ماذا يعني في بلد أوربي أن يكون أسم المجرم : إبراهيم ؟!

 

يوسف أبو الفوز

haddad.yousif@yahoo.com 

فجأة تصدر اسم فنلندا نشرات الاخبار العالمية،ما الذي حصل في هذا البلد الصغير ذو الخمسة ملايين وثلث المليون حسب أخر الاحصاءات،والمرمي على حافات القطب، الذي استحقت عاصمته وصف "بوابة الشتاء"؟

 كانت درجة الحرارة،في العاصمة الفنلندية،هلسنكي،في اخر اثنين من العام الماضي، تصل الى 18 تحت الصفر،حين رن هاتفي المحمول صباحا لأجد على الطرف الاخر غرفة الاخبار في تلفزيون "البي بي سي" العربي من لندن،تطلب مني تعليقا سريعا على ما حدث في فنلندا! لكن ما الذي حدث؟  نحن على ابواب توديع عام واستقبال عام جديد، ومثل كل الناس كنت مشغولا مع عائلتي نعد ونؤمن تفاصيل طقوس استقبال العام الجديد،وحتى لحظة الاتصال الهاتفي ذلك اليوم،لم اسمع نشرة اخبار ولم افتح راديو او تلفزيون، فطلبت منهم ان يعاودوا الاتصال بعد نصف ساعة لأتبين حقيقية ما يجري . وما جرى هو حادث اطلاق نار في مجمع اسواق يقع في ضواحي العاصمة، حصل في وقت مبكر من صباح ذلك اليوم،الساعة العاشرة بتوقيت فنلندا، أدى الى مقتل عدة اشخاص وهروب الجاني، الذي وزعت الشرطة الفنلندية اسمه وصورته واوصاف سيارته ورقمها وحذرت من كونه مسلحا،ويعد انسانا خطرا. التفصيل المثير في الخبر أن اسم الجاني كان: "ابراهيم شكوبولي"!! أسم يوحي بخلفية أجنبية واسلامية،وهذا يعني ربما يكون عملا ارهابيا ! ولا يحتاج الامر لعبقرية خاصة لفهم ان هذا هو سر اهتمام وكالات الانباء ومحطات التلفزة بتغطية الخبر!

بعد نصف ساعة اتصلت بي محطة "البي بي سي" مرة ثانية،واتفقنا ان اكون على الهواء في نشرة منتصف النهار حسب توقيت لندن . في هذه الاثناء عقدت قيادات الشرطة الفنلندية مؤتمرا صحفيا لتعرض ما توصلت اليه من معلومات، وكنت ايضا أجريت اتصالاتي وبحثي لاكون جاهزا لأقدم ما عرض وتوصلت اليه من معلومات وأنطباعات . ردا على اسئلة الزميلة من الاستوديو بينت مكان الحادث،وهو مجمع اسواق يسمى "سيلّو" في مدينة "أيسبو"،التي تقع غرب هلسنكي،يشكل الاجانب ومن مختلف القوميات  8% من سكانها البالغ عددهم حوالي 250 الف انسان . والحدث ـ الجريمة حصل في الطابق الاول من مجمع الاسواق،في سوبر ماركت يسمى بريسما  Prisma،أما الجاني،البالغ من العمر 43 سنة،  فهو مهاجر ألباني من كوسوفو، مقيم في فنلندا منذ عام 1990،  قتل صديقته السابقة في شقتها،وهي فنلندية تبلغ من العمر 42 عاما،ثم توجه الى محل عملها،وفي الطابق الاول قتل رجل وأمراة،ثم صعد الى الطابق الثاني وقتل رجلين،ثم هرب من المكان،وقبيل أنتصاف النهار،عثرت عليه الشرطة منتحرا في شقته في نفس المدينة . الجاني وضحاياه الخمسة،المجنى عليهم،جميعهم يعملون في مكان واحد هو السوبر ماركت بريسما،وكان واضحا أن القضية لم تكن اكثر من ثأر في علاقات شخصية يمكن ان تحصل في كل مكان من العالم،دوافعها الغيرة والاحقاد والشعور بالغبن ربما،وان الجريمة حصلت مع سبق الاصرار والترصد . وحرصت شخصيا على عرض السجل الجنائي للقاتل الذي افادت به الشرطة وبينت فيه أنه في عام 2001 اتهم بمحاولة الاعتداء،ولذلك صدر عليه حكم قانون بأمر تقييدي ضده،ويعني عدم الاقتراب من شخص محدد،لم تقل الشرطة من هو،وعرف فيما بعد انه كان صديقته السابقة القتيلة. وكشفت الشرطة كون القاتل متهم بجرائم حيازة اسلحة نارية بدون ترخيص،ونال عن ذلك أحكام قانونية بغرامات مالية في اعوام 2004 و2007! واكدت الشرطة الفنلندية بأن الحادث ليس عملا ارهابيا ولم يكن له اي دوافع عنصرية وأنه في حدود القتل لاسباب علاقات شخصية. وحرصت من جانبي على تبيان كل ذلك والتأكيد عليه في تقريري عبر نشرة اخبار "البي بي سي" العربية . ولكن يبدو ان تعليقي والحقائق والمعلومات التي عرضتها،سببت خيبة امل عند من كان ينتظر أثارة خاصة في الحدث،وقدم تعليقي مرة واحدة على الهواء،ولم يكرر في نشرات الاخبار لذلك اليوم !!

هل ما قام به،الالباني ابراهيم شكوبولي،رغم ما يبدو من خصوصية الدوافع،يمت بصلة  الى ما جرى من حوادث عنف في فنلندا عامي 2007 وعام 2008،حين قام طالبان في مدارس ثانوية فنلندية،في مدن مختلفة، باطلاق النار على زملائهم ومدرسيهم وتسببوا في مقتل العديد منهم ؟ لا يستبعد ان يكون الامر كذلك،فأن فنلندا، شأنها شأن الدول الاوربية ودول العالم الراسمألي عانت من الازمة الاقتصادية الاخيرة،التي تركت تأثيرها على الاوضاع الاجتماعية،خصوصا مع صعود حكومات اليمين وتطبيقها لسياسات اقتصادية راحت تقلص فيها حجم الامتيازات للعاملين،فضاق الخناق بسبب ذلك على حياة الكثيرين من ذوي الدخل المحدود، وكان لذلك أيضا انعكاساته المباشرة على حياة قطاع الطلبة والشباب،فتكررت اعمال العنف،بل وتصاعدت النزعة العنصرية عند قطاعات معينة من الناس،لحد ان الاتحاد الاوربي رصد ذلك في تقاريره لعام 2009 . أن تصاعد النزعة العنصرية،لم يأت من فراغ،بل هو احد نتائج الاوضاع الاقتصادية،ومثل ذلك تصاعد نشاط الاحزاب اليمنية المتطرفة،مثل الحزب اليميني المتطرف المسمى"الفنلنديون الاساس"،الذي عرف بمواقفه المتشددة ضد المهاجرين والمسلمين، والذي تمكن في الانتخابات لبرلمان الاتحاد الاوربي التي اقيمت في حزيران العام الماضي،ان يكون من بين الفائزين بالمقاعد الثلاثة عشر، حصة فنلندا في البرلمان الاوربي، حيث حصد زعيم الحزب اكبر عدد من الاصوات بين كل الفائزين، ونال ما يزيد على 130 ألف صوت وضمن، ولاول مرة،مقعدا لحزبه في برلمان الاتحاد الاوربي! يقابل ذلك ثمة ازمة سياسية يعيشها اليسار الفنلندي،مثلها مثل الازمات التي تعيشها قوى اليسار في العديد من البلدان الاوربية،والتي تضع امام قوى اليسار مهمات مراجعة برامجها وخطط عملها للعودة من جديد الى تصدر اللوحة السياسية .

المسؤولون في الدولة الفنلندية،يتقدمهم رئيسة الجمهورية ورئيس الوزراء،في محاولة لأمتصاص أثار جريمة "ابراهيم شكوبولي" حاولوا الحديث والتركيز على ضرورة مراجعة اجراءات الدولة وقوانينها حول اقتناء الاسلحة النارية في البلاد،فحسب مصادر وزارة الداخلية،تعتبر فنلندا من البلدان الاوربية،التي ترتفع فيها نسبة حيازة الاسلحة النارية بشكل كبير،وتبلغ 32%،وحتى نهاية عام 2006 هناك أكثر من 1.6 مليون قطعة سلاح مرخصة،هذا من غير قطع السلاح غير المرخصة،وحسب المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف في بحوثه عن الاسلحة غير المرخصة في البلاد الاوربية،يقدر ان هناك ما يقارب من ثلاثة مليون قطعة سلاح في فنلندا،اي  56 % من المدنيين يحملون سلاحا ! ولكن وحتى قبل ان يتم الحديث عن نزعة التسلح وعلاقتها بالعنف في المجتمع الفنلندي والاجراءات للتخفيف من ذلك،راحت اصوات عنصرية تستغل جريمة "ابراهيم شكوبولي" في احاديث وتصريحات موجهة ضد الاجانب ووجودهم في البلاد،ورغم ان فنلندا لا تعتبر بلدا عنصريا مقارنة بأرقام الحوادث العنصرية في بقية الدول الاوربية،الا ان تصاعد نشاط احزاب اليمين ودور بعض وسائل الاعلام في تضخيم الاحداث يجعل المواطن الاجنبي والمهاجر من اصول اجنبية،يخشى تأثير اي حادث ينعكس على استقرار حياته في هذا البلد الذي طالما كان مسالما وحاول ان يكون خارج اطار الصراعات الدولية،ويكون مفهوما جدا ما قاله لي مواطن كردي من العراق،صاحب مطعم بيتزا في وسط العاصمة،كيف انه طوال صباح الحادث وقبل كشف شخصية القاتل،ومعه عمال المطعم،كانوا  يصلّون ويدعون ان لا يكون القاتل مسلما او من العراق لان في ذلك خراب رزقهم  وبيوتهم !!

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com