منطقة الشرق الأوسط .. هل تكون منطقة منزوعة السلاح النووي؟! .. الحلقة الاولى

 

د.مؤيد الحسيني العابد

mouaiyad@gmail.com

ربّما يكون العنوان مبالغاً فيه للبعض إلى حدّ ما خاصة وأنّ منطقة الشرق الأوسط لم تكن في يوم من الأيام نشطة في مجال التسابق نحو إمتلاك السلاح النووي! إذا ما  عرفنا أنّ الدول المرشّحة للسير في مجال النشاط النووي عموماً لا تتجاوز خمس أو ست دول وهي مصر والسعودية وسوريا وقطر والإمارات بالإضافة إلى الأردن وكيان إسرائيل! (إذا ما إستثنينا العراق في الوضع الحالي الذي لا يملك الإمكانيّة في التصريح عن رغبته في السعي إلى إمتلاك النشاط النووي من جديد لاسباب كثيرة منها الدخول فيما لا يقدر عليه بوجود قوات الإحتلال والفوضى الأمنية التي لا تستطيع أيّ دولة في مثل هذا الوضع أن تسيطر على نشاط من مستوى النشاط النووي وهي غير قادرة على معالجة الوضع الأمني العام ببساطة وصراحة! رغم حاجة البلد الى الطاقة الكهربائيّة التي توجب على أهل السياسة إعطاء القليل من تفكيرهم الى هذا الجانب المهم! ولو بإشارات معيّنة من قبيل أنا موجود!) علاوة على أنّ الدول العربيّة قد تخلّت تماماً عن فلسفة المواجهة مع كيان إسرائيل وعدّتها بعض الأنظمة المعروفة أنّها من ماض لا يمكن الوثوق به! لكن يكون من الضروريّ طرح موضوع التسلّح النووي في الوقت الحالي والمنطقة تعيش إرهاصات تحوّل مهم في مجال النشاط النووي بإتّجاه التسابق للحصول على مفاعلات نووية من عدة دول تختلف في مجال تصميم هذه المفاعلات على الطريقة الغربية أم على الطريقة الشرقية! أيّ بمعنى آخر أنّ الدول العربيّة حصراً ستكون (مضطرّة!) للتفكير مليّاً في هذا التوجّه على الأقل في الأجل القادم لا محالة. حيث الكثير يعرف أنّ الوضع العربي في حالة غليان منذ عام المواجهات العربيّة العربيّة عند إحتلال دولة الكويت من قبل نظام صدام الذي أتى بالويلات على المنطقة. ودخول الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي الى المنطقة بشكل واضح وقد إمتلأت مناطق الخليج والبحر المتوسط والبحر العربي بنشاط هذه الدول على جميع المستويات ومنها القدرة على التهديد المستمر بنشاطاتها النووية وخاصة كلّما مرّت حالة من حالات التحدي لمشروع الأمركة(أمركة المنطقة عموماً). أيّ أنّ التوجّه العسكريّ النوويّ لن يكون برغبة محليّة من قبل الأنظمة العربيّة، إنّما هناك توجّه تحفيزيّ من قبل الدول النوويّة الكبرى إلى إدخال التسلّح النووي إلى المنطقة، والحجّة واضحة أنّ هناك دولة(المقصود بها إيران!) تتسلّح للسيطرة على المنطقة. لذا فمن (واجبات!) دول المنطقة أن تتّجه إلى إمتلاك هذا النشاط للدفاع عن نفسها! من إيران لا من قبل كيان إسرائيل!(إن حصل إشتباك للسيطرة على مقدرات المنطقة!!). والعجيب أنّ العالم إنتهى من الحرب الباردة ما بين الإتحاد السوفييتي السابق والولايات المتحدة الأمريكيّة! لينتقل إلى حرب باردة ما بين دول المنطقة وإيران(ونتابع الصفقات التسليحيّة قد تمّت بمليارات الدولارات لدفع أنواع الأسلحة إلى المنطقة خوفاً من التهديد الإيراني!! ولا ننسى ما جرى لنظام باعوه الصفقات تلو الصفقات بمليارات الدولارات وذهبت هذه الاسلحة أدراج ريح الولايات المتحدة العاتية في شارع الموت ما بين دولة الكويت والعراق عام 1991!!).

إنّ الإستنزاف الإقتصادي لدول المنطقة مستمرّ وبانت نتائجه لما جرى لدولة من دول الخليج التي ستباع عقاراتها ومنتجعاتها وحتى أسلحتها في سوق الخردة! وتقطف النتائج من جراء الإستنزاف البشريّ والإقتصاديّ في المنطقة كلّ يوم. وكلّ ذلك من أوهام المفكّر والمخطّط الأوحد لتلك الدول أي الولايات المتحدة الأمريكيّة! وساساتها.

بين الحين والآخر تثار قضيّة السلاح النووي من جهة دول معيّنة ولا تثار من جهة دول أخرى واللغز وحلّه عند الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة ومن يقف على تمشية سياستها!! فقد أقرّ العديد من الدول على أنّها تسعى إلى الحصول على الطاقة النوويّة للاغراض السلميّة وكلّ نشاطها مكشوف وواضح بل وصل الأمرإلى أن تصرّح بعض الدول حتى عن طموحها في إمتلاك أيّ نشاط من هذا النوع فمثلاً أقرت الحكومة الايرانيةخطة لبناء عشر منشآت نووية جديدة لتخصيب اليورانيوم.وقد ((نقلت وكالة الانباء الفرنسية عن موقع التلفزيون الايراني على شبكة الانترنت أن الحكومة أمرت الوكالة الذرية الايرانية ببدء أعمال البناء في خمسة مواقع تم تحديدها وطالبتها بتحديد خمسة مواقع أخرى لمفاعلات جديدة)). بينما يأتيك الردّ الأمريكيّ المضحك والمثير للسخرية على الإعلان الإيرانيّ بأنّ ذلك "انتهاك جدّي" لالتزامات طهران الدولية. بل ويضيف أحد المسؤولين الأمريكان في بيان(( "إذا كان ذلك صحيحا، فسيكون انتهاكا جديا آخر لالتزامات ايران الواضحة بموجب قرارات مجلس الأمن المتعددة وسيكون مثالا آخر على اختيار إيران عزل نفسها".وحذر البيان من أن "الوقت ينفد أمام ايران للتعامل مع القلق المتنامي للمجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي". علماً أنّ إيران تعلن مراراً مع التفتيش المستمر لمنشآتها، أنّ الأمر لا علاقة له بالتسليح النووي لا من قريب و لا من بعيد. وقد قامت إيران بالتصريح لأكثر من مرّة إلى أنّها تحتاج الوقود النووي بنسبة التخصيب القليلة التي تتيح لها العمل في هذا المجال السلميّ والطبيّ حصراً لإنتاج النظائر المشعّة المهمّة لأغراض التشخيص والعلاج. وقد أشرنا في العديد من المقالات إلى أنّ الإستخفاف المستمر من قبل الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة ومن قبل الدول النوويّة الكبرى بعقول الكثيرين والتلاعب بالمسمّيات والإشارة دائماً إلى أنّ إيران تسعى إلى إمتلاك الوقود النووي المخصّب بهذه النسب الضئيلة لتصنيع السلاح النوويّ!! وهم يعلمون أنّ نسب التخصيب اللازمة لوقود السلاح النووي لا تقلّ عن نسبة %90 من اليورانيوم 235 فتصوّر!! وإيران تحتاج إلى الوقود بكميات قد أشارت لها وسجّلتها في سجلات الوكالة في كلّ مرّة تحتاج فيها الوكالة للمعلومات. والإتّفاق الأخير الذي كنّا نحذّر من تخريبه يشير إلى فعل خفيّ بات ظاهراً إلى محاربة كلّ دولة تحاول العمل بنشاط نوويّ فعّال معتمدة على نفسها في تطويره وإدامته وإن كان هذا النشاط ضمن حدود الأنظمة والقوانين التي تشير لها كلّ الإتفاقيّات. وبالطبع يستثنى من ذلك دويلة إسرائيل للإعتبارات المعروفة!!

لقد أكّدت التقارير المستمرّة إلى أنّ هذا السلوك سيؤدي إلى خروج إيران من دائرة التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لذا صرّح المندوب الايراني لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، علي اصغر سلطانية، إلى ((ان ايران قد تقلص تعاونها مع الوكالة الى الحد الادنى المفروض في معاهدة حظر الانتشار النووي)). ويأتي ذلك بعد الإدانة التي صدرت من الدول النوويّة ضدّ إيران لإستمرارها بالنشاط النوويّ وإن كان للأغراض السلميّة! حيث أنّ قرار الأدانة تضمن دعوة الى "تعليق فوري" لأعمال البناء في المنشأة النووية التي أشارت لها طهران بالقرب من مدينة قم.

 

(إسرائيل) والتسلّح النوويّ!

 تشير كلّ الدلائل إلى إمتلاك كيان إسرائيل للسلاح النووي. لكنّ العديد من الدول العربيّة لا ترغب في التصريح بهذا الإمتلاك لانّها ستواجه العديد من المشاكل في وقوف الشعوب مع منهج المواجهة مع هذا الكيان وعدم السماح بهذا الإمتلاك. وكذلك عدم رغبة الولايات المتحدة في التصريح بهذا الامتلاك وذلك لوجود القانون الخاصّ الذي ينصّ على قطع المساعدات العسكرية على كيان إسرائيل حين إمتلاكه للسلاح النووي.

إنّ إمتلاك السلاح النووي ليس بالامر الصعب بل الامر الصعب هو في التخلّص من هذا السلاح حين إمتلاكه. ووقف عملية إنتشاره أمر في غاية الصعوبة لاسباب عديدة منها لارتباط العملية بالواقع السياسي للبلد وقرارات حاكميّته(خاصة تلك الحاكمية التي تتلاعب بها الاهواء وفق العوامل الخارجية والاقليمية).  لذلك فإنّ وقف إنتشار السلاح النووي في منطقة الشرق الأوسط لن يكون مهمة سهلة لو أخذ هذا السلاح مداه لأيّ دولة من الدول. فنظرة على واقع كيان إسرائيل يريك الصعوبة البالغة في ذلك إذا ما علمنا أنّ هذا السلاح طوع قواتها منذ منتصف الستينيات أي قرابة ستين عاماً من العمل في الإحتفاظ بهذا السلاح والى الان لا توافق هذه الدويلة على التصريح بأيّ شيء من ذلك الذي كلّفها المليارات من الدولارات ومن (جهود!!) علمائها وعمل مخابراتها مع العديد من الدول! وهي بهذا العمل قد وصلت الى المستوى الذي تهدد به كلّ الدول المحيطة وغير المحيطة إذا ما تهددت (حدودها!!) حتى وصل الى الضغط على العديد من الدول لتغيير العديد من قراراتها تجاه هذا الكيان(ولنا في الحرب الضروس التي شنّتها على غزّة ولبنان المثل الواضح في الضغط على فرنسا وبريطانيا والدول الاخرى بعدم إدانتها لهذا العدوان والا ستقوم بتهديد المزيد من الدول !)

لقد تمّ تعريف الدول مالكة السلاح النووي بأنّها دولة تمتلك رسميّاً السلاح النووي وقد قامت بإختبار جهاز التفجير النووي فعلاً. أمّا الدول التي تصنع المكوّنات المتعلّقة بالأسلحة النووية فلا يمكن تعريفها بالدولة مالكة السلاح النووي إلى الوقت الذي تقوم فيه بعملية التفجير النووي. هناك عدد من خبراء الأسلحة النووية لا يشترطون عملية الإختبار لمدى معرفة فاعليّة السلاح النووي.  والسلاح النووي حسب تعريف معاهدة تلاتيلولكو للعام 1968( هو أيّ جهاز قادر على إطلاق طاقة نوويّة بطريقة غير مسيطر عليها والذي له مواصفات مناسبة لاستخدامه في الأغراض المماثلة للحروب. أما الأداة التي يمكن إستخدامها لنقل أو دفع الجهاز فغير مشمولة بالتعريف إذا كان في الإمكان فصلها عن الجهاز وليست جزءاً لا يمكن فصله عنه). لكن يجب التأكيد على أنّ السلاح النوويّ لا يطلق على أيّ فعّاليّة نوويّة ما لم يتمّ إدخال الجزء الذي يحتوي على البلوتونيوم أو اليورانيوم المخصّب فيه.إي بمعنى أن لا يمكن أن نسمّي أيّ سلاح بالنوويّ إذا كان الجزء المتعلّق بالوقود النوويّ(إن كان بلوتونيوم أو يورانيوم مخصّب إلى النسبة التي تحدث التفجير المطلوب) خارج السلاح التقليدي أو كان في حالة التخزين بعيداً عن السلاح الذي يطلقه لإحداث عملية التفجير والإنشطار النوويّ المتسلسل. لهذا فتتهم الكثير من الدول على أنّها تمتلك السلاح النووي وهي لم تبلغ بعد دمج الجزئين معاً كما أشرنا.

تتبعها الحلقة الثانية 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com