يا رجال الدين والسياسة العراقيين يوصيكم السيد الشهيد الصدر بأن لا تكونوا قطاع طرق

 

 د. حامد العطية

 hsatiyyah@hotmail.com

في محاضرة للسيد الشهيد محمد باقر الصدرحول التفسير الموضوعي للقرآن الكريم خاطب طلاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف قائلاً:

نحن (أي طلاب الحوزة العلمية في النجف الأشرف) أولى الناس بأن نطلق الدنيا، إذا كان حب الدنيا خطيئة، فهو منا نحن الطلبة من أشد الخطايا، هذا الشيء الذي هو خطيئة من غيرنا هو أكثر خطيئة منا، نحن أولى من غيرنا بأن نكون على حذر من هذه الناحية، أولاً لاننا نصبنا أنفسنا أدلاء على طريق الاخرة، ما هي مهمتنا في الدنيا، ما هي وظيفتنا في الدنيا ؟ اذا سألك انسان، ماذا تعمل، ما هو مبرر وجودك، ماذا تقول ؟ تقول بأني أريد أن اشد الناس الى الاخرة، اشد دنيا الناس الى الاخرة، الى عالم الغيب، الى الله سبحانه وتعالى. اذن كيف تقطع دنياك عن الاخرة ؟ اذا كانت دنياك مقطوعة عن الاخرة فسوف تشد دنيا الناس الى دنياك لا الى آخرة ربك، سوف نتحول الى قطاع طريق، ولكن أي طريق، الطريق الى الله، لا طريق ما بين بلد وبلد، هذا الطريق الى الله نحن رواده، نحن القائمون على الدلالة اليه، على الاخذ بيد الناس فيه، فلو اننا أغلقنا باب هذا الطريق، لو اننا تحولنا عن هذا الطريق الى طريق آخر اذن سوف نكون حاجبا عن الله، حاجبا عن اليوم الاخر، كل انسان يستولي حب الدنيا على قلبه يهلك هو، أما الطلبة، أما نحن اذا استولى حب الدنيا على قلوبنا سوف نهلك ونهلك الآخرين، لاننا وضعنا أنفسنا في موضع المسؤولية، في موضع ربط الناس بالله سبحانه وتعالى والله لا يعيش في قلوبنا، اذن سوف لن نتمكن من أن نربط الناس بالله.

نحن أولى الناس وأحق الناس باجتناب هذه المهلكة لاننا ندعي أننا ورثة الانبياء وورثة الائمة والاولياء، اننا السائرون على طريق محمد (ص) وعلي والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام، ألسنا نحاول أن نعيش شرف هذه النسبة هذه النسبة تجعل موقفنا أدق من مواقف الاخرين، لاننا نحن حملة أقوال هؤلاء وافعال هؤلاء، أعرف الناس بأقوالهم، واعرف الناس بأفعالهم، ألم يقل رسول الله (ص) : « انا معاشر الانبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا عقار، انما نورث العلم والحكمة » ألم يقل علي بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام : « ان امارتكم هذه أو خلافتكم هذه لا تساوي عندي شيئا الا أن أقيم حقا أو أدحض باطلا » . ألم يقل علي بن ابي طالب ذلك، ألم يجسد هذا في حياته، في كل حياته.

علي بن أبي طالب كان يعمل لله سبحانه وتعالى، لم يكن يعمل لدنياه، لو كان علي يعمل لدنياه لكان اشقى الناس واتعس الناس، لان عليا حمل دمه على يده منذ طفولته، منذ صباه، يذب عن وجه رسول الله (ص) وعن دين الله وعن رسالة الله، لم يتردد لحظة في أن يقدم، لم يكن يحسب للموت حسابا، لم يكن يحسب للحياة حسابا، كان دمه دائما على يده، كان أطوع الناس لرسول الله في حياة رسول الله (ص)، وكان أطوع الناس لرسول الله بعد رسول الله (ص)، كان أكثر الناس عملا في سبيل الدين، ومعاناة من أجل الاسلام . ماذا حصل، ماذا حصل عليه علي بن أبي طالب (ع) ؟ لو جئنا الى مقاييس الدنيا، ماذا حصل عليه هذا الرجل العظيم ؟ ألم يقصى هذا الرجل العظيم، ألم يكن جليس بيته فترة من الزمن، ألم يسب هذا الرجل العظيم ألف شهر على منابر المسلمين ! التي اقيمت اعوادها بجهاده، بدمه، بتضحياته، سب على منابر المسلمين ! اذن لم يحصل على شيء من الدنيا لا على حطام ولا على مال ولا على منصب ولا على كناء (جمع كنية) ولا على تقدير، ولكنه على الرغم من ذلك حينما ضربه عبد الرحمن بن ملجم بالسيف على رأسه، ماذا قال هذا الامام العظيم ؟ قال « لقد فزت ورب الكعبة » لو كان علي يعمل لدنياه لقال والله اني أتعس انسان لاني لم أحصل على شيء في مقابل عمر كله جهاد، كله تضحية، كله حب لله، لم أحصل على شيء، لكنه لم يقل ذلك، قال « لقد فزت ورب الكعبة » انها والله الشهادة، لانه لم يكن يعمل لدنياه، كان يعمل لربه، والان لحظة اللقاء مع الله، هذه اللحظة هي اللحظة التي سوف يلتقي بها علي مع الله سبحانه وتعالى فيوفيه حسابه ويعطيه أجره، يعوضه عما تحمل من شدائد، عما قاسى من مصائب.

أليس هذا الامام هو مثلنا الاعلى، أليست حياة هذا الامام هي السنة، أليست مصادر التشريع عندنا الكتاب والسنة، أليست السنة هي قول المعصوم وفعله و تقريره . علينا أن نحذر من حب الدنيا، لانه لا دنيا عندنا لكي نحبها ! ماذا نحب ؟ نحب الدنيا ؟! نحن الطلبة ! ما هي هذه الدنيا التي نحبها ونريد ان نغرق انفسنا فيها ونترك رضوانا من الله أكبر، نترك مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا اعترض على خيال بشر، ما هي هذه الدنيا ؟ هذه الدنيا دنيانا هي مجموعة من الاوهام، كل دنيا وهم، لكن دنيانا اكثر وهما من دنيا الاخرين، مجموعة من الاوهام، ماذا نحصل من الدنيا الا على قدر محدود جدا، لسنا نحن أولئك الذين نهبوا أموال الدنيا وتحدثنا عنهم سابقا، لسنا نحن أولئك الذين تركع الدنيا بين أيدينا لكي نؤثر الدنيا على الاخرة، دنيا هارون الرشيد كانت عظيمة، نقيس انفسنا بهارون الرشيد، هارون الرشيد نسبه ليلا نهارا لانه غرق في حب الدنيا، لكن تعلمون أي دنيا غرق فيها هارون الرشيد، أي قصور مرتفعة عاش فيها هارون الرشيد، أي بذخ وترف كان يحصل عليه هارون الرشيد، أي زعامة وخلافة وسلطان امتد مع أرجاء الدنيا حصل عليه هارون الرشيد، هذه دنيا هارون الرشيد، نحن نقول بأننا أفضل من هارون الرشيد، أورع من هارون الرشيد، أتقى من هارون الرشيد، عجباه نحن عرضت علينا دنيا هارون الرشيد فرفضناها حتى نكون أورع من هارون الرشيد .

يا أولادي، يا أخواني، يا أعزائي، يا أبناء علي .. هل عرضت علينا دنيا هارون الرشيد، لا .. عرضت علينا دنيا هزيلة، محدودة، ضئيلة، دنيا ما أسرع ما تتفتت، ما اسرع ما تزول، دنيا لا يستطيع لانسان أن يتمدد فيها كما كان يتمدد هارون الرشيد، هارون الرشيد يلتفت الى السحابة يقول لها أينما تمطرين يأتيني خراجك، في سبيل هذه الدنيا سجن موسى بن جعفر (ع)، هل جربنا أن هذه الدنيا تأتي بيدنا ثم لا نسجن موسى بن جعفر؟ جربنا أنفسنا، سألنا أنفسنا، طرحنا هذا السؤال على انفسنا، كل واحد منا يطرح هذا السؤال على نفسه، بينه وبين الله . ان هذه الدنيا، دنيا هارون الرشيد كلفته أن يسجن موسى بن جعفر، هل وضعت هذه الدنيا أمامنا لكي نفكر بأننا أتقى من هارون الرشيد.

ما هي دنيانا؟ هي مسخ من الدنيا، هي أوهام من الدنيا، ليس فيها حقيقة الا حقيقة رضى الله سبحانه وتعالى، الا حقيقة رضوان الله، كل طالب علم حاله حال علي ابن أبي طالب، اذا كان يعمل للدنيا فهو أتعس انسان، لان أبواب الدنيا مفتوحة، خاصة اذا كان طالب له قابلية، له امكانية، له ذكاء، له قابليات، هذا أبواب الدنيا مفتوحة له، فاذا كان يعمل للدنيا فهو أتعس انسان، لانه سوف يخسر الدنيا والاخرة، لا دنيا الطلبة دنيا ولا الاخرة يحصل عليها، فليكن همنا ان نعمل للاخرة، أن نعيش في قلوبنا حب الله سبحانه وتعالى بدلا عن حب الدنيا لانه لا دنيا معتد بها عندنا.

الأئمة عليهم السلام علمونا بأن تذكر الموت دائما يكون من العلاجات المفيدة لحب الدنيا، أن يتذكر الانسان الموت، كل واحد منا يعتقد بأن كل من عليها فان، لكن القضية دائما وابداً لا يجسدها بالنسبة الى نفسه، من العلاجات المفيدة ان يجسدها بالنسبة الى نفسه، دائما يتصور بأنه يمكن ان يموت بين لحظة واخرى، كل واحد منا يوجد لديه اصدقاء ماتوا، اخوان انتقلوا من هذه الدار الى الدار الاخرى، أبي لم يعش في الحياة اكثر مما عشت حتى الان، أخي لم يعش في الحياة اكثر مما عشت حتى الان، أنا الان استوفيت هذا العمر، من المعقول جدا أن أموت في السن الذي مات فيه أبي، من المعقول جدا أن أموت في السن التي مات فيها أخي، كل واحد منا لا بد وأن يكون له قدوة من هذا القبيل، لا بد وان احباب له قد رحلوا، أعزة له قد انتقلوا لم يبق من طموحاتهم شيء، لم يبق من آمالهم شيء ان كانوا قد عملوا للاخرة فقد رحلوا الى مليك مقتدر، الى مقعد صدق عند مليك مقتدر، واذا كانوا قد عملوا للدنيا فقد انتهى كل شيء بالنسبة اليهم، هذه عبر، هذه العبر التي علمنا الائمة عليهم السلام ان نستحضرها دائما، تكسر فينا شره الحياة، ما هي هذه الحياة، لعلها أيام فقط، لعلها أشهر فقط، لعلها سنوات، لماذا نعمل دائما ونحرص دائما على اساس أنها حياة طويلة، لعلنا لا ندافع الا عن عشرة ايام، الا عن شهر، الا عن شهرين لا ندري عن ماذ ندافع، لا ندري اننا نحتمل هذا القدر من الخطايا، هذا القدر من الآثام، هذا القدر من التقصير امام الله سبحانه وتعالى وأمام ديننا، نتحمله في سبيل الدفاع عن ماذا، عن عشرة أيام، عن شهر، عن اشهر ... هذه بضاعة رخيصة، نسأل الله سبحانه وتعالى ان يطهر قلوبنا وينقي أرواحنا، ويجعل الله أكثر همنا، ويملأ[نا] حبا له، وخشية منه، وتصديقا به، وعملا بكتابه .

المصدر: السيد محمد باقر الصدر، مقدمات في التفسير الموضوعي للقرآن، المكتبة الشاملة الالكترونية.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com