الطفّ .. ثورة الحقّ وثورة على الواقع الإستبدادي

 

د.مؤيد الحسيني العابد

mouaiyad@gmail.com

تعتبر كلمة الثورة بمعناها العام هي التغيير أو محاولة التغيير للظلم الواقع على فئة أو فرد أو أمّة وتغيير الواقع المعاش بسبب هذا الإستبداد السياسي والإجتماعيّ والإقتصادي والأخلاقيّ بأسلوب عنيف بعد أن تستوفى كلّ الحلول السلميّة الأخرى. ولقد ترك الجانب الفلسفي الخاص بكلّ ثورة للظرف الذي تعيشه الجماعة في المجتمع. لكنّنا يمكن القول أن لا إختلاف في المعنى العام والذي نشير به إلى ثورة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه صلوات الله وسلامه. وقد شذّ عن هذه القاعدة العامة والأخلاقيّة جلاوزة محمد عبد الوهاب وأزلام إبن تيمية! ذلك الذي وصفته كتب كثيرة من كتب السنة والجماعة بالزنديق والمنحرف وغير ذلك(من يريد المزيد فليذهب الى تلك الكتب). لقد فعلت ثورة الإمام الشهيد ما لم تفعله ثورات على مستوى الأمم والجماعات عبر التأريخ. حيث قامت هذه الثورة العظيمة بتغيير الكثير من المفاهيم التي تلاعب بها نظام الحكم الإستبدادي الأموي وما سبقه من طغيان بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، من إنحراف عن وصية المصطفى في قيادة الأمّة من بعده ومحاولة التأثير في الأسلوب النبوي المسدّد من السماء والتي حاول المستبدّون تغيير مفاهيم السماء وتحويلها الى أساليب سياسية مقيتة أوجدت أو ساهمت بشكل كبير في كلّ ألوان الإستبداد والظلم على مستوى الامة الى الان. نعم لقد كانت الثورة الحسينية ثورة الدم المراق على أرض كربلاء لتعبّد الطريق الى الثائرين بعدهم الى محاربة الاستبداد عبر التأريخ فهي ثورة مستمرّة في عملية تأثيرها للقيام بدور سام وإعطاء المدد للثوار في عملية الإستلهام المعنوي لهم والمدد النفسي في عملية التصدي. ولو ألقينا نظرة عصرية لعملية الاستلهام سنرى ذلك من خلال ثورة التغيير التي خاضها شباب وشيوخ ونساء في العراق زمن نظام البعث الذي أراد بكلّ قوة وبطش تغيير قيم الاخلاق السامية (ويحاول من خلال نفس الاسلوب في الوقت الحالي بقتل أفراد الامة الجماعي وهو الاسلوب الذي إتّبع في إبادة أجيال كاملة زمن حكمه الطاغي) لولا سرقة هذه الثورة العظيمة من قبل طغاة الارض في الولايات المتحدة مع بعض الزحف المقيت من قبل من حسبوا على الثوار!!لكان الأمر غير الأمر!

وكذلك ما يستلهمه المجاهدون في جنوب لبنان في التصدي الى الاستبداد الامريكي الصهيوني الذي يريد للامة أن تسير مسير أحكام أهل الارض الطغاة وزرع سرطان في قلب الامة.لذلك ترى هذه الثلّة المجاهدة عبر سنوات هي قلب نابض بحبّ الحسين ومستلهم لمعاني هذه الثورة العظيمة

ربما يقيس الاخر ثورة الامام سيد الشهداء بمعايير شكلية ويراها خسارة عسكرية آنية كان لها ان لا تكون!!لكنّ الحقيقة ليست هكذا. إنّ كلّ الشعارات التي رفعت زمن الثورة كانت أخلاقية سياسية وعبادية عميقة دفاعاً عن شريعة الاسلام وعن طريق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. حيث كان المؤمنون أهل وأصحاب الحسين عليه السلام ينادون بالقول:(والله لا يحكم فينا الدعي إبن الدعيّ) حيث كان الطاغية يزيد لعنة الله عليه كما أشار إبن كثير في كتابه: تأريخ إبن كثير((إشتهر يزيد بالمعازف وشرب الخمور والغناء والصيد واتخاذ القيان والكلاب والنطاح بين الاكباش والدباب والقرود وما من يوم الا ويصبح فيه مخمورا : وكان يشد القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به ويلبس القرد قلانس الذهب وكذلك الغلمان وكان يسابق بين الخيل وكان إذا مات القرد حزن عليه وقيل أن سبب موته أنه حمل قردة وجعل ينقزها فعضته(( المصدر: تاريخ ابن كثير ج8 ص 439 )

وهكذا قال سيد الشهداء عندما أراد والي يزيد على المدينة أخذ البيعة من الإمام الحسين عليه السلام ، قال له : ((أيها الأمير، إنا أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله

يأتي ذلك بعد أن أرسل يزيد الى الوليد بن عتبة أميره!! على المدينة يقول له فيها((أما بعد فخذ حسينا وعبد الله إبن عمر وابن الزبير بالبيعة أخذا شديدا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام.ينقلها الطبري في تأريخه بإسم: أحداث سنة 60 هـ ج 4 ص 250 رسالة يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة أمير المدينة. وروى ذلك ابن كثير

في تاريخه ج8ص157

لذلك وكما هو معروف إنّ الثورات الاخلاقية لم يكن لها أن تغيّر زمن حدوث الحادثة، فالاخلاق لا يمكن لها أن تغيّر في الان كما هو معروف. ناهيك عمّا عملت الثورة العظيمة من تأثير ما بعد الثورة حيث لم تفد كلّ محاولات الطمس لآثار هذه الثورة من قبل أبواق بني أميّة(وهي الى الان تصفر بتأريخ مشوّه ولا جدوى!) وقد أدّت محاولات القمع إلى أن إرتدّت على الطغاة وأبادت رأس الطغاة بعد ثلاث سنوات من الثورة وقد رافقت عملية القمع السلطوي إنتفاضات مستمرة قد ساهمت في عملية القضاء على الظلم والجبروت

نعم هي هكذا الثورات العظيمة.لقد عبّأت هذه الثورة العظيمة كلّ فئات المجتمع من رجال ونساء وأطفال بل وحتى من الفئات الأخرى من الأديان الأخرى دفاعاً عن قيم السماء. لذلك كان دور المرأة واضحاً بقيادة أخت قائد الثورة الإمام العظيم صلوات الله عليه. زينب وما أدراك من هي زينب سلام الله عليها:حين قال يزيد اللعين لزينب أنّه (أي سيد الشهداء سلام الله عليه) خارجيّ! خرج من الدين: فأجابت سلام الله عليها:"إنما خرج من الدين أبوك وأخوك فقالت زينب بدين الله ودين أبى ودين أخي وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك" .

كما في الطبري ج4 ص 353

هكذا هي ثورة سيد الشهداء

ثورة الحقّ ضد الباطل

ثورة الدم على السيف

ثورة الاخلاق العظيمة ضد الفساد

ونقول هي بحق ثورة التغيير الشامل لكلّ معاني الإفساد التي أرادها الطغاة فكانت وستكون ثورة التغيير المستمر حتى الوصول الى دولة الحق المنشود بإذن المولى الكريم.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com