الحبوبي " هامشيا " و" كارثيا " في مهرجانه الشعاري الرابع؟!

 

عدنان طعمه ألشطري

adnan_tumma@hotmail.com

انطلقت ما بعد رابعة نهار الناصرية فعاليات مهرجان "الحبوبي" الإبداعي الرابع الذي مثل واجهة مهرجانية دعائية أو ربما " انتخابية " احتفت بالشعار على حساب المعنى والهتاف الساذج على حساب التاصيل الواعي والبساطة في دورة البرامج التي تبنت أفق تقليدي مدرسي غايته إسقاط " الواجب الاحتفالي " دون سائر عناصر الابداع المهرجانية .

في البدء ولما شاهدت الجمهور الإبداعي وغير الإبداعي المتجمع أمام باب مبنى بهو بلدية الناصرية كنت أظن إن الهيئة التنظيمية و"الجمهور الابداعي" كان ينتظر (المارد الكهربائي) الذي ينير قاعة الاحتفال المطفئة وان المفردة الإبداعية المهرجانية ما انفكت حبيسة في صدرها الاحتفالي في ظل الظلمة التي يغرق فيها المكان وان الحضور قد استبد بهم المكان في انتظار الطاقة الكهربائية المقطوعة، إلا إني فوجئت إن هذا " الجمهور الإبداعي " كان ينتظر ويترقب إطلالة " المسؤول " البهية عليه وأبصار هذا الجمهور كانت شاخصة وتختلس النظر هنا وهناك لرؤية السيارات الشرطوية المدججة بالسلاح التي توفر الحماية اللازمة للمسؤول والدالة على وصول "السيد المسؤول" .. والاحتفاء الإبداعي الأول يجب أن يكون "بالمسؤول"، وليس للإبداع الحسي الشعري صدى إبداعيا إلا برضاء "بالمسؤول" وليس لله صدى في كلماته التامات إلا على لسان الحاكم والمسؤول، ولاتفلح غاية وهدفا إلا إذا ربت على ظهرها المسؤول .. ولا اعني هنا بالمسؤول السيد طالب الحسن محافظ ذي قار الذي أكن له الاحترام الجم والتقدير العالي، ولكن اعني الهيئة المنظمة للمهرجان التي استعادت وبامتياز تقاليد الحكم السابق الاحتفالية التي قرنت وبسابق إصرار كل قنوات الإبداع المهرجانية بالمسؤول وربطت كل نواحي الحياة المهرجانية بالراس القيادي .

كنت وثلة من مبدعي المدينة ننتظر إبداعا احتفاليا يوازي نسبيا تاريخ هذه المحافظة وخارطتها الإبداعية المميزة على مر المراحل التاريخية إلا إن صوت هذا المهرجان بدا شحيحا وباهتا في أول لحظاته المهرجانية واجتر أجواء " المهرجانات الباهتة " التي تقيمها الأحزاب والحركات السياسية التي تحتفي بنفسها وايديلوجيتها احتفاءا شعاراتيا فضفاضا وتعبيرا هتافيا لأيديولوجيتها السياسية المغلقة .

الحقيقة التي لا مفر منها إن قاعة بهو البلدية في هذا المهرجان قد خلت من النصوص الشعرية التي تستفز وعينا الشعري وذاكرة المتلقي وتناهت إلى إسماعنا قصائد ونصوص سبق وان اصخنا السمع إليها في مناسبات شعرية أخرى، مرارا وتكرارا، واطلعنا عليها في الصحف الورقية والاكترونية، وبذلك تكون إدارة المهرجان قد أسقطت " اعتبار المغايرة " و"اعتبار السبق الشعري"  و"اعتبار التسجيل الإبداعي الأول" ومرد ذلك حسب اعتقادي إن الأدباء المدعوين للمهرجان قد خضعت عملية دعوتهم إلى "المزاج الشخصي" لبعض منظمي المهرجان وهم ذات الأسماء التي يتم دعوتها بين الحين والآخر وليس لي اعتراض أو موقف على أية منهم، فهم أسماء مهمة وجد مهمة في الوسط الإبداعي العراقي، لكن السياق الاحتكاري لأسماء ومسميات معينة وفق الأمزجة الشخصية المحضة يفقد المهرجان متعة التنوير بأسماء إبداعية أخر لاتقل أهميتها عن الأسماء التي حضرت فضلا عن هذه الاحتكارية قد أفقدت المهرجان "موقف التأصيل" بنصوص شعرية جديدة تنطلق من هذا المهرجان ...

إضافة والخطيئة التي وقع فيها "المنظم المهرجاني" لاحتفالية الحبوبي هذه، وذلك بإفراغه عن "التقليد الجديد المغاير" حيث اغرق المهرجان عن عمد أو غير عمد بالسياقات الكلاسيكية (القديمة) التي نأت عنها حتى الاحتفالات المدرسية التقليدية التي تمرد بعضها وضمن أنشطتها المدرسية عن عناصر التقليد المكرورة، فظهر هذا المهرجان ببرامج احتفالية مستهلكة، بل إن هذا الاستهلاك الاحتفالي قد جاء بشكل مقرف أحيانا !!

أن الأجواء الباهتة لهذا المهرجان (وأصر على كلمة الباهتة) قد اقترنت "بهستيريا الشعار" وعلى حساب "المعنى الواعي" وكأنه احتفال عشائري يضج بهوسات "العكل" المتقافزة كالقطط تبعا للشحنات التعبيرية الساذجة لصاحب الهوسات، وعليه فان إطلاق مثل هكذا مهرجان وبهذا الشكل الدرامي البسيط هو استهانة لذائقة المدينة الإبداعية وهواجسها المعرفية المدمرة التي يحسب لها حساب على الخريطة الإبداعية العراقية .

المفارقة في أجواء هذا المهرجان اللاابداعية هي انها قد التصقت برمز آخر غير " الحبوبي " شاعرا وثائرا، وسدرت مفردات المهرجان برموز وعوالم ذائقة "المنظم المهرجاني"، فلم ير صورة أو نص شعري للحبوبي أو أقصوصة ورقية صغيرة تروي لمحات عن هذه الشخصية او ذكر ببلوغرافيا "الحبوبي" الإبداعية والوطنية، لذلك فان رمزية هذا المهرجان قد أسقطت برموز "المنظم المهرجاني" واعتباراته المهرجانية.

الحبوبي قد هبط حزينا وبدا غريبا وغائبا عن المهرجان لان ذاكرة مبدعي المدينة و " المنظم المهرجاني " قد اختزن الحبوبي كاسم شارع رئيس  من شوارع الناصرية واحد أمكنة الفراغ الذائع الصيت في وسطية المدينة المكانية، وكان حري لمنظمي المهرجان أن تؤسس لمهرجان يظهر بتسمية تاريخية أخرى ورمز إبداعي آخر يلتصق مبدعي المدينة بأثره الإبداعي والاستفادة من تاريخية المدينة الضاربة في عمق الحضارات بتحقيق منجز (تسموي) آخر، واعتقد انه من المؤسف حقا أن لايحفظ أي احد من منظمي المهرجان بيت شعري للحبوبي ولم ينطق ( عريف الحفل) حتى شطر واحد من أبياته الشعرية .

خواء المهرجان من التأصيل الإبداعي والوعي المهرجاني الناضج له مايبرره راهنا في ظل وجود ذائقة إنسانية مهيمنة ما انفكت تؤمن "بقداسة التاريخ" و"التابو الفردي المقدس" و"العنصر الفوقي المعبود" دون سائر المخلوقات الاخرى .. وقداسة الحبوبي اصبحت فوق كل القدسيات مهرجانيا بل هو قدس اقداس الخارطة الشعرية للمدينة ودون ان يعوا وينتبهوا ان شعرية الحبوبي ساذجة إزاء المفكرة المعرفية لمبدعي المدينة الحاليين الذين أنتجوا إبداع حرفي رصين حازوا من خلاله على جوائز عربية وعراقية .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com