|
ثلاث استحالات شتات
محسن ظافرغريب عراقيون بالأصل يكتبون بروح المهجر، مثل الكاتبة حوراء النداوي التي غادرت العراق مع أسرتها في سن السادسة لأسباب سياسية، ونشأت في الدنمارك وتعلمت اللغة العربية في المنزل، لتضع روايتها التي تعتمد أحداثها على الإنترنيت والمسنجر والهاتف النقال، أحداثها عن طريق رسالة إلكترونية تصل من بطلة الرواية الراوية هدى لرافد الذي كان يعمل مترجماً، تطلب منه ترجمة فصول روايتها من الدنماركية للعربية التي لاتجيدها إلا ناطقة بها. لتكون فصول الرواية رواية "تحت سماء كوبنهاكن" (إصدار دار الساقي في بيروت عام 2010 قطع متوسط تقع في 392 ص. يروي بعض فصولها رافد الذي تعشقه هدى عن بعد قبل أن تفاجئه في محطة البنزين " رافد؟ أنا هدى!" ص 178 و 392. أسرة هدى تعيش إزدواجية، فالأم كانت تهرب من شرطة الآداب في عراق عقد سبعينيات القرن الماضي بسبب اردتائها الميني جوب، ترتدي الحجاب في الدنمارك وتطلب من بناتها فعل ذات الأمر؛ محاولة ستر فضيحة الأب الذي لايكف عن احتساء الفودكا التي لايريد إظهار زجاجتها، التي يشتريها يومياً، أمام أعين الجيران من العراقيين، ومنهم جارهم أبو حسن، الذي لم تسلم هذه الأسرة من، توصيفه من قبل، يطرد الصغيرة هدى من بيته معنفاً ابنته التي أتت بها لهم توصيفه على أنها " أشر من الدنماركيات.. إذا كان هؤلاء أهلها، أب سكير وأخت ساقطة، وأخ عابث، أقطع ذراعي إن لم يكن بعثياُ.!" ص 73. وعراقيون بالأصل يكتوون بأتون لانظام صدام الهدام، ويكتبون أنفسهم بروح عراقي مع ذات الثيمة باختلاف وائتلاف محطات الإضطرار في ذات الشتات: يتناول "سلام إبراهيم" معاناة الروس بعد العصر السوفيتى، واضطرار الروسيات إلى بيع أنفسهن مقابل وجبة، ووقوف الروس فى طوابير طويلة للحصول على زجاجة فودكا، وكيف يتعاركون حتى الموت من أجل ذلك، وتهديد المافيا المستمر لهم واقتحامها بيوتهم للحصول على الطعام. في رواته "الحياة لحظة" معاناة العراقي وشتاته والنفى والتشرد، والسجون والتعذيب التى طالت كل الفصائل العراقية، وتورط الثوار فى فخ تعذيب معارضيهم، وفى النهاية يضغط النظام الصدامى على الجميع مؤيديه ومعارضيه، مما يستتبعه هروب الجميع إلى معسكرات اللجوء السياسى فى إيران وتركيا، ثم موسكو والنرويج والدنمارك، وفى اللحظة التى يصل فيها العراقيون إلى خارج وطنهم وفى المطارات نفسها يصطدمون باليهود القادمين إلى الشرق الأوسط ليستوطنوا فلسطين فى تواصل مع تيمة التهجير التى يعانيها العرب منذ خمسينات القرن الماضى، حيث يعرض سلام إبراهيم لمخطط كونى يهدف لإخلاء المنطقة برمتها من سكانها، تمهيدا لاحتلال واسع تقف بشائره على الأبواب. التحق سلام إبراهيم المولود عام 1954 بصفوف الثوار فى كردستان عام 1982، وفقدت رئتيه قدرتها على العمل بشكل طبيعى نتيجة للقصف الكيماوى على مقار أحزاب المقاومة، ونزح مع جموع الأكراد أثناء حملة الأنفال إلى تركيا، ثم إيران، حيث أقام فى معسكرات اللجوء بأقصى شمال إيران، قبل أن يلجأ إلى الدنمارك حيث يعيش بها حتى الآن. يعرض سلام سيرة حياة لاجئ عراقى يغادر وطنه ويرحل إلى موسكو والدنمارك وسوريا ثم يعود مرة أخرى إلى العراق، وينفصل الراوى عن زوجته ويدمن الخمر، وتدريجيا يضيع فى فخ الذكريات، كما يقف عند الأخطاء البشعة التى ارتكبها الثوار فى الجبال، وعن شكهم فى كل جديد عليهم أو متضامن معهم، وهو الشك الذى وصل لحد القتل والتنكيل لتصبح العراق مركزا للإرهاب والنفى والإقصاء. من جهة (إزدواجية) أخرى، عن مشروع “كلمة” للترجمة التابع لهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، كتاب “الخوف من البرابرة”، للفيلسوف الفرنسي البلغاري تزفيتان تودوروف، وترجمة الدكتور جان جبّور، دعوة لنخب الغرب:" عليكم تجاوز مقاربة إثبات الذات عبر تدمير الآخر أو إخضاعه، تؤطرها مقولة "صدام الحضارات"، وتنشطها تيارات مغرقة في التبسيط والاختزال، تمتهن التحريض على دفع الخطر القادم من الجنوب ومن المجتمعات المسلمة أساسا، والاحتراز من الخطر الجاثم داخل المجتمعات الغربية نفسها من خلال الجاليات المسلمة.. تبرز أصوات قليلة، خافتة في ساحة الجدل الإعلامي وبين طوائف الرأي العام، لكنها ثقيلة في ميزان التحليل الموضوعي الهادئ للقضايا المطروحة. هذي دعوة "عينية" خير من دعوة الأحزاب الإسلاموية الحاكمة بسبع عجاف حتى اننخابات 7 آذار 2010م، لتستمر دون سنوات سمان، وخير من دعاية دعوة "كفائية"، يعنى بالأولى شعب مضيع داخل وخارج وطنه، صفر اليدين من مقدراته، ويعنى بالثانية طفيليات الإختلال والإحتلال، الهالك عدي ابن الهالك صدام وصنوه عمار ابن عزيز العراق الحكيم، ومملوك عمار نوري المالكي، ومن لف لفهم من حثالات عفلق وغدر بدر الفيلق!.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |