محنة المسيحيين في نينوى

 

نبيل يونس دمان

nabeeldamman@hotmail.com

ها ان ثعبان التعصب الاعمى يطل مرة اخرى بانيابه المسمومة، للاعتداء على مسيحيي الموصل وضواحيها، في قتل ابنائهم، تفجير دورعبادتهم، نسف بيوتهم، واماكن اعمالهم، موجة جديدة تاتي وقد سبقتها امواج اخرى ظالمة، لا نعرف بالضبط مصدرها ولا غايتها، فان كانت تبغي انهاء الوجود المسيحي في العراق، فان من المحال القضاء على المسيحية في العالم، لا بل ان استمرار هذه الاعمال ستجلب الويلات لمقترفيها طال الزمن ام قصر، لن يكن بإمكان الظلام ان يحل محل نور الشمس الساطع ابداً.

لقد تناولت هذا الموضوع مراراً، سأظل اكتب حتى تشل يدي، عندها اصرخ ملأ فمي، وحتى ينجلي الليل الطويل، عن صبح جميل، يبهر قاطني وادي الرافدين، من مختلف المُلل والنـُحل. ايضا أثـَرْتُ غيرة َ ونخوة مُسلمي الموصل وعشائرها وأعيد تكرار هذا النداء الانساني، للوقوف الى جانب هؤلاء المساكين المستهدفين دون ذنب ارتكبوه، أهيب المرة تلو المرة بشرفاء الموصل، بمَسؤوليها، برؤساء عشائرها، بمن يمتلكون المقدرة وقوة التاثير على منفذي تلك الاعمال، بان يلعبوا دورهم في ايقافها.

في كل زمان والمتعصبون يستهدفون المسيحيين، وقد سقط الكثيرون منهم عبر التاريخ صرعى امام اولئك الغلاة، ولولا وجود وجهود الخيرين والشرفاء من اصحاب الضمائر الحية، لانتهى الوجود المسيحي منذ زمن طويل، لم يكن بامكان المسيحيين في ضعفهم وسماحهم الوقوف بوجه القتلة، ولم يكن بامكان الدول الاخرى الحيلولة دون ذلك، ان لم تكن غير راغبة اصلا في الدفاع عن القلة المضطـَهِدة امام الاكثرية المضطهـِدة ، بل كان الاعتماد بعد الله، على اصحاب الضمائر الحية من المسلمين، وما استمرار الوجود المسيحي عبر مئات القرون الا بفضل هؤلاء الأخيار داعمي تلاوين شعبنا، باعتبارها عوامل قوة وازدهار للبلد.

بالنسبة للحكومة المركزية وكل المؤسسات المحيطة بها من تشريعية وقضائية، فانها شبه مشلولة وواضح ضعفها للملأ، ويصح فيهم قول الرصافي:

عـَلمٌ ودستورٌ ومجلسُ أمةٍ     كُلٌ عن المعنى الصحيحِ مُحَرّفُ

وانتم يا اعضاء البرلمان العراقي المنتخب، لقد انشغلتم عن معاناة الناس في مناقشات طويلة لقانون الانتخابات، وانتم تنظرون في منظار فئوي وحزبي وطائفي ضيق، دون ان تكون نظرتكم شاملة ونحو الافق الأبعد، لو كانت في قلوبكم محبة الوطن وخشية الله لسامحتم بعضكم بعضا، ولتنازلتم عن مقاعكم وكراسيكم ونسب كتلكم المئوية، لاقرانكم ومواطنيكم، الأكفا منكم والأجرأ منكم والأثبت منكم.

ان سبب ضعف الاجهزة المذكورة هو اساسها الهش المرتكز على المنافع الشخصية، المحاصصة، والشقاق الطائفي. الفضائح الاخيرة آلمتنا واخجلتنا ونحن نسمعها، والتي فجرها الاستجواب في مبنى البرلمان التي تقترب دورته من الانتهاء، وبانتظار برلمان اكثر هيبة ورصانة وحكمة، يحضرني بيت الشعر القائل:

متى يَبلغُ البنيانُ يوماً تمامَهُ     اذا كنتَ تبنيهِ وآخَرُ يَهدِمُ

ارى من الضروري لكل من يقلقه وضع المسيحيين، من الأباة والمخلصين، ان يسهموا بقسطهم في فضح الحملة الحالية، وبضرورة اشعار الرأي العام العالمي وهزه من اساسه، لما يحدث في المدينة العظيمة( قم اذهب الى نينوى المدينة العظيمة، وناد لها المناداة التي انا مكلمك بها.. سفر يونان 2:3) ولإستثارَت الحكومات التي تملك القرار، بان تتحرك وتبحث عن حلول سريعة لمسيحيي العراق، من اجل بقائهم في اوطانهم، والحيلولة دون هجرتهم بالكامل، وانقراضهم لا سامح الله.

تعتبر الموصل مركز الاشعاع المسيحي في العراق منذ امد بعيد، والقرى والقصبات الدائرة في فلكها اشبهها بالكواكب، لذلك بات إلحاق الحيف والأذى بها من صميم اهداف الحاقدين. باستمرار أجادل بان محنة المسيحيين وهجرتهم وضيمهم ناتج ايضا من عدم الاستقرار وافتقاد الامن فيها، انظروا كيف هدأت الامور في منطقة الدليم وديالى وجنوب بغداد( مثلث الموت) والبصرة، اما الموصل فقد مرت بفترة هدوء نسبي بعد سقوط النظام الشمولي في نيسان 2003، ثم سرعان ما خرج شيطان الارهاب من قمقمه، وهو يعيد ماضيه الدموي في نفس الولاية عبر شواهد لا تحصى من التاريخ، منها حملة اغتيالات طالت المئات في اعقاب فشل حركة الشواف عام 1959، لا زال هذا المتجبر القاسي يمارس افعاله القبيحة بتلذذ وانعدام في الشعور، الذي يفترض ان يمتلكه في حدوده الدنيا كل انسان سوي على وجه المعمورة.

في جلسة جمعتني مع اصدقاء، دفعني حبي للموصل بطرح سؤال عن اسباب تميز اهلها بعلمهم وذكائهم وحتى جمالهم، فمنهم القائل مناخ ام الربيعين ومنهم القائل موقعها الاستراتيجي على طريق القوافل، ومنهم القائل آثار الحملات عليها واشدها حملة نادر شاه( طهماسب) سنة 1743، ومنهم القائل تنوع الاديان والقوميات والطوائف واللغات فيها. ارجو ان تبقى الموصل كما عهدناها في الجمع بين كل تلك العوامل التي هي مصدر قوتها وشموخها، بان تنهي على الفور استهداف المسيحيين وكل الطوائف الصغيرة من شبك وايزيدية وتركمان وغيرهم، ان ذلك التنوع في نينوى لهو لسان التاريخ وعلامته المميزة، فهل سيسمع عقلاء الموصل مناشدتي في اعادة الوضع الى طبيعته؟ انا في الانتظار.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com