Die Zeit" الأسبوعية. كانت تبلغ من العمر 36 عاما، وبقبولها العمل في الصحافة، كانت Dönhoff تطوي صفحة أديبة تتحول لألمع صحفيات ألمانيا بعد الحرب. تحول مبنى "Die Zeit" إلى متحف منذ توليها العمل في صحيفة "Die Zeit". كانت Dönhoff من أبرز العاملين في تلك الصحيفة الشهيرة التي يقترب توزيعها من النصف مليون نسخة، وتشرف Dönhoff على التحقيقات السياسية مذ مطلع خمسينات القرن الماضي إلى أن ترأست تحرير الصحيفة بين عامي 1968-1973م . في أسرة من كبار ملاك الأراضي، Dönhoff أمضت 2 ك1 1909 – 11 آذار 2002م طفولتها وصباها في "شرقي بروسيا" الواقعة في بولندا الآن ، فحملت لقب "دوقة". انتقلت إلى "فرانكفورت" الوقعة على نهر الراين ومنها إلى مدينة "بازل" السويسرية لدراسة علم الاقتصاد. أجبرتها الحرب العالمية الثانية للرجوع إلى وطنها للإشراف على الأراضي الزراعية التي تمتلكها عائلتها، بعد تجنيد أخوانها في جيش هتلر. ولدى زحف الجيش الأحمر على شرقي بروسيا شتاء 1944م، هربت Dönhoff في جو قارص البرد على حصان غرباً. بعد 7 أسابيع على ظهر الحصان، مع نفحات تبشر بقدوم الربيع، وجدت المأوى في إحدى القرى الصغيرة غربي ألمانيا، ومنها إلى مدينة "هامبورغ" أقصى الشمال. زملاء Dönhoff يشيدون بها كاتبةً تميزت بوضوح الأسلوب والأفكار، والجرأة في التناول، وإنسانةً منفتحة على الجديد، زارت الشرق الأوسط غير مرة، وكتبت عنه مقالاً نُشر في 5 حزيران عام 1952م بعنوان "الشرق الأوسط ليس للبيع"، حللت فيه بنظرة ثاقبة الأسباب التي حدت بمعظم البلاد العربية للاقتراب من الاتحاد السوفيتي والنفور من أميركا والغرب عموما آنذاك، ما جعل العرب يرفضون خطة أميركية لتنمية المنطقة اقتصادياً على غرار مشروع مارشال الشهير. حصلت على جائزة الكتاب الألمانية المرموقة في تحليلها لواقع "الشرق الأوسط". لم تنطلق Dönhoff من موقف أيديولوجي ستاتيكي، بل أوضحت خيبة أمل العرب تجاه الغرب لتاريخه الاستعماري البغيض ولمساندته دولة إسرائيل. ولئن كان "الاتحاد السوفيتي" يمثل في الغرب النظام الشيوعي الستاليني، فهو للعرب رمز مساند لحركات التحرر. ظلت Dönhoff تمد الجريدة بمقالاتها السياسية حتى وفاتها، وتملأ هذه المقالات نحو 30 ملفاً ضخماً في أرشيف الصحيفة، اختارت "Die Zeit" أهمها ونشرتها في الذكرى 90 لمولدها عام 1999م. المستشار الأسبق "Helmut Schmidt" تنبأ أن Dönhoff " سوف تكون إحدى القلائل من الصحافيين الذين سوف يبقون في الذاكرة. في كل مقالة من مقالاتها الصحافية كانت تدفع آلافاً من الألمان لقراءة ما تكتبه والتمعن فيه. وكان لما تكتبه صدى واسعاً للغاية، سيما لدى القيادة السياسية في ألمانيا. إني كنت أقرأ مقالاتها دائماً، سواء عندما كنت وزيراً للدفاع أو للمالية أو رئيساً للحكومة".
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |