فساد منظمات المجتمع المدني .. الى أين؟

حيدر قاسم الحجامي

كاتب وصحفي عراقي

wwwhh13@gmail.com

تشهد المجتمعات الديمقراطية الناشئة في بدايتها ولادات عسيرة لإشكال مختلفة من صور التحول المطلوب نحو اكتمال أسس البنية الديمقراطية وتشكيل مؤسسات الدولة، وغالباً ما تكون هذه التشكيلات في الحياة الديمقراطية مليئة بالتشوه وتخللها مظاهر الفساد والضعف وهذا أمر طبيعي لان التحول من سلطة مركزية صارمة تحكم سيطرتها على كل مجالات الحياة الى مجتمع ديمقراطي بمؤسساتهِ الدستورية وفضاء الحرية الواسع يرافقهُ ظهور مثل هذه التشوهات، ولعل تجربة الديمقراطية الناشئة في العراق مثال واضح على ما تقدم، ولنأخذ صورة واحدة من صور التشوه هي فساد منظمات المجتمع المدني، ففي الدول الديمقراطية تلعب مؤسسات المجتمع المدني دوراً في ترسيخ القيم المدنية والديمقراطية في المجتمعات وتساهم بشكل كبير في تعزيز مسارات الحياة الحرة لأبناء المجتمع، فمن أولى أولويات قيام نظام ديمقراطي حقيقي هو قيام مجتمع مدني مثقف قادر على صياغة تجربتهِ وبناءها والانسجام معها والتفاعل الدائم مع معطياتها المتجددة، وهو –أي المجتمع – يبقى مدافعاً عنها باستمرار اذا ما تعرضت لأي خطر او مرت بمنعطفات قد تقود الى النكوص والانكسار، ومن هذا المنطلق تحصن المجتمعات الديمقراطية نفسها بوسائل رادعة كفيلة بوأد الخطر او الانكسار ومن هذه الوسائل قيام إعلام حر فاعل ليكون عيناً على السلطة راصداً لكل تحركها، وكذلك بناء أنظمة قضائية متطورة تعمل باستقلالية عالية لتكون بعيدة عن الضغوط السياسية التي من شانها ان تقلب الموازين وتغير مسارات العدالة، وكذلك خلق مؤسسات مجتمع مدني فاعلة على الأرض لتكون سنداً للدولة ومراقباً لعمل الحكومات، ويذهب البعض الى تسمية هذه ِ المؤسسات بالسلطة الخامسة، الذي يحدث اليوم على الساحة العراقية هو ان اغلب مؤسسات المجتمع المدني او التي تعمل تحت هذا العنوان، تكون عبارة عن أوكار للفساد والسرقة والاحتيال والنصب بسبب بسيط وواضح وهو غياب الرقابة الفاعلة في متابعة هذه المنظمات وتقييم مستمر لعملها ودورها، فهذه المؤسسات التي تتجاوز إعدادها المئات ان لم يكن اكثر انتهزت فرصة الضعف وغياب الرقابة لتقوم بعمليات فساد مروعة وتهدر أموال تقدم من بعض الجهات او الدول لمساعدة أبناء العراق، ومن خلال متابعتي الصحفية لهذا الموضوع وقرب اطلاعي وجدت البعض ممن يعملون ضمن هذا الإطار لايفقهون من أصول هذا العمل شيئا وعندما تسال احدهم عن طبيعية العمل،ستفاجئ ان الجواب سيكون هو مساعدة الفقراء والأيتام، وهذا قصور واضح في فهم طبيعة العمل المدني ودور هذه المنظمات في تبني برامج حيوية وإنمائية وثقافية إضافة الى العمل الاجتماعي الذي هو جزء منه تقديم المساعدات العينية الى المحتاجين، ولكن البعض وبدافع الإثراء والسرقة يقوم بتشكيل منظمة تحت أي اسم ومن ثم يقوم بجمع عدد من الفقراء والأرامل وتصويرهم ومن ثم التوجه بهذه الصور الى إحدى الجهات للاستجداء والحصول على الدعم المادي الذي لن يصل منه سوى بعض الملابس القديمة "البالات" او الأدوات المنزلية المستهلكة التي تباع في سوق "هرج" وتذهب الآلاف الدولارات الى جيوب القائمين على المنظمة.!!،وهذا ما رواه لي شخصيا الكثير من الفقراء الذين لجاؤا الى مثل هذه المنظمات ليفاجئوا بهذه المواد الرديئة بعد ان جرى تصويرهم وعائلاتهم، طبعاً الكلام لا يقتصر على النصب والسرقة بل يتعداه الى ان الكثير من هذه المنظمات المدنية ما هي إلا واجهة لمخابرات أجنبية او مافيات لها غايات خبيثة في العراق،وهذا أيضا لايلغي ما تقوم به بعض مؤسسات المجتمع المدني الحقيقية والتي لها برامج واضحة وشاملة كمنظمات دعم القضاء والإعلام وبعض المؤسسات الداعمة للأنشطة الثقافية او الإنسانية، إلا ان المواطن العراقي وبعد تجربة طويلة ومريرة مع هذه المنظمات بدأ يفرز وبدأ يميز الأهداف والنوايا ولذا فان مطالبته الدائمة ان ينظم عمل هذه المنظمات وان تبادر المؤسسة التشريعية في البلد الى تشكيل مفوضية عليا مستقلة لمنظمات المجتمع المدني وتحل الوزارة القائمة تحت هذا المسمى وان تسعى هذه المفوضية الى تنظيم عمل هذه المنظمات وفق القوانين المرعية في البلد وان لا تبقي المواطن العراقي ضحية لبعض اللصوص تحت مسمى المجتمع المدني او تسمح لهم بالمتاجرة بالمأساة العراقية .

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com