الغصة في أخبار الحصة

كاظم فنجان الحمامي

kfinjan@yahoo.co.uk

اشعر بغصة كبيرة كلما استعرضت تقلبات أوضاع الحصة التموينية بين الماضي والحاضر, خصوصا ونحن نواجه مشكلة العجز الغذائي المحلي مقابل انحسار وتراجع الناتج الزراعي الوطني، وضعف حجم إنتاجنا من القمح والرز والبقوليات, واعتمادنا على الاستيراد الخارجي لمواجهة المتطلبات المتزايدة لمعظم المواد الغذائية الأساسية, في ظل الزيادات الملحوظة لمعدلات النمو السكاني, وتفاقم العوامل الأخرى, التي تأتي بالتزامن مع ضعف القدرة الاقتصادية لمواجهة زوابع الغلاء العالمي. فقد صارت البطاقة التموينية, التي عرفناها قبل 19 عاما, العصب الرئيس في سلة الغذاء اليومية للمواطن العراقي، إلا أن أصواتا كثيرة تعالت لإلغائها وإيجاد البديل المناسب لها بحجة زوال الظروف التي قادت إلى استحداثها في أعقاب قرار المقاطعة الدولية الذي فرضته الأمم المتحدة على العراق عام 1990, بقرارها رقم 661 في 6/8/2009, وأصبحت البطاقة التموينية منذ ذلك الحين الركيزة الأساسية في قوت الشعب العراقي, لأنها وفرت لهم الاحتياجات الغذائية, وضيقت مساحة الفقر في عموم البلاد, واعتمد عليها أكثر من 70% من السكان بشكل تام. كانت المواد الغذائية قبل عام 1990 تتمتع بانسيابية في الأسواق, وبأسعار ثابتة, وخاضعة للمراقبة المشددة، نتيجة لدعم الدولة للمواد الأساسية كالطحين والرز والزيوت والسكر والشاي والمواد الأخرى الضرورية, التي يستفيد منها المواطن في حياته اليومية وتعد من ضمن غذاءه الأساسي.

وهذه هي السياسة التي تبنتها الدولة أبان الحكم الملكي وبدايات الحكم الجمهوري وصولا إلى المرحلة الراهنة, ولم تلغ سلطة الاحتلال البطاقة التموينية, رغم أنها أصدرت مجموعة كبيرة من التشريعات الجديدة, إلا أن وتيرة التوزيع, التي ظلت منتظمة في ظل الأنظمة الإدارية السابقة,  شهدت تذبذبا مطردا تمثل بتأخير توزيع المواد الغذائية أو بعضها أسبوعا أو أكثر. وتأثر المواطن العراقي بهذا الوضع المضطرب، فما أن تغيب إحدى المواد حتى يرتفع سعرها في السوق، بل صارت المواد الغذائية عرضة لمضاربات التجار الجشعين, ففي الوقت الذي تواصل الدول العربية مناقشاتها الجادة لقضايا الأمن الغذائي في ظل المتغيرات الطبيعية والاقتصادية المعاصرة. وتبذل قصارى جهدها لتعزيز قدراتها الذاتية اللازمة لمواجهة أزمات الأمن الغذائي, وفي خضم اهتماماتها المتزايدة ببرامجها الوطنية الهادفة الى توفير الدعم الغذائي لشعوبها, وفي الوقت الذي كنا نتطلع فيه إلى تحسين نوعية مفردات البطاقة التموينية, والعمل على تطويرها نحو الأفضل لتشمل مختلف الاحتياجات مثل اللحوم والبقوليات ومعجون الطماطم ومشتقات الألبان, لكي تلبي احتياجاتنا, وتحمينا من جشع التجار ومضاربات السوق, وبخاصة عند صعود مؤشرات الأسعار, وتخطيها الخطوط الحمراء, وتكرار صعودها مع كل زيادة في الرواتب, ويكون المتضرر الوحيد في ذلك هو المواطن. 

بيد إن الرياح جرت عندنا في الاتجاه المعاكس, وتعرض برنامج البطاقة التموينية منذ أعوام إلى هزات زلزالية, وتغيرات مزاجية متقلبة, تراوحت بين التلكؤ في التوزيع, ومحاولات تقليص مواد البطاقة التموينية إلى النصف, والتي أثارت استياء شرائح مختلفة من المواطنين, وبين حجب الحصة التموينية عن أصحاب الدخول التي تزيد عن مليون و500 ألف دينار عراقي او ما يعادلها. وأصدرت وزارة التجارة قوائم بأسماء المشمولين بحجب البطاقة التموينية عنهم ، ما أدى إلى وقوع الكثير من الأخطاء منها حجب الحصة التموينية عن جميع أفراد العائلة, ولم يقتصر الحجب على الشخص المعني الذي يتقاضى الراتب المذكور, والمدرج اسمه ضمن البطاقة التموينية ذاتها, وإنما شمل الحجب الأسرة التي ينتمي إليها, وان لم يكن هو رب العائلة, وقد عممت الوزارة تلك  القوائم على فروعها المنتشرة في المحافظات, وفوجئ الناس بحجب الحصة التموينية عن جميع أفراد عوئلهم في حين أن المشمول بالحجب هو احد أفراد الأسرة.

أدركت الدول العربية بوعي كامل، وبمنتهى الإحساس بالمسؤولية، خطورة استمرار تدني معدلات نمو الإنتاج الغذائي الراهنة، والتي عجزت عن ملاحقة الزيادات في معدلات الاستهلاك، والحد من اتساع الفجوة الغذائية، وما لذلك من انعكاسات سلبية تهدد الأمن الغذائي والاجتماعي للمواطن العربي, واستشعرت بقلق خطورة المتغيرات الجذرية والتطورات المتسارعة التي تشهدها أسواق الغذاء العالمية والمحلية من ارتفاع غير مسبوق للأسعار، وتراجع حاد في مستويات المخزونات الغذائية، ونقص شديد في الاحتياجات الغذائية الأساسية، وتنامي مضطرد في الطلب على السلع الغذائية الأساسية والمحاصيل العلفية، وما ينذر به كل ذلك من أزمة غذائية عالمية مزمنة، وقطعت دول مجلس التعاون الخليجي في هذا الاتجاه شوطا كبيرا في تنظيم وإدارة الجمعيات التعاونية المخصصة لتوفير المواد التموينية والغذائية للمواطنين بأسعار مخفضة، وتوسعت الحكومة المصرية في تنفيذ برنامج ‏الدعم الغذائي للسلع التموينية الموزعة بنظام (بطاقات التموين)، نتيجة للزيادة الكبيرة في ‏أسعار السلع الغذائية الأساسية. آخذة بنظر الاعتبار توفير الغذاء الصحي والتغذية السليمة كأحد حقوق الإنسان وأحد مكونات التنمية ‏البشرية، وأكد مجلس الشعب المصري على دور الدولة في توفير كل أنواع الغذاء، سواء من الإنتاج المحلي أو الاستيراد, واستمرار الدعم الغذائي، خاصة الدعم الموجه إلي الخبز وعدم المساس به ‏لارتباطه بقطاع كبير من المجتمع, وفهمت الدول العربية التحديات التي تفرضها هذه الأوضاع والمتغيرات والتطورات وتداعياتها على الشرائح الاجتماعية, واستشرفت برؤية واضحة مشاهد مستقبل إنتاج الغذاء في ظل تكريس المنظور القومي لاستغلال الموارد الزراعية العربية المتاحة في إطار صيغة تنموية تكاملية، والآثار الإيجابية لهذا المنظور على معدلات الإنتاج والإنتاجية الزراعية الممكن تحقيقها، ومستويات الاكتفاء الذاتي التي يمكن بلوغها من خلال تلك الرؤية، واستجمعت طاقاتها لإطلاق مبادرة لبرنامج عربي طارئ للأمن الغذائي تهدف إلى زيادة واستقرار إنتاج الغذاء في الوطن العربي، وبخاصة إنتاج الحبوب والبذور الزيتية والسكر، ودعت الأطراف المعنية للتعاون والتنسيق لإعداد هذا البرنامج قطرياً وقومياً, واستنهضت همم القطاع العام والخاص ورجال المال والأعمال العرب للتوجه إلى الاستثمار في المشروعات الزراعية المشتركة في الدول المؤهلة ضمن ذلك  البرنامج الطارئ، والدعوة العاجلة لعقد المؤتمرات لهذا الغرض. وتبنت برامج غذائية لدعم الدول العربية الأكثر تضرراً من نقص المتاح من الغذاء وارتفاع أسعاره وإعداد تصور متكامل حول متطلبات هذا البرنامج وآليات تنفيذه. وكثفت جهودها مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية لإعطاء قضية الأمن الغذائي العربي أهمية خاصة في القمة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية التي عقدت في الكويت خلال هذا الشهر.

إن نجاح الأنظمة السياسية واستقرار الحكومات مرهون بقدرتها على مواجهة التحديات, وتخطي الأزمات الوطنية وفي مقدمتها أزمة الغذاء والاستقرار المعيشي لأفراد المجتمع. وفي ضوء ما تقدم تكون الدولة ملزمة في كل المراحل بعدم التهرب من واجباتها الأساسية, التي تتلخص بالنقاط التالية:-

  1. خلق التوازن بين مستوى الدخل الفردي للمواطن, وبين الغلاء الطارئ والارتفاع المتوقع في أسعار المواد الغذائية, والمواد الأخرى اللازمة لتأمين احتياجات المواطن واستقرار معيشته.

  2. ضبط الاختلال الواسع بين معدل النمو السكاني والنمو الاقتصادي. فالعنصر البشري هو العمود الفقري للعملية التنموية وهذه الأهمية لا ترتبط بعدد هذه الموارد فحسب وإنما تتعدى ذلك لتشمل الخصائص الفنية والسمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمهنية.

  3. إصلاح النظم الإنتاجية الزراعية والسعي لتحقيق الاكتفاء الذاتي على الصعيد المحلي, وإنتاج اكبر قدر من المواد الغذائية بالطريقة الاقتصادية التي تأخذ في الاعتبار الميزة النسبية لتلك الدولة في إنتاج السلع التي تحتاجها وفي حدود ما تمتلكه من موارد ومقومات, وعلى أن تكون منتجاتها منافسة للمنتجات الأجنبية, كما يتوجب توفر صادرات زراعية أو غيرها تعود بدخل من العملات الصعبة يمكن استخدامها لاستيراد المواد الغذائية الأخرى, التي لا تتوفر لها فيها ميزة نسبية في إنتاجها, وكل ذلك بهدف توفير الغذاء للمواطنين بالكمية والنوعية الضرورية للنشاط والصحة, مع مراعاة التوزيع العادل لكل المواطنين وخاصة ذوي الدخل المحدود, والاحتفاظ بمخزون لا يقل عن سد الحاجة لمدة ثلاثة شهور على الأقل لمواجهة الظروف الطارئة .

  4. دعم ورعاية مشاريع الإنتاج الغذائي, وتيسير مهامها وتقليل الحواجز أمام انتشارها, وإعفائها من الرسوم الجمركية والضريبية, وإعطاء أولوية خاصة للمشروعات ذات الصبغة الإستراتيجية.

  5. الحفاظ على مستويات متدنية من الأسعار تمكن عامة المواطنين من محدودي الدخل من الحصول على احتياجاتهم الإضافية بأسعار مناسبة نسبيا.

وفي ضوء حجب البطاقة التموينية عن الموظفين من ذوي المرتبات العالية يحق لنا أن نطرح التساؤلات التالية:-

1. إذا كانت دوائر الدولة تعتمد على البطاقة التموينية كأحد الوثائق الأساسية, وتعدها من البيانات الثبوتية التي ينبغي أن تربط مع المعاملات الرسمية للمراجع, فكيف سيكون تعاملها مع الموظف الذي سحبت منه البطاقة ؟.

2. هل ستلغى البطاقة عن الشخص المشمول بالحجب وحده, أم إن الحجب يسري على بقية أفراد الأسرة الذين وردت أسماؤهم في البطاقة الملغية؟.

3. ما هو مصير الأموال المستقطعة من حصة هذه الشريحة من الموظفين؟. هل تذهب لزيادة مفردات البطاقة التموينية, أم لتحسين نوعيتها ؟.

4. تتعامل وزارة النفط من خلال مجهزي النفط والغاز على البطاقة التموينية في توزيع حصص النفط والغاز فكيف سيكون الموقف مع الموظفين غير المشمولين بنظام البطاقة التموينية؟.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com