إشكالية الهوية الوطنية

 

حيدر قاسم الحجامي

كاتب وصحفي عراقي

wwwhh13@gmail.com

العراق بلد متعدد الطوائف والاثنيات والأديان، بلد يلعب فيه التنوع العرقي والقومي دوراً هاماً  في تحديد شكل العلاقات الاجتماعية والثقافية والسياسية بين مكوناتهِ،وما ينتج عن تلك العلاقات من ولادة السلطة  تحت أي شكل او أي تصور تحملهُ النخبة الحاكمة، فهذه الهويات الفرعية لسكان هذه البلاد تحولت الى  إحدى  أهمِ المشاكل العسيرة تواجها النخب السياسية  المعاصرة  وتمثل تحدياً  لصياغة نظام سياسي يمكن من خلاله ِ صياغة هوية وطنية جامعة، لاتلغي او تصادر وجود تلك الهويات القومية او الدينية، وإذا كانت التجارب السابقة في حكم البلاد منذ قيام الدولة العراقية عام 1921 م فشلت فشلاً ذريعاً في صياغة شكل النظام السياسي الذي يمكن من خلالهِ تمثيل تلك الهويات والمكونات والمحافظة على وجودها ضمن التشكيلة السياسية بسبب الفهم الخاطئ لوجود هذه المكونات وبسبب التعصب الطائفي والمذهبي الذي يرى في الأخر عدم صلاحهِ بأي شكل ليكون شريكاً في صياغة شكل النظام والمساهمة الفعلية في الحكم، بل ان احتكار السلطة بمغرياتها ومكاسبها كان الخيار الوحيد، ولعل شواهد التاريخ السياسي العراقي  حافلة بصور هذا الاستئثار السلطوي، ومنها ما ينقل عن الملك المعين من قبل الاحتلال البريطاني للعراق فيصل الأول حينما قال في إحدى المناسبات ان هذه البلاد لايمكن ان تحكم إلا بمذهب واحد ومن جماعة معينة، لان هذا الملك كان يفهم ان أي إشراك لمكونات أخرى او مذاهب أنما هو بمثابة تفكيك للهوية الوطنية التي يجب –وحسب وجهة نظره- ان تكون هوية واحدة ومعينة لتختزل المشهد السياسي القائم آنذاك  وتمثله،لتبقى البلاد موحدة بينما يبقى الآخرون يعانون من تهميش يمتد ويتطور ليصبح اقصاءاً قصدياً يمارس على أبناء البلد لدواعي طائفية او سياسية او قومية  في مختلف مجالات الحياة، ولعل هذا الفهم يشير إليه الكاتب حسن العلوي في كتابه الشهير الشيعة والدولة القومية، ومن هنا يمكننا ايضاً قراءة المشكلة الكردية في العراق من هذا المنظار  لان ساسة العراق آنذاك كانوا ينظرون الى ان تقريب أكراد العراق من دفة الحكم يضر بوحدة البلاد وهويتها العربية، ويفتح الباب الى مطالبات من قبل فئات و أقليات أخرى، وهذا التصور في الحقيقة خاطئ ومبني على ارتدادات سابقة تمتد الى سلطة الخلافة العثمانية وقبلها الخلافات السابقة التي تمذهبت واستمرت بحكم البلاد وأقصت الأخر وكانت تبني سياستها على تخوين الأخر وتهميشه وقمعه،  ففي بلد مثل العراق لايمكن ان تلغى فيه مكونات أسياسية لتلك الحجج الواهية والتصورات المبنية على أسباب طائفية محضة،ورغم علمانية اغلب ساسة ذلك العهد لكن لم يمنع من التعصب الطائفي على حساب القيم العلمانية  التي تتجرد من المذاهب والقوميات، ورغم إننا لاننفي دور الاحتلال البريطاني في تثبيت شكل النظام ورسم مسارات الحياة السياسية في العراق بهذه الصورة ليبقى هو المتحكم وهو صاحب اليد الطولى من خلال تهديده للأقلية الحاكمة والضغط عليها، إلا  ان وجود البيئة ساعدت على استمرار هذه الأوضاع وساعد في ان تتشكل الدولة العراقية بمؤسساتها المختلفة بلون واحد وضمن هوية واحدة، وهذا لايلغي أبداً وجود شخصيات بارزة في السياسية العراقية من أقليات قومية او أكثرية مهمشه، ولكنها لم تكنُ فاعلة ومؤثرة او أكاد ان أقول أنها ذات تأثير وحضور في الأوساط التي مثلتها بل كانت تمثل نظرية الضد النوعي كما يقال، ولذا ظلت تراكمات هائلة لدى طبقات وشرائح اجتماعية عراقية تعيش حالة من النفي الداخلي والاغتراب وضعف الشعور بالانتماء او تحول السياسة بالنسبة لها الى عقدة كبيرة من الصعب الاقتراب منها او محاولة تشخيصها على الأقل، ولكن هذا لايمنع من محاولات جادة في سبيل ترسيخ قيم مشتركة وقاعدة أساسية يمكن من خلالها الاتفاق على هوية وطنية تجمع مكونات الشعب العراقي غير مرتبطة خارجياً، ولعل التجربة الراهنة مابعد سقوط الديكتاتورية تبرز الحاجة الماسة لدى النخبة للاتفاق على هوية وطنية عراقية تجمع ولاتفرق، تشرك ولا تقصي، والتساؤل الأهم كيف يمكننا بناء هذه الهوية، وباعتقادي القاصر ان المدخل لبناء الهوية الوطنية العراقية هو استثمار حالة التآخي والتسامح بين مكونات الشعب العراقي وأطيافه المتنوعة، والتأسيس عليها في عملية سياسية جامعة تعطي الحق لتمثيل كل أبناء الشعب العراقي في مختلف مجالات الحياة العراقية،، كذلك تعزيز الشعور الوطني بين المكونات من خلال اعتماد مناهج تربوية تعزز روح المواطنة وتبتعد عن إثارة روح الخلاف والتزوير التاريخي الذي يقصد من خلالهِ الإساءة لأي مكون او شريحة اجتماعية عراقية، كذلك تطوير بناء مؤسسات الدولة العراقية الدستورية وخصوصاً القضاء والحفاظ على استقلاليته ليكون ضامناً وفيصلاً في أي نزاع بين أي طرف وطرف أخر، وأخيرا احترام كل الهويات الفرعية وحفظ ممارستها وطقوسها، شرط ان لاتتقاطع مع الهوية الوطنية العراقية  او تسيء إليها . 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com