لا تبيعوا معامل العراق...!

 

صادق حسين الركابي

altaleaa@googlegroups.com

كثيراً ما أحاول الابتعاد عن الخوض في مواضيع تتناول الأرقام والحسابات الاقتصادية لأنها مواضيع بالنسبة للكثيرين غير مستساغة ومعقدة . لكني هذه المرة أجد نفسي مضطرا ً لتوضيح بعض الحقائق خاصة وأنها تتعلق بمستقبل بلد بأكمله وأجيال قادمة. 

الموضوع الذي حرك القلم على صفحات أوراقي ورد في خبر يختص بلجنة الاقتصاد والاستثمار والاعمار النيابية والتي أعلنت في شهر ديسمبر من العام الفائت 2009  عن خطة استثمارية لاحياء عشرات المعامل والمصانع في خطوة تهدف الى دعم الصناعة الوطنية وامتصاص ظاهرة البطالة.

وبحسب رئيس اللجنة فإن الخطة الجديدة تشمل الاستثمار في معامل الاسمنت والحديد الصلب والنسيج والورق والسيارات والمعدات والزيوت وقطاعات اخرى. 
كما تحدّث عن إمكانية إخضاع اغلب مصانع القطاع العام للاستثمار الاجنبي رغم وجود مشكلة تقف دون ذلك تكمن بأن بعض هذه المصانع متقادمة وانتاجها دون المستوى وفيها عمالة عالية بمعنى انها غير ربحية للمستثمر.
 
واشار رئيس اللجنة الى ان الخطة الجديدة ستسهم في حال تم تطبيقها بشكل صحيح بتشغيل ( 70% ) من العاطلين عن العمل، مبينا اهمية هذه التحركات في زيادة وتحسين نوعية الانتاج المحلي.
 

وحقيقة الأمر أني حاولت مراراً وتكراراً أن أفهم هذا الخبر وهذه الخطة من خلال التحليل المتأنّي والعقلاني مستخدماً كافة النظريات الاقتصادية والتحليلات الموضوعية. والنتيجة هي أنني وقفت مشدوها ً أمام حجم التناقضات الواردة فيها وبقيت متخوفا ً من حجم المخاطر التي تهدد الاقتصاد العراقي في حال تم تطبيقها.  

فالاقتصاد العراقي الذي يعتمد على النفط بشكل أساسي ويستورد قرابة المئة بالمئة من المنتجات لا يملك ما يمكنه من تطبيق هذه الخطوة لعدة أسباب تتمثل بما يلي: 

أولا ً – أهداف المستثمر الأجنبي وفي مقدمتها الربحية:

فالمستثمر الأجنبي يهدف من وراء كل هذه التعاقدات مع الدولة العراقية إلى تحقيق هدف وحيد وأساسي ألا وهوتحقيق أعلى عائد من الأرباح ولا شيء غيرها . من هذا المنطلق فهوسيعمل بكل تأكيد على استخدام وسائل انتاج حديثة تعتمد على خطوط وآلات متطورة تحتاج إلى خبرات وكفاءات هي غير متوفرة حاليا ً في السوق العراقية. وهذا يعني استقطاب عمالة من الخارج لتتمكن من تشغيل هذه المعامل في السنوات الأولى على أقل تقدير وبالتالي فإن سوق العمل في العراق لن يتغير إلا بهامش بسيط قد لا يبدوواضحا ً خلال هذه الاستثمارات الأجنبية. 

ثانياً – إن استقدام المستثمر الأجنبي لخطوط الانتاج الحديثة  التي تعتمد في كثير من الأحيان على الأتمتة للتقليل من العنصر البشري سيجعل الحاجة إلى العمالة أقل مما كانت عليه في السابق. وإذا ما دققنا في تصريحات المسؤول العراقي بشأن هذه الخطة الاستثمارية الجديدة نعرف الكم الهائل للتناقضات الواردة في هذا التصريح وتلك الخطة. فمن جهة يقول بأن هذه المعامل غير ربحية وتعاني من العمالة الفائضة والزائدة عن الحد المطلوب ثم يحاول أن يقنعنا بأن المستثمر الأجنبي سوف يقوم بتشغيل أكثر من سبعين بالمئة من العاطلين عن العمل في السوق العراقية. وحقيقة لا نفهم لماذا سوف يعمد المستثمر الأجنبي إلى تشغيل المزيد من العمالة العراقية التي هي بالأصل فائضة عن الحد المطلوب ؟  هل أن في قلب المستثمر الأجنبي رحمة على العامل العراقي أكثر من أهل بلده أنفسهم حتى يتحمل هذه الخسارة الناجمة عن تشغيل المزيد من العمال بالرغم من عدم وجود الحاجة الاقتصادية والجدوى الربحية إليهم؟ 

ثالثا ً - أثبتت تجارب العديد من الدول المتقدمة والنامية أن خصخصة شركات القطاع العام يرافقها بالدرجة الأولى ترشيد ٌ كبيرٌ في النفقات وعلى حساب العمالة المحلية. لذلك تعارض العديد من نقابات العمال في العالم أن يتم تحويل شركات الدولة إلى استثمارات خاصة الأمر الذي يهدد أعدادا ً كبيرة من العمال بالتسريح من أعمالهم وتخفيض رواتبهم التقاعدية. فإذا كان الحديث عن خصخصة القطاع العام يثير كل هذه الضجة عالميا ً فما حال الاقتصادات التي تعرض شركات قطاعها العام للاستثمار الأجنبي من دون الالتفات إلى إعادة تأهيل هذه المؤسسات بالاعتماد على القدرات الذاتية وشركات القطاع الخاص. 

وعلى الرغم من حجم هذه المخاطر فإن هذه الخطة لم توضح الآلية التي سوف يتم بموجبها إخضاع هذه المصانع للاستثمار الأجنبي. فهل سوف يتم على سبيل المثال بيع هذه المصانع للمستثمر الأجنبي بالكامل أم بشكل جزئي يبقي للدول جزءا ً من السيادة عليها ولأي مدى ً زمني سوف يتم ذلك؟  وهل جربت الدولة العراقية خلال السنوات السبع الماضية إعادة إحياء هذه المصانع بالاعتماد على إيرادات الدولة العراقية من النفط مثلا ً بدلا ً من اللجوء إلى عرضها للاستثمار الأجنبي ؟  

ولماذا لم يفكر القائمون على هذه الخطة بشراء الخبرات الأجنبية مع تطوير الكفاءات العراقية المحلية؟   

لماذا تبقى شركات القطاع الخاص العراقي تعمل تحت اسمSubcontractor أي متعاقد غير مباشر ولا تكون هي المتعاقد المباشر Contractor مع الدولة والقطاع العام العراقي؟ 

صحيح أن هذا القطاع قد عانى من قلة المعلومات عن أحوال السوق العالمية  لفترة زمنية طويلة بسبب سياسة الحروب والحصار لكنه يحتاج إلى دعم حكومي مميز حتى يعود من جديد رافدا ً وداعما ً للاقتصاد العراقي .  

وهنا تبرز مسؤولية القطاع المصرفي في العراق في تقديم التسهيلات الإقراضية اللازمة وكذلك مجلس النواب في سن التشريعات والقوانين التي تسهل عمل هذا القطاع لا سيما قطاع الأعمال الخاصة الصغيرة. 

كما يجب الإشارة إلى أن وزارة المالية العراقية أشارت إلى أن ما قيمته 13 ترليون دينار عراقي ما تزال في حوزة البنوك والمصارف العراقية ولا يوجد من يستخدمها. وهذا إن دل ّ على شيء فيدل على  حالة عدم الثقة التي تصيب القطاع الخاص العراقي وإلى قلة الدعم القانوني المقدم من الدولة. أضف إلى أن الدولة العراقية متمثلة بالقطاع العام تقوم أحيانا ً في منافسة القطاع الخاص العراقي ذاته. إذا ً فنحن بحاجة ٍ إلى دعم حقيقي للقطاع الخاص وليس دفنه حيّا ً ومن ثم التفرج عليه وهويختنق. 

الأمر الأكثر غرابة هوقيام العراق بطلب قروض كبيرة من صندوق النقد الدولي في حين أننا ما زلنا نتنفس الصعداء من إطفاء أكثر من ثمانين بالمئة من ديون العالم على اقتصادنا المنهك.  فإذا كانت هذه القروض التي تقيّد العراق بسياسات نقدية واقتصادية كبيرة قد تمّت بسبب تطوير البنى التحتية فأين هي إذا ً إيرادات النفط العراقي خلال السنوات الماضية ؟ مع العلم أن مخصصات معظم مجالس المحافظات من موازنة تطوير الأقاليم للعام 2009 ، والتي يشكل عدم صرفها تعطيلا ً كبيرا ً لمشاريع الاستثمار والتطوير وتعطيلا ً لمشاريع تم العمل فيها وتوقفت بسبب عدم صرف المخصصات المقررة لها ، لم تصرف بحجة انخفاض نسب الإنجاز وبحجة عدم قدرتها على تقديم كشوفات بالمبالغ التي صرفت على المشاريع المنجزة. 

لقد كنا في الماضي ندعوإلى دعم الاستثمار الأجنبي واستقطابه إلى العراق ولكننا لم نعن ِ بذلك إحلال الاستثمارات الأجنبية محل القطاع الخاص العراقي وإنما كنا نقصد الدعم في الخبرات والتكنولوجيا واستثمار المساحات الواسعة في العراق لبناء مصانع ومعامل جديدة. وهنا يجب التأكيد على ضرورة إعادة إحياء العامل العراقي ذوالخبرة والكفاءة العالية حتى يكون قادراً على تشغيل هذه المعامل الوطنية، لا أن تكون هذه المصانع مراكز توظيف لغير العراقيين في حين يبقى أبناء البلد عاجزين عن العمل فيها.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com