|
ماذا نفعل في أفغانستان؟
بقلم: خوسيه لويس باربيريا ترجمها عن الاسبانية علي عبد الرزاق بعد أن أنفقت 1.562 مليون يورووبعد أن خسرت 89 رجلاً في الأراضي الأفغانية، زادت اسبانيا وحداتها العسكرية من أجل مواجهة التصعيد الخطير. يظنّ الكثير من الناس أنّنا هناك نوزع طعاماً وابتساماتٍ ضمن خطة للمنظمات غير الحكومية، غير أنها حربٌ، حربٌ قذرة، لأنهم لا يواجهون: يهاجمون ويندسون بين المدنيين". في عامه الرابع والعشرين الذي أتمّه من قريب يتكلم الجندي روبين لوبيز غارثيا بالحرقة التي تعطيها ساقٌ مقطوعة، وأخرى ممزقة بشكل خطير ويدٌ مشوهة، نتيجة للهجوم الذي وقع 24 سبتمبر (أيلول) من عام 2007 على عربةٍ عسكرية كانت تسير على مشارف شيوان (محافظة فرح) والذي خلّف ثلاثة قتلى وستة جرحى. "كنت في الباب الخلفي للعربة المدرعة المدولبة أراقب ونصف جسمي ظاهرٌ للخارج عندما فجروا اللغم. خرجت كقذيفة من العربة وسقطت على الرشاش، لكنني لم أفقد الوعي. لاحظت فوراً أنني فقدت ساقاً. كنت أصرخ "أولاد العاهرة" كنت أنزف بغزارة حتى أتى الرقيب وعمل لي ضمادةً وأمرني بالسكوت. أدين له بحياتي". مُنِح روبين لوبيز ميدالية الإستحقاق العسكري وتعويضاً قدره 36.000 يورووراتباً مدى الحياة. يعيش مع كلبه في شقة أرضية في البسيط (Albacete) ولديه خطيبةٌ من جديد. لا يعاني كوابيساً. يقول: "أول نومي كنت أشعر بضربة قوية على الوجه، مثل مقلاة، لكنّ كل ذلك قد مضى" هل ثمة معنى لإرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان، المخاطرة بحيواتٍ جديدة، خسارة نقودٍ أكثر، ماذا نفعل هناك؟ ماذا نفعل مع الدور المزدوج لإكمال المهمة المحدّدة ومدى ضرورة الاستمرار، والآن غيّر التمرد المتنامي أفق إعادة الإعمار السلمية للبلد بسيناريومضطرب لا يُستَبعد خلاله احتمال الهزيمة العسكرية لقوات التحالف. لقد مرّ أكثر من عشرة آلاف جندي اسباني في هذا البلد من آسيا الوسطى منذ أن وضع جيشنا أقدامه هناك. ثلاثة وعشرين وحدة من الجنود تلقت تعمّدت بالنار في الجبال المقفرة والصحارى الأفغانية المقفرة في ظروفٍ جويةٍ قاسية من الريح التي تشوي والبرد القارص. شبانٌ يافعون جداً بشكل عام، ازدادوا صلابةً في دوريات الإستطلاع التي تستمر تسعة ليالٍ في العراء، تعلموا أن يتقوا الكمائن المنصوبة في الدروب والرجال الانتحاريين القنابل، والتحكم بالأعصاب ليلاً عندما تدوي قذائف المورتر في العتمة والصمت باحثةً عن طريقها إلى قاعدة هيرات، حيث يضحي أي ضوءٍ ممنوعاً منعاً باتاً. بما أنّ إقامتهم كانت محدودةً فإنّ هؤلاء الجنود يحملون على جلودهم خاتم أفغانستان: طعم ورائحة البؤس والغبار في الطرقات، الرز مع لحم الضأن والكمون والزعفران. يحفظون في حدقات عيونهم الجمال المتوحش للبلد، وفي متاعهم العسكري لا يُفتَقَد أبداً الرواية المؤرخة الأفغانية. هنا قصصٌ صغيرةٌ جُمِعَت من بين المحاربين القدامى الذين تكلموا بتصريحٍ وبدونه إلى هذه الجريدة. "لم أستطع أن أنسى المشهد ذلك اليوم الذي كنا نقوم فيه بدوريةٍ على الأقدام ووصلنا قرب بيتٍ كان في باحته امرأةٌ وبضعة أطفال، عندما انتبه الزوج إلى أننا سنمر من أمامه أخذ عصاً وراح يضرب زوجته. ساقها إلى البيت ضرباً بالعصا، كما لوكانت دابةً. هنالك، لا تساوي المرأة بعض نعاج. هل تذكر عندما أخبرنا الرأس أنّ ميزان الحرارة في العربة المصفحة انفجر لمّا تجاوز 59 درجة؟ وعاصفة الرمل والحصى تلكك التي أوقفت القافلة وأرغمتنا على البقاء محبوسين في العربة؟ كنا نعرف على الأقل أنها ما استمرت لن تستطيع طالبان الهجوم علينا" تخطر في بالي تلك الحافلات المكتظة بالناس التي تنقل السياراتِ على سطحها". "أنت في وسط الصحراء في درجة حرارة تزيد على 50 مئوية، دون أية إشاراتٍ على المدنية ونباتات على مدى كيلومترات كثيرة من حواليك، وفجأةً يظهر بضعة أولادٍ يركضون حفاةً على الحصى". آلاف الوداعات والاستقبالات في المطارات، آلاف العائلات المعلقة في انتظار الأخبار، زادت مئتين الآن. على الرغم من أنّ الوجود الإسباني ليس كبيراً، أكثر قليلاً من ألف جنديٍ منخرطين في القوة الدولية للمساعدة على إرساء الأمن المنظمة من قبل الناتو(إيساف- ISAF)، أنفقت اسبانيا في هذه المهمة 1.562 مليون يورو، منها 364 لهذا العام. ودفعت ضريبةً إنسانيةً، 89 إصابةً، كلها ما عدا اثنتي عشرة، ضحايا حادثي الياك 42-YAK 42- (62 ضحية) وحوامتي كوغر Cougar (17 ضحية). قسمٌ من الوحدة يتمركز في القاعدة الإسبانية الإيطالية في هيرات، في حين القسم الأكبر يحمي عمال الإغاثة وتقنيي فرق الإعمار المحلية (PRT) المنشأة في محافظة بادغيش. يتحمل بلدنا أيضاً مهمة التحكم بمطار كابول وتدريب الشرطة والجنود الأفغان، مهمةٌ تشارك فيها الحرس الوطني. طائرات التجسس والبحث MKII J وMini UAV Raven B والعربات المدرعة MLV Lince وRG31 MK 5E هي معداتها الأكثر تطوراً. مثل بقية جيوش إيساف (ISAF) تطبق القوات الإسبانية القواعد التي تسمح بالقتال في حال تعرضها للهجوم فقط. إنه موقفٌ يعارضه عديدٌ غير قليلٍ من العسكريين. "دون هجومٍ لا يمكن أن نهزم التمرد وسيتسمرون في التقدم على الأرض على حسابنا. أفضّل قتال إرهابيي القاعدة في أرضهم على انتظار أن يجهزوا لنا 11 مارس آخر** في اسبانيا. إضافةً لذلك ليس من الممكن البقاء دائماً في حالة الدفاع، أحد مبادئ الحرب هوإرادة النصر، واسبانيا لا تمتلكها"، يقول أحد الخبراء. وماذا تفعل القوات الإسبانية عندما ترى تحركاتٍ للعدو؟ وماذا يفعلون بالأسرى والمواد التي يستولون عليها؟ "لا أتذكر أنّه حصلت أية عملية اعتقال عندما كنت هنالك. من الصعب أخذ أحد المتمردين أسيراً لأنّ المواجهات تتم عن بعد. يهربون ويموتون غير أنهم لا يتركون جرحاهم"، يجيب نفس العسكري. "تتعاون قواتنا مع القوات الأفغانية التي تعتقل وتصادر" يشير من جهته الكولونيل إيميليوسارابيا المسؤول حتى حوالي أربعة أشهر عن الوحدة المتمركزة في بادغيش. "أن تكون اسبانيا لم تشارك في عملية الحرية المستمرة التي تقودها الولايات المتحدة لا يعني أن نستمر في إستراتيجية دفاعية. ويقول: "في واقع الأمر فإنّنا نصل إلى المناطق المضطربة في المحافظة حيث يتحرك المتمردون بسهولةٍ أكثر". يقول أنّ المهمة المنفذة الواعدة أكثر هي فتح الطريق الذي يصل قلعة ينووبالامورغاب. "لقد حافظ عليها المتمردون مغلقةً لوقت قريب غير أننا فتحناها مسيطرين على الأرض ومتحكمين بالمرتفعات لمدة أربعة أيام. حرسنا قافلة تموين والآن تؤمن الشرطة الأفغانية هذا الممر الاسترتيجي ببعض القوات". فخوراً جداً بالعمل المنجز في أفغانستان، يشيد الكولونيل بالمستوى الإنساني والمهني للجنود الإسبان. "صدّقني، إنهم من الخيرة، بالنسبة للقدرة والشجاعة والجاهزية، أضف إلى ذلك الكرم. من أرباح يانصيب الجمعة موّلوا ملعب كرة طائرة، الرياضة الوطنية الأفغانية، في الميتم الذي أنشأته اسبانيا في قلعة ينووالذي يحمل اسم "الرقيب أبريل" الذي مات في تلك البلاد. منذ أن ابتدأ القتال في الخارج –وأفغانستان، ملاذ الذين استلهموا مجزرة مدريد وراحوا ينادون طوال الوقت بإعادة احتلال الأندلس، ذلك يحمل لبلدنا دلالاتٍ مؤلمةً بشكلٍ خاص-، كما لوأنّ قسماً من الجيش طالب بالمزيد من التشجيع والاعتبار الاجتماعي. من الظاهر أنّ بعض أوجه القصور تكمن في عدم وجود تعويضاتٍ كاملة، مبلغ 1200 يورويصل هناك إلى 3200، ولا يتم تعويض الانتقال الوظيفي نهائياً في بعض الحالات. "عندما ترى رفاق في تابوت تنتبه إلى أنّ الثمن غير عادلٍ كفايةً، رغم أنني أبدّل المال باعترافٍ أكبر من المجتمع. الكثيرون منّا يفضّلون أن تكون اسبانيا فخورةً بقواتها المسلحة". يؤكّد أحد الجنود الذين جُرِحوا في أفغانستان. "ليست هذه حربنا"، "ماذا فقدنا هناك؟" دون شكٍ يثير هذا السؤال عددٌ غير قليل من أقرباء الجنود وقسمٌ من الرأي العام، خائفين من أنّ إرسال المزيد من القوات يفترض أمراً مثل إدخال الرأس بشكلٍ نهائي في الفرن الأفغاني. إنّه سؤالٌ رئيس، محكومٌ بالتكرار بإلحاحٍ زائدٍ في الأوقات الآتية لإنّ المحللين العسكريين يتوقعون مجيء أوقاتٍ أسوأ في أفغانستان ويحذرون من أنّ انتصار طالبان يفترض انتصار القاعدة. يحاول التحالف الدولي بأي ثمن منع المتمردين من استخدام صواريخ أرض- جو، لأنهم إذا استطاعوا إسقاط الحوامات كما فعلوا يومها بالحوامات السوفيتية فإنهم سيعطلون عمل قوات التحالف، التي تعتمد بشكلٍ واضحٍ على الاتصال والدعم الجوي المستمر. إضافةً لذلك، لا تستطيع أن تفهم أنّ البديل الدولي عن تهديد طالبان هودعم حكومةٍ فاسدةٍ بشكلٍ ظاهر، تسمح للأزواج أن يعاقبوا زوجاتهم بحرمانهنّ من الطعام إن امتنعن عن الجماع. والسؤال الذي يطرح الآن ويزيد في الجدل القائم هوحول ملائمة العتاد العسكري في الميدان. "هل يجب الإنسحاب من أفغانستان؟" أسأل روبين لوبيز، هذا الشاب الذي يدرس من أجل الحصول على الثانوية العامة، "أريد أن أدافع عن رفقائي مثل محامي"، والذي يحتاج إلى عكازات للتحرك في بيته، يجيب بلا، وجود اسبانيا هناك مفيدٌ جداً. من الواضح أنّ إجابة المتطوع الصلد من هذا النمط حملته على الالتحاق ب paracas عندما أكدوا له أنّها أكثر الوحدات العسكرية صعوبة. لا يلوم رمبين أحداً على ما جرى له، غير أنّه يؤكّد أنّ الحكومة تفعل حسناً إذا أعادت النظر في تدريع العربات. يجب النظر إلى ذلك على أنّه نصيحة ثمينة صادرةٌ عمن عانى هذه الإصابة الجسيمة، وذلك الهجوم الذي أودى بحيوات الجنود خيرمان بيريز بورغوس وستانلي مير بيرا والمترجم روح الله موسوي، كان مسبباً للجدل الذي انتهى بسحب ناقلات الجند المدرعة، تلك الفرائس السهلة للألغام المضادة للدرع، بسبب افتقادها للتدريع من أسفل. "مع هذه العربات كان الصراع مستمراً، دائماً كان هنالك أحدٌ مصابٌ. كان ذلك مخجلاً. يبدوالآن أنّ الأمر قد تحسن بفضل العربات الجديدة، غير أنّ ثمن ذلك كان موتى". وينتقد بعنفٍ محاربٌ قديمٌ فضّل عدم كشف هويته: " ليست القمصان الواقية من الرصاص جيدةً أيضاً، الجيب الذي يحملونه لحفظ بطاقة الهوية قليل المقاومة ويتمزق بسهولةٍ، لذلك يجب حفظها بشريط لاصق. إضافةً لذلك فإنها غير مريحة: لا تستطيع أن تسند إليها عقب البندقية". يركّز الكولونيل إيميليوسارابيا على استحالة بلوغ نسبة أمان مئة بالمئة. "إذا كان لديك عربة مدرعة تحميك من عبوة "ص" سيستخدم العدوضدك عبوة ص+ع. لا أعتبره خطأً إرسال العربات ناقلة الجند المدرعة". ذلك الصباح المشؤوم يوم 24 سبتمبر (أيلول)، كان الجندي أوسكار بيرتوميوذي الأربعة وعشرين عاماً، يحتل الباب الخارجي الآخر من العربة التي تعرضت للهجوم. رغم أنّ أجهزة الاستخبارات حذّرت صراحةً من الكمين، غير أنّه أيضاً لم يرَ أي شيء مثير للشبهة على الأرض، لم يلحظ اللغم المدفون في الأرض ولا الحبل ذي ال 70 متراً المدفون تحت التراب. "كانت عشية عيد ميلادي، كان ذلك مذهلاً، كنت ذي حظ لأنّ الرشاش أصابني في رجلٍ واحدة فقط. لقد أجلونا بحوامةٍ ومن ثمّ إلى اسبانيا، غير أنني التحقت بوحدتي بعد أسبوع لأنني أردت أن أرفع الروح المعنوية لزملائي الذين كانوا في الحضيض. إنهم عائلتي الثانية. تعلمت في أفغانستان أن لا تستصغر أحداً، إنك بحاجة لرفقائك مثلما هم بحاجة إليك". الضابط فرانثيسكورورديغيز كريسبوالذي كان ضمن القافلة نفسها قال أنّه مما شاهد إضافةً إلى المناظر المؤلمة، كان هنالك ردود فعل احترافية مدهشة. لقد عرفوا أن يحافظوا على الهدوء والتعامل مع الموقف. لقد كانت فترةً مؤلمةً. غير أنّه بالنسبة لي فقد أظهرت التجربة أنّ جنودنا يمتلكون كفاءةً عالية". جندي وضابط يتحدثان مع الصحفي في كتيبة المظلات في Paracuellos del Jarama في (Madrid) بتصريحٍ من قادتهم. رغم افتراض وجود الرغبة والدافع في الجيش، فإنّه ما خلا حالات القوة القاهرة، فإنّه على أرض الواقع، ينتقل كل الجنود مع وحدتهم كائنةً ما كانت وجهتها. يتوجب تصديقهم عندما يظهرون رضاهم واقتناعهم بضرورة المهمة الأفغانية. تتدخل الجندية سوراني مونتانوأمادور "أنا كوبية"، يصحح لها ضابطٌ: "أنت اسبانية"، "حسنٌ، أريد القول أنني ولدت في كوبا، غير أنني لم أعرف بؤساً كالذي رأيته في أفغانستان. الأولاد وسخون حفاةٌ، الشوارع دون اسفلت، بيوت الطين دون ماءٍ وكهرباء وصرفٍ صحي". إنها صورةٌ لحالةٍ مختلفة تماماً عن الوضع الذي اعتاد عليه الجنود الإسبان. إذ أنّه في قاعدة هيرات لديهم مطبخٌ اسباني، وعلى النقيض من جنود بلدانٍ أخرى ينامون على أسرة، لديهم مكيف هواء ويستطيعون متابعة مجريات الحياة في اسبانيا عبر التلفزيون والاتصال بالبيت كل يومٍ عملياً. في الجيش الإسباني يشكل الجنود ذووالأصول الأجنبية 17% من القوات والبحرية وتشكل النساء 7%. سوراني مونتانو، ذات 30 عاماً، العزباء، لديها سببٌ إضافي كي تكون في أفغانستان. " ولا واحدة من النسوة الأفغانيات اللائي كن يعملن في قاعدتنا في قلعي نوكاشفاتٍ وجوههنّ، كعاملات تنظيف وغسّالات وإداريات، تتجرأ على الخروج إلى الشارع دون البرقع". تؤكد أنها لم يكن لديها مشاكل مع الموظفات الإناث والموظفين الذكور الأفغان. "عملت في المخزن كتفاً إلى كتفٍ مع أفغاني، وعندما تودّعنا سقطت الدموع منّا الإثنين". العلاقة مع المدنيين الأفغان كانت واهيةً عموماً، اللغة ومدة المهمة القصيرة، خمسة أشهر، وأساساً الخوف من الاعتداءات، أعاقوا هكذا اتصال، رغم ذلك تحتفظ أفغانستان بذكرى حاضرة عند المحاربين القدامى. "إنها مثل حبيبة تعاملك بسوء، غير أنّك لا تستطيع أن تترك حبها" يوجز بابلوجوستي، المسؤول القديم للوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية (AECID). وهكذا، حسب ما يشير عسكريٌ متمركزٌ في كابول، واحدة من الأمور التي تلاحظها بمجرد الوصول إلى المطار هي الرائحة الكريهة المقرفة للمياه السوداء الناتجة عن فقدان الصرف الصحي والتي تجري مكشوفة في الشوارع. "لا يوجد تقريباً إشاراتٌ ضوئية، شوارع معبّدة، ولا إنارة. تعيش في ضنكٍ مستمر، مع الأعصاب االمشدودة. إن كان عليك المرور من معبر وعبر زحام، يجب أن تمنع بأي ثمنٍ أن يفتحوا الباب، لا تعرف إن كانوا سيطلبوا منك مالاً ويرموا إلى الداخل قنبلة. كذلك يحاولون أن ترتطم بهم بالعربة ليطالبوا بتعويض. لقد قاسيت لحظاتٍ ممضةً مع تجمعات محتجين غاضبين، حالاتٍ تقامر فيها، إمّا أنت وهم. تحدث هجماتٌ واشتباكاتٌ كل بضع دقائق. غير أنّنا في اسبانيا نفضّل النسخة المجمّلة من ذلك والتي هي بالنسبة إلينا مهمة سلام" كما يقول. يقول: "لقد كنت هناك لمدة عامين ونصف وحتى الآن لم أستطع تكوين رأي ثابتٍ حول هل يجب أن تبقى القوة العسكرية الدولية أم لا". يشير دييغوكامينوالذي يتولى مسؤولية تمويل المشاريع من قبل المفوضية الأوروبية. "من شان الإنسحاب أن يؤدي غلى حرب أهلية مفتوحة، غير أنّ هذه الحرب واقعةٌ الآن. أعتقد أنّ التدخل العسكري كان غلطة كبيرة سببت عمليات نزوح كبيرة وإصابات غير مبررة في صفوف المدنيين، فيما احتفظ أمراء الحرب بالمال المقدم من الخارج. الآن يصيحون كلهم صيحة الحرب: "الموت للأجانب". يتحدث بابلوجوستي بطريقة مختلفة. "خلال خمسة أعوام استطعنا أن نجعل مدينة قلعايناو، عاصمة محافظة بدغيش، المدينة الأفغانية الأولى التي فيها شوارع معبدة وصرف صحي وماء صالح للشرب في كل البيوت. أنشأنا 170 كيلومتراً من الطرقات، مستشفى محلي، سبع عيادات طبية، مدارس للأولاد والبنات، معاهد ومراكز لتأهيل المدرسين والقابلات. الآن نؤمن عملاً ل 7500 أفغاني يعملون بخمسة دولارات يوميا في مختلف المشاريع التي يجري إنجازها. أنفقت اسبانيا ما بين 130 إلى 150 مليون دولار والأغلبية الساحقة من الناس سعيدةٌ لأنها المرة الأولى في التاريخ التي يقوم بها أحدٌ بعملٍ لمصلحتهم، باستثناء القليل الذي قام به الروس. حقيقة أنّ طالبان قد امتنعت عن مهاجمة المدارس والمشافي فذلك لأنّ أغلبيتهم تقدّر معنى أن يتعلم أبناؤهم وأن تلد نساؤهم دون خطر. يؤكّد: "المشكلة تكمن في أنّ 5% من المتمردين المسلحين والمتعاطفين معهم يريدون تدمير كل ذلك، رغم أنّ الجنود الإسبان يتصرفون بشكل جيدٍ جداً ويسعون لكسب التأييد الشعبي". "المسألة" كما يقول "لا يجب أن تكون قتل طالبان وإنما إقناع الشعب بضرورة إنشاء دولة". يعتقد الجنرال ميغيل بالستروس مدير المعهد الإسباني للدراسات الإستراتيجية أنّه ونظراً لهذه الحالة، لا يتم التعامل على أساس ربح الحرب مع القاعدة وإنما الحيلولة دون تحول أفغانستان إلى دولة فاشلة والوقوع في أيدي طالبان وزعزعة استقرار جارتها النووية باكستان. حب رأيه "يجب مضاعفة الجهود للإسراع في تدريب وحدات الجيش والشرطة الأفغانية. وفقاً لهذا المحلل العسكري فإنّ جلاءً إجبارياً للقوات الدولية من الممكن أن ينطوي على تقوية للقاعدة، التي ستظهر على أنها القوة الوحيدة القادرة على تحقيق انسحاب القوتين: الإتحاد السوفييتي سنة 1989، والآن الولايات المتحدة والناتو". تبعاً لذلك فإنّ التاريخ قد يعيد نفسه في أفغانستان ويرسم من جديد المشهد الذي رآه الصحفي Wojciech Jagielski في كابول بعد الهزيمة السوفييتية. "نصف المدينة أضحى مغطىً بالأشرطة البنية الناتجة عن أشرطة الفيديووالكاسيت. أطواقٌ من الأشرطة السينمائية تطايرت في الريح، وأيضاً أجهزة التلفزيون المربوطة إلى بسلاسل إلى أشجارٍ وأعمدة النور كما لوأنها كانت مجرمين قد مُسِكوا بالجرم المشهود، يجب أن تتحول إلى رموز العهد الجديد. إعدام التلفزيونات والصمت المطبق الذي خيّم على المدينة بعد إعلان تحريم الاستماع إلى الموسيقى لأنّ طالبان تعتبره إثماً، الذهاب إلى الصلاة إجبارياً والتهميش الاجتماعي للنساء اللواتي يعاملن أحياناً بطريقة أقسى من التهميش، كل ذلك كان الثمن… (مقطع من كتاب صلاة للمطر "Una oración por la lluvia")
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |