هل يمكن فك التناقض مع غياب الشريك المقابل في القضية الكودية في تركيا ؟؟!

 

بقلم عبدالرحمن آلوجي 

renas550@gmail.com

القضية الكوردية في تركيا من القضايا المثيرة والعالقة والكبيرة لكل محلل وسياسي مهتم ومتابع لقضايا الشرق الأوسط، كما أنها تشكل عصبا رئيسيا في الكيان الكوردي غير المتحقق، والمطروح وفق صيغ ومعايير متعددة – وفي إطار حقوق الإنسان وتطورات القضية على الساحتين الدولية والإقليمية _، وهي تمثل نطاقا حيويا، ومحورا مركزيا قابلا للتمدد والانطلاق وترتيب الوضع السياسي والأمني، والمتمثل في ضرورة تعايش الشعوب الجارة والشريكة تاريخيا وجغرافي، عربا وكردا وفرسا وتركا، إذ لابد من حل جذري وعادل ومتكافئ للقضايا العالقة، وحسم الصراع – وفق عنوان الشراكة العادلة -، ومن خلال المعايير والقيم التي سوف يقرها ويرتضيها المجتمع الدولي – بهيئاته ومنظماته ولوائحه الحقوقية ومقاييسه السياسية – انطلاقا من التفاهمات ونقاط التلاقي، مع نبذ منطق العنف وسياسة المناورة، والمحاولات القمعية البائسة وردودها العنيفة والمعاكسة، مع تنامي الوعي السياسي، وتبلور القضاي، وتكشف ما كان مستغلقا وغامضا، بتنامي تطور قضايا الشعوب مع ثورة الاتصالات، وقفزة العلم الهائلة، ووضوح النطق الدولية والإقليمية، في أعقاب الحرب الباردة، وانعتاق كثير من الشعوب من ربقة الاستبداد والدكتاتورية، وبروز تحديات جديدة، أفرزت توجهات وقيما، جعلت ماضي القمع والقتل والإبادة ومحاولات التذويب وراءها، منبوذة ومعراة من كل قيمية علمية وأخلاقية .

والقضية الكوردية في تركيا  - على مركزيتها ومحوريتها للكورد، وعلى أهميتها في المنطقة – تعد من القضايا التاريخية الكبرى التي اختلف فيها الكورد من خلال ثوراتهم وانتفاضاتهم مع الترك من خلال العثمانيين والعلمانيين منذ القرن التاسع عشر من الميلاد، ممن أداروا ظهورهم لحقيقة الوجود التاريخي الراسخ لأمة تجذرت في التاريخ وعاشت على أرضها قبل وجود الترك في المنطقة منذ آلاف من السنين عددا، فهي لا تحتمل جدلا دستوريا وتاريخيا وإنسانيا، وعلى مستوى الشراكة الكفاحية مذ وحد الإسلام – بقيمه وتعاليمه – شعوب المنطقة – ليتفرقوا ويتحاربوا مع سيطرة المصالح القومية وصراعاتها الدامية على عقولهم، لنجر إلى حروب دامية وعنف متبادل، منذ قرون، لا يمكن حسمه، وفك عقده

إلا بمنطق التفاهم والتعايش والحوار العقلاني الذي تحترم فيه معايير الجغرافي والتاريخ والعلاقات المتوائمة والمتوافقة والمتعادلة بين الشعوب، بعيدا عن منطق القمع والعنف، أو المناورة وكسب الوقت الضائع واللعب بالأمزجة والعواطف، ومحاولة إقناع الآخرين بأساليب، بات استثماره مضيعة لا طائل تحته، في وقت تشتد فيه المطالبة بحق الشعوب، وضرورة احترامها كمدخل طبيعي إلى العالم المتقدم، والدخول في صلب قضاياها لرفع سوية الإنسان والإقرار بحقوقه، وفق المعايير الدولية، وترك مفاهيم طوباوية واهمة من الهيمنة والاستعلاء والتبجح العرقي والنزعات القومية المتطرفة، البعيدة عن المقاييس المقررة، والقوانين والتشريعات المعتمدة، والتي يقاس إليها مدى استعداد أي مجتمع للانفتاح والتحرر من عقد التفوق العرقي وادعاءاته الباطلة والآثمة، مقابل تصور الآخرين في موقف التبعية والقصور، وهو من أكبر عقد مجتمعات الشرق الأوسط التي لم ترق إلى حل قضاياها الوطنية العالقة، ومنها تركيا في ظل المراوحة والوعود ومحاولة الانفتاح المترددة والمتأرجحة إزاء أكبر وأهم قضية وطنية لشعب يمتد من ماردين إلى أررات، لما يناهز عشرين مليونا من الكورد .

لقد غدا طرح القضية الكوردية في هذه البقعة الخصبة والمتصلة والمترامية الأطراف كأجمل بقاع الدنيا إلى جبال الأمانوس وسلاسل زاغروس، لا تكاد تفصلها حدود طبيعية، إلا بحكم تحولات الوقائع التاريخية والسياسية الفاصلة، والتي يمكن للدراسات الأكاديمية والعلمية الجادة أن تقف عليها بدقة ومنهجية لا تسطرها السياسة، ولا تقر بها تطورات الخرائط الإقلمية، إلا وفق معايير جديدة من شأنها أن تتداول أوضاع أمة مجزأة وممزقة، مما يمكن لهذه التصورات أن تنالها، ليكون شأن القضية الكوردية في تركيا الآن شأنا داخليا بالدرجة الأولى، إلى جانب ما تستحقه من عناء وجهد للتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان وقضايا الشعوب، ومستلزمات العدالة بالحوار والتفاهم ونبذ العنف، وهو ما كان متوقعا مع بشائر مناداة حكومة أردوغان بحل القضية الكوردية، وإبداء اعتراف بواقع وجود شعب كوردي في تركيا له تميزه ووضوحه وثقافته، وما قامت به ميدانيا من خطوات عملية في خدمة اللغة الكوردية والثقافة هذه والاعتراف الأولي بهما، وما كان متوقعا مع الدفع باتجاه تعزيز وبلورة الاتجاه نحو تعميق هذا الخط، وإشراك البرلمان فيه، ودفع المعارضة إلى تبنيه، وما كان من تشجيع خطوة اللقاء بالسيد أحمد ترك، وتحرك وفود السلام من معاقلهم واعتصاماتهم، وتشجيع من المجتمع الدولي، إلا أن نبرة الاعتراض والتذمر من مدنيين وعسكريين قوميين متشددين، وفي مقدمتهم دينيز بايكال مسؤول حزب الشعب المتطرف، وبهجت بهجلي رئيس الحزب القومي الأشد تطرفا، ومن يقف خلفهم من الكماليين الداعين إلى رفض أي انفتاح على أكبر قضية تعاني منها البلاد منذ القرن التاسع عشر في الانتفاضات والثورات الكوردية المتواصلة.. والتي لم يخمد أوارها من عهود العثمانيين والعلمانيين إلى يومنا هذا، علما أن المبررات الحقيقية التي أعلنها أردوغان في ( ضرورة حقن الدماء – بعد سقوط عشرات الألوف جراء صراع ربع القرن الأخير بين الكورد والترك -، والوصول إلى حل عادل لشعب آمن بتميزه ووجوده ..) علما أن هذه المبررات تقر ضمنا بوجوب وقف كل أشكال العنف والعنف المضاد، مما يعني ضمنا بضرورة التفاوض مع حملة السلاح، وهو ما أدركه حزب العمال الكردستاني ألذي أرسل وفود السلام، وهو ما أكد عليه القادة والكتاب والسياسيون الكورد ومنهم حزب المجتمع الديمقراطي وجماهير الشعب الكوردي ونخبته، وما أعلنه الرئيس مسعود البارزاني، الذي كان قد رحب بخطوة يمكن أن يتقدم بها حزب العمال قبل أشهر من خطوته السلمية حينما صرح لوكالات الأنباء ( لن يوصف حزب العمال بالإرهاب إن هو جنح للسلام، وقبل الهدنة، على أن تعلن السلطات التركية الهدنة أيضا، كما صرح بعد ذلك بضرورة أن يلجأ حزب العمال إلى مبادرة سلمية بوضع السلاح جانبا . )، وهو ما حاولهذا الحزب إبداء ملامحه وتطبيق بنوده، من خلال عودة المقاتلين رمزيا من مواقعهم، في لقاء جماهيري حافل في دياربكر ومدن كردية أخرى، ليشكل ذلك ذريعة للمتطرفين الذين تنادوا إلى حظر حزب المجتمع الديمقراطي لربطه بمساندة إرهاب، من أولئك الساعين إلى حسن النوايا، فكان عقد المحكمة الدستورية العليا وحظر الحزب المذكور، ومنع نشاط قادته وهو ما استنكره الاتحاد الأوربي والولايات المتحدة، مما يعد خطوة تراجعية واضحة، وإرباكا حقيقيا لدعاة الحل والساعين إلى حقن الدماء والدموع فعلا، ليطرح السؤال العريض و المشروع نفسه، إذا كانت الحكومة عازمة وجادة في حل هذه المضلة الدامية والمستعصية فمن هو الشريك المفاوض والمقابل ؟؟! ومن المؤهل لحقن الدماء ووضع حد للقتال ؟؟! وهل تكفي إصلاحات جزئية لمعالجة قضية شعب كامل يؤمن بالسلم والحوار وحسن الجوار ؟؟! وهل هناك من مدخل فعلي تلج فيه تركيا العلمانية – الإسلامية، غير هذه البوابة،فتجد طريقا في إلحاح كبير إلى الاتحاد الأوربي، بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان، وقضية شعب قارب في الاعتراف به ؟؟! لاسيما أنها تريد أن تكون لاعبا إقليميا بارزا في قضايا المنطقة ومنها الصراع العربي الإسرائلي؟؟! الأجوبة المقنعة رهن بالوضع التركي وتعقيداته وتناقضات مختلف التصورات، وهو المطالب قبل غيره بفك عقدها !!. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com