استراتيجية الفكر القومي الكوردي

 

عبد الرحمن آلوجي

renas550@gmail.com

"محاورة الفكر و الرأي الآخر"

في مجمل التوجهات والدراسات والأبحاث والنشاطات القومية في سوريا والحراك السياسي، تتركز الأمور حول محورين أساسيين : 1- محور الداخل الكوردي وما يستوجبه من لم الشمل، وجمع الكلمة وتوحيد الخطاب – برفض واقع التشتت وظواهره الخطيرة، وإعادة صياغة وترتيب البيت الكوردي – من خلال تشكيل قوة ضاغطة تضع الحركة والنخبة أمام خيار استراتيجي، لا بد من ترتيب معالمه، والتأسيس لحالة الحد المطلوب والملح في إعادة الثقة إلى الصف الكوردي الشتيت والممزق، والداخل في خانة التمحور حول الذات الحزبية، واجترار الرؤية الذاتية القاصرة، والولوج إلى دوامة صراع لم يعد مجديا ولا مقبولا، مع تفاقم حالة تضخم الذات والانكفاء – في تراجع مبين – حول الهموم والطموحات القيادية الفردية، وانهياراتها، بحكم التقوقع وادعاء العظمة الموهومة، والرؤى المجنحة المتماهية حول " أنوات فضفاضة " إن صح التعبير, مما يعجل بضرورة معالجة هذه الظاهرة المتفشية، مع ما يرافقها من حالة التبجح وادعاء اتساع الأفق واتهام الآخرين بالقصور، والفردية الآسرة، والمحكومة بعلات الوسط والجوار الإقليمي، الذي يعزز مفهوم الفردية والقائد المحور، والتبعية، ومفهوم الغوغائية والطوباوية البائسة، وما يتبع ذلك من تستر وراء الألقاب والمحاور واصطناع الأطر غير الفاعلة، سترا للنواقص والعيوب، وإخفاء للحالة الميدانية المزرية والتراجع التنظيمي والعزلة الأشد في حال البقاء في دائرة الوهم، وعدم الخروج إلى فضاء المكاشفة والشفافية والمصارحة، والبدء بعمل ميداني جاد يحقق الحد اللازم للتوافق من أجل معالجة التردي الحاصل والتراجع القائم، وهو ما ركزنا عليه، واهتمت به مختلف الدراسات المنشورة والمنتشرة في الصحافة المقروءة والالكترونية، وما حرضت عليه الأقلام الجادة والملتزمة، وما نريد التأكيد على ضرورة أن يكون ذلك مقدمة للمحور الثاني، والذي يشكل مفصلا أساسيا للنضال .

2- المحور الثاني ( محور الرأي الآخر ): أو الفكر الآخر، والذي يتجلى في مخاطبة عقول وأفهام الآخرين، إذ أننا نعيش في محيط محلي وإقليمي ودولي، واقعا ومواكبة وتطورات لاحقة ومتواصلة، هذا الواقع الذي ينبغي أن نحسن رصده وفهمه، كما ينبغي أن يفهمنا، ويدرك همومنا وطموحاتنا وتطلعاتنا ككتلة بشرية واضحة الحضور، ويتفهم قيمنا ومثلنا العليا، وما نريده منهم، وما نلقاه من عنت ومعاناة، وما ينبغي أن تكون حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية في ضوء ممارسات تعاندها، وتبعدها عن قيم المواطنة الحقة واستحقاقاتها الدستورية، وأسس وقواعد العدل والمساواة ورفض كل قيم ومعايير التمييز والإذلال والاستعلاء ونبذ الآخرين ، مقابل ما هو  كائن من سماحة ويسر القوانين والنظم الوضعية والقيم السماوية وشرائعها، وما نطمح إليه من وضع إنساني مشروع لا يمكن أن يتحقق، ما لم يدرك الآخرون نداءاتنا، ويصغوا إلى أصواتنا، ويقفوا على الاغتراب الذي نعيشه مع الدعوة إلى الحوار والتفاهم ومناقشة ما نذهب إليه وما ندعيه، وما نقدمه من أدلة ووقائع حية على مستوى رفيع من الطرح أفرادا : كتابا وباحثين ونشطاء، وهيئات حقوقية ومدنية، وأطرافا سياسية، تتعاور في الدعوة إلى التأكيد على منطق المساواة والعدل والإخاء بين مكونات المنطقة وشعوبها الأساسية كردا وعربا وفرسا وتركا وأفغانا وأمازيغ، مما لا يمكن بحال من الأحوال تجاوز وجودها ودورها التاريخي والكفاحي والحضاري، كما يمكن لقيم الرفض والتجاهل ومحاولات السحق والتذويب والاستعلاء القومي أن تجد سبيلها إلى النجاعة والقبول أولا، ولا إلى منطق الواقع والتاريخ الإنساني ثانيا، ولا إلى إذعان أي شعب – مهما بلغت محنته – لمثل هذا الرفض والإنكار ثالثا، بالإضافة إلى ما بين أيدينا من تجارب مريرة في عهود التتريك التاريخية القريبة في الولايات العثمانية، ومحاولات النظام العراقي في إقليم كردستان، وما كان لسياسة الأرض المحروقة في الجزائر على يد الجنرال الفرنسي " بوجو " وفي أقاليم الباسك والبلقان والجبل الأسود ودارفور من مجازر وانتهاكات للقانون الدولي ومحاولات الإبادة الجماعية التي ارتدت على الجلادين، وبقيت الشعوب قائمة تشمخ بحرياتها وكرامتها ووجودها الحي والمتحرك والذي يزداد قوة وحضورا، وتعلو بقاماتها السامقة على كل أسلحة وقوى الفناء والتدمير، مما يقرب إلى الأذهان النيرة والعقول التي تتلقى عبر التاريخ وتؤمن بدروسه، وترقى إلى فهم وقائعه ألا تخرج رؤوسها من التاريخ، وألا تغتر بما تملك من حريات وقوى وإمكانات لتسخرها في غير إرادة الحياة والكرامة للآخرين, وكان إلى عهد قريب ولا يزال من أشد منها قوة وبأسا، وقد غبر مثلها على مدى الدهور من عمر الأرض جناتا، وفجروا عيونا فغبروا ونسيهم التاريخ, كأن لم يغنوا بالأمس، وهو  مما يشكل محورا أساسيا لخطاب الخارج، وضرورة التلاقي الإنساني، والتواصل الوجداني مع محنة الآخرين وعذابهم وقهرهم وإذلال كرامتهم وتجويعهم، وممارسة الاستثناء بحقهم، وجعلهم في دائرة الاتهام والتخوين من غير جرائر سوى حس وطني رفيع، وشعور يقظ بكل واجب، واندفاع غير منظور في الملمات والمحن كما هو تاريخ الكورد العريق،  هذا الخطاب الواضح  من أكبر تطلعاتنا ومهامنا، وأسس فكرنا الاستراتيجي الداعي إلى ضرورة إقناع الآخرين، ومخاطبة عقولهم وضمائرهم بما هو كائن حقا، ونقل تصورنا الحي دون مواربة أو مداورة أو لف وتزويق، أو حذر إلا من مراقبة لضمائرنا ،و واجب إخراج القضية الكوردية من حالة الجدر المغلقة، وفتح منافذ البصر والبصيرة على حقها العادل، وهو محور أساسي من محاورنا النضالية التي نساهم فيها، ونسعى بكل ما أوتينا من قوة الإقناع أن نجعلها نصب أعينا،حوارا جادا آنيا ومستقبلا، ودون هوادة حتى يتبين الحق، وتتيقظ الضمائر، ويدرك الآخرون أننا نؤمن بالحياة الحرة لأنفسنا وللناس جميعا، لنجعل من الخير خيرا لنا وللآخرين، ونتجنب الوقوع في مثالب الظلم والإثم والخطيئة للآخرين، حينما نكرهها لأنفسنا، فندرك بشاعة الإبادة والتذويب والتهجير والتعذيب إذا كرهناها لأنفسنا، فيما يمكن أن يكون الميزان سليما والموزون في إطار مكيال واحد لا أكثر، ولا أبعد عن القسطاس المستقيم .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com