شياطين وأوادم .. رؤية قرءانية!

 

حميد الشاكر

في القرءان الكريم عادة مايُطرح خطان لمسيرة بني الانسان على هذه الارض :

الخط الاول : هو خط البني آدميين بصفاتهم ومميزاتهم وتوجهاتهم وطبائعهم .... التي ورثوها من والدهم الاول مخلوق الله سبحانه ( آدم ) والذي على اساسه خاطب القرآن الناس ب (( يابني آدم لاتتبعوا خطوات الشيطان ..)) !.

والخط الثاني : والذي كسبه الانسان من خلال تمرده على فطرته وطبيعته وآدميته وشريعته ....، من الشيطان الرجيم عدوه وعدو اباءه الاولين، والذي ايضا على اساسه خاطب القرآن المتشيطنين بقوله :(( شياطين الانس والجن .. و ألا ان حزب الشيطان هم الخاسرون )) !!.

والحقيقة ان لكلا الخطين مميزات من خلالها نستطيع ادراك خط الانسان في هذه الحياة اليوم، وهل هو انسان منتمي للخط الادمي ( نسبة لادم ع ) وكل ما يتمتع به من صفات الاوادم الطينية الارضية ؟.

أم انه انسان منتمي لخط الشيطان، ومُعتصر كل الاخلاقية الشيطانية في صفاته وذاته وانماط تفكيره التي ينتمي لها في هذا العالم الانساني المعاش من نارية شيطانية واخرى حارقة وثالثة متمردة ورابعة حاقدة حاسدة ؟.

طبعا المعروف من المميزات المختلفة لكلا الخطين الادمي والشيطاني، انهما خطان متباعدان في صفات وطبائع وجواهر متعددة، تصنع هذه الاختلافات ( حسب الرؤية الاسلامية القرآنية ) تناشزات طبيعية بين الاخلاقية الادمية ونمطية حياتها واساليب تفكيرها، وبين الاخلاقية الشيطانية وما تتمتع به من اساليب وجواهر وطبائع مختلفة تماما عن الخط الاول، ومن ابرز هذه الفوارق على سبيل المثال بين الخط الادمي والخط الشيطاني هي الاتي :

اولا : آدم مخلوق طيني ارضي بالامكان تقليب تربته وحرثها والقاء بذر الانبات فيها بعد سقيها بماء الحياة، بينما الشيطان مخلوق ناري حارق، ليس له ارض تورق ولاطينة تنبت، وهذه حقيقة قوله (خلقتني من نار وخلقته من طين) .

ثانيا : على اساس الطينة الادمية اصبح لادم وابنائه ثقل ووزن وطمأنينة وحيز، بينما بقي الشيطان الناري ليس له ثقل في جوهر الخلقة ولاوزن ولاطمأنينة وحيز، فكان آدم خليفة للارض (اني جاعل في الارض خليفة.) بينما بقي الشيطان معلقا في الهواء لناريته الخفيفة !.

ثالثا : في ادم وخلقه انكسار وانقياد وبحث عن طريق دائما وتوجه الى خالقه باستمرار ليعينه ويهديه سواء السبيل (اياك نعبد واياك نستعين) بينما في الشيطان واخلاقه ميل للاستقلال وابتكار الراي وخط الطريق بنفسه :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )).

رابعا : في ادم تردد واخذ وعطاء واستماع لاخر والقبول بنصيحته الخارجية، وفيه تواضع وادراك للحجم الحقيقي لادم وامكانيته الادمية، وفيه اندفاع وخوف وتوبة وعودة للطريق الالهي والشريعة المقدسة: (( قالا ربنا ظلمنا انفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين )) بينما في الشيطان الناري عزة بالراي والاثم، وعدم استماع لاخر او الايمان برايه ( يعني دكتاتوري برايه ) وفيه جرأة واندفاع وعدم تنازل عن الراي وان كان خاطئا :(( انا خير منه ..)) .

خامسا : ادم الطيني بريئ وساذج ولاينظر لغيره بعلوا او بحسد، وينفتح على الاخر حتى وان كان عدوه كما استغفله الشيطان مرّة واخرجه من الجنة، وهو ادمي المزاج معتدل قابل للمرونة وبامكان اي مخلوق اخر الوقوف على طينته الارضية الادمية بلاعذاب، وحتى ان صادف مخلوق اساء له فانه لايحمل الحقد عليه ابدا، بينما الشيطان الناري حارق يريد ان يأكل بناره كل شئ، لايستطيع احدا ان يقف على ناره بدون ان يحترق، ولايرى الشيطان في غيره غير انه انقص منه شأنا، وانه عدو ولاينبغي ان يعطى في هذه الحياة لاي شئ، بل ان الشيطان يرى كل مافي الوجود ملكا له ولاينبغي لاحد ان يشاركه فيه، وان اراد ان يشاركه احد بشئ فيجب تدميره حتى ولو على اساس النكاية والمكيدة به ب :(( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين )) !!.

نعم هناك ايضا عشرات الفوارق بين كلا الخطين الادمي والشيطاني اعرضنا عن ذكرها خشية الاطالة، واكتفينا بما ذكرنا من امثلة لاحتوائها على الموضوع، لنخلص من هذه الفوارق والمميزات الى ان الانسان اليوم وغدا هو ايضا خاضع لهذين الخطين في مسيرة حياته البشرية على هذه الارض، فأما ان يتخذ من خط ادم وصفاته وجوهره خريطة يجتاز بها منحنيات الحياة ليصبح من بني ادم في هذا العالم، او يتخذ من طريق وخط الشيطان له سبيلا ليصبح من حزب الشيطان وابنائه ومواليه على الحقيقة، ولينظر للعالم من منظار الشيطان ومقتبسات اخلاقه النارية !!.

في حياتنا اليومية الان نصادف صنفين من بني البشر :

الاول : الصنف الناري المنتمي لخط الشيطان وهو يحمل جميع صفات الشيطنة الخلقية من نارية حارقة لاتورق ولاتنبت،ومن صفات استقلالية ترى في نفسها القدرة على وضع الطريق والشريعة الانسب لمسير حياتها الفردية، ومن جوهرية الكراهية لبني ادم الطينيين على الجملة والنظر اليهم بدونية وعنصرية وبغض منقطع النظير !!.

الثاني : الصنف الطيني الادمي صاحب البراءة والانبات والانفتاح على الاخر وطلب المعونة والتواضع والارشاد من الله سبحانه وتعالى دوما وبدون انقطاع !!.

بمعنى اخر ان من صفات البني ادميين عندما تبحث عنهم من حولك في هذا العالم انهم اناس قابلين لانبات الخضرة في طينتهم الانسانية، وعندما تجالس احدهم تشتم عبق الجنائن وبرودة العشب الندي واريج النخيل وهي تملئ كل وجودهم الادمي، فهو وجود قابل للعطاء وقابل للرحمة وقابل للانبات .... مطمئن متواضع ارض طيبة !.

وهذا بعكس مصادفتك لانسان شيطاني حرقته جوهرية النار الشيطانية لتترك ارضه سبخاء لاتحمل الا الدخان والحريق وكل ماهو اخلاقي النار واللهيب وماتتركه الجوهرية الشيطانية على طينة الانسان من رائحة ومن تشويهٍ ومن موت ودمار كامل لايقبل الاصلاح .

نعم وهكذا عندما تصادف ادميا من حولك متواضعا يستقي اخلاقه من ابيه ادم الاول وهو يتوجس خيفة من فقده للطريق ويلتجأ بين الفينة والاخرى لخالقه ومبدعه بطلب الرحمة والمغفرة والمعونة والاعانة، ويعترف بحرقة بالظلم لنفسه وخالقه ويسأله الارشاد، ويطلب منه الهداية وينتظر الشريعة ليسير عليها في حياته للوصول الى السعادة والاطمئنان !!.

وهذا ايضا مختلفا تماما عندما تصادف شيطانا انسيا متمردا على خالقه مغترّا بنفسه، مصرّا على ان يخط طريقه في هذه الحياة بيديه هو وليس بيد خالقه ومبدعه، اعتقادا منه انه الاكفأ على رؤية الحقيقة وهو الاعلى شأنا من ان يتواضع لغير ذاته النارية الشيطانية المتوهجة والمتمردة والخفيفة الحركة والجريان !!.

في حياتنا الانسانية نصادف بشرا لاادميين ( اي ان صفاتهم لاتنتمي لابيهم ادم الطيني البارد الارضية ) بل هم اقرب الى الشيطانية النارية منها للادمية، حتى اننا عندما نجلس بالقرب من احدهم نحس حرارة النار الخارجة من جلودهم والتي تريد ان تحرق مابجانبها من اشياء غير نارية، انها قوالب لاتحب احدا غير نفسها، ولاترى في هذا الوجود وجودا ينبغي ان يحترم غير وجودها، هي وجودات تتنفس بشهيق وزفير يحرق الاخرين من حولها، وهي دائمة القول (( انا انا انا ......)) ولاترى للادميين بالقرب منها اي قيمة تذكر او منزلة يجب ان ترفع او شأنا يجب ان يحترم ويكرّم !!.

بعكس ذالك عندما نجلس الى ادميين من اهل الطين والتواضع والاتصال بالله سبحانه وتعالى، هم بشر جلودهم باردة، انفاسهم مختلطة بماء وطين الادميين، وبشرتهم تميل الى لون الارض، واحاديثهم دائما تشير للجماعة :(( ربنا ظلمنا انفسنا )) لايتحدث احد منهم الا وهو ذاكر للادمي الاخر الذي بجانبه، وجلّ احاديثهم حول الله والى اين نحن ذاهبون وتنقضي هذه الحياة الدنيا والى التراب والطين والارض سوف نعود، ونادرا مايلتفت احدا لغيره ليراه عدوا له في هذه الحياة، فيهم براءة ادم بادية وضعفه واتكاله على الله سبحانه !!.

الخلاصة : اننا نستطيع ان ندرك من حولنا من خلال صفاتهم الادمية او الشيطانية شريطة ان ندرك الرؤية القرآنية لصفات كلا المخلوقين الناري الشيطاني الحارق، والطيني الادمي المنبت !.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com