في ذكرى عاشوراء الحق والعدل والحرية والكرامة والتضحية:

الحسين (ع) .. الخروج للسلطة

 

نـزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

يفسر البعض حركة السبط الشهيد الامام الحسين بن علي بن ابي طالب بن فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) في عاشوراء عام 61 للهجرة، على انها (خروج على السلطة) والصحيح هي انها (خروج للسلطة) والفرق، كما هو واضح، كبير جدا، فالتفسير الاول يقصد منه الطعن بشرعية الحركة، اما الثاني فيعني بان الحركة تتمتع بالشرعية الذاتية، اي انها تحمل شرعيتها بذاتها وليس بعوامل خارجية او مساعدة.

 ولقد بثت السلطة الاموية الغاشمة، بعيد واقعة عاشوراء عام 61 للهجرة مباشرة، هذا التفسير بين الناس لاسقاط الشرعية عن حركة الامام وسلبها موقعها الرائد في نفوس الناس، باعتبارها حركة غير شرعية سعت الى الاطاحة بالنظام السياسي القائم، فوظفت من اجل ذلك كم هائل من الاحاديث المزورة وغير الصحيحة التي انبرى وعاظ السلاطين وفقهاء الجور الى وضعها ونسبتها الى رسول الله (ص) مقابل حفنة من الاموال او منصب دنيوي زائل.

 واستمر هذا النوع من التثقيف حتى شب عليه الطفل الرضيع ومات عليه العجوز والعجوزة.

 والغريب في الامر، ان هذا التفسير اضحى، بمرور الزمن، قاعدة فقهية عند الكثير من (العلماء والفقهاء) وعلى مر التاريخ والى يومنا هذا، يلجا اليه الطغاة والجبابرة والمستبدين من حكام الجور والظلم والظلال كلما سعت الشعوب الى ممارسة التغيير والتجديد في السلطة السياسية، وكأن الحكم الاموي الجائر تحول الى قاعدة فقهية عند امثال هؤلاء (الفقهاء) ليبرروا به ظلم الحكام الجبابرة، والقمع والسحق المنظم لحقوق الانسان والامتهان المستمر لكرامته المهدورة، والتي تمارسها الانظمة الجائرة ضد الشعوب المقهورة باسم الدين وباسم الاسلام.

 لقد ظل هذا النوع من التفسير والتثقيف، المبرر الاول لكل عملية استيلاء على السلطة بالاكراه والقوة، بعد ان تحولت السياسة عندهم الى عمل يخص من يطلقون عليه عبارة (الاصلح) وهو بمعنى الاستيلاء على السلطة بالقوة والمكر والخديعة، بعد ان احاطوا هذا المصطلح وامثاله بحشد من الاحاديث الاموية المكذوبة منها ما ترويه الصحاح عن رسول الله (ص) قوله {من راى من اميره شيئا فليصبر عليه فان من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية} ليغلقوا، بمثل هذا التنظير، كل الابواب التي قد تؤدي الى التغيير السياسي والقيام ضد حكام الجور والظلم.

 وهذا القاضي ابو يوسف صاحب الامام (ابي حنيفة) يقرر هذا المبدا في خطابه لـ (هارون الرشيد) العباسي، وهو الذي اعتلى السلطة بالقتل والفتك والتآمر، في مقدمة كتاب (الخراج) الذي الفه له، فيقول:

 يا امير المؤمنين، ان الله، وله الحمد، قد قلدك امرا عظيما، ثوابه اعظم الثواب وعقابه اشد العقاب، قلدك امر هذه الامة، وانت تبني لخلق كثير، ولاك امرهم، فلا تضيعن ما قلدك الله من امر هذه الامة والرعية، فاقم الحق فيما ولاك الله وقلدك، ولو ساعة من نهار، واني اوصيك يا امير المؤمنين بحفظ ما استحفظك الله، ورعاية ما استرعاك الله، وانما لك من عملك ما عملت فيمن ولاك الله امره، وعليك ما ضيعت منه، فلا تنس القيام بامر من ولاك الله امره.

 هذا النص يعني ان الخلافة عند (ابي يوسف) امر قلده الله للخليفة، وسلطة مكنه الله منها ليحكم بها عباده، وليس بعد ذلك كيف تقلدها أبالسيف ام بالتآمر ام بالقتل والفتك ام بالانقلاب العسكري، اذ ليس للامة دور في هذه السلطة.

 وبالعودة قليلا الى الوراء، نلحظ ان هذا الفهم توارثه (المسلمون) جيلا عن جيل حتى نصل الى الخليفة الثالث، الذي قال لمن طلب منه ان يستقيل من منصب الخلافة:

 لا انزع قميصا البسنيه الله عز وجل.

 ويقول ايضا:

 اما ان اتبرأ من خلافة الله، فالقتل احب الي من ذلك.

 الى هنا ليس في الامر غرابة، اذ ان من الطبيعي ان يلجا الطاغوت، اي طاغوت ومن حوله من جيوش وعاظ السلاطين وفقهاء البلاط واصحاب الاقلام الماجورة والضمائر الميتة، وما اكثرهم في كل زمان ومكان، الى تشويه سمعة الحركة الثورية التي تنشد التصحيح والاصلاح في البلاد، خوفا على سلطته من الانهيار والزوال.

 الا ان الذي يبعث على الدهشة والغرابة حقا، هو طريقة تفكير بعض ممن يذوب في الحسين عليه السلام وثورته وحركته واهدافه ومبادئه، والتي تدفعه الى عدم الاعتقاد بتفسير حركة الامام عليه السلام على انها (خروج للسلطة) على اعتبار ان مثل هذا التفسير يعطي معنى (طلب الامام للسلطة) وهذا ما يقلل من قيمة الامام ويخدش بعصمته ومكانته في قلوب المؤمنين، ولذلك يكفر امثال هؤلاء بمثل هذا التفسير والمنطق ليحفظوا للامام منزلته وقدسيته في قلوبهم، على حد زعمهم، ثم تراهم يلجأون الى التفسيرات الغيبية لمجمل واقعة عاشوراء هربا من اعمال، بكسر الالف، العقل والمنطق السليم في تفسير حركة الامام الحسين عليه السلام التفسير الصحيح والصائب والمعقول.

 انهم يرفضون اي تفسير (مادي) لحركة الامام الحسين عليه السلام، ويحصرون وعيهم بالغيب والعواطف فحسب، فيعتقدون بان الحسين السبط خرج للشهادة اولا واخيرا، وليس قبلها او بعدها اي خطط او رؤية كان الحسين عليه السلام قد تبناها من اجل التغييروالاصلاح.

 انهم يعتقدون ان (طلب السلطة) امر حرام في كل الاحوال، لا ينبغي لمثل الحسين السبط ان يرتكبه، او يتورط فيه، فالسلطة لأصحابها والامامة لاهلها.

 في هذا المقال، ساحاول ان اثبت بان حركة الامام الحسين عليه السلام كانت خروجا من اجل السلطة وليست خروجا على السلطة، بمعنى آخر، انها كانت خروجا شرعيا طلبا للسلطة وليست خروجا غير شرعيا على السلطة.

 وفي البدء، دعونا نطرح السؤال التالي، وهو، هل يحق لاحد ان يطلب السلطة؟ ام ان ذلك حرام لا يجوز شرعا؟.

 القران الكريم يجيب على هذا السؤال بالايجاب في قوله تعالى على لسان النبي يوسف الصديق عليه السلام {اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم} وكذلك في قوله عز وجل على لسان نبي الله سليمان عليه السلام {قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي انك انت الوهاب} كما يذكرها القرآن الكريم في قصة النبي داوود عليه السلام مع جالوت بقوله عز وجل {فهزموهم باذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين} وفي اخرى متحدثا عن عدة انبياء {اولئك الذين آتاهم الكتاب والحكم والنبوة فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} وفي قصة النبي يحيا {يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا} ما يعني ان طلب السلطة أو ممارستها ليس عيبا كما انه ليس عملا مشينا ابدا، شريطة ان يكون طالبها على قدر المسؤولية، خاصة عندما يكون مثل هذا الطلب لتحقيق العدل وانصاف المظلومين، اذ يكون في مثل هذه الحالة واجب شرعي على القادر على تحمل مسؤوليته ان يتصدى له مهما كان الثمن، والى هذا المعنى اشار الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي طلب السلطة اكثر من مرة منذ وفاة الرسول (ص) كما في قوله عليه السلام مثلا:

 {اما والذي فلق الحبة، وبرا النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما اخذ الله على العلماء الا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لالقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكاس اولها، ولالفيتم دنياكم هذه ازهد عندي من عفطة عنز}.

 وبهذا النص يحدد الامام عليه السلام الشروط التي يجب ان تتوفر لمن يطلب السلطة، والتي هي:

 اولا؛ البيعة، اي قبول الناس به، فلا يطلب السلطة او ينزو عليها بالقهر والقوة، لان ذلك بمثابة الاستيلاء على حق الناس والذي لا يجوز لا شرعا ولا عرفا.

 ثانيا؛ العلم بها والقدرة عليها والتمكن منها.

 ثالثا؛ ان يكون طلب السلطة من اجل ردع الظالم والانتصار للمظلوم، اي اقامة الحق والعدل.

 كما ان الامام الحسن السبط عليه السلام حدد شروط طلب السلطة في محاججة رائعة مع معاوية بن ابي سفيان بن هند آكلة الاكباد، حين قال له الاخير بعد الصلح، اذكر فضلنا، اي فضل بني امية، فخطب الحسن السبط قائلا، بعد ان حمد الله واثنى عليه وصلى على محمد النبي وآله، ثم قال:

 من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا الحسن بن رسول الله، انا ابن البشير النذير، انا ابن المصطفى بالرسالة، انا ابن من صلت عليه الملائكة، انا ابن من شرفت به الامة، انا ابن من كان جبرائيل السفير من الله اليه، انا ابن من بعث رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله اجمعين، فلم يقدر معاوية ان يكتم عداوته وحسده، فقال: يا حسن، عليك بالرطب فانعته لنا، في محاولة منه لتغيير مسار الحديث خوف الفتنة اذا ما اطلع اهل الشام على الحقيقة التي ظل يخفيها عليهم معاوية عقود طوال بالتضليل الاعلامي والتزوير والتحريف وشراء الذمم، فقال الحسن السبط: نعم يا معاوية، الريح تلقحه والشمس تنفحه والقمر يلونه والحر ينضجه والليل يبرده، ثم اقبل عليه السلام على منطقه فقال:

 انا ابن المستجاب الدعوة، انا ابن من كان من ربه كقاب قوسين او ادنى، انا ابن الشفيع المطاع، انا ابن مكة ومنى، انا ابن من خضعت له قريش رغما، انا ابن من سعد تابعه وشقى خاذله، انا ابن من جعلت الارض له طهورا ومسجدا، انا ابن من كانت اخبار السماء اليه تترى، انا ابن من اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقال بن هند، اظن نفسك يا حسن تنازعك الى الخلافة؟ فقال السبط عليه السلام:

 ويلك يا معاوية انما الخليفة من سار بسيرة رسول الله (ص) وعمل بطاعة الله، ولعمري انا لاعلام الهدى، ومنار التقى، ولكنك يا معاوية ممن ابار السنن واحيا البدع واتخذ عباد الله خولا ودين الله لعبا فكان قد اخمل ما انت فيه، فعشت يسيرا وبقيت عليك تبعاته.

 وفي النص، كما هو واضح، تصريح بطلب الحسن عليه السلام للسلطة بعد ان ثبت مواصفات الحاكم الصالح الذي يستحقها، نافيا ان يكون معاوية ذلك الحاكم المامول لا من قريب ولا من بعيد.

 وهنا يشخص الفارق بين طلاب السلطة، فبينما يطلبها المؤمن من اجل اقامة الحق والعدل وتحقيق المساواة بين الناس من خلال تمتعهم بالحرية والكرامة بلا تمييز لا على اساس الدين ولا على اساس المذهب او العنصر او الجنس، بالاضافة الى سعيه لانجاز مبدا تكافؤ الفرص، وحمايته لبيت المال وتحقيق الامن، ترى الاخر يطلبها من اجل السطوة وتمكين اهله وعشيرته من رقاب الناس واموالهم وكرامتهم، وباختصار، فانه يطلبها ليتخذ مال الله دولا وعباده خولا.

 ان المضحك المبكي حقا، هو ما نراه من حالنا التعيس ازاء السلطة، فبينا ترانا نرقص فرحا اذا ما نزى على السلطة جاهل او قاتل او لص او سكير او منافق او عميل، فنملا الشوارع بمسيرات التاييد ولافتات الترحيب، وتهتز الارض برقصات الطرب وتتمايل الاشجار باصوات قرع الطبول والمزامير، اذا بنا نتصرف عكس ذلك اذا ما سعى مصلح الى السلطة لتغيير الحال، وكأن السلطة حكر على كل متجبر ومستبد وهي ممنوعة على المؤمنين الصالحين؟.

 لماذا؟ لاننا بتنا نعتقد بان السلطة حلال زلال على قلوب اللصوص والخمارين والدجالين والقتلة، وحرام على الامام والعالم والمتدين والملتزم والعادل والذي يخاف الله في عباده.

 ان كل ذلك نتيجة تراكمات الثقافة السلبية التي تعودنا عليها وتعلمناها من التاريخ، لتصبح اليوم واقع الحال، اذا بشعوبنا تحكمها انظمة ظالمة وحكام مردة، لتتحول هي في ظلها الى قطيع من الاغنام يذبحها الطاهي متى يشاء ليقدمها لقمة سائغة على مائدة السلطان، وكل ذلك شئ طبيعي الفته الشعوب من دون ان ينبس احد ببنت شفة، وكأن الله تعالى خلق الناس صنفين، الاول للسلطة والثاني للخدمة، الاول للسيادة والثاني للعبودية.

 ان طلب السلطة امر مشروع، وان طموح المرء لنيلها امر مستحسن، شريطة ان لا تكون ادواتها الدم والقتل وجماجم الابرياء والغش والخداع والتضليل، كما هو حال الانظمة الشمولية الاستبدادية القائمة حاليا في جل بلادنا العربية والاسلامية، والتي لم يصل فيها الحاكم الى سدة الحكم الا بالتآمر والقتل والاغتيال ومطاردة الشرفاء وتكميم الافواه وسحق حقوق المواطنين، وحجته انه دون غيره الاكفا لهذه المسؤولية وان (الله تعالى) هو الذي البسه قميص الخلافة والامرة، وهو المصطلح الذي توارثه الطغاة منذ ما بعد صدر الاسلام ولحد الان.

 فضلا عن ذلك، فان السلطة آنئذ، كانت باسم الدين وباسم الاسلام وباسم رسول الله (ص) فكان كل من يستولي عليها يتسمى اما بالخلافة او بامرة المؤمنين، وبمرور العقود والقرون راح السلطان يتسمى باسم الله مباشرة من دون واسطة، فكيف يحق لسكير، مثلا، او طريد او طليق، ان يتسمى بالخلافة والامرة ورب العالمين، ولا يحق ذلك لمؤمن؟ ولسبط الرسول الكريم (ص) تحديدا؟.

 ان العقل والمنطق وكذلك الواقع يحتم على الانسان ان يقبل بسلطة ما فلا يبقى من دونها فتعم الفوضى، والسلطة هي من اجل اقامة العدل بين الناس، وليس بعد ذلك كيف يجب ان تكون هويتها او زي من يتصدى لها، والى هذا المعنى اشار الامام علي عليه السلام بقوله {وانه لا بد للناس من امير بر او فاجر يعمل في امرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ فيها الله الاجل، ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر} الا ان العقل والمنطق وكذلك الواقع يحتم كذلك على الانسان ان يختار الامرة الخيرة والبارة من اجل اقامة العدل والقسط، اذا ما خير بين امرتين واحدة صالحة واخرى فاجرة، وان كان الهدف الذي يسعى الى تحقيقه واحد لا يختلف في جوهره، وهو، كما اسلفت، اقامة العدل بين الناس.

 نعود الان الى صلب الموضوع، لاعيد السؤال مرة اخرى، ولكن هذه المرة فيما يخص الحسين السبط عليه السلام، فنقول؛

 هل يحق للامام الحسين عليه السلام ان يطلب السلطة؟ ام انها شان غيره وانها حرام عليه وحلال لغيره؟ وان طلبه لها يقلل من شانه ويقدح بعصمته؟.

 وهل ان كل طلب للسلطة بمثابة الميل للدنيا وتعبير عن هوى النفس؟ فلماذا قال امير المؤمنين عليه السلام اذن:

 اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شئ من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، فيامن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك.

 اليس في هذا النص دفاع معقول عن طلب السلطة بالحق؟ اوليس فيه ما يشير الى ان الامام كان قد طلبها بالحق فبرر بهذا النص ما بدر منه لتفسير طلبه بشكل سليم، من اجل ان لا يفسره من يشاء بما يشاء فيشوه الصورة ويقلب الحقيقة، ليحولها الى سيف مسلط على رقاب كل مؤمن قد يطلب السلطة في يوم من الايام؟.

 الجواب:

 اولا؛ من الناحية الشرعية، فان السلطة جزء لا يتجزا من كيان الامامة، والى هذا المعنى اشارت الصديقة فاطمة الزهراء بقولها في خطبتها المعروفة {وطاعتنا نظاما للملة، وامامتنا امانا للفرقة} ولذلك نحن نعتقد بان مشكلة الامة الاسلامية بدات منذ تلك اللحظة التي عطل فيها المسلمون مبدا الامامة، والذي هو براينا اصل من اصول الدين او على الاقل المذهب.

 ولهذا السبب ظل الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام يتحدث بالسلطة واهميتها وفلسفتها وجوهرها وخطورتها، والتي كان يجب ان تنتهي اليه بعد رحلة رسول الله (ص) الى العالم الاخر، مستغلا كل مناسبة وموظفا كل فرصة، من اجل تنبيه الامة الى الخطا الكبير الذي ارتكبته عندما تركته وذهبت الى غيره، كما هو واضح في قوله عليه السلام في خطبته المعروفة بالشقشقية، مثلا والتي يقول فيها {اما والله لقد تقمصها فلان وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحا، ينحدر عني السيل، ولا يرقى الي الطير، فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا، وطفقت ارتئي بين ان اصول بيد جذاء، او اصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرايت ان الصبر على هاتا احجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، ارى تراثي نهبا، حتى مضى الاول لسبيله، فادلى بها الى فلان بعده (ثم تمثل بقول الاعشى):

 شتان ما يومي على كورها ويوم حيان اخي جابر

 فياعجبا، بينا هو يستقيلها في حياته اذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطرا ضرعيها، فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة ان اشنق لها خرم، وان اسلس لها تقحم، فمني الناس، لعمر الله، بخبط وشماس، وتلون واعتراض، فصبرت على طول المدة، وشدة المحنة، حتى اذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم اني احدهم، فيا لله وللشورى، متى اعترض الريب في مع الاول منهم، حتى صرت اقرن الى هذه النظائر؟ لكني اسففت اذ اسفوا، وطرت اذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الاخر لصهره، مع هن وهن، الى ان قام ثالث القوم نافخا حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو ابيه يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع، الى ان انتكث عليه فتله، واجهز عليه عمله، وكبت به بطنته}.

 بالنسبة للامام الحسين السبط عليه السلام، فان حديث رسول الله (ص) بحقه وبحق اخيه السبط الامام الحسن المجتبى عليهما السلام {الحسن والحسين امامان قاما او قعدا} دليل شرعي صريح على احقيته في السلطة، من الناحية النظرية على الاقل، بل على حقه في طلبها، نظريا اولا ثم عمليا وواقعيا اذا استوفى الطلب شروطه، لانه امام قام او قعد، ولان السلطة جزء لا يتجزا من الامامة، كما اسلفت قبل قليل، فلذلك فان طلبه للسلطة لا يخرج عن واجباته ومسؤولياته المنصوص عليها في اطار الامامة التي جعلها الله تعالى للامام بنص قوله عز وجل مخاطبا نبي الله ابراهيم عليه السلام {اني جاعلك للناس اماما).

 ثانيا؛ من الناحية القانونية، فلقد نصت بنود (الصلح) التي تم التوقيع عليها بين الامام الحسن المجتبى عليه السلام ومعاوية بن ابي سفيان بن هند آكلة الاكباد، على ان يكون الخليفة بعد موت الاخير الامام الحسن فان مات فاخيه الامام الحسين.

 يقول النص:

 ان يكون الامر، يعني السلطة، بعد معاوية للحسن، وان حدث بالحسن قبل معاوية حدث يكون الامر بعد معاوية للحسين.

 ولذلك فان طلب الحسين السبط للسلطة بعد هلاك معاوية كان مدعوما بقوة القانون، بلغة اليوم، اما اعتلاء يزيد للسلطة بعد ابيه الذي وطا له، بتشديد الطاء وفتحها، سبيلها بالترغيب والترهيب والقتل وشراء الذمم، واخيرا بالتوريث الذي اسس للملكية في الاسلام الى يومنا هذا، فلم يكن مدعوما بالقانون ابدا، بل انه كان خروجا عن القانون الذي ضربه معاوية عرض الحائط بتوريثه ابنه يزيد شارب الخمر واللاعب بالقرود للسلطة.

 ومن خلال هذا البند، يتضح لنا جليا بان الامام الحسين عليه السلام كان قد طلب السلطة قبل ان يعتلي يزيد الخلافة بعشرين عاما.

 اما من يستشكل على مثل هذا النص، ويورد نصا آخر يقول؛

 لقد اتفق الحسن بن علي ومعاوية بن ابي سفيان على ان يسلم له الحسن ولاية امر المسلمين على ان يعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخلفاء الصالحين، وليس لمعاوية ان يعهد بالامر الى احد من بعده بل يكون الامر شورى بين المسلمين.

 فان هذا النص كذلك يمنح الحسين السبط الحق في الاعتراض على سلطة يزيد لانها غير قانونية، كذلك، بقوة القانون ونص الوثيقة.

 ثالثا؛ من الناحية الواقعية، فان طريقة توريث معاوية للسلطة الى ابنه الفاجر يزيد انتجت اخطر بدعة سياسية في حياة الامة، وباسم الاسلام، الامر الذي كان يجب على الحسين السبط ان يتحرك لوءدها وهي بعد في المهد، كونه العالم المسؤول عن الامة، والامام المسؤول عن تصحيح مساراتها، من خلال التصدي والعمل على كشف البدع التي تظهر فيها، خاصة البدع السياسية التي تنتج انحرافات خطيرة لا تكتفي بان تترك اثرها السلبي في جيل او جيلين فحسب، وانما في اجيال قادمة، كما لو ان (الخليفة) قرر تحويل النظام السياسي من الشورى الى الملك العضوض، وكل ذلك باسم الاسلام وباسم الله وباسم الدين، وهذا ما حصل في عهد الامام الحسين عليه السلام، ولذلك كان يجب عليه ان يتحرك لتصحيح المسار، ودافعه في ذلك قول رسول الله (ص) {اذا ظهرت البدع، فعلى العالم ان يظهر علمه} وهل هناك اخطرمن البدعة السياسية؟ ليتركها الحسين السبط وشانها من دون تغيير؟.

 بالاضافة الى ان توريث معاوية السلطة (الدينية) ليزيد تعارض مع كل النصوص النبوية الشريفة التي تتحدث بل وحذرت المسلمين من تولية السلطة الى الطلقاء وابناء الطلقاء، وهو الامر الشرعي المتفق عليه بين المسلمين كافة، علماءهم وفساقهم.

 لقد احتج الامام امير المؤمنين عليه السلام بذلك في جواب له على احدى رسائل معاوية اليه، والتي حاول فيها تبرير تمرده على ولايته وخلافته بعد بيعة الناس له، بقوله:

 واعلم انك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا تعرض فيهم الشورى.

 كما احتج بها عبد الله بن عباس عندما كلم ابا موسى الاشعري وهو يهم بالذهاب الى لقاء عمرو بن العاص في قصة الحكمين المعروفة، مذكرا اياه بحال معاوية، بقوله:

 واعلم ان معاوية طليق الاسلام، وان اباه راس الاحزاب، وانه ادعى الخلافة من غير مشورة وليس فيه خصلة تقربه من الخلافة، فان صدقك فقد حل خلعه، وان كذبك فقد حرم عليك كلامه.

 هذا بشان معاوية الطليق، فما بالك بيزيد ابن الطليق؟.

 رابعا؛ لقد جاء طلب الحسين السبط للسلطة منسجما مع الواقع، فلم يكن تعسفيا، فالطلب، بمصطلح اليوم، كان ديمقراطيا، لم يفرضه على احد او يجبر احد عليه، ولذلك جاء طلبه للسلطة منسجما مع ادوات طلب جده رسول الله (ص) وابيه امير المؤمنين عليه السلام واخيه الامام الحسن السبط للسلطة، الا وهي البيعة العامة وعدم الاكراه، ورفض التسلط بقوة الحديد والنار، كما ان طلبه هذا جاء ليشكل الامتداد الطبيعي والحقيقي لسلطة جده وابيه واخيه، فهو، اولا، لم يطلبها في مصر لم يبايعه، فلم يذهب مثلا الى اليمن او مصر او حتى ان يبقى في مكة او المدينة، وهي مدينة جده رسول الله (ص) وانما طلبها عند اهل مصر بايعوه فالقوا عليه الحجة التي ذكرناها في قول ابيه امير المؤمنين عليه السلام {لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر}.

 ان وجهة مسير حركة الامام الحسين كانت الكوفة تحديدا وليست كربلاء او اي مصر آخر، لان الحجة على التصدي للمسؤولية جاءت هذه المرة من المسلمين والمؤمنين في الكوفة وليست من غيرها، ولذلك فهو عليه السلام عزم التحرك من المدينة المنورة اليها حصرا.

 ولقد تحدث الحسين السبط عن هذه الحقائق في وصيته التي تركها عند اخيه محمد بن الحنفية قبل ان يغادر مكة المكرمة، بقوله {الا واني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي، اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر، واسير بسيرة جدي وابي علي بن ابي طالب} ومن الواضح فان معنى السير بسيرة الرسول وامير المؤمنين، هو الالتزام اولا بادوات المسير، والتي تشخص في مقدمتها البيعة وعدم الفرض والاكراه.

 ولان طلب الامام للسلطة كان استجابة لبيعة الناس له، والتي وردت في اول كتاب بعثه اليه اهل الكوفة بقولهم (انه ليس علينا امام فاقبل) لذلك فانها تحولت الى مسؤولية شرعية ما كان له ان يختار الا ان يستجيب لها، بل انه بذل كل جهده من اجل تحقيقها على ارض الواقع، حاله حال ابيه الامام امير المؤمنين عليه السلام الذي تقبل السلطة بعد ان بايعه المسلمون ولم يتخلف عنها احد، في ظل تلك الظروف القاسية التي مرت عليهم وعلى الامام، والتي دافع عنها عليه السلام بكل ما يملك، ليس من باب تهالكه على السلطة ابدا، وهو القائل لعبد الله بن عباس الذي يروي انه دخل مرة على امير المؤمنين بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت، لا قيمة لها، قال (والله لهي احب الي من امرتكم، الا ان اقيم حقا، او ادفع باطلا) وانما بسبب كونها مسؤولية شرعية تقلدها بثقة الناس ولم يفرضها على احد، وهو القائل عليه السلام {والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية اربة، ولكنكم دعوتموني اليها، وحملتموني عليها} فيما يصف في مكان آخر كيف ان الناس تهالكوا على بيعته بقوله {فما راعني الا والناس كعرف الضبع الي، ينثالون علي من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم}.

 ذات الامر ونفس الظروف تكررت مع الحسين السبط، ولذلك تحرك صوب الكوفة من المدينة المنورة، متحملا المسؤولية بعد ان القت بنفسها عليه.

 وان اكبر دليل على هذه الحقيقة التي ترجمها الامام الحسين السبط عليه السلام، هو انه سعى، حال تغيير الموقف السياسي في الكوفة، الى الانسحاب من (المعركة) كاعظم حجة القاها على السلطة الغاشمة، ليثبت للجميع بانه انما قبل السلطة بعد بيعة الناس له، اما اذا تغير الموقف وانقلبت الامور راسا على عقب، ولاي سبب من الاسباب، فانه في حل من المسؤولية، ولذلك فعل الامام المستحيل من اجل ان لا يورط جيش البغي بدمه الطاهر، فقال لهم في اكثر من موقف (ان انتم كرهتمونا، وجهلتم حقنا، وكان رايكم غير ما اتتني به كتبكم، وقدمت به علي رسلكم، انصرفت عنكم) اما عقبة بن سمعان، فينقل المؤرخون عنه قوله (صحبت الحسين من المدينة الى مكة، ومن مكة الى العراق، ولم افارقه حتى قتل، وسمعت جميع مخاطباته الناس الى يوم مقتله، فوالله ما اعطاهم ما يتذاكر به الناس من انه يضع يده في يد يزيد، ولا ان يسيروه الى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنه قال: دعوني ارجع الى المكان الذي اقبلت منه، او دعوني اذهب في هذه الارض العريضة حتى ننظر الى ما يصير اليه امر الناس، فلم يفعلوا) الا ان اصرارهم على قتله اثبت بما لا يدع مجالا للشك من ان النظام السياسي الاموي الحاكم كان قد اتخذ قرار التصفية بحق الامام السبط، مهما كانت الظروف، لانه شعر منذ اليوم الاول لهلاك معاوية ان السبط هو مصدر القلق الوحيد الذي يمكن ان يقض مضاجع الحكم المنحرف، فيفضحه ويكشف عوراته ويعريه عن اية شرعية قد يتقمصها لتضليل الامة، لانه صاحب الحق الوحيد بالسلطة (الدينية والدنيوية) لما يتمتع به من موقع في قلوب الناس، مشفوعا بالموقف الشرعي والقانوني والواقعي.

 والان، تعال معي عزيزي القارئ، لنقرا حقيقة كون حركة الامام الحسين عليه السلام (خروج للسلطة) وليس عليها، من خلال استنطاق خطب واقوال الامام عليه السلام منذ لحظة هلاك معاوية ولحد استشهاده عليه السلام في كربلاء المقدسة في اليوم العاشر من محرم الحرام عام 61 للهجرة.

 ان عاشوراء ثورة ضد السلطة من اجل السلطة.

 انها ضد سلطة الجور من اجل سلطة الحق والعدل.

 اولا: لقد رفض الامام الحسين عليه السلام البيعة ليزيد بقوله لواليه على المدينة الوليد بن عتبة {ايها الامير، انا اهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق، فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله}.

 ان هذا الرفض كان له احد معنيين، لا ثالث لهما، فاما ان الامام رفض بيعة يزيد ليعطيها لغيره، او انه ارادها لنفسه، ولم يحدثنا التاريخ ابدا بان الامام همس في اذن احد بنيته في اعطاء بيعته لاحد من المسلمين، عدا يزيد، ما يعني انه ارادها لنفسه، الامر الذي يعني قطعا انه طلب السلطة وان طلبه هذا كان شرعيا مئة في المئة، لانه امام معصوم لا يمكن ان يطلب شيئا ليس له او ليس له فيه حق، وكلنا يعرف فان البيعة عملية سياسية وعقد سياسي اولا واخيرا، وهي ليست عملية اقتصادية او اجتماعية او اي شئ آخر، ولذلك فالبيعة هنا تعني السلطة فحسب.

 قد يقول قائل، بان الامام رفض البيعة ليعتزل الناس، فيجلس في بيته ويغلق الباب على نفسه، متفرغا للعبادة، كدرويش لا يتدخل بالشان العام، وليس كما اسلفت.

 الجواب:

 ان سيرة الامام الحسين عليه السلام منذ ولادته، لا تنتهي الى مثل هذا التصرف ابدا، وهو الذي عاش الاسلام وتحولاته بكل تفاصيلها، اولا في كنف جده رسول الله (ص) ومن ثم في كنف ابيه امير المؤمنين عليه السلام واخيه الحسن السبط عليه السلام.

 لقد كان الحسين السبط الفارس المقدام الذي يدافع عن الاسلام منذ نعومة اظفاره، فكان الاول في الصفوف حروب ابيه الثلاثة، وكان المتصدي الشجاع لكل انحراف أصاب الامة، خاصة فترة تصديه لامامة المسلمين بعد استشهاد اخيه الحسن السبط، لم تكن تاخذه في الله لومة لائم وهو يرد على معاوية وعنجهيته.

 هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان التاريخ يشير الى ان الحسين عليه السلام بدا بتهئة ظروف الثورة لحظة استشهاد اخيه الحسن السبط وتوليه امامة المسلمين، لدرجة ان جماعة من عيون معاوية ممن كانت السلطة الاموية قد نشرتهم كجواسيس يراقبون الامام، كانوا قد نقلوا عنه عليه السلام اخبارا لا تسر لمعاوية، فكتب الى الامام يحذره من اية حركة مناهضة ضد السلطة، فرد عليه الامام بكل شجاعة وبسالة، ساعيا الى التخفيف من هلع معاوية من مثل هذه التحركات التي يقودها الامام، لانه، كما هو معروف، كان يسعى لتاجيل المعركة الى ما بعد هلاك معاوية لاسباب عدة، ليس هنا محل ذكرها.

 فكتب مرة الى معاوية ردا على كتاب له:

 اما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه انه انتهت اليك عني امور انت لي عنها راغب، وانا بغيرها عندك جدير، فان الحسنات لا يهدي اليها ولا يسدد اليها الا الله تعالى.

 واما ما ذكرت انه رقي اليك عني، فانما رقاه اليك الملاقون، المشاؤون بنميم، المفرقون بين الجمع، وكذب الغاوون.

 ما اردت لك حربا، ولا عليك خلافا، واني لاخشى الله في ترك ذلك منك، ومن الاعذار فيه اليك، والى اوليائك القاسطين الملحدين، حزب الظلمة واولياء الشيطان.

 ثم راح الامام عليه السلام يعدد جرائم معاوية ومثالبه واخطاءه التي لا تغتفر كقتله حجر بن عدي، وقتله ابن الحمق صاحب رسول الله (ص) وادعاءه زياد بن سمية والمسمى بابن ابيه، واصداره الاوامر بقتل الحضرميين بعد ان كتب فيهم زياد بانهم على دين علي (ع) وغير ذلك.

 من جانب ثالث، فان الامام نوه في اكثر من رسالة الى من ساله ان يعلن الثورة بوجود معاوية في السلطة، الى انه يعد لها العدة لما بعد هلاكه، فقال لهم مرة:

 اما اخي فارجو ان يكون الله قد وفقه وسدده فيما ياتي، واما انا فليس رايي اليوم ذلك، فالصقوا، رحمكم الله، بالارض، واكمنوا في البيوت، واحترسوا من الظنة ما دام معاوية حيا.

 ان هذا وغيره الكثير من الادلة والبراهين، تؤكد على ان نية الامام برفضه البيعة ليزيد لم يكن الهدف منها الاعتزال والجلوس في البيت، ابدا.

 ثانيا: لقد اعتبر الامام نفسه انه احق من غيره في ممارسة عملية التغيير المرجوة في الامة بعد الانحراف الخطير الذي اصابها جراء توريث معاوية ابنه يزيد السلطة، والتغيير المقصود في قول الامام بلا شك هو التغيير السياسي، وكلنا نعرف فان نهاية سعي المرء لتحقيق التغيير السياسي هو وصوله للسلطة، وبمعنى آخر السعي لطلب السلطة من اجل اجراء التغيير السياسي الذي يتحدث عنه ويبشر به، يقول الامام الحسين عليه السلام {ايها الناس ان رسول الله (ص) قال: من رأى سلطانا جائرا، مستحلا لحرام الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله، الا وان هؤلاء، ويعني السلطة الحاكمة، قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستاثروا بالفئ، واحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وانا احق من غير}.

 ان الفقرة الاخيرة في خطبة الامام، لخصت الهدف من حركته التي استندت على ما قدمه من شرح للوضع العام، وهو كله حديث عن السلطة الغاشمة التي انحرفت عن جادة الصواب فظلمت ونهبت وافسدت، ما يعني ان اصل حركته كانت سياسية من اجل تغيير السلطة، وتاليا من اجل طلب السلطة، اذ ليس من المعقول ان يطالب ويسعى الامام الى تغيير السلطة السياسية ثم يترك حبل الامور على غاربها عائدا الى منزله، من دون ان يقيم السلطة السياسية التي يعتقد بانها افضل من تلك التي سعى الى اسقاطها، اليس كذلك؟ لان مثل هذا العمل عبث لا يقدم عليه مبتدئ في العمل السياسي، فما بالك بالامام المعصوم وهو ربيب رسول الله (ص) وامير المؤمنين عليه السلام؟.

 كما ان حديث الامام مع الحر بن يزيد الرياحي، يشير الى ذات المعنى، فهو دعوة صريحة من الامام للحر ومن معه لنقض بيعتهم (السياسية) ليزيد واستبدالها ببيعة صحيحة مستقيمة للامام المعصوم، ما يعني ان الامام طلب من الحر ان يعينه على اسقاط السلطة الغاشمة ليقيم عوضا عنها سلطة الحق بقيادته وامامته وامرته، وان كل ذلك، طلب للسلطة بلا جدال.

 لقد خاطب الامام، الحر ومن معه، بقوله عليه السلام {اما بعد ايها الناس، فانكم ان تتقوا الله، وتعرفوا الحق لاهله، يكن ارضى لله، ونحن اهل البيت اولى بولاية هذا الامر عليكم، يعني السلطة السياسية، من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان}.

 ثالثا: لقد تبادل الامام الكتب مع المسلمين في حاضرة البلاد الاسلامية، اعني بها الكوفة آنئذ، ولقد كان مدار نصوص احاديثها بشان السلطة الغاشمة وكيفية ازاحتها واستبدالها بالسلطة الحق، على اعتبار ان سلطة الطلقاء وابناء الطلقاء، ليست شرعية، كما ان النظام الوراثي الذي سنه معاوية في (الاسلام) ليس له اي اساس شرعي بالمطلق.

 فمن هذه الكتب، وهو اول كتاب ورد للامام من اهل الكوفة يعلنون فيه البيعة له والتسليم لقياده، كان نصه:

 اما بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزل على هذه الامة، فابتز امرها وتآمر عليها بغير رضى منها، فبعدا له كما بعدت ثمود، انه ليس علينا امام، فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الحق، والنعمان بن بشير، الوالي، في قصر الامارة، لسنا نجتمع معه في جمعة ولا عيد، ولو قد بلغنا انك قد اقبلت، اخرجناه حتى نلحقه بالشام).

 وتوالت كتب البيعة على الامام، حتى قامت عليه الحجة بوجود الناصر على حد قول الامام امير المؤمنين عليه السلام، فكتب اليهم جميعا ما نصه:

 الى الملأ من المؤمنين والمسلمين، اما بعد.. قد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم انه ليس علينا امام فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الهدى والحق، وقد بعثت اليكم اخي وابن عمي وثقتي من اهل بيتي، وامرته ان يكتب الي بحالكم وامركم ورايكم، فان كتب الي انه قد اجتمع راي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم وقرات في كتبكم، اقدم عليكم وشيكا ان شاء الله، فلعمري ما الامام الا العامل بالكتاب والاخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله، والسلام.

 بهذه النصوص يتبين لنا جليا بان الامام ومن كاتبه من المؤمنين والمسلمين كان هدفهم اسقاط السلطة الجائرة واقامة سلطة الحق محلها، ما يعني ان الحسين السبط طلب السلطة بالفعل من اجل الهدف الاسمى، الا وهو اقامة الحدود والعمل بكتاب الله وسنة نبيه وانصاف المظلوم والاخذ على يد الظالم، وهي القيم والمبادئ التي جاء بها جده رسول الاسلام (ص) واستقام عليها امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام واخيه الحسن السبط عليه السلام.

 فعندما يحدد عليه السلام شروط الامام (الحاكم) والتي يعلم المخاطبين في كتابه، انها لا تنطبق الا عليه، يعني انه دعا الناس الى نفسه ليقيم سلطة الحق، ما يعني انه طلب السلطة بالفعل، فلم يكن مازحا او منظرا بعيدا عن الواقع ابدا، وهو الذي يعلم انه محاسب على كل كلمة يقولها، لما ستشكل من عوامل تخلق واقعا جديدا وخطيرا تذهب فيها نفوس وارواح.

 رابعا: ان كل خطب الامام تصب في امر استراتيجي واحد، الا وهو طلبه للسلطة من اجل الحق.

 ففي اول رد فعل له عليه السلام على محاولات معاوية لتوطئة الامور لابنه يزيد لتوليته السلطة بعد موته، كتب اليه الحسين السبط يقول:

 وفهمت ما ذكرت عن يزيد من اكتماله، وسياسته لامة محمد، تريد ان توهم الناس في يزيد، كانك تصف محجوبا، او تنعت غائبا، او تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دل يزيد من نفسه على موضع رايه، فخذ ليزيد فيما اخذ فيه من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبق لاترابهن، والقيان ذوات المعازف، وصرب الملاهي، تجده باصرا، ودع عنك ما تحاول، فما اغناك ان تلقى الله من وزر هذا الخلق باكثر مما انت لاقيه، فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور، وحنقا في ظلم، حتى ملأت الاسقية، وما بينك وبين الموت الا غمضة.

 ان هذا النص بمثابة فتح النار من قبل الامام على خطط معاوية ومحاولاته توريث السلطة لابنه يزيد، في اخطر بدعة سياسية يسنها في تاريخ الاسلام، ولذلك تصدى لها الامام بكل قوة وشجاعة دون سواه، كونه احق من غير على حد تعبيره.

 وفي نص آخر، يعتبر الامام ان بيعة يزيد ذلة لا ينبغي لمؤمن ان يعطيها ويقبل بها ابدا، لماذا؟ لان البيعة للحاكم الظالم المستبد لا تجوز باي شكل من الاشكال، وهي، البيعة، مسؤولية في عنق الانسان، عليه ان يمحص الامور قبل ان يختار لمن سيعطيها، فيمنحه ثقته، ويقلده دينه ودنياه.

 يقول عليه السلام:

 الا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يابى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت، وحجور طهرت، وانوف حمية، ونفوس ابية، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، الا واني قد اعذرت وانذرت، الا واني زاحف بهذه الاسرة، مع قلة العدد وكثرة العدو، وخذلان الناصر.

 ان ميزان الحق عند الامام ليس العدد، كثر او قل، وانما في قرب الموقف او بعده عن رضا الله تعالى، اولم يقل ابيه امير المؤمنين عليه السلام في معرض رده على من قال عنده بكثرة عدد العدو {انا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، وانما كنا نقاتل بالنصر والمعونة} ولقد اكد الامام في اكثر من مناسبة من ان بيعة الطاغية يزيد لا ترضي الله ابدا، فهي ليست من حقه ولا تليق به ابدا، انما البيعة الحقيقية يجب ان تعطى لمن هو اهل لها الا وهو الامام نفسه دون سواه، كما قال ذلك بصراحة في اكثر من موقف.

 ان هذا الموقف جاء منسجما تماما مع راي امير المؤمنين عليه السلام عندما قال محددا صفة الامام الذي له الحق في تولية امور الناس، بقوله:

 وقد علمتم انه لا ينبغي ان يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والاحكام وامامة المسلمين البخيل، فتكون في اموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الامة.

 كما انه جاء مترجما لقول امير المؤمنين عليه السلام، في وصفه للحاكم الظالم:

 وان شر الناس عند الله امام جائر ضل وضل به، فامات سنة ماخوذة، واحيا بدعة متروكة.

 وقوله عليه السلام:

 ايها الناس، ان احق الناس بهذا الامر اقواهم عليه، واعلمهم بامر الله فيه.

 ولكل ذلك، صمم الامام على الخروج للسلطة لاسقاط سلطة الطاغوت واقامة سلطة العدل.

 خامسا: لقد لخص الحسين السبط عليه السلام فلسفة حركته في نص وصيته التي تركها مع اخيه محمد بن الحنفية، والتي اشار فيها الى ان حركته هذه هي امتداد لحركة جده رسول الله (ص) وابيه امير المؤمنين، وبالتالي لحركة الاسلام العظيم، وان مما لا شك فيه هو ان جوهر حركة الاسلام هي (السلطة السياسية) القائمة على اساس رضا الناس من اجل اقامة الحق والعدل، بعيدا عن التعسف والظلم والقهر.

 وقبل ان نفصل في جوهر هذه الحركة، دعونا نقرا معا نص وصية الامام السبط، والتي يقول فيها:

 بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اوصى به الحسين بن علي بن ابي طالب الى اخيه محمد المعروف بابن الحنفية ان الحسين يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وان الجنة والنار حق، وان الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور، واني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي (ص) اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر، واسير بسيرة جدي وابي علي بن ابي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق، ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين، وهذه وصيتي يا اخي اليك وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب.

 ان في النص ثلاثة مصطلحات دقيقة ذكرها الامام لتحديد هدفه من حركته ونهضته، وهو لم يوردها من باب الترادف اللغوي مثلا، وانما قصد كل واحدة منها على وجه الدقة، وهذه المصطلحات هي كالتالي:

 الاصلاح.

 الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 السيرة المحمدية والعلوية.

 وكأن الامام اراد ان يتقدم بحركته بما يمكن تسميته بالمرحلية العلمية، فهو اولا، يبغي الاصلاح اذا وجد لذلك طريقا سهلة، من خلال الموقف الايجابي الذي يمكن ان تبديه الامة، برفضها البيعة ليزيد الطاغية، والقبول ببيعته كحاكم حق مفترض الطاعة.

 وهو، ثانيا، سيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر اذا ما شعر بان موقف الامة لا زال متذبذبا بين الحق والباطل، اما خشية من سوط الحاكم الجديد، يزيد، او طمعا في دنياه.

 ثم تنتهي حركة الامام باقامة سلطة الحق السياسية على غرار سيرة جده وابيه، فالسيرة التي يقصدها هنا، بلا شك، تختلف عن الاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاذا كانت المرحلتين الاولى والثانية تاخذ الطابع النظري، من خلال الخطاب والقول والحديث والرسائل والكلام، لتوضيح المعاني والمفاهيم والرؤى، فان السيرة عادة تاخذ الطابع العملي، من خلال المشروع والمنهج الفعلي، بالضبط كما فعل رسول الله (ص) وامير المؤمنين (ع) فعندما يقول القران الكريم يصف لنا رسول الله (ص) بقوله {ولكم في رسول الله اسوة حسنة} لا يقصد بذلك في حديثه وقوله فحسب، وانما في فعله ومشروعه وممارساته، تلك التي خلفها للمسلمين كبرنامج عمل يمكن ان يكون سببا لاصلاح حالهم اذا ما اخذوا به، كما اننا اليوم عندما نسعى للالتزام بنهج امير المؤمنين عليه السلام، انما من خلال ما تركه لنا خلال فترة حكمه التي تعد نموذجا يحتذى في الممارسة، وليس في التنظير فقط.

 ومن اجل ان نفهم سيرة الاسلام وملامحها العامة التي قصدها الحسين السبط في وصيته والتي قال انه عازم على السير على نهجها والالتزام بها، تعالوا نقرأها من خلال النصوص التالية التي وردت على لسان امير المؤمنين عليه السلام.

 يقول عليه السلام {ولكني آسى ان يلي امر هذه الامة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا، وعباده خولا، والصالحين حربا، والفاسقين حزبا}.

 لذلك رفض الحسين السبط سلطة يزيد وطلبها لنفسه لانه احق من غير.

 ويقول (ع) {الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه}.

 لذلك صمم الحسين السبط على التغيير السياسي اولا، لان الحق لا يقام في ظل سلطة جائرة ابدا.

 ويقول عليه السلام {اما بعد، فان الجهاد باب من ابواب الجنة، فتحه الله لخاصة اوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه، البسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء، وديث بالصغار والقماءة، وضرب على قلبه بالاسهاب، واديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف، ومنع النصف}.

 لذلك، فعندما صمم الحسين السبط على المقاومة من خلال رفضه البيعة وطلبه السلطة لاقامة الحق، اعتبر ذلك جهاد في سبيل الله يمكن ان ينتهي بالشهادة، ولذلك ظل يرحب بها طوال مسيره من مكة المكرمة وحتى استشهاده في كربلاء في عاشوراء عام 61 للهجرة.

 اخيرا، يقول امير المؤمنين عليه السلام {أأقنع من نفسي بان يقال: هذا امير المؤمنين، ولا اشاركهم في مكاره الدهر، او اكون اسوة لهم في جشوبة العيش، فما خلقت ليشغلني اكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة، همها علفها، او المرسلة شغلها تقممها، تكترش من اعلافها، وتلهو عما يراد بها، او اترك سدى، او اهمل عابثا، او اجر حبل الظلالة، او اعتسف طريق المتاهة}.

 ولان هذا الشبل من ذاك الاسد، لذلك رفض الحسين عليه السلام ان يسكت عن الحق لانه سمع رسول الله (ص) يقول {الساكت عن الحق شيطان اخرس} فآثر الشهادة على الذل والقتل على السكوت على الظلم، رافضا ان يترك الطاغوت وشانه، والامة وما تعاني من ظلم وحيف من دون ان يواسيها محنتها، بل صمم على ان يعيش معاناة الامة ويتفاعل مع ما تتطلع اليه، من خلال تقديم النموذج السليم وتحديد معالم الجادة الصحيحة والمستقيمة، على ان يكون اولهم في الصف، حتى لا يظن احد من المسلمين انه يريدهم جسرا ليعبر عليهم الى السلطة، كما هو فعل الكثير من القادة والزعماء، فقال لهم {نفسي مع انفسكم، واهلي مع اهليكم، فلكم في اسوة}.

 فسلام على الحسين السبط، يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com