قانون الانتخابات المعدل غير عادل

 

رشاد الشلاه

rashadalshalah@yahoo.se

بعد أن اقر مجلس النواب قانون الانتخابات مع التعديلات عليه بجلسته في 6/12/2009، يكون قد أنهى سجالا صاخبا استغرق أربعة أشهر، تفرغ خلالها له نواب الكتل المتنافسة وقادة الدولة، ويا ليتهم كانوا بهذا الحماس وهم يناقشون ويقرون مشاريع القوانين الهامة الأخرى المكدسة لدى لجان المجلس، ويراقبون أداء الوزارات والمؤسسات الأمنية والخدمية، في الوقت الذي تتعمق فيه معاناة المواطن وحاجته إلى الخدمات الأساسية وتأمين أمنه وعيشه، ويستشري الفساد السياسي والإداري، ويتجذر سرطان التحاصص، وتسرح  أثناء وسط النهارات جحافل حمامات الدم في شوارع وأسواق ومنشأات بغداد .  

لقد كان "انجاز" تشريع هذا القانون بالضد من طموح إرساء دعائم متينة تنظم قواعد الممارسة الانتخابية السليمة الضامنة لمشاركة أوسع في عملية إعادة بناء البلد،  وتجنب تعرضه لازمات سياسية لاحقة. فإذ اخذ القانون بمبدأ القوائم المفتوحة الذي يلبي طموحات المطالبة الشعبية بتحقيقه، إلا أن هذا القانون كرس ِبنيةٍ مسبقة وإصرار من مشرعيه، هوية التقسيم المناطقي والقومي والطائفي للمواطن، وإعلاءها على صفة الانتماء الوطني. وبصيغته وتعديلاته التي أقرت بمشورة وبمباركة أمريكية، قد أسس التجربة السياسية العراقية الحالية وفق النموذج اللبناني  الذي لا يشرف، والذي كان منذ الأربعينات وحتى اليوم في مقدمة أسباب تمزق هذا البلد أوصالا ودويلات متحكمة مرهونة بمصالح القوى الإقليمية والدولية. وإذا كانت جميع الكتل السياسية الحالية المتحكمة " تشكوا" من التدخل  السلبي الإقليمي والدولي بالشأن العراقي الداخلي، فان فترة تشريع هذا القانون شكلت ممرا رحبا لهذه التدخلات، وداعما امتداداتها العقائدية، ومرسخا مصالحها، في بلد متهالك ترى فيه دول الجوار الضالعة في إدمائه، عمقها الاستراتيجي!.

 وقراءة موضوعية لهذا القانون، تؤكد دون لبس، أن تفصيله وخياطته جاءتا تماما على مقاس الكتل السياسية الثلاث المهيمنة على البلد، مما يضمن لها استمرار هيمنتها التشريعية والتنفيذية في الأربع سنوات القادمة. وقد يكون منصفا القول بان هذه الكتل قد أبلت بلاء حسنا في الدفاع عن امتيازاتها وضمان بقائها في مركز التشريع  والتنفيذ الحكومي وهي تتابع المزاج الانتخابي العام وما تتوقعه من اهتزاز وتغيير في موازين القوى التي ستفرزها الانتخابات التشريعية في السابع من آذار العام 2010، تغيير قادم بسبب جملة عوامل منها التناحر الطائفي والقومي، وخيبة العراقيين من هذه الكتل، والتطور النسبي في وعيهم الانتخابي. أي أن هذا القانون هوقانون تحقيق مصالح وأهداف القوائم المتنفذة الحالية وبامتياز. لأن مضمون فقراته صريحة بالإشارة إلى أن الممارسة "الديمقراطية" التي يرسم ملامحها هذا القانون تضيق ذرعا بالتنوع السياسي والعقائدي والعرقي، وان لا فرصا مضمونة للقوائم والأحزاب والفئات الصغيرة. كما تفنن المشرعون عند صياغته في إبعاد أضيق الفرص لهذه الأحزاب في وصول ممثليها إلى مجلس النواب،  عبر مصادرة أصوات ناخبي الأحزاب والقوائم التي لم تصل إلى رقم القاسم الانتخابي المطلوب، مبررين بان هذه المصادرة "مشروعة" لأنها بمثابة مكافئة لهم لأنهم هم القوائم الكبيرة الفائزة!. وما على هذه الأحزاب والفئات الصغيرة إلا الانضمام تحت خيمة إحدى تلك القوائم. 

 إن كتبة ومشرعي قانون الانتخابات المعدل، يعيدون ذات الممارسة التي تعلموها من الحكم الدكتاتوري السابق، ممارسة قضت بان لا حياة لمن لا ينضوي تحت خيمة القائد الفرد الضرورة وحزبه الأوحد.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com