|
التعليم العالي والدولة العراقية
ناصر سعيد تجمع التدريسيين الجامعيين يفترض ان يكون للمحيط الاكاديمي الدور الكبير في التحول الديمقراطي لمجتمعنا العراقي، فالديمقراطية كمنهج وثقافة وادبيات لم تكن مألوفة لا فكرا ولا ممارسة لابناء مجتمعنا بجميع شرائحه واوساطه نتيجة هيمنة ثقافة الديكتاتورية على الدولة العراقية طوال خمسة عقود من الزمن اضافة الى تراثنا المشبع بالوان الديكتاتورية، ولهذه الاسباب كانت المهمة ثقيلة وجسيمة على عاتق المحيط الاكاديمي في هضم وتمثيل الديمقراطية للمجتمع باعتباره هو المسؤول الاول عن قيادة المجتمع فكريا وثقافيا ... ونتيجة الصراع الايدلوجي والحزبي للاحزاب والجهات السياسية كان السباق محموما في سبيل السيطرة على المحيط الاكاديمي الذي يأبى الا ان يكون فوق الانحياز لهذا الطرف او ذاك، وذلك لطبيعة ولاءه الى العلم والمعرفة التي تتجاوز اي أطار يحاول تقييدها والتضييق على حريتها ... وللأسف كان تعاطي الدولة العراقية مع ملف المحيط الاكاديمي اقرب الى السلبية والاستخفاف، مما انتج ذلك اقصاءا متعمدا او غير متعمد للطاقات العلمية والفكرية التي يؤمل منها ان تسرع من وتيرة التحول العراقي، بل تجاوزت الدولة الى سن قوانين واتخاذ اجراءات ساهمت وبشكل فعال في هدر واسع للعقول والكفاءات الاكاديمية ذات الخبرة الطويلة في مضمار التعليم العالي، وهذا ما لحظناه جليا في قانون الخدمة الجامعية المشرع عام 2008 والذي افضى الى طرد المئات من خيرة العقول الاكاديمية والتي كانت تقود المحيط الاكاديمي علميا وفكريا وثقافيا، وتعتبر هذه الخيرة من العقول حلقة التواصل التاريخية في بناء منظومة التعليم العالي باعرافها وتقاليدها الاكاديمية والمبنية على النظم القيمية للمجتمع العراقي، ويبدو ان خطوة اقصاءهم ستفضي بالضرورة الى ايجاد فجوة في التواصل التاريخي لبناء المنظومة الاكاديمية اعرافا وتقاليدا، مما يسمح هذا الفراغ الى ملئه من قبل الانماط الثقافية والقيمية الغربية وهذه ستكون ضربة كبيرة لما يسمى بالغزو الثقافي بحق نظمنا الاجتماعية، ويبدو ان عدم التفات المشرع العراقي لهذا الامر وعدم تلافيه سيؤدي بالنتيجة النهائية الى تغييب الهوية العراقية المنطلقة من تراث الشعب وسماته الاصيله . ومن هنا ندعو مجلس النواب العراقي وخصوصا لجنة التربية والتعليم الى عرض قانون الخدمة الجامعية على المحافل الاكاديمية في عموم العراق لغرض دراسة ابعاده واثاره المستقبلية على جميع المستويات العلمية والثقافية والفكرية والبناء الاجتماعي وغيرها من المستويات، ثم تقديم التوصيات النهائية الى لجنة التربية والتعليم ليتم نقاشها في مؤتمر عام من قبل المتخصصين والمهتمين، وبغير هذه الالية سيكون تعليمنا العالي ومحيطنا الاكاديمي ضحية السياسات والقرارات الارتجالية في شأن استتراتيجي لايقبل الاستعجال .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |