|
آخر طَبَعات التكفير الوهابي! مهند حبيب السماوي تفجرت أزمة جديدة من التصريحات(السياسية-الدينية) بين العراق والسعودية أثر تهجم شيخ سعودي يُدعى محمد بن عبد الرحمن العريفي خلال خطبته التي سمّاه " قصة الحوثيين" على الشيعة وآية الله العظمى السيد علي السيستاني من خلال ألفاظ وعبارات أقل ما توصف بأنها نابية وصفيقة وخارجة عن حدود اللياقة والكياسة والأدب وغير لائقة برجل دين وخطيب يُعطي محاضرات في الأخلاق! ومؤلف للعديد من الكتب الإسلامية والمطويات الدينية !. الأسائة التي قام بها العريفي للشيعة واحد كبار علمائهم المعتبرين، الذين كان لهم دور واضح لا لبس فيه في وأد الفتنة الطافية في العراق، تفتح الباب من جديد على قضية الفكر التكفيري والجدل الذي يدور معه كل فترة حينما يُبصق احد دعاته القدماء أو الجدد فتوى تكفيرية أو عبارة شتائمية أو لفظ غير أخلاقي بحق الأخر المختلف عنه سواء كان شيعيا أو سنيا أو من الطوائف والأديان الأخرى، ضاربا بعرض الحائط كل القيم والمشتركات الإنسانية، التي تجمع هؤلاء المختلفين في عقائدهم بعضهم مع بعض، وهو واقع لا يمكن إنكاره ولا الهروب منه، والتي ينبغي التركيز عليها، أي المشتركات، والنظر إليها في كل تعامل ورؤية للتلاقي والحوار مع الأخر المختلف . الحديث عن ظاهرة التكفير والتحريض واستخدام اللغة الشتائمية المشينة، يأخذ منحنيين مختلفين ويدور في مسارين يتعلق أولهما بعموم مرض التكفير وآفة التحريض التي صُعق بها العالم عموماً والأمة العربية والإسلامية خصوصاً .فالحديث عنه ذو شجون ويمتد نحو أبعاد زمانية ومكانية معقدة لعلها تحتاج إلى الغوص عميقا في تاريخ المملكة العربية السعودية والبحث عن عقيدتها المتشددة والتنقيب عن أيدلوجيتها الأصولية التي تعود في جذورها إلى ابن تيمية المتوفى سنة 1328 الذي أضرم نار الأصولية والتكفير ووجد لها صدى واسع لدى الشيخ محمد عبد الوهاب مؤسس العقيدة الوهابية في بلاد الجزيرة العربية في القرن الثامن عشر . وقد ذاقت المملكة العربية السعودية نفسها الويلات من هذا الفكر الأصولي الظلامي عبر التفجيرات الإجرامية والعمليات الإرهابية التي ضربت المملكة من قبل تلاميذ هذا الفكر الذي ولد وتربى ونمى وتخرج على يد بعض المشايخ السعوديين الظلاميين لدرجة دفع البعض بمخاطبة السعودية بعد بعض التفجيرات بالقول " هذه بضاعتكم ردت إليكم ! " . وإما المسار الثاني في هذه القضية، فيتعلق بالعريفي ذاته وما قاله عن الشيعة والسيد علي السيستاني الذي يرجع له الملايين في الأحكام الشرعية، ويمتلك شخصية اعتبارية ومكانة مرموقة ومنزلة سامية في المجتمع العراقي والعالمي على حد سواء، وعلى الصعيد الديني والسياسي ، كما تجسد ذلك في مواقفه السديدة والعقلانية والمهدئة الذي كان سماحته يتخذها حينما انقطعت السبل بسفينة المجتمع العراقي وتمزقت أشرعتها وسارت في طريق الغرق أو كادت !. فالعريفي في خطبته التي تحدث بها عن الحرب السعودية مع الحوثيين وانتقل إلى التهجم غير المبرر على الشيعة عموما، يكشف بلا ريب عن نزعة تكفيرية وتوجه استئصالي وميول أجتثاثية ، وهو أمر لا يتعلق بالمشكلة السياسية الحالية بين جماعة سياسية لها أهداف ومطالب معينة مع دولة مجاورة معينة تقف على حدودها، ولو كان الأمر كذلك لتحدث عن هذه الجماعة الحوثية فقط التي تدين بالمذهب الشيعي الزيدي المختلف تماما عن المذهب الاثنى عشري . لكننا نراه في خطبته قد اخذ ينحو منحى أخر مستخدما منهج التعميم الخاطئ شأنه شان أي شخص ساذج لا يمتلك نصيبا من العلم والمعرفة، ولا يميز بين الحالات الفردية الخاصة والوضع العام لفئة معينة ، حيث لاحظناها قد وصم الشيعة عموماً بأنهم " يسوءهم والله كل خير يكون في بلاد التوحيد" على حد تعبيره، وأنهم" عاونوا المغول خلال هجمات هولاكو في القرون الوسطى على الخلافة العباسية، كما هاجموا الحجاج في السعودية في الماضي بل انه ، ومن منطلق فكره الظلامي، يرى أن للشيعة حقد على السعودية وهو أمر "غير مستغرب"، ثم بالتالي يختم خطبته بالدعاء الذي يعري توجه العريفي الحقيقي البعيد عن قضية الحوثيين ومعركتهم مع السعودية بالقول المثير للجدل "اللهم أحفظها" أي المملكة "من كيد الرافضة والمتشيعين" . هذا التهجم غير المستستاغ قد امتد نحو مرجع شيعي محترم هو السيد علي السيستاني الذي وصفه بأنه "شيخ كبير زنديق فاجر في طرف من أطراف العراق" منتهكا بذلك ابسط قواعد الأخلاق ، خارجا عن سلوكيات الاحترام، متعديا على حدود القيم المتعارفة في الخطابات الدينية، مدنسا لحرمة المنبر الذي ترقى أعواده ، التي يظهر أنه، أي المنبر ، قد أمسى لدى العريفي، مكانا تتطاير فيه الشتائم واللعنات والبهتان... ولا ندري هل نصح العوفي المسلم في كتيبه الذي نشره تحت عنوان " أذكار المسلم اليومية" أن يشتم ويمارس اللعنات بحق الآخرين كما مارسها هو على منبره في جامع البواردي ؟ ولم يسلم الإخوة المسيحيين من هجوم العوفي ، حيث مدح المملكة من منطلق خلوها من الكنائس حيث قال،بوضوح في معرض حديثه عن فضائل المملكة، " لا ترى فيها صليبا معلقاً ولا ترى كنيسة تضرب بنواقيسها، بينما تذهب إلى عددا من بلدان المسلمين المتفرقة فترى الكنائس وربما رأيت الصلبان ورأيت أنواع التبرج...فحقد هؤلاء الشيعة عن هذا البلد غير مستغرب"...ولا ندري هل نضحك أم نبكي على هكذا منهج في التفكير... ما هو الربط بين حديثه عن الكنائس والدولة العربية وبين الشيعة ؟ أم أن التشتت في التفكير والفوضى في الرؤية واللاعقلانية التكفيرية والحقد على الأخر المختلف عنه يعميه ويجعله ينتقل من الحديث عن الدول العربية والكنائس الموجودة فيها إلى الكلام عن حقد الشيعة " كما تتوهم أحلامه " على السعودية كما ظهر من النص الذي نقلته للقارئ بحذافيره !. وهنا نطرح السؤال الأخر المهم الذي نترك أجابته لحذاقة القارئ والمتلقي الكريم : هل تشكل حالة عدم وجود كنيسة في بلد ما معيارا لمدح هذه الدولة كما تصور ذلك العريفي في خطبته؟ أم أن التنوع في الأديان والاختلاف في القوميات والتعدد في الطوائف والاثنيات في ظل احترام متبادل بين الجميع يكون مصدر قوة وثراء لهذا البلد ؟ أنا شخصيا اعتقد انه من الخطأ الكبير بل من الوهم الغارق في تخبطاته أن نعتقد أن العريفي وما جاء به في خطبته التحريضية الشتائمية قد انطلق من أفكارا خاصة به أو اجتهادات فردية أو رؤى ذاتية منفردة ، ف" الشيخ الجليل" درَس التفسير والفقه وغيرها على يد ابن باز المعروفة بتوجهاته الأصولية المتشددة ،و درس التوحيد والملل والنحل على يد عبد الله بن جبرين المشهور بفتاوى تكفيره للطائفة الشيعية ، فضلا عن أن العريفي قد حصل على الدكتوراه في أصول الدين والعقيدة والمذاهب المعاصرة، من خلال رسالته "آراء شيخ الإسلام ابن تيمية في الصوفية، جمع ودراسة"، وهو بذلك يُعد ابن شرعي وأصيل لهذا الفكر المتشدد الضال " كما أطلق عليه هذا الوصف الملك عبد الله. الردود الرسمية والشعبية في العراق والسعودية وخارجهما لما أتحفنا به العريفي من كلام بذيء في خطبته، قد اتسمت بالرفض والاستنكار الشديد كما ظهر ذلك في أشكال مختلفة، حيث في العراق قام رئيس الجمهورية ونائبه عبد المهدي بإرسال رسائل خاصة للملك عبد الله يدينان فيها ما فعل العريفي ويطالبانه بالتدخل للكف عن مثل هكذا خطابات أما من الجانب السعودي، فقد رفض المستشار في الديوان الملكي الشيخ عبد المحسن العبيكان هذا التصريح، وقال " الرأي الذي خرج به الشيخ العريفي مرفوض تماماً" ، وأوضح أن" ما قاله العريفي لا يمثل رأي حكومة السعودية، وإن خادم الحرمين الشريفين يسعى دائماً لنبذ الخلافات بين المسلمين وتوحيد الكلمة، وترك التطرف بكل أشكاله التي تشق صف الأمة" ، مؤكداً " احترام أهل العلم في السعودية للرموز الدينية من كل الطوائف والأديان". وربما يتساءل البعض وهو محق في سؤاله عن المغزى والهدف الذي يقفان وراء هكذا تصريحات تعمل على تأجيج الفتنة وشحنها وتصعيد التوتر بين أبناء البلد الواحد في السعودية من سنة وشيعة أو بين السعودية والعراق في وقت تتعرض فيه المنطقة باجمعها الى توترات ومشاكل على كافة الأصعدة ؟ ولعلني اختلف تماما مع ما قاله الشيخ محمد المحفوظ حينما قال " كنا نتوقع أن رجال الدين في المملكة قد تجاوزوا هذا النوع من الخطاب الديني،" ، فهذا الخطاب مازال موجودا في بنية المؤسسة الدينية السعودية ولن يُقنعنا، مهما حاول ذلك مفتي السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ في رده على المالكي الذي هاجم المؤسس الدينية السعودية، الذي قال وهو قد ناقض نفسه في أخر تصريحه، إذ انه قال علينا " أن نسعى لما يوحد الكلمة ويجمع الصف وأن لا نكيل المغالطات للآخرين من دون برهان أو تأكد " وهو يوجه كلامه أن الحل الأمثل لمثل هكذا تصريحات لا يكمن في تغيير خطاب المؤسسة الدينية السعودية فهذا الأمر ، وان كان صحيح ويعد شيء أساسي لكل التحريض، إلا إني لست متفائلا بإمكانية حدوث هذا الأمر على المدى القريب" ، فالحل يتجسد في معيار سياسي وأخر قانوني يكبح جماع مثل هكذا تصريحات ويحطم بناءها من أساسه. فالمعيار السياسي هو ما يمكن أن يشكل رادعا أمام هؤلاء الخطباء لكي لا يتقيئوا كل يوم بتصريحات يمكن أن تربك العلاقة بين المملكة وجيرانها أو تفتح جرحا أو ثغرا في الوحدة الإسلامية ، التي هي أصلا غير موجودة ، كما يسعى إلى ذلك الملك عبد الله من خلال تصريحاته التي يبدو أنها تسبح في فضاء العبارات والكلمات ولم تتحسس ارض أما الرادع القانوني، فيقوم على أساس مقاضاة كل من يسيء إلى الآخرين ويعمل على التحريض على الفتنة سواء كان هذا القانون في نفس البلد أو من خلال محكمة دولية أو إقليمية تحاسب من يتقول بهكذا أقاويل، كما سمعنا بتحرك البعض لرفع دعوى ضد العريفي في بريطانيا طبقا للقانون الصادر في عام 2006 والذي يعتبر كل تصريح يؤجج الكراهية جريمة يجب محاسبة فاعلها . المملكة العربية السعودية لم ترد لحد الآن على ما طالبت به الحكومة العراقية ، وأظن أنها سوف تتخذ موقفا بحق العريفي مماثلا لما قامت به بحق عادل الكلباني إمام الحرم المكي السابق حينما منعته من إمامة الحرم المكي قبل شهر رمضان نتيجة لتكفيره علماء الشيعة في حديثه مع فضائية بي بي سي . ويظهر أن العريفي سيواجه نفس المصير، إذا ما كان الملك السعودي صادقا في دعواه وخطاباته السياسية وما يقوله حول توحيد كلمة المسلمين خصوصا ان العريفي يعمل في مؤسسة رسمية، فهو عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود وخطيب جامع البواردي بالرياض الذي قدم لنا طبعة جديدة من طبعات التكفير الوهابي بعد أن نفدت ،كما يبدو، من أسواق الظلام الطبعات السابقة وعفا عليها الدهر !!!.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |