|
ذكورية مفرطة
سلام مكي الذي لا يتخذ خطوات جادة في تغيير النظام يساعد على بقاءه الناقد الانكليزي كريستوفر كوديل ما من فكرة أو دين إلا وتقهقرت بمرور الزمن أو طالته يد التحريف ليأخذ منحى آخر ،لكن ثمة من يشذ عن هذه القاعدة وذلك بما يؤسس للبقاء الأبدي والخلود في اذهانٍ رضيت أن تكون منقادة أينما حلت.إن ما نتكلم عنه هو الأساطير المتوارثة عن المرأة والتي نجحت في إبقاء سلطتنها على المجتمع على الرغم من مرور عشرات السنين على ابتكارها .تلك الأساطير تجنت على المرأة وصورتها بأبشع صور حيث تبين للمتلقي إن المرأة مخلوق ضعيف يعاني النقص الدائم ويشاطر الحيوان في كثيرا من الأمور.فمثلا أسطورة الخلق بالرغم من قدمها إلا إنها لازالت ماثلة في الأذهان والأحاديث التي ينسبها المغرضون إلى هذا النبي أو ذاك الولي،لاتزال متداولة في المجالس الشعبية بل وحتى في أماكن العبادة على إن المرأة كيان حقير ومستودع للشر ،فهي لا تقتصر على الإغراء الجسدي فقط بل تتعدى إلى ابعد من ذلك،فهي الساحرة والمحرضة على طلب الثأر وهي الساذجة ،بحيث صدق كل ما يقال لها وهي المترددة والقلقة التي رضيت أن تكون فريسة للأوهام والشكوك بمن حولها، وامتد هذا السلوك والتقوّل إلى حضن المرأة،ذلك المكان المقدّس ،فالأم تفرح عندما تلد ولداً وتتلبس السواد حزنا عند ولادتها للبنت وسيتحول هذا الحزن لاحقا إلى حقد دفين تجاه هذه البنت المسكينة عن طريق معاملتها كجارية أو خادمة لا تستحق الشفقة منها وتعتبرها عقاب السماء على خطأ ارتكبته أو لم ترتكبه،ونتيجة لذلك فالأم تفضّل ابنها على ابنتها والمعلمة تفضّل الطلاب على الطالبات فهي كثيرا ما تقول بأنها لا تحب البنات مطلقاً.ولازلت اذكر مدرسة الانكليزي كيف وبختنا لمجرد تفوق زميلاتنا الطالبات علينا في امتحان،حيث قالت:كيف تسمحون لمن هو اقل منكم عقلا ومعرفة أن يتفوّق عليكم؟ وقد بقّي كلامها عالقا في ذهني مدة طويلة حيث تولدت لدّي بمرور الزمن فكرة النقص العقلي عند المرأة.وعندما كبرت ،سمعت في مجالس الرجال إن أي كلام يقال هناك ويخص المرأة يجب أن تسبق كلمات للطهارة والنظافة مثل(اجّلكم الله) وغيرها من الكلمات الشائعة في الريف وكأن المرأة كائن نجس بذاته .وهذه الرؤيا تأتي ضمن التراكم والموروث العرفي لدى الأفراد وبقاء سطوة الأساطير الخرافات تتحكم بعقولهم .ومن جانب أخر إن الرجل أبدى طيب خاطر ه لهذه الموروثات وصار يحافظ عليها بكل بما أوتيّ من سلطة وسطوة على أفراد عائلته ومجتمعه الذي ينصاع له إذا ما كان وجهيها فيه. ومقابل هذا كله،ماذا فعلت المرأة لكي تزحزح هذه الأفكار التي تنال منها؟ يعتقد نيتشه إن علّة النقص عند المرأة طبيعي أي غير ناتج عن عوامل اجتماعية وبالتالي فإنها غالبا ما تميل إلى السائد متقبلة القيود التي يفرضها عليها المجتمع (1). وكلما بدت المرأة أكثر خضوعا كلما أوغل الرجل في استعبادها بشتى الوسائل التي تجعل منها كائن منقاد خلف نزواته وأهواءه فكان الجهل أهم وسائل الرجل في تحقيق مآربه عن طريق منع المرأة من التعليم وجعلها حبيسة البيت،الرجل يرى إن أفعاله مهما بلغت حدّتها وجسامتها لا تتنافى مع الشريعة لأنها حسب فهمه السطحي لا تسمح للمرأة بأن تكون أكثر من خادمة لزوجها ولأولادها .ويتجسد خوف الرجل من تعليم المرأة بما ذكره أبو الثناء الالوسي في كتابه(الإصابة في منع النساء من الكتابة)..((فأما تعليم النساء القراءة والكتابة فأعوذ بالله إذ لا أرى شيئا اضّر منه لهن فإنهن لما كن مجبولات على الغدر ،كان حصولهن على هذه الملكة من أعظم وسائل الشر والفساد...فاللبيب من الرجال من ترك زوجته في حالة من الجهل والعمى فهو صلح لهن وانفع...(2). ليس هناك شيئا جديدا فيما قاله الالوسي ،إذ إن كلامه عبارة عن التجسيد الحقيقي للرؤيا القاصرة وتأكيدا لسطوة الأساطير المجبولة على تحقير المرأة في ذهنية الرجل.فإذا بقيت المرأة جاهلة يعني بقاء السيادة والقيادة للرجل والمرأة ليس سوى عبدة له والمرأة للأسف لم تستغل فسحة الحرية التي أتيحت لها عندما شرّعت قوانين التعليم الإلزامي والمساواة النسبية في مجالي التوظيف والعمل لتفجّر طاقاتها الذهنية وتبدع في الثقافة بعكس ما كانت تستغل طاقتها البدنية في الحقل والبيت حيث اكتفت بما يحشر في رأسها من معلومات بالية ليصبح التعليم أداة أخرى لترسيخ الثقافة الذكورية التي يبدو إنها ستبقى جاثمة على صدر المجتمع وبناه الفوقية،فما دامت المرأة باقية على حالها ،جالسة في الظل وعينها تراقب الطريق عسى أن يمر الرجل ويلقي عليها فتات حقوقها. إذا كانت نهضة الشعوب ورقيّها الحضاري يبدأ من التعليم فكذلك المرأة ،لا يمكنها أن تكسب حريتها وتجاري الرجل في ميادين المجتمع دون أن تكون متعلمة أو بالأحرى مثقفة،ملمة بأغلب ميادين المعرفة والمجالات التي تعلي من شأن الإنسان ومن شأنها خصوصا واعني الأدب والفكر والقانون.فالأدب يجعل من المرأة كائن متحضّر ، مسلح بالقيم الأخلاقية والأدوات النقدية التي من خلالها يصحح مسار المجتمع وكذلك الفكر الذي يعتبر نواة كل تشريع أو عرف سائد يتحكم في علاقات الأفراد ويتوجه نحوهم بالتنظيم،فلو كانت المرأة مفكرة أو باحثة في المجال القانوني لأمكن صياغة قوانين تحفظ لها حقوقها وتعلّي مكانتها في المجتمع بدل الأكتفاء باتهام القانون بالذكورية والانحياز إلى الرجل .أقول إن المرأة’ لم تعط للثقافة حيزها الحقيقي بحيث إن الثقافة لم تكن أبدا من أولويات المرأة بعكس الهوامش . ما نريد قوله إن مجتمعاتنا يغلب عليها الطابع ألذكوري بل ويفرط في ذكوريته أحيانا من خلال احتقاره للمرأة واتهامها بالنقص ،فعلى المرأة بالمقابل عدم الاستسلام والانتظار أن يأتي الغير ويقدم لها حقوقها،عليها أن تبادر إلى انتزاع مالها بيدها من خلال الولوج في ميادين الثقافة كافة. ________________________________________________ هوامش: 1.سمير عبده،هكذا تكلم نيتشه،ص 84،دار التكوين. 2.سميرة المانع،الكتابة النسائية في خصائص الزمان والمكان،جريدة المدى،عدد 1569.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |