قضية الحسين (ع) عنوان حياتنا

 

ابو محمد العراقي

suuod111@gmail.com

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين (ع) رزقنا الله وإياكم شفاعتهم وصحبتهم يوم الورود.

شاء الله تبارك وتعالى أن يفتتح سنتنا الهجرية بأيام عاشوراء التضحية والفداء والإصلاح، وكأنها تعني فيما تعني جعل قضية الحسين (ع) عنواناً لقضايانا، والعنوان كما تعلمون يختزن كل تفاصيل ومضامين المعنون، كما أن عنوان الكتاب يتكون من كلمتين أو ثلاث لكنه يعطي فكرة عن الكتاب كله وكأن الله تعالى أراد منّا أن نجعل من قضية الحسين (ع) مضمون حياتنا الذي يجب أن نسير عليه، ولا عجب في ذلك فقضية الحسين (ع) هي قضية التوحيد الكبرى والإسلام المحمدي الأصيل والمبادئ الإنسانية النبيلة التي يتفق جميع الناس عليها.وهكذا فإن قضية الحسين (ع) تصلح لأن تغطي كل حياتنا بتفاصيلها وتنوّعها، وقضية الحسين (ع) لا تقتصر على يوم عاشوراء وإن كان هو اليوم الذي خطف التاريخ ويستحق ذلك، الا أن يوم عاشوراء يوم من أيام الحسين (ع) التي امتدت سبعاً وخمسين عاماً وموقف من حياته المباركة التي هي كلها مواقف.

فقد تنوّعت أدواره المباركة في حياة الأمة جميعاً والشواهد كثيرة لسنا بصدد ذكرها فمن العلم والتدريس في مسجد جده (ص) والإفتاء إلى تجسيد الأخلاق الإلهية في حياته العملية إلى مساعدة المحتاجين ورعاية أيتام وأرامل الشهداء في معارك أبيه أمير المؤمنين (ع) خصوصاً في صفين إلى ممارسة وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتصحيحه للكثير من السلوكيات الاجتماعية المنحرفة إلى مواجهة الفتن والمشاكل التي تعصف بالأمة، إلى حماية الحق وأهله إلى إعلان كلمة الحق في وجه السلطات الحاكمة وعلى رأسها معاوية، ورسالته (ع) إليه بعد قتل الأجّلاء مثل حجر بن عدي الكندي ورشيد الهجري وعمرو بن الحمق الخزاعي.وهكذا فإن حياة الحسين (ع) سفر خالد ومتنوع تنهل منه الأجيال إلى قيام يوم الساعة، ولنقف عند ظاهرة واحدة في حياته المباركة وهي –بالمصطلح المتداول- وعي الظروف التي يعيشها وتشخيص القرار الصائب المناسب لها الذي يجب أن يتخذه، وعندئذ تستطيع الإجابة عن سؤال مثار وهو إنه لماذا خرج الحسين (ع) على يزيد بن معاوية ولم يخرج على أبيه معاوية الذي ارتكب الموبقات في الإسلام وسفك الدماء المحرمة وقاتل الإمام الحق أمير المؤمنين(ع) وقتل سبط رسول الله (ص) الحسن المجتبى (ع) ولاحق شيعة أمير المؤمنين (ع) تحت كل حجر ومدر فهدّم دورهم وقطع أرزاقهم وقتل رجالهم؟وهكذا كان الإمام السجاد (ع) بعد أبيه لما دخل الكوفة مع عقائل بيت النبوّة وخطبوا بأهل الكوفة ندم هؤلاء وارتفعت أصواتهم بالعويل والبكاء وقالوا للإمام (ع): مرنا بأمرك قال (ع): هيهات أتريدون أن تأتوني كما أتيتم أبي من قبل، ولو استفاد المتصدون اليوم لأمور الأمة صغيرها وكبيرها سواء على الصعيد الديني أو السياسي أو الاجتماعي أو غيرها من سفر الحسين (ع) الواسع ووعوا الظروف المحيطة والتحديات المعقدة التي تواجه الأمة لاتصّفوا بالحكمة ولجنبوا الأمة كثيراً مما حلّ بها.لقد كان السيد الشهيد الصدر الثاني (قده) واعياً لمتطلبات مرحلة ما بعد السيد الشهيد الصدر الأول (قده) فتصرف بحكمة وأسس لانطلاقة جديدة للحركة الإسلامية المباركة فقام –وهو فرد- بأمر الله تعالى وقدّم ما عجز عنه مجموع الآخرين فبارك الله تعالى في عمله لإخلاصه وتفانيه.وبعد استشهاد السيد الصدر الثاني (قده) اجتمع الأخوة الذين كانوا يعملون معه (قده) وطلبوا منّي إمامة الجمعة في الكوفة وتصعيد الموقف رغم المنع الذي بلّغه لنا في مجلس العزاء كبار مسؤولي النظام الذين أوفدهم صدام المقبور لحضور مجلس العزاء، فاستحضرت موقف الإمام السجاد (ع) المتقدم وقلت لهم: ليس من الحكمة المضي بنفس الأسلوب وأزلام صدام متربصون بمن يخلف السيد الشهيد الصدر (قده)، تصوّروا لو أن الإمام السجاد استجاب للاندفاعة العاطفية التي سادت أهل الكوفة النادمين ونقترض انه سيطر على الكوفة، هل سيكون عمر هذه الحركة أكثر من أيام ويحصل له كما حصل لمسلم بن عقيل (رضوان الله تعالى عليه) بينما استطاع بتسديد الله تعالى ولطفه اللبث في الأمة (34) سنة بعد أبيه وتجاوز بهم تلك الأزمات الماحقة وسحب البساط من تحت الطغاة.

وقد قدّر الله تبارك وتعالى أن لا تخلو الأرض من حجة حتى في أشدّ النكبات وأقساها، خصوصاً في هذا البلد الكريم الذي قدّر الله تعالى له أن يحتضن عاصمة الإمام (ع) ويكون منطلق حركته لتأسيس دول الحق والعدل العالمية، وعليكم أن تبحثوا بوعي وبصيرة عن قيادتكم الحكيمة بعيداً عن الأهواء والتفرق والتشويش والإعلام المضلل ولا تذهبوا شرقا وغرباَ. والله الهادي.

 سماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي

------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

تزوّدوا بالموعظة والوعي[1]

 نحن في نهاية عام هجري هو 1430 ونتطلّع مع هلال محرم الحرام إلى عام جديد هو 1431 بناء على ما هو الجاري بين الناس، وإلا فإن في بعض الأدعية ما يشير إلى أن بداية العام تكون في أول رمضان، وقيل أن العام الهجري يبدأ من الأول من ربيع الأول باعتبار أن هجرة النبي (ص) كانت في ذلك التاريخ.وعلى أي حال فإن نهاية العام تمثل محطة للمراجعة وتقييم الأعمال والاتعاظ بما مرّ خلال العام وتصحيح الأخطاء والاستزادة من الأعمال الصالحة، وهو أقل ما يمكن من المحاسبة المأمور بها شرعاً، ومن غفل عنها كثرت سيئاته وتراكم الرين على قلبه حتى يسوّد والعياذ بالله فلا تنفع الموعظة عندئذٍ، كما ترون كيف أن كثيراً من المتدينين بحسب الظاهر لما تصدّواالحكم وأقبلت عليهم الدنيا واستطيبوا طعمها انهمكوا في اتباع الهوى ولم تنفع فيهم الموعظة حتى انتشر الفساد والظلم وحانات الخمور والملاهي بشكل لم يسبق له نظير حتى في العصور السابقة. فاجعلوا زادكم الموعظة واحيوا بها قلوبكم ولا تغفلوا عن ذكر الله تبارك وتعالى. واعقدوا العزم على أن تكون الصفحات البيضاء التي تنشر لكم مع بداية السنة الجديدة مليئة بالأعمال الصالحة وكل ما يقربكم إلى الله تعالى. والجأوا إلى الله تبارك وتعالى بطلب الصفح والمغفرة عما مضى فانه غفور رحيم ويغفر الذنوب جميعاً لمن عزم بصدق على التوبة.ومع بداية العام الجديد اعتاد الناس على إقامة الأفراح وتبادل التهاني، خصوصاً في بداية العام الميلادي حيث يعمّ الفسق والفجور ولا أدري بماذا يفرحون، وهل جزاء فضل الله تعالى عليهم بإبقائهم أحياء أصحاء معافين أن يعصوه بهذا الفظائع؟إن من يحقّ له الفرح هو من بلغ الهدف وحقق النتائج المرجوّة كالطالب الذي نجح في الامتحان ويتفوّق فانه يفرح اما أن يفرح الفاشل فهذا ضرب من الجنون، فهؤلاء الفرحون بالعام الجديد هل نجحوا في امتحانهم في هذه الدنيا؟ وهل حققوا الأهداف التي خلقوا من أجلها؟ الجواب: لا طبعاً فبماذا يفرحون؟.أما شيعة أهل البيت (ع) فإنهم يفتتحون العام الجديد بذكرى استشهاد أبي عبد الله (ع) فيحيون شعائرها ويستلهمون الدروس من تلك الثورة المباركة.وكيفية التعاطي مع قضية أبي عبد الله الحسين (ع) تختلف اشكالها بحسب الأشخاص فقد يُقبل من العامة ما لا يقبل من النخب المثقفة الواعية، وعلى الإنسان أن لا ينساق وراء بعض السلوكيات الاجتماعية مهما كانت صالحة في نفسها ويغفل عن دوره المطلوب منه، ونحن في عالم مليء بالتحديات المتنوعة فلا يعذر أحد عندما يترك موقعه من العمل اللائق به ويذهب ليؤدي دور غيره فتحصل ثغرة في كيان الإسلام والمسلمين وإضرار بالمصالح العامة وأقرب مثال اذكره لذلك هو هل يجوز لرجل الأمن المكلف بحماية الزوار من هجمات الإرهابيين المتوحشين أن يذهب للمشاركة في توزيع الطعام أو اللطم على الصدور ويترك ظهور المؤمنين معرضة لسيوف الغدر؟فانتم من الطلائع الواعية للمجتمع ولابد أن تكون نصرتكم لأبي عبد الله الحسين (ع) بالشكل الذي يناسبكم والذي يُعرف من خلال القراءة الواعية لتلك الثورة المباركة، مثلاً مواجهة الشبهات التي يلقيها أعداء أهل البيت (ع) والفتن التي تعصف بالمجتمع، فلا يزال يوجد من يتهم الشيعة بتحريف القرآن ويظهر على شاشات الفضائيات وهو يعلم أنه مفتر آثم فهاهي إذاعات القرآن الكريم والفضائيات في البلاد الشيعية هل تتلو غير هذا القرآن الموجود في أيدي جميع المسلمين والمطبوع في القاهرة ودمشق والرياض، ويحجّ مئات الآلاف من الشيعة إلى الديار المقدسة فهل وجدوا عندهم غير هذا القرآن؟ وها هي كتب الشيعة وأحاديثهم التي تستدل بآيات القرآن فهل وجدوا فيها حرفاً زائداً ؟.وعلى صعيد آخر ترون كيف ان أدعياء المهدوية والمولوية والسفارة والسلوكية لا يقطع منهم رأس حتى يبرز آخر مستغلين الجهلة والقلقين والمندفعين والمتعصبين وأمثالهم.وترون الدول المستكبرة كيف تخلق الأزمات لشعوب العالم لابتزازها وإخضاعها فمن أنفلونزا الطيور إلى أنفلونزا الخنازير إلى أنفلونزا الماعز الذي أعلنوا عنه قبل أيام بعد أن كسبوا المليارات من إشاعة الرعب والقلق من سابقه.وخلاصة ما تقدم ان تتسلحوا لصلاح دنياكم والفلاح في أخراكم بالموعظة والوعي، وتوجد مصادر كثيرة لتحصيلهما كالكتب والمحاضرات والمجالس الحسينية فاستفيدوا منها.

 سماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي

------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

 كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لا شك ان من أعظم الواجبات الدينية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال الله تعالى: [ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون). وقال النبي صلى الله عليه وآله: كيف بكم اذ فسدت نساؤكم وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر. فقيل له: ويكون ذاك يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه وآله) : نعم. فقال: كيف بكم اذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف. فقيل له: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويكون ذلك؟ فقال (صلى الله عليه وآله): نعم. وشر من ذلك. كيف بكم اذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا؟. وقد ورد عنهم (عليهم السلام): انه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تقام الفرائض, وتأمن المذاهب, وتحل المكاسب، وتمنع المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف للمظلوم من الظالم, ولا يزال الناس بخير ما امروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر, فان لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الارض ولا في السماء.ملاحظة: حررنا مسائل هذا الباب بناءاً على نمط (الفقه الفردي) الذي جرى عليه السلف الصالح (قدّس الله أرواحهم)، اما على منهج (الفقه الاجتماعي) الذي كتبنا فيه (الأسس العامة للفقه الاجتماعي) فستختلف الرؤية الى بعض المسائل، وقد اضفنا شيئاً منه إلى هذا الكتاب، والله الهادي الى سواء السبيل.(مسألة 1759) يجب الامر بالمعروف الواجب, ويجب النهي عن المنكر الحرام وجوباً كفائياً (أي يجب على مجموع الأمة وليس على كل فرد بعينه) فإن قام به البعض ممن فيه الكفاية واحدا كان ام متعددا، سقط عن غيره, وان لم يقم به المقدار الكافي، بان لم يقم به احد أو قام به مقدار غير كاف، اثم الجميع ممن لم يقم به واستحقوا العقاب.(مسألة 1760) اذا كان المعروف مستحبا كان الأمر به مستحبا, واذا كان المنكر مكروها أو مرجوحا كان النهي عنه مستحباً، ولم يكن واجبا. فإذا أمر أو نهي كان مستحقا للثواب. وان لم يامر به أو لم ينه عنه لم يكن عليه اثم، ولا عقاب.(مسألة 1761) اذا كان الفعل مباحاً دينياً، فلا ميزان شرعي للأمر به, وان كان راجحاً دنيوياً, ولا النهي عنه وان كان مرجوحا دنيوياً نعم قد يكون الفعل مباحا شرعا في الاصل ولكنه راجح بعنوان ثانوي أو مرجوح كذلك، ككونه موردا لطاعة الوالدين, أو لاحترام المؤمن أو للتقية، ونحو ذلك. فيكون الامر به أو النهي عنه واجباً, ان كان العنوان الثانوي الزاميا، ومستحباً ان لم يكن كذلك.(مسألة 1762) يجب ايجاد مقدمات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, وذلك :اولا: بتعلم الاحكام الشرعية الضرورية في الحياة, ليعرف الفرد المعروف والمنكر من نفسه ومن غيره. ثانيا: بإيجاد المجتهد المطلق الذي يجوز تقليده, وذلك بتصدي جماعة كافيه لتعلم العلوم الدينية ليحصل بعضهم على هذه الدرجة الرفيعة. ولا يجوز لاي مجتمع اهمال ذلك بحيث يحصل في المستقبل زوال المجتهدين كلهم، وعدم تعويضهم بآخرين. ثالثاً: بايجاد القاضي الشرعي الجامع للشرائط, ليمكنه حل المخاصمات بين الناس, وذلك بتعلم العلوم الدينية كما قلنا, ولا يجوز اهمال ذلك ايضاً، بحيث يعود الامر كله إلى القضاء الدنيوي.شروط وجوب هذه الفريضة:يشترط في وجوب الامر بالمعروف والنهي من المنكر، امور:الامر الاول: معرفة المعروف والمنكر ولو اجمالا. فلو جهل الفرد ان هذا الفعل قائم على المنكر لم يجب النهي عنه. واما معرفة الحكم الشرعي كقاعدة عامة, فقد اشرنا الى وجوب تعلمها. نعم، لو كان الفرد قاصرا أو عاجزا أو مكرها أو مضطراً ونحوه, لم يجب التعلم.(مسألة 1763) لا يجب الاستعلام والفحص عن ان هذه الحادثة أو تلك قائمة على المنكر يجب النهي عنها, بل يكفي الشك في الوجوب لسقوطه.الامر الثاني : احتمال تأثير الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, اما بانجاز ما يقول الآمر واما بتعلم الفاعل وتأثره النفسي والعقلي بالامر, وان لم يطبق عملياً. ويكفي الاحتمال في ذلك ولا يجب العلم بالتأثير، وعليه فيجب الامر بالمعروف مع احتمال التأثير فقط. نعم، لو علم ان الشخص الفاعل لا يبالي بالامر والنهي, ولو لاستصغاره للمخاطب، أو انه يعتبره جاهلا بالحكم، أو لآن الفاعل لا يبالي بالدين اصلا، أو عازم على العصيان وان النصيحة تزيده استكباراً وإصراراً على الإثم, عندئذ لا يجب على الآمر شيء والمراد بذكر هذا الشرط بيان هذا المسقط للوجوب وليس شرطية الاحتمال المذكور للوجوب، فان التأثير وتحقيق النتائج بيد الله تبارك وتعالى مدبّر الأمور، وعلى الانسان أن يمحض في النصيحة معذرة إلى ربه.الامر الثالث : ان يعلم الفرد ان حكم المعروف أو المنكر منجز في حق الفاعل، بحيث لا يعذر في تركه وعصيانه, فان كان الفاعل معذورا في فعله المنكر أو تركه المعروف يقيناً أو احتمالا, لم يجب الامر ولا النهي، وانما يكون معذورا لاعتقاد ان ما فعله ليس بحرام, أو ان ما تركه ليس بواجب، اما بالعنوان الاولى يعنى في اصل الشريعة, أو بالعنوان الثانوي يعني للاضطرار أو التقية أو غيرهما. سواء كان الفاعل صادقاً في هذا الاعتقاد أم مشتبها اشتباها معذورا فيه اجتهادا أو تقليداً. فلو علم الفرد الامر بذلك أو احتمله في حق الفاعل, لم يجب الامر بالمعروف أو النهي عن المنكر، لكن هذا لا ينافي الوجوب من ناحية أخرى وهي تعليم الجاهل وهداية الضال.

الامر الرابع : المشهور فقهياً اشتراط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, بان يكون الفاعل مصرا على ترك المعروف أو ارتكاب المنكر، الا ان ذلك بمجرده ليس بصحيح, بل يجب الامر والنهي بمجرد مشاهدة الاقدام على الفعل أو ترك من قبل الفاعل مع اجتماع الشرائط الاخرى. نعم، يرتفع هذا الوجوب مع احراز الندامة والترك، يعني ان يعلم الآمر بندامة الفاعل ونحوها من الاسباب الموجبة لتركه العصيان, ولا يكفى احتمال الندامة أو الاقلاع على الاحوط .(مسألة 1764) المراد بالاقدام على العصيان شروع الفاعل في بعض مقدماته, بحيث يراه العرف مشارفا على الوقوع فيه وارتكابه, عندئذ يجب نهيه. واما بمجرد النية والعزم على العصيان, فالنهي عنها ان كان واجبا فهو ليس من باب وظيفة النهي عن المنكر, بل من وظيفة تبليغ الاحكام الشرعية.الامر الخامس : ان لا يلزم من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ضرر على النفس أو العرض أو المال على الآمر أو على غيره من المؤمنين, بل المسلمين. فاذا لزم الضرر عليه أو على غيره من المسلمين لم يجب شيء, والظاهر انه لا فرق بين العلم بلزوم الضرر والظن به والاحتمال المعتد به عند العقلاء, لصدق الخوف. ولا يفرق بين ان يكون مصدر الضرر هو المأمور بالمعروف، أو عشيرته، أو متعلقيه، أو من شخص متنفذ في المنطقة أو في غيرها وهذا الشرط خاص بافعال الافراد التي لا تعم تأثيراتها غيرهم. أما المظالم الاجتماعية العامة والفساد الذي يعم بضرره الآخرين ونحوها فستأتي الاشارة اليها بإذن الله تعالى.(مسألة 1765) قد يكون الامر والنهي احيانا غير مشترط بهذا الشرط الاخير, وذلك عند احراز بل احتمال اهمية الفعل او الفاعل, اعني من حيث تأثيره الضار في المجتمع, وعندئذ فقد يجب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر مع العلم بترتب الضرر، فضلا عن الظن به أو احتماله، كالتحرك لازالة الظلم والفساد أو للمطالبة يحققون الأمة، أو للمحافظة على كيان الدين من المحو والزوال ونحوها.(مسألة 1766) لا يختص وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بصنف من الناس دون صنف, بل يجب عند اجتماع الشرائط المذكورة على العلماء، وغيرهم، وعلى العدول والفساق، وعلى السلطان والرعية، وعلى الأغنياء والفقراء، الى غير ذلك. كما لا يختص المأمورون بالمعروف والمنهيون عن المنكر بصنف من الناس أيضا, بل يسري هذا الوجوب على كل مكلف آمراً كان أو مأموراً، مع اجتماع الشرائط.مراتب هذه الوظيفة:للامر بالمعروف والنهي عن المنكر، مراتب :المرتبة الأولى : وهي أدنى المراتب واقل الإيمان. وهي الإنكار بالقلب, يعني الانزجار عنه نفسيا وكراهته بصفته عاصياً الله سبحانه وتعالى, وهي مرتبة ملازمة مع الايمان، فلو لم توجد في قلب الفرد لم يكن مؤمنا, الا ان في كونها من الامر الفعلي بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك, تسامح بالتعبير. وإنما هو امر الإنسان لنفسه ونهيه لها عن ان يكون كغيره في العصيان وهذه المرتبة غير مشروطة بالشروط السابقة.المرتبة الثانية: إظهار الكراهية بعمل من الأعمال. مثل إظهار الانزعاج من الفاعل، أو الأعراض والصد عنه،أو ترك الكلام معه, أو ترك المكان الذي يكون فيه, أو ترك مشاغلته، أو مشاركته بالعمل اقتصاديا كان أو دنيويا أو أخروياً. والمهم هو إظهار ما يدل على كراهة ما وقع منه.المرتبة الثالثة : الإنكار باللسان. بان يبلغه الحكم الشرعي، اولاً. فان كفى في الارتداع لم يجب الزائد, والا وجب نصحه ووعظه, بتذكيره بعذاب الله سبحانه للعاصين وثوابه للمطيعين.(مسألة 1767) لا يجب ان يكون الأمر بالمعروف بصيغة الأمر ونحوها, ولا ان يكون النهي عن المنكر بصيغة النهي ونحوها, بل يمكن للفرد ان يختارها، كما يمكن ان يختار تبليغ الحكم الشرعي المنجز في حق الفاعل، فان الأمر والنهي في الحقيقة هما للشريعة وليس الفاعل أكثر من مبلّغ لهما, فاذا بلغ الحكم كفى.المرتبة الرابعة : الإنكار باليد بالضرب المؤلم الرادع عن المعصية، مع إمكانه واحتمال تأثيره، كما سبق, سواء استعمل آلة في يده أم لم يستعمل. (مسألة 1768) المشهور وجوب الترتيب بين هذه المراتب الأربعة، والاقتصار منها على الاقل مع كفايته في التأثير, كما ان لكل مرتبة عدة مراتب فيها، فيجب الاقتصار على الاقل مع كفايته، والا وجب الترقي الى الاكثر وهكذا, وهذا هو الاحوط بل المتعين لان الزائد يكون ظلما حراما وهذا مختص بالمنكرات المتعلقة بالأفراد صدوراً وتأثيراً.المرتبة الخامسة: إراقة الدم بجرح أو قتل اذا لم تكف المراتب السابقة لارتداع الفاعل وهذا من الاحكام الاجتماعية التي يستأذن فيها الفقيه الجامع لشرائط القيادة الاجتماعية.المرتبة السادسة: التحرك العام بالاحتجاجات والاضرابات والمظاهرات والعصيان المدني وما يستلزم ذلك من التعرض للضرر في النفس والمال والأهل حينما يتطلب الواجب ذلك، وتشخيصه بيد الفقيه المؤهل للقيادة الإجتماعية.(مسألة 1769) قد يرى الفقيه لزوم التغيير باليد قبل اللسان اذا كان الموقف يتطلب ذلك كما لو كان المنكر ذا خطر عام على المجتمع أو على العقيدة، وهذا شأنه وليس شأن الأفراد، وفي ذلك ورد الحديث الشريف (من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وهذا الترتيب عكس ما ذكره الفقهاء (قدس الله أرواحهم) والفرق ما ذكرناه. (مسألة 1770) يتأكد وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق المكلف بالنسبة الى اهله, بل هو مأمور به شرعا بعنوانه التفصيلي في نص القرآن الكريم, في قوله تعالى: (قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقدوها الناس والحجارة). وكون ذلك مشروطا بالشروط المتقدمة محل اشكال, وان كان غير بعيد, غير ان الغالب توفر تلك الشروط في داخل الأسرة، وان كان قد يوجد فيها من لا يحتمل فيه التأثير, أو من يخاف من ضرره. اذن، فيجب عليه اذا رأى من اهله التهاون في الواجبات، كالصلاة وأجزائها وشرائطها, بان لا يأتون بها على وجهها كعدم صحة القراءة والأذكار الواجبة منهم.أو أنهم لا يتوضؤون وضوءا صحيحا، أو لا يطهرون أبدانهم ولباسهم من النجاسة على الوجه الصحيح.  فيجب عليه تعليمهم وامرهم ونهيهم على الترتيب المتقدم, حتى ياتوا بها على وجهها الصحيح. وكذا الحال في بقية الواجبات، وكذلك في المعاملات وسائر الإحكام.وكذا اذا رأى منهم التهاون في المحرمات, كالغيبة والنميمة والعدوان بين بعضهم على بعض أو على غيرهم أو الزنا، أو شرب الخمر, أو السرقة. فانه يجب عليه ان ينهاهم عن المنكر، حتى يرتدعوا عن المعصية.
(مسألة 1771) اذا امر الفرد أو نهى بعض اهله فلم يرتدع, وكرر عليه فلم يؤثر فيه , فقد سقط تكليفه مع حسن أدائه للمراتب السابقة للإنكار , ولا يجب عليه بعد ذلك ترك الأسرة أو الانتقال إلى مكان آخر, أو طرد الفاعل ونحو ذلك, ما لم تقتض مصلحة ثانوية مهمة لذلك, وأولى الناس بالسكوت بعد التكرار, الزوجة إذا رأت زوجها عاصيا لا يرتدع, فأنه لا يجوز لها عندئذ حرمانه من حقوقه الواجبة أو الخروج بغير اذنه، بل يبقى (جهاد المرأة حسن التبعل) شاملا لها. وليس الأمر بأشد من فرعون المذكور في القرآن الكريم, وقد صبرت زوجته على مظالمه حتى أصبحت من النساء الأربعة الزاكيات في العالم. وقالت : (رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة, ونجني من فرعون وعمله). وهذه النجاة تعني النجاة المعنوية أو الأخروية, وليست النجاة الدنيوية, والا لم تكن مكتوبة في المجاهدين.(مسألة 1772) اذا صدرت المعصية من شخص من باب الاتفاق, وعلم الآخر ان الفاعل غير مصر عليها, لكنه لم يتب منها, وجب امره بالتوبة. فان التوبة من الواجبات وتركها من المحرمات الكبيرة الموبقة, هذا مع التفات الفاعل الى التوبة وتعمده تركها, اما مع الغفلة ففي وجوب أمره بها إشكال, وان كان هذا هو الاحوط استحبابا بل هو مستحب فعلا.فروع عامة في هذا الباب(مسألة 1773) لو توقف الامر أو النهي، على اجتماع عدة اشخاص، وجب ذلك مع اجتماع الشرائط, أو يجب اشتراكهم عندئذ.مسألة 1774) لو قام عدة من الناس دون مقدار الكفاية ولم يجتمع البقية, وتعذر على الموجودين القيام بالوظيفة، سقط عنهم الوجوب، وبقي الاثم على المتخلفين.(مسألة 1775) لو قطع أو اطمأن بقيام الغير بالوظيفة الشرعية, لم يجب عليه القيام بها. نعم، لو ظهر الخلاف وجب عليه مع استمرار الحال.(مسألة 1776) لا يكفي الاحتمال أو الظن بقيام الغير، أو كفاية من قام به، بل يجب عليه معهما، ما لم تقم حجه شرعية بذلك.(مسألة 1777) لو عدم موضوع الفريضة، أو موضوع المنكر، سقط الوجوب، وان كان بفعل المكلف. كما لو اراق الماء المنحصر الذي يجب حفظه للطهارة، أو لحفظ نفس محترمة.(مسألة 1778) لو توقف الامر أو النهي على ارتكاب محرم, كما لو استلزم ايقاف مجلس فسق وفجور على استماع شيء من الغناء، فالظاهر ملاحظة الاهمية بين التكلفين في نظر الشارع.(مسألة 1779) لو كان قادراً على احد امرين أو نهيين أو أمر ونهي، دون الجمع بينهما، وجب عليه ملاحظة الاهم ومع التساوي يتخير بينهما.(مسألة 1780) الاظهر انه لا يعتبر في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر قصد القربة, بل هما توصليان. نعم، لو قصد القربة حصل له الاجر والثواب.(مسألة 1781) لا فرق في وجوب الانكار بين كون المعصية كبيرة أو صغيرة, مادام الفعل أو الترك حراما.(مسألة 1782) لو قامت البينة أو خبر الثقة على عدم تأثير الامر أو النهي في الفاعل، فالظاهر كونهما بمنزلة العلم, فلا تكون هذه الوظيفة الشرعية واجبة.(مسألة 1783) لو ارتكب شخص حرامين أو ترك واجبين, وعلم الآمر أن امره لا يؤثر, تركه لهما معا, وانما احتمل التأثير بالنسبة الى احدهما بعينه, وجب فيه دون الآخر, ولو احتمل التأثير في احدهما غير المعين وجبت ملاحظة الاهم, ولو لم يكن احدهما اهم, تخير بينهما.(مسألة 1784) لو علم أو احتمل ان امره أو نهيه مع التكرار يؤثر وجب التكرار.(مسألة 1785) لو علم أو احتمل ان انكاره في حضور الآخرين مؤثر، دون ما اذا كان وحده، فان كان الفاعل متجاهرا جاز، ووجب مع اجتماع الشرائط, والا وجب النظر الى الاهم من عمله الحرام والستر عليه الواجب. (مسألة 1786) لو علم أو احتمل تأثير النهي أو الامر في تقليل المعصية لا قلعها تماما، وجب, بل لا يبعد الوجوب لو كان مؤثرا في تبديل الاهم بالمهم, بل لا اشكال في ذلك لو كان الاهم بمثابة لا يرضى المولى بحصوله مطلقا.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com