الأصل علنية وليس سرية الجلسات البرلمانية

 

مالوم ابو رغيف

shehryar0@googlegroups.com

لم يكن في استضافة البرلمان لرئيس الوزراء نوري المالكي ما يستوجب سرية الجلسة، فالموضوع المطروح مناقشته إخفاق الأجهزة الأمنية في منع الانفجارات الإجرامية التي أودت بأرواح العديد من العراقيين وهو موضوع يهم الشعب قبل إن يهم الرهط الجاهل من النواب الذين يصوّتون بالإجماع لصالح امتيازاتهم ويتفرقون شذرا مذرا إذا ما تعلق القانون بحماية المواطن غذائيا ودوائيا وامنيا.

العراقيون على اختلاف طبقاتهم وشرائحهم الاجتماعية من رجال صحافة ورجال قانون ورجال دين وملالي وعسكريين حتى البسطاء من الناس قد تناولوا الإخفاقات المتتالية بالرأي والتحليل والانتقاد. لم يتركوا كبيرة ولا صغيرة إلا وتم التطرق إليها، فما يطرحه العسكري والبرلماني والوزير لا يتفوق على ما يطرحه العامل البسيط، لا بحجم المعلومة ولا بدقة الخبر، ولربما تفوق العامل والكاسب والموظف والكاتب على أصحاب الامتيازات لمعايشة الحدث و باستشرافهم للمستقبل وصحة التشخيص وجرأة الانتقاد أكان ضد الرهط الجاهل من النواب أو ضد زمرة المسئولين الأمنيين والحكومة بكاملها. الفرق الوحيد بين السياسي وبين ابن الشارع البسيط هو الصدق، فالسياسي والبرلماني والمسئول غير صادق بطرحه، فأما تراه مدافعا عن الفاشلين أو ساعيا لاستغلال الحدث من اجل نجاح انتخابي قادم، بعكس ابن الشارع البسيط الذي يعيش المأساة ويحيق به الخطر ويجد نفسه محاصرا بفضل الإسلاميين السياسيين بالفقر والجوع والمرض وغلاء الأسعار الفاحش وتهور حمايات المسئولين وتفجيرات الإرهابيين.

وإذا كان الإرهابيون يعرفون تفاصيل الاجراءات الحكومية وتدابيرها وخططها ولهم تصور كامل عن السيطرات وعددها وروتين تصرفاتها ولولا ذلك لما استطاعوا اختراقها وما نجحوا بتنفيذ تفجير إجرامي بعد أخر ولما تمكنوا من تدمير وزارات ومواقع محروسة بشكل تام، فما الذي ستكشفه جلسة استضافة لرئيس وزراء ليس له خبرة لا بالمجال العسكري ولا بالمجال الأمني ولا ألاستخباراتي، عرف الحدث مثل غيره من رهط النواب الجاهل من شاشات التلفزة ولم تأخذه ردة فعل بالإسراع إلى موقع الحدث حيث الموت والدمار، بطيئا متكاسلا كان رد فعله وليس بعد انتقاء الكلمات لخطاب مللنا سماعه من كثرة إعادته، وبعد حلاقة الذقن واختيار ربطة العنق ونوع البدلة التي تشير إلى تنعم الحاكم.

ما هو المهم الجدير بالإخفاء الذي ستكشفه جلسة الاستضافة هذه حتى لو افترضنا خبرة ودراية السيد نوري المالكي بشؤون الأمن والموضوع كله لا يتعدى الاستفسارات عن سبب الإخفاقات وليس عن كشف الخطط واستراتيج العسكر ونوعية الأسلحة وتسيير الدوريات، فمثل هذه الأمور التفصيلية لا تناقشها البرلمانات بل لجان عسكرية متخصصة فما بالك برهط النواب المعمم بالجهل، المحزم بالطمع والجشع وعدم الشبع.؟

لقد شاهدنا مجلس النواب الأمريكي وهو يستضيف كبار المسئولين العسكريين ليوجه لهم أدق الأسئلة وأحرجها، مركزا على أدق التفاصيل وأهمها، متطرقا إلى الكثير من المسائل عبر العديد من وسائل الإعلام والفضائيات، لم تكن الجلسات سرية، كانت الإجابات والأسئلة علنية تنقل عبر التلفزة إلى بيوت الشعب الأمريكي، فالأساس في العمل البرلماني هو العلن وليس السرية، فما بال رئيس البرلمان الاخوانجي إياد السامرائي يسارع مبادرا بجعل الجلسة سرية دون إن يطلب منه احد ذلك،مفاجئاً رئيس الوزراء، فما الذي يخشاه.؟!!

المعمول به إن يحرص البرلماني على علنية الجلسات ومباشرة النقل، ليس فقط لان من حق الشعب دستوريا الاطلاع على تفاصيل محاسبة السلطة التنفيذية ونوع العلاقة بين المعارضة وبين الحكومة، بل أيضا، لكي يستطيع البرلماني استعراض نشاطاته حتى يبرر للناس انه كان جديرا بثقتهم عندما منحوها إياه وأوصلوه إلى مقعده الوثير وراتبه الضخم الكبير.

لكنه برلمان الحصص، مغلقا مثل قوائمه المغلقة.

لقد جرت العادة بان المسئول الذي يكون موضوع الاستجواب والاستضافة هو من يتقدم بطلب سرية الجلسة، فلربما يخشى على سمعته أو على هيبته، ربما لديه من الإسرار ما يعتقد أنها لا تصلح للتناول العام، بينما يحرص المحاسب، المستجوب على إن تكون الجلسة علنية، لان الغاية إن يوضح للناس صحة استدعاء فلان من المسئولين للاستجواب ام لا، وثانيا إن يثبت وعلنا إن هذا الفلان غير جدير بمنصبه، ليس مؤهلا ولا كفء للمنصب أو ربما لأسباب أخرى.. لكن إن يسارع الاخونجي رئيس البرلمان بجعل الجلسة سرية، فهذا يعني إن البرلمانيين أنفسهم خائفون من كشف بعض الإسرار أو انفضاح ما لا يريدون الشعب إن يعرفه .

ليس في الجلسات البرلمانية ما يتطلب سريتها أو إعادة منتجتها ثم بثها لتقطع لإذاعة أذان أو نشرة إخبار أو دعاية موبايل،لقد حان الوقت إن يطالب الشعب بعلنية الجلسات وتخصيص قناة برلمانية لنقل وقائع الجلسات بشكل غير ممنتج، نقلا حيا مباشرا، حتى يستطيع الشعب الحكم بنفسه على أداء النواب ويكون ما يناقشونه في تناول الأوساط الإعلامية ومنظمات المجتمع المدني والأوساط الشعبية والأحزاب خارج قبة البرلمان، وحتى لا يكون أخر من يعلم، ليس له إلا عواقب القوانين والقرارات.

ولنا إن نطالب أيضا بوضع حد للهرج والمرج البرلماني الدائر في قاعته فعباءات النساء وشيلاتهن وعصاباتهن تعطي انطباعنا وكأننا في سوق شعبي وحركة الدخول والخروج غير المنقطعة بأزياء البدل الإفرنجية والعمائم الروزخونية والعقل العشائرية والكوفيات والدشاديش الخليجية تعير البرلمان منظرا اقرب ما يشبه مقهى من مقاهي علاوي الحلة، فهم ما بين منشغل بالتدخين ومتناول للحلويات في كافتريا البرلمان ومحتسيا الشربت المثلج أو غارقا في محادثة مع ام العيال مستفسرا عن طبخة اليوم وصحن التحلية فالمؤمنون حلويون.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com