|
فوق أشلاء الثلاثاء تبدأ الجولة الأخيرة من المنازلة الانتخابية الحمراء
حسين الحسيني *رئيس تحرير "اتجاهات حرة" لم يزل باعة الوهم وتجّار السياسة في العراق يزايدون على جراح شعب الثورات والانتفاضات والانقلابات والحروب، والذي بات منهكاً هذا اليوم أكثر من أي وقت مضى، في معركته الأشرس التي يخوضها ضده "الأخوة الأعداء"، مستغلين طيبته وكرمه وسخائه حتى بتقديم دمائه رخيصةً، عرفاناً منه بالانتماء للأرض وقرباناً للحرية تارة وللسلام تارة أخرى ولدرء المفاسد والمخاطر حتى تتبين له خيوط الفجر الذهبي، فجينات سومر لم تتقاعس حتى هذه اللحظة عن مغازلة الغبش، سواء كان ملوناً بالدم أم مبشِّراً بالعاصفة ! كسابقاتها سوف تمر تفجيرات يوم أمس الثلاثاء 8-12-2009، كمقطورة محملة بلعب الموت لتلتحق بعربتي الأربعاء والأحد وما سبقهما خلال السنوات الأخيرة التي تلت "التحرير- الغزو- الاحتلال". الدلائل تجاه لا مبالاة الساسة العراقيين باتت ثوابت غير قابلة لإثبات العكس، فلا أحد جلس في سرادق الشهداء وأخذ العزاء بإخوته الذين سقطوا كنتيجة مباشرة لمسميات تراوحت معانيها ما بين التقصير والإهمال والترهل والخيانة في بعض الأحيان. المسؤول المنتشي بفتوحاته حين ميسرة، هونفسه المتملّص حين تنكَّس الرايات ويتعالى صوت العويل، لتطغى شراهة اللونين الأحمر والأسود في سارية البلاد ولا يبقى من البياض غير أكفان للموتى وعبارة "الله اكبر" بخطها الكوفي الجديد شاهدة على الكبرياء الجريحة، تلك التي لا تليق إلا بفُرسان روايات السلف الصالح! بدأت ردود فعل المسؤولين تستجيب لضغوطات الصحافة الحرة وأصوات الجماهير الغاضبة التي بات يسمع أزيز غليانها ضد السلطة والفساد، فها هورئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة، يصدر أمراً ديوانياً بإقالة قائد عمليات بغداد الفريق أول ركن عبود كنبر ونقله إلى منصب معاون رئيس أركان الجيش للعمليات وتعيين الفريق الركن احمد هاشم سلطان بمنصب قائد عمليات بغداد، بعد أن ركزت التقارير الصحفية والإعلامية خلال الفترة الماضية من حملتها ضد قيادة عمليات بغداد وتحمليها المسؤولية المباشرة، لتقصيرها وإهمالها في الحفاظ على الأمن داخل العاصمة بغداد. كما بات واضحاً تأثير الصحافة على ذائقة المسؤولين، خاصة بعد الكتابات والمقالات المكثفة والموجهة ضد رجالات الحكومة في بغداد ومطالبتهم الكف عن إصدار بيانات التنديد والاستنكار والتعزية الباهتة، بعد كل عملية إرهابية يسقط فيها المئات بين قتيل وجريح، حتى أصبحت الموضة الدارجة الآن بعد كل انفجار تتمثل بتراشق الاتهامات والتلويح بتفجير الاحتياطي من المستور، والقذف بكرة المسؤولية والتقصير تجاه هدف الخصم الانتخابي الأبرز، ومع أن هذه "الصرعة" الجديدة تبدوخليعة وغير محببة ولا تتناسب مع العرف الاجتماعي العراقي، إلا أنها استجابة محسوسة لصالح "صاحبة الجلالة" وخطوة نحوالتغيير! ورب سائل يقول: هل أن إقالة "كنبر" من قبل المالكي، جاءت للتقليل من غليان الشارع والتملّص من ضغط السلطة الرابعة، أم إن حقيقة الأمر تتمثل بإرضاء وزير الداخلية العراقي جواد البولاني، بعد تهديدات الأخير بكشف المستور داخل قبة البرلمان خلال جلسة اشترط بان تكون علنية! عين السخط تبدي مساوئ البولاني وعين الرضا كليلةٌ عن المالكي والوائلي لم يغير أعضاء حزب الدعوة وقائمة "ائتلاف دولة القانون" من تكتيكهم في حرب التصريحات الإعلامية، فبعد تفجيرات الأحد الماضية صدح محافظ بغداد ومجلسه، مطالبين بإقالة وزير الداخلية البولاني، ويتكرر نفس الحال اليوم بعد تفجيرات الثلاثاء، ولكن على لسان السيدة صفية السهيل القيادية في قائمة رئيس الوزراء نوري المالكي، التي طالبت بإقالة البولاني، متهمة إياه بالتقصير في أداء واجبه الأمني والانشغال بحملته الانتخابية، مستندة على نفس المسببات القائلة بعدم جواز ممارسة المسؤول الأمني لأي نشاط سياسي. السيدة السهيل بكل تأكيد لم تنظر إلى زميلها في ائتلاف دولة القانون السيد شيروان الوائلي وزير الأمن الوطني، رأس تلك المؤسسة غير الدستورية والذي يعتبر من أهم قياديي حزب الدعوة وكذلك الحال مع القائد العام للقوات المسلحة كمثال أبرز والذي يشغل في الوقت نفسه زعامة حزب الدعوة الإسلامية، مسجلة بذلك نقطة ضد شفافية الموقف، ونقطة لصالح قائمتها التي يبدوأنها بدأت حملتها الإعلامية مبكراً ضد قائمة "ائتلاف وحدة العراق" التي لم يخرج أحد من قيادييها بتصريح مؤازر لموقف رئيسها البولاني حتى هذه اللحظة ! لكن وزير الداخلية يبدوعليه بأنه سيخلع معطف هدوءه ويضرب الطاولة بملفات لمّح عنها مكتبه، بالقول "أن الوزارة تملك معلومات وملفات عن تحركات بعض الأحزاب والجهات السياسية المتطورة في أعمال العنف وتنفيذ أجندات دولية وإقليمية في العراق" ، مؤكدا استعداده للحضور أمام البرلمان وعقد جلسة علنية لعرض هذه الملفات أمام أعضاء البرلمان وأبناء الشعب العراقي لمعرفة من المتسبب بأعمال العنف والإرهاب ومن تلك الجهات التي تدعم المجاميع الإرهابية ". وبين أن جهاز استخبارات وزارة الداخلية كان قد ابلغ قيادة بغداد بمعلومات عن تهيؤ إرهابيين لتفجير مناطق مختارة من بغداد، مؤكداً أن "عمليات بغداد" هي المسؤولة عن أمن العاصمة ووزارة الداخلية تنحصر مسؤوليتها بتقديم الدعم اللوجستي فحسب. المالكي بدوره استجاب بسرعةٍ لتهديدات البولاني، وقال في كلمة متلفزة وجهها إلى العراقيين الأربعاء 9-12-2009 "أن هذا الهيكل إذا سقط فسوف يسقط على الجميع ولن تستفيد كتلة وقائمة انتخابية" على حد تعبيره، محذراً مما اسماه " مغبة استغلال التداعيات الأمنية". وباتت ردود أفعال البرلمانيين والمسؤولين العراقيين تجاه منتقديهم توصف بغير المتزنة وكثيراً ما تحمل في جعبتها نفس الإجابة المجانية الجاهزة "إنها مجرد دعاية انتخابية"، حتى أن "فزّة" البعض تجاه الانتقادات أصبحت علامة فارقة تدل على درجة الإعاقة في استيعاب الضغوط مع بداية النهاية ونفاذ الوقت دون لمح بارقة أمل نحوضمان الكرسي الذي من خلاله سيحكم عراق ما بعد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وتهجم أسراب من جراد الأسئلة على رؤوس العراقيين، لتقضي على ما تبقى لهم من سكينة خضراء، ولسان حال حقول تأملاتهم يقول: هل يكتفي المالكي بإقالة كنبر بعد أن هدد بإقالة البولاني معه؟ وهل تكتفي أُسر الضحايا ومحبيهم وذويهم من أبناء الشعب بإقالة كنبر من منصبه وإسناد منصب آخر له لا يقل أهمية عن الأول؟ هل من حق رئيس الوزراء منع وزير الداخلية من عرض ملفات تثبت تورط جهات سياسية بالموضوع؟ وهل سيَقدم وزير الداخلية على الإفصاح عن الجهات المتورطة دون استجواب البرلمان ودون أخذ الإذن من رئيسه المباشر السيد المالكي؟ يبدوأن بُصيلات المنافسة الانتخابية التي تم زرعها بعد حرث الأرض بالتفجيرات الأخيرة، ستزهر قريباً بوجوه لا تشبه إلا نفسها ولا تفوح منها غير رائحة المصالح الحزبية الضيقة، في الوقت الذي تظل فيه الجرّافات مُجدةً في كشط بقايا الأشلاء من على أرصفة الحزن الوطني !
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |