|
المسلمون ازدواجية وتشتت في الفكر والأداء .. محمود غازي سعدالدين يعيش المسلمون وبصراحة أزمة حقيقية بين التشتت في الأفكار تتباين بين ما يجول من قيم ترسخت وتحجرت في عقلهم الباطن فهم يحسبون أنهم مؤمنون أتقياء صالحون وما يكرسونه على ألأرض من أفعال وأعمال وخطب يعكس غير ذلك , كان للوعاظ المنافقين ووعظهم ألأثر ألكبير منذ القدم في تحجر هذه ألأفكار وخصوصا إذا ما كانت مكرسة لخدمة أنفسهم والسلاطين والطغاة والجبابرة. يقول الحديث (المؤمن من صلحت سريرته و صلحت علانيته) وقد جاء أيضا في حديث آخر (إنما الأعمال بالنيات ولكل أمريء ما نوى فمن كانت هجرته لله ورسوله فهجرته إلى ما هاجر إليه ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها .. إلى نهاية الحديث) وقد جاء في القرآن الكريم آيات جلية واضحة في ذلك وفي أهمية نقاء سريرة الإنسان أو قلبه دون إغفال العمل الصالح والنهي عن الظلم والأمر بالمعروف ويدخل في ذلك الباب الكثير من الأعمال الإنسانية (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). التبس الأمر على المسلمين في تفسير وفهم فحوى الآيات القرآنية منذ نزول القران وهناك نصوص وسور أخرى تظهر عقم فهم العديد من المسلمين للنص المنزل بل جاءت الظروف والمصالح وما نسميه ألان في القرن الواحد العشرين عصر التقنية العلمية والعلوم الحديثة حيث تفشى وباء تسييس الإسلام , فهذه الظاهرة كانت واقع حال فرض نفسه فرضا حتى على الرسول محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم) واذكر هنا مثالين لا يقبلان اللبس والطعن , كالطعن في كتابة الوصية وإمارة أسامة بن زيد للجيش ومواقف كثيرة أخرى , وحتى بعد أن وافته المنية (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) حيث ظهرت أجندات وبرزت مصالح وظهر تأثير السلطة في حينه على ما جرى من انقلاب المسلمين وتطاحنهم وقتالهم والدسائس التي دبرت وحادثة السقيفة تشير بكل وضوح إلى ذلك بوجود استثناءات قليلة من الصحابة كعلي ابن أب طالب وبعض الصحابة ألأجلاء الذين وقفوا معه , جاء في نهج البلاغة عنه( وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لَا سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ (وجاء أيضا أن خلافتكم ) هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ). ولعل الوعاظ والمرائين يروجون لمقولة هي السائدة الآن فالكل في حينه قد عمل صالحا وقاتل وسفكوا الدماء في سبيل الله ومرضاته ( تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) . جاء في صحيح مسلم[6481، 6672] (إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار). فقلت: يا رسول الله هذا القاتل ، فما بال المقتول؟ قال: (إنه كان حريصا على قتل صاحبه) !! عجيب أمر هذه الأحاديث فمعاوية الزنديق الفاجر المنافق في جهنم ويئس المهاد بمعية علي البر التقي الصالح باب العلم , هل من عاقل أن لا يشك ويقول ألا يتعارض الحديث مع الآية القرآنية (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) نعم لقد وصف القرآن ونعتهما بالمؤمنين ولكن النص صريح وواضح لا لبس فيه أن أحدى الطائفتين بغت وطغت فقاتلوا التي تبغي وتظلم وتنتهك الحرمات وتهلك الحرث والنسل . نعم معاوية كان مؤمنا بالجبت والطغيان والإجرام (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا) . .أصبح المسلمون جميعهم يتحدثون بالنية وصلاح السريرة والقلب الطاهر النقي الناصع البياض التي لا تشوبه شائبة , حتى الإرهابي أسامة بن لادن والظواهري ومعاوية ويزيد وحجاج وصدام كانوا يتحدثون بالنية وصلاح السريرة وان نيتهم هي إعلاء كلمة الله والجهاد في سبيله , فهذا معاوية الزنديق أوصى في خروجه وقتاله للإمام علي (باب مدينة العلم ) بان يحمل جنوده جميعهم المصحف وان تعلق على الرماح وان يهتفوا باسم الله ورسوله حتى أصبح هناك شكوك بين جنود وقفوا في صف علي وعاشوا ازدواجية لم يسبق لها من مثيل فهذا الذي وقف في صف علي ينظر الى الجيشين يحملون القرآن يكبرون ويصلون في وقت واحد فهذا معاوية يؤم الصلاة كما علي يؤمها حتى قال له كبر القوم وكبرنا وصلى القوم وصلينا فعلام نتقاتل يا أمير المؤمنين فشرح سيد البلاغة له ذلك حتى استيقن أمره ووقف في صف علي حتى استشهد نعم هذا الذي حسم موقفه وتجاوز الأزمة النفسية التي كان يعانيها وكان في حيرة من أمره بين معسكر الحق والباطل , هذه الازدواجية والتخبط يعيشه المسلمون وفي ذروته في عصرنا الحاضر , جاء في نهج البلاغة (لَكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ رَبَّكُمْ أَ مَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ وَ لَا حَمِيَّةَ تُحْمِشُكُمْ أَقُومُ فِيكُمْ مُسْتَصْرِخاً وَ أُنَادِيكُمْ مُتَغَوِّثاً فَلَا تَسْمَعُونَ لِي قَوْلًا وَ لَا تُطِيعُونَ لِي أَمْراً حَتَّى تَكَشَّفَ الْأُمُورُ عَنْ عَوَاقِبِ الْمَسَاءَةِ فَمَا يُدْرَكُ بِكُمْ ثَارٌ وَ لَا يُبْلَغُ بِكُمْ مَرَامٌ دَعَوْتُكُمْ إِلَى نَصْرِ إِخْوَانِكُمْ فَجَرْجَرْتُمْ جَرْجَرَةَ الْجَمَلِ الْأَسَرِّ وَ تَثَاقَلْتُمْ تَثَاقُلَ النِّضْوِ الْأَدْبَرِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيَّ مِنْكُمْ جُنَيْدٌ مُتَذَائِبٌ ضَعِيفٌ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ )( قَدِ اسْتَطْعَمُوكُمُ الْقِتَالَ فَأَقِرُّوا عَلَى مَذَلَّةٍ وَ تَأْخِيرِ مَحَلَّةٍ أَوْ رَوُّوا السُّيُوفَ مِنَ الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الْمَاءِ فَالْمَوْتُ فِي حَيَاتِكُمْ مَقْهُورِينَ.وَ الْحَيَاةُ فِي مَوْتِكُمْ قَاهِرِينَ أَلَا وَ إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَادَ لُمَةً مِنَ الْغُوَاةِ وَ عَمَّسَ عَلَيْهِمُ الْخَبَرَ حَتَّى جَعَلُوا نُحُورَهُمْ أَغْرَاضَ الْمَنِيَّةِ) . وقد وقع الأمر نفسه مع الأمام الحسين في واقعة ألطف كما وصفها الفرزدق (قلوبهم معك وسيوفهم عليك) فيما يؤكد قصر تفكير والازدواجية التي وقع فيها المسلمون منذ القدم ويعيشونها لوقتنا الحاضر بسبب تغييب العقل والوعظ المنافق الذي لا زال يأتي نتاجه في عدم الوصول إلى القرار الصائب والاسترشاد بالسلوك القويم الذي يخدم الناس جميعا دون تفريق . ما الفرق بين معاوية والحجاج ويزيد وأسامة بن لادن والظواهري وال زرقاوي وصدام والجماعات الإسلامية المسلحة التي تجوب مختلف أصقاع ألأرض في العراق وأفغانستان والصومال وباكستان وغيرها من ألاماكن , وهم ما برحوا يهتدون بسنة هؤلاء ويسيرون على نهج الطغاة والمجرمين رافعين شعاراتهم الدينية والدين منهم براء لكننا في الوقت نفسه لابد أن نقر جميعا أنهم مسلمون يحملون المصاحف والشعارات الدينية في نفس الوقت نقر لهم بأنهم مجرمون فجرة غدارون على غرار جميع المجرمين قديما وحديثا . لقد شاهدنا كيف كان صدام الملعون يحمل تحت إبطه نسخة من المصحف لم يفارقه أثناء محاكمته ولطالما رفعه وشهره أثناء جلسات المحكمة ولطالما كان يحفظ بعض السور ويلقيها إثناء كل جلسة , ولعلني هنا سأقول هنا عبارة في حق صدام (لعنة الله عليه إلى ابد الآبدين) أنه كان من القراء الجيدين للتأريخ بحذافيره وانتهج سنة معاوية حينا وهتلر وموسوليني حينا وستالين حينا آخر ولكنه كان متأثرا إلى حد بعيد وتقمص شخصية معاوية إلى أبعد الحدود ولعل حكامنا الطغاة من أمثال ألقذافي والبشير وعبدا لله الطالح وأمراء آل سعود سائرون على هذا النهج الخبيث. ولنعد فيما بدأنا به ونقول أن غالبية المسلمين يعيش أزمة نفسية وصراعا وازدواجية في الشخصية بين ما يكن داخل نفسه وما يكرس من قول وعمل على أرض الواقع ويصح القول أن صلاحية النية والسريرة ترتبط ارتباطا مباشرا بصلاح العمل ومقدار مدك يد المساعدة لغيرك من المحتاجين ومدى انتفاع الناس منك وكف الضرر بل ودفعه عنهم دون النظر إلى شكل ولون وعقيدة . الوعظ المنافق السني والشيعي لا يصب في مصلحة المسلمين سوى زيادة في تشتيت الفكر بقدر ما هو مشتت أصلا وفي ظل الظروف التي يعيشها غالبية المسلمين تحت كنف وقهر حكامهم فلا تغرنكم كثرة بناء المساجد وعدد مرتاديها وقراءة القرآن وحمله ولا الوعظ والخطب التي أصبحت ألآن في مجملها مكرسة لتوجيه العقول و ألأنظار نحو العداء تجاه الغرب ألإنساني الديمقراطي وأبعاد الشبهات والأنظار عن الحاكم الطاغي المستكبر المتستر بهذه البدع التي طالما سار عليها أمثال معاوية والحجاج وصدام والخامنئي ونصرا لله الذين أبعدوا الشيعة والسنة عن ماهية وأصول التشيع و التسنن الحقيقين ولنقف ولو للحظة ما ونرى ما هو الذي يخدم الطبيعة البشرية عموما بعيدا عن التزلف والبهتان ولا ننخدع بهذه الخطب والوعظ ونظن أنفسنا بأننا سائرون إلى ألأمام بينما نحن واقفون في مكاننا ننحدر نحو الهاوية .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |