|
الانتحار ظاهرة خطيرة في مجتمعنا!!
عبد الرحمن آلوجي الانتحار ظاهرة قديمة – حديثة،لها أبعاد نفسية وسلوكية، ترتد في ذاتها إلى ظواهر تربوية واجتماعية واقتصادية، تشكل في الوقت نفسه الأسباب العميقة الدافعة لإتيان فعل من شأنه وضع حد لحياة لم يعد يحتملها الفاعل، بعد وصوله إلى درجة كبيرة من الإجهاد النفسي والفكري والعصبي إلى حد الشعور بإحباط كامل، لا يكاد المنتحر يجد سبيلا إلى تخطيه، وتصريفه في وجهة تصعيدية إيجابية، تبحث عن مخرج مرض للأزمة المتفاقمة التي يعيشها بعمق و لم يعد يطيقها، ليأتي هذا الفعل البائن والمشين والمنكر بمثابة جرس إنذار للمجتمع، وبخاصة حين تتكرر هذه الظاهرة والتي تحدث – في الغالب الأعم – في المجتمعات الصناعية المتطورة وما يرافقها من مظاهر تعقد الحاجات، وبروز الأزمات النفسية في عصر التكنولوجيا وتعقيداتها وتعقد الحلول، تحت رؤيتها المادية القاسية والساحقة، والتواء حياتها وتوالي الأزمات المالية، رغم وفرة الإنتاج مع تصاعد الحاجات والطلبات ، و ما يرافق كل ذلك من كثرة العيادات النفسية العلاجية التي تعنى بالبحث عن أزمة المأكل والمشرب والمسكن والتزاحم على التوجه المادي، والفقر والحرمان في المجتمعات الزراعية والرعوية الفقيرة التي لم تصل إلى تأمين الكفاية لآلاف العاطلين عن العمل وإن بدت هذه الظاهرة بشكل أخف حدة، لغلبة الاغتناء الروحي والامتلاء النفسي القائم على قناعات تنفس عن حالة الكرب والضائقة النفسية والتوتر والقلق، كما تحدث هذه الظاهرة مع الخواء الروحي والنفسي في كل مجتمع لا يكاد يعير الفرد ومتطلبات حياته القدر المطلوب من الرعاية والتنشئة والمنحى التربوي الكافي، وما يرافق كل ذلك من تعقد البحث عن سبل الرزق في المجتمعات المستبدة والسلطات التي تغيب فيها الخطط والبرامج والنظم الحافظة لطاقة وإنتاجية الشباب كقوة مندفعة ترتكس إلى الفراغ والحرمان و تعطل الطاقات وهدر الإمكانات، وانسداد مخارج صرف وإنفاق الطاقة المبدعة في البناء والإنتاج والعمل المثمر، مما يدفعهم إلى تلمس أسباب الهجرة والبحث عن مواطن أكثر دفئا واستقرارا وتلبية للحاجات الأساسية، ودرءا لأعباء الفراغ وما تجره من حاجة لا تؤدى، وطاقة لا تجد سبيلها إلى الاستثمار، فيرتد صاحبها إلى وضع حد لحياته وفراغه وعطالته بعدم جدوى حياته والاستمرار فيها، منصرفا في هذا الأمر إلى فعل جنائي حرمته الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، وهو ما يحدث هذه الأيام في مجتمعنا الكردي، بعدما تفاقمت الأوضاع الاقتصادية، وسدت السبل المأمونة إلى عيش كريم، مع بروز الحالة الاستثنائية والقوانين الجائرة التي طالت لزمن طويل الهوية الوطنية وجردت ما يتجاوز ربع مليون كردي من الجنسية السورية، إلى جانب مشروع الحزام وتجريد آلاف الكرد من أملاكهم ومصادر رزقهم، لتأتي مواسم الجفاف بمزيد من مفاقمة الوضع وتأزمه، ودافعة لهجرة مئات الألوف إلى الداخل والخارج، بعدما جاء القانون رقم /49/ ليضع حدا لمجمل النشاط العمراني والمدني والمياوم والمكتبي، وأعمال الرهن والإيجار والبيع والشراء في العقارات والأملاك ودور السكن، وما يتعلق بها من معاملات مكتبية في الهندسة والقانون والنقل والبناء، ما شكل فراغا هائلا وحالة استثنائية مذهلة، أفقدت جملة الطاقات فاعليتها وإنتاجها، فكانت هذه الظاهرة الجديدة ردا عنيفا وغير طبيعي على حالة الحرمان والتوجع والفقر كما ذكرنا، ليشكل الفراغ المعلل والعطالة الإبداعية، وغياب الإنتاج، والبحث عما يسد الرمق مقومات هذا الرد الحاسم والمنذر بالكارثة. لقد برزت هذه الظاهرة بوضوح في المجتمع الكردي في منطقة أصبحت الهجرة من أبرز سماتها، علما أنها عنبر الاقتصاد السوري وركيزته في النفط والحبوب والقطن ... فقد حدثت – في الآونة الأخيرة - حوادث انتحار يومية متوالية كان آخرها في قرية " خانا سرى " التابعة لمنطقة ديريك، حيث أقدم الشاب البالغ من العمر ثمانية عشر عاما ويدعى " سليمان حسين سليمان " على الانتحار شنقا، ليبعث برسالة إلى واقعه الأليم، وتردي أوضاعه وتفاقمها، رغم فداحة هذا الخطب وعدم إقرارنا مطلقا بهذه الجناية بحق النفس وإزهاقها, ونبذنا للسوداوية القاتلة, ودعوتنا إلى مواجهة جادة وشجاعة ومدروسة لواقع المعاناة، وتلمس كل أشكال رفض المهانة والمعاناة والظلم، و ورغم علمنا بما يجره هذا الإجراء بحق النفس والأهل والمجتمع من آثار أليمة، وقبر لطموحات الشباب، وضرورة الاستعلاء فوق الاضطهاد والتمييز.. وكل مظاهر الإفقار والتغريب الروحي والنفسي العارمين لشبابنا، بمزيد من النضال السلمي والمدني ورفع وتيرته، ودعوة الحركة الكردية والمربين والناشطين في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني إلى مزيد من التوعية وتوجيه الناشئين، والدفاع المشروع والعادل عن قضايانا الوطنية الأساسية و الدعوة الدائبة والصارمة إلى رفع الغبن وأسباب الفقر ومظاهره، ودواعي الهجرة والنزف المتواصل لطاقات شبابنا، وإزاحة رعب التمييز والقهر والإذلال عن كاهل شعب, اتسم بالإخلاص والصلابة الوطنية والصبر على المكاره والصعاب ، وتحمل الكثير من ألوان الغبن والعنت وما هو بعيد عن الإنصاف، وغريب عن السلوك الإنساني، والتعامل الحضاري مع المكون الثاني الباني لسوريا والمساهم الفاعل في صناعة الخارطة السياسية في هذا البلد، لتأتي مثل هذه الإجراءات ردا عنيفا وأليما وبعيد المدى على واقع ينبغي مراجعته بمسؤولية وإنصاف وحس وطني رفيع لمن ألقى السمع، وأصاخ إلى الكارثة ووخيم عواقبها، ونتائجها الكارثية المروعة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |