رسالة المنبر الحسيني .. الطويرجاوي أنموذجا 

 

كاظم فنجان الحمامي

kfinjan@yahoo.co.uk

مرة أخرى يستحوذ السيد جاسم الطويرجاوي على اهتمامات الناس في البصرة, على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم, وينجح في توحيد كلمتهم من خلال محاضراته الإيمانية التي تسلح فيها بالنور في مواجهة الظلام, وتدرع بالحق في مواجهة الباطل, ورفع راية المحبة والتسامح في مواجهة الضغائن والأحقاد, التي خلفتها النعرات الطائفية المقيتة. واستطاع هذا الرجل النحيف المتقشف المتواضع أن يجمع تحت خيمة الحسين كبار علماء أهل السنة والجماعة في البصرة, وكبار قساوسة ورهبان الطوائف المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية والارثذوكسية, ومشاركتهم الجموع المليونية التي شغلت شوارع مدينة (المعقل), وهم يرددون عبر مكبرات الصوت شعارا واحدا مدويا بنبرة صادقة: (نعم نعم للإسلام), (نعم نعم للقرآن), (نعم نعم للعراق), واستطاع هذا الخطيب المخضرم أن يعبر عن حرصه على الاهتداء بنور الإسلام في نشر القيم الإنسانية اللازمة لبناء مستقبل مشرق يسوده الضياء والأمل والتلاحم والتآخي من خلال نشر الكلمة الواعية والفكر الحي, وتوعية القلوب والعقول بأهمية العمل من اجل إسلام يوحد الأمة ويدعو بالكلمة الطيبة إلى رص الصفوف, ويضفي السعادة والوئام على العراق وأهله باستقرارهم وتقدمهم, وهذا ما نرى أهميته من خلال المنبر الحسيني.

سار الطويرجاوي على هذه المبادئ التي أسهمت في تحقيق أهداف الحسين العليا, وعرفناه بتجرده من النزعات الشخصية, وذوبانه في مبادئ سيد الشهداء, وصاحب الثورة الخالدة, وتميزه بمهاراته الواسعة في الخطابة وأساليبها الحديثة المشوقة, التي تبعد مستمعيه عن حالات الملل والسأم, التي غالباً ما تصاحب الأسلوب التقليدي الرتيب, وتسلح بالمعرفة الرصينة المتحررة من السرد القصصي التاريخي القريب من أساليب الحكواتية, والذي قد يتناسب مع فئة قليلة على حساب الكم الأكبر من المستمعين ليستطيع أن يغزو تفكيرهم ويجعلهم يتفاعلوا معه في التساؤل والتحليل للقضايا التي يطرحها على المنبر, ويجعلهم يستكملون بعد مجلسه الرغبة في البحث والتنقيب وإيجاد الحلول.

تنوع الطويرجاوي في موضوعاته وطروحاته النابعة من مشاكل الناس وهمومهم. فهو يميل إلى الابتعاد عن الفئوية, ويكره الولوج في الدوائر المذهبية الضيقة, فالهدف الأسمى عنده هو إحياء أمر آل محمد صلى الله عليه وسلم, وإحياء فكرهم، وعطاؤهم، وسيرتهم، وعظمتهم، فهي المظلة التي يستظل بها الناس, والمنهل العذب للجميع، ويضفي هذه الروح الإيمانية الخالصة لله وحده, مبينا محاسنها الجميلة لإزالة أي إحساس سلبي يخلق توتراً أو منفراً لدى المستمع.

يكمن سر نجاحه في معايشته لاهتمامات الناس واحتياجاتهم الروحية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية، وما يمس حياتهم اليومية، وسعيه المتواصل لامتلاك الوعي الكافي بشئونهم وتطلعاتهم، ولا يعد قيامه بهذا الدور وسيلة لكسب الرزق وذياع الصيت ومنافسة الأقران، بل يعدُّه رسالة مقدسة أوكلت إليه, فالطويرجاوي صاحب طرح مميز، ويحظى منبره بحضور النخبة المثقفة، ويأنس عامة الناس بطريقته المميزة والرائعة في تصوير المشاهد العزائية, وتعميق الأصالة الدينية التي تعني تقوية الارتباط بأهل البيت, والارتقاء بالفكر الإسلامي, واحترام الاختلاف, ونشر الفضيلة, والتذكير بأخلاقيات النهضة الحسينية التي اتسمت بالمعاني السامية والمفردات السلوكية الزاخرة بالمعاني والمثل والقيم والمبادئ العالية وهي كفيلة بتوحيد الأمة جمعاء، فلم تنفك رسالة الحسين لحظة من اللحظات عن هدف البعثة النبوية الشريفة في رسالتها للأمة وهو (إتمام مكارم الأخلاق ) فقد سعى الإمام الحسين وخطط لهذه الثورة بوعي متكامل, وصنع بشهادته نهضة شامخة ضد الظلم والتجبر, فمبادئ الحسين, وتضحياته العظيمة في واقعة الطف توجب علينا أن نكون في أعلى القمة من التعالي على الصغائر والأطر الضيقة والشخصية, لنسمو مع أهدافه السامية التي أعزت الإسلام وأذلت النفاق. من هذا المنطلق يحاول الطويرجاوي جاهدا إيصال رسالة الحسين للناس, وربط المجتمع بالقرآن ربطاً عميقاً وحقيقياً, والمساهمة في إصلاح واقع الأمة. فتعلمنا منه إن عاشوراء مدرسة كبرى لتصحيح المسارات الخاطئة في تفكيرنا وسلوكنا, ومنارة مضيئة تمنحنا الفرصة لأن نؤوب إلى الله وأهل البيت  فنرتقي بأخلاقنا نحو الكمال المطلق، فهي فناء رحب يستوعب كل تنوعنا وتوجهاتنا, التي تنصهر على صعيد كربلاء الطاهر, فتصفو القلوب وتطمئن النفوس لتحلق أرواحنا مع مبادئ الحسين  وأصحابه الغر الميامين.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com