العقوبات التركية المرتقبة على العراق

 

سالم حسن

 isci.austria@aon.at

لتركيا دور بارز في الشأن العراقي على مدى القرون الماضية فهي البوابة الشمالية للعراق والجارة المهمة له وقد لعبت دورا مهما بعد سقوط النظام السابق بعد ان اقامت عدة مؤتمرات ذات دوافع لم يعي لها الساسة العراقيون, جمعت مختلف الاطراف العراقية لتقريب وجهات النظر ,وتركيا ايضا لم تكن بعيدة عن احداث كركوك والموصل فلها بين حين واخر تصريح يحمل تحت طياته بعض الشيئ .

ان ما يدعوا الى الاهتمام هو ان تركيا برز لها دورا ستراتيجيا في الشأن الاقتصادي العراقي واعادة البناء فهي الدولة الاولى في المنطقة حققت مكاسب أقتصادية ولاتزال  كبيرة جدا في العراق حتى ان أغلب الوزرات العراقية أتخذت تركيا المحطة الاولى لها لكسب الشركات والمنتوجات التركية في مختلف المجالات وهذا لم تحلم به تركيا يوما لان الوضع الجديد  جلب لهم الاموال الطائلة في حين لم يكن لتركيا اي سوق في اوروبا الا من بيع منتجاتها الزراعية هناك.

ان حسن نية العراقيين بالاتراك تبدوا كبيرة جدا في الجار التاريخي وهي مصدر ماء الرافدين على مر الالاف السنين لكن وجهة النظر التركية تختلف عن وجهة نظر العراق بسبب افتقار تركيا الى المصادر الاولية الاستراتيجية للطاقة وهو النفط وعندما يحاول الاتراك ان يحصوا استراتيجيتهم عند ذلك تتجه افكارهم نحو المياه التي سيكون لها في المستقبل القريب قيمة اكبر من قيمة النفط لانها ثروة نادرة جدا في منطقة الشرق الاوسط.

وتركيا تعتبرورقة مياه  دجلة والفرات سلاحاً فعالاً لاخضاع الدول المجاورة (العراق وسوريا) لارادتها ومسايرة سياساتها فلقد ادت الطريقة التي اتبعتها تركية في استغلال مياه الفرات الى حرمان سوريا والعراق من جزء كبير من حقها القانوني والمكتسب من المياه كما اوقع شحة الماء خسائر كارثية في العراق.

وما قامت به الحكومة التركية هذه الايام من زيادة حصة العراق بعد مفاوضات عدة ليس على خاطر الشعب العراقي وانما بسبب فائضها المائي وهي تحتاج الى مزيد من الطاقة الكهربائية في فصل الشتاء.ان العراق هضم كارثة شحة نهر الفرات لكن الكارثة المقبلة تبدوا اكبر مما نتصور وذلك لان الاتراك لايتراجعون عن فكرة سد اليسوعلى نهر دجلة فالحلم التركي في بناء سد اليسو لازال قائما.  فبالرغم من انسحاب كلا من شركة سكانسكا السويدية لأعمال البناء من مشروع سد "اليسو" و شركة "بيلفور بيتي" البريطانية ومعها شركة "امبريلو" الإيطالية اتخذت نفس الخطوة استنادا إلى ما أعلنته المنظمات الدولية العاملة في مجال حماية البيئة وحقوق الإنسان من سلبيات هذا المشروع وانعكاساته التي لا يمكن تجاهل تأثيرها.
أنسحبت ايضا شركتا "سولتزر هايدرو" و"ايه بي بي" العملاقتان و هما الشركتان السويسريتان الوحيدتان اللتان نجحتا في الحصول على عقود في هذا المشروع، وتمكنتا من إقناع الحكومة الفدرالية السويسرية بتقديم الضمانات اللازمة لهما، حيث لا يبدو أن الحكومة اقتنعت آنذاك بالمخاوف التي أعلنتها المنظمات غير الحكومية وركزت على الايجابيات التي أعلنتها تركيا من أن المشروع سيساهم في الحصول على الطاقة الكهربائية، ومن ثم سيعمل على رفع المستوى المعيشي لسكان جنوب شرقي تركيا من خلال مشاريع ستقام هناك، كما اعتبرت الحكومة الفدرالية آنذاك دخول شركتين سويسريتين في مشروع بهذا الحجم الهائل سيعمل على ضمان أماكن عمل في قطاعات أخرى متعلقة بنشاط الشركتين داخل سويسرا. لكن دور مجموعة من جمعيات عالمية تمكنت من اقناع الحكومة السويسرية في التراجع عن رأيها وحققت بذلك نصرا كبيرا في الحفاظ على البيئة.

منذ عشر سنوات تقوم منظمات المجتع المدني ومنظمات حقوق الانسان بتقديم احتجاجاتها ضد مشروع بناء سد اليسو التركي على نهر دجلة لما يسببه من كارثة تاريخية وانسانية وبيئية ناهيك عن التأثيرات السياسية الكبرى في المنطقة فالعراق اليوم والذي يعاني من شحة المياه من نهري دجلة والفرات بسبب السدود التي اقامتها تركيا على نهر الفرات حيث اقامت 22 سدا على الفرات تريد ومنذ فترة طويلة بالتخطيط لبناء سد اليسو الكبير والذي تتامل منه انتاج طاقة كهربائية تقدر ب 1200 ميكاواط وان تقيم عليه منتجع سياحي ,  وما تفكر به ايضا هو تنفيذ مشروع ما يسمى انابيب السلام والذي سينقل بعد اقامته نحو 6‏ مليون م3   من المياه الى دول الخليج العربي ولكنه في الحقيقة يخدم اهداف اسرائيلية بنقل المياه الى هذا الكيان حيث توصل هذا الكيان الى اتفاق من الحكومية التركية لتزويده بما مقداره 500 الف م3  يومياً من نهر مانفجان التركي عن طريق البحر المتوسط عبر انابيب ومن ثم بواسطة بالونات بلاستيكية تسحب بواسطة قاطرات بحرية الى الاراضي المحتلة.

ان  فكرة بناء السد ليست حديثة فقد طرحت لاول مرة  في عام 1930 ومن ثم في عام 1950 وبتاريخ 1982 تم المصادقة على بناء المشروع, وبداء التحري والمسح الارضي له, وفي اواخر أب 2006 قام رئيس وزراء تركيا بوضع حجر الاساس وعلى بعد 50كم عند الحدود العراقية.

و منذ الإعلان عنه آثار ردود فعل واسعة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فهو على الصعيد الداخلي يهدد بمحو اثنتين وخمسين قرية وخمس عشرة مدينة صغيرة، مما سيجبر ثمانية وسبعين ألف مواطن على الهجرة، كما أن تراثا حضاريا سيندثر بأكمله مع غياب بعض المدن التي تعود إلى العصور الوسطى وبعضها له أهمية تاريخية مثل مدينة "حسنكيف" التي تعتبر ثالث أهم معلم ثقافي وتاريخي في جنوب شرق الأناضول، ويرى الأكراد في ضياعها فقدان واحد من أهم معالم ارثهم الثقافي.
وليس خفيا النقد الحاد الذي وجهته جامعة الدول العربية إلى المشروع والجهات الدولية الداعمة له، حيث ترى أن المشروع الذي سيقام على الجزء التركي من نهر دجلة سيؤثر على منسوب المياه في كل من سوريا والعراق التي تعاني أصلا من مشاكل في المياه، علاوة على ذلك من المتوقع أن يتسبب هذا السد في زيادة نسبة التلوث في مياه النهر مما سينعكس بلا شك على ثروته السمكية، أما الجانب السياسي فهو إمكانية استغلال هذا السد كسلاح ضد البلدين حيث يمكن تهديدهما بقطع أو تقليل نسب المياه المتدفقة فيه.
قد يكون انسحاب الشركات الكبرى حتى الآن يعتبر مصدر قلق لبقية الشركات الاوروبية  التي تريد المساهمة في هذا المشروع أو بمعنى آخر للدول التي قدمت ضمانات لها، ولهذا غيرت تركيا تخطيطها بعد ان فشلت في اقناع الاوروبيين اتجهت اخيرا نحو الصين ليساهموا في هذا المشروع الخطر,ولان الصينيين لم يعيروا اي اهتمام للبيئة فهي  الدولة الاولى في العالم تساهم بتلويث الطبيعة  و هي من الدول التي لم تعر لمسالة حقوق الانسان اي اهتمام. وافقت على تبني مشروع بناء السد وبتمويل من السعودية .

على الرغم من وجود العديد من الاتفاقيات الدولية الخاصة بتنظيم المياه بين الدول المتشاطئة وعدم الاضرار بها الا ان  تركيا لم تقم وزناً لهذه الاتفاقيات والبروتوكولات ومبادئ القانون الدولي التي تحكم توزيع مياه الانهار , كما انها لاتقبل بالمبدأ الدولي كون العراق لديه حقوق مكتسبة وحقوق تاريخية تؤكد حقه في استخدام المياه كما ان الملاحظ بأن الجارة تركيا تلجأ الى اطالة أمد المفوضات كلما طلب اليها الجانب العراقي أملاً في تحقيق اهدافها والاستحواذ على اكبر كمية من المياه .
ان العراق سيشهد عجزاً مائياً بمقدار 33 مليار م3 حتى عام 2015 مع فقدان 4% من اراضيه الزراعية سنوياً وعودة الجفاف وظهور التصحر وهجرة السكان ومحو الاهوار والتي تعتبر رئة العراق الهوائية , وارتفاع منسوب الاملاح مما سيؤدي الى مقتل كل كائن زراعي  بسبب كثرة السدود على نهري دجلة والفرات ,ان مشكلة المياه مع الجارة تركيا وسوريا تعتبر من اهم واقسى التحديات المعاصرة حيث ان الاثار المترتبة ستغير من الطبيعة الجغرافية والاجتماعية والنفسية بشكل كبير مما ستؤدي الى تدمير البلد ان لم تتخذ اجراءات صارمة أمامها

 الخارطة توضح موقع بناء السد والذي سيحجب كل مصبات نهر دجلة  

نتمنى ان تتابع الحكومة العراقية هذا الامر بجدية أكبر. 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com