Miguel Hernandez
محسن ظافرغريب
algharib@kabelfoon.nl
حين انتقل شاعر تشيلي الشهير الشهيد “بابلو نيوردا”:“ من "برشلونة" إلى "مدريد" كقنصل “شيلي” التقى كل أصدقاء “لوركا” و “البرتي”، أحدهم كان ذاك الشاب “الراعي” غريب الأطوار، انشغل "نيرودا" في البحث عن وظيفة له. مستتفيدا من علاقاته مع بعض المسؤولين في وزارة الخارجية، أحدهم حامل لقب أرستقراطي أبلغ الشاعر الشيلي أن على “Hernandez” أن يختار بين عدة وظائف شاغرة في الوزارة، وعلى مستوى عال، لم يجب Miguel Hernandez على العرض إلا بعد ساعات، يسأل "نيرودا": هل بإمكان هدا “الكونت” أن يمنحني قطيع ماعز وخراف في ضواحي "مدريد"!.. Miguel لم يترك ريقه. كان "لوركا" قدم Miguel Hernandez في مجتمع مدريد الثقافي ومات قبله قبل سن 40 عاما.. تركه قبل أسابيع، ليكون بجدارة وبسرعة مذهلة واحدا من أهم شعراء “جيل 27” الشهير، بين “رافائيل البرتي” ،غارثيا لوركا”، وأحيانا مسكينا لحب “سانجيث ميخياس” المصارع الذي رثاه "لوركا" في إحدى أرق قصائده.
يقول “نيرودا” انه تعرف على “Hernandez“، ويصفه في "مذكراته" بوضع مزر شبه خائف مرتديا بنطالا أكل عليه الدهر وشرب. محتفيا "نيرودا" بلقائه مع شاعر شاب كان راعيا لقطيع من الماعز والخراف في قريته المتوسطية:” محياه كاسبانيا مقطوع الظل. بالضوء متجعد، ممزوج بخبز وتراب، عيونه شعلة داخل ذالك الوجه المحروق، المتصلب امام الرياح.. كما البرق كان وجهه بين الجمال والصلابة “!.
العام الجاري 2010م تحتفل إسبانيا رسميا وشعبيا بمئوية مولد شاعرها الشاب Miguel Hernandez.
حكم عليه بالإعدام كما موثق في قرار المحكمة العسكرية الفرانكوية” التي أشارت لبضع قصائد كتبها في زمن الجمهورية الإسبانية المغدورة التي أغتيلت سريعا بعد 9 سنوات.. كشهر انتفاضة شعبان الشعبية العراقية لاحقا، آذار 1991م، وشاهد الزور إدارة (بوش الأب) الأميركية وعموم الغرب والشرق، بسبب دعم النازي “هتلر” وموسوليني الفاشى الإيطالي.. والديمقراطيات الأوربية التي تحرص على انتخابات 7 آذار العراقية 2020م بعد الاستئناف. غير الحكم إلى أشغال شاقة مؤبدة.. وبعد عامين توفي.
في العاصمة الإسبانية "مدريد" قرن من الزمن على مولد الشاعر جنوب شرقي إسبانيا Orihuela، لأسرة “رعيان” مدقعة في 31 تشرين1 1910م، Miguel لم يدرس كان أميا حتى الرابعة عشر من عمره، سوى كلمات “سرفانتس” و”لوبي دي فيغا” وترسودي مولينا” و“خوان رامون خيمينث”، فأذهل معلميه بمفرداته الغريبة وكأن شعر إسبانيا تجمع في مخيال الراعي.. وبعد 4 أعوام أذهلت فطرته شعراء مدريد في عشرينيات عمره. كان يتخذ من الماعز مخدة، يسمع من بطونها تكون ”الحليب” حليب الكل كما سماه لاحقا. فهو ابن الأرض والحقل مترجما لغة الماعز والخراف.. والعصافير.
شهر بقي على انسلال روحه من جسده، غبش الضياء الأول من فجر 28 آذار 1942م، وفق توقيت Alicante السجن العسكري Torrijos الذي كان في التقويم بين 18 تموز 1936م بعد بضع سنين من إعدام الشاعر الإسباني الأشهر “فيديركو غارثيا لوركا” إثر الحرب الأهلية الإسبانية وتسلط الدكتاتور الجنرال "فرانكو" (موت ”فرانكو” عام 1975م)، وفي فاتح نيسان 1939م تسلم رسالة زوجته Josefina،
مفادها أن وحيده فلذة فؤاده لايجد طعاما سوى بصل ورغيف يابس، فيقول: " تلك الأيام أمضيتها متأملا حالك، كل يوم يزداد شقمي ويعضم يأسي، رائحة البصل الذي تأكلينه وصلتني إلى هنا، وطفلي أحسه ساخطا من رضع واستخراج عصارة البصل عوض الحليب.
"لقد أمضيت ساعات طويلة أفكر في هذا الطفل وفي ذاك المستقبل الذي ينتظره، أنت بانتباهك وحرصك، وأنا بجهدي وسعيي العقيمين..أريد مستقبلا مشرقا، مستقبلا رائعا من لأجل طفلنا"..
إلى ولدي
نكرت غمض عينيك، يا ميتي الحبيب
مفتوحة أمام السماء كطيري سنونو
ملونة بحزيرانات، يبتعد الآن الندى
عن أقاليم الصباح
اليوم، يوم كما في عمق الأرض مظلم
كما في عمق الأرض ممطر و وحش
ورطب دون شمس جسدي المستقبلي
كما في عمق الأرض كان علي دفنك
فمنذ موتك لم تعد الصباحات وعود حب
وعيونك شمس اختطفه جمر الصباح
في تشرين، مسرعا ضد نوافذنا
أنت فتحت درب الخريف، وأظلمت البحار
أفترستك الشمس خصما، وحيدا
وهمسة ظل بعيد نثرت ضياءك
دفعك الضوء أسفل، إلى العمق
ويبتعلك، وكأنك لم تولد بعد
أشهر عشرة في الضوء مدورا السماء
شمس ميتة مكسوفة. مدفونة، وخيم عليها الليل
قبل مرور النهار، مات شعرك
وأمسى لحمك مع الفجر على جانب
يسأل عنك العصفور جسدا باتجاه الشمس
لحما ولد مع الفجر
طفلا لم يعرف غير الضحك
كما الأزهار تموت مع ابتسامك
غائب. غائب، غائب، كما طيور السنونو
طير صيف يتجنب ضفاف الثلوج
طير استل ريشه الناعم
ليموت مبتور الاجنحة طائرا العداء
زهرة لم تنضج لبنيةُ أسنانها
لتصل اقل أشارات الوحشية
حياة كما أوراق الشفاه الأولية
أوراق بهدوء هابطة
نصائح البحر لم تنفعك،
آتيك طاعنا شمسا طرية
دافنا قطعة خبز في النسيان
كي ألقي على عيونك حفنات من لا شيء
أخضر، أحمر، بنيا وأزرق وذهبيا
ألوان الحياة والبساتين
تحت قدميك مكمن الورد
مظلمة سوداء. حزينة وبيضاء وأعشابها أيضا
يا امرأة منزوية، أبصري غبش النهار
آه عيون دون غروب للفجر أبدا
والليل ساقط على الدوم دونما عزاء!.
قصيدة "الْبَصَـل"، كتبها في السجن، ونشرت بعد موته في أعماله الشعرية الكاملة/ط 5 صدرت في كانون الأول 1979م ص:473 /476:
الْبَصَـلُ صَقِيـع
مُغْلَـقٌ وَضَعِيـف،
صَقِيـعُ أَيَّامِـك وَلَيَالِـيَّ،
جُـوع ٌوََبَصَـل
جَلِيـدٌ أسْـوَدٌ وَصَقِيـع
كَبِيـرٌ وَمُسْتَدِيـر.
فِـي مَهْـدِ الْجُـوع
يُوجَـدُ طِفْلِـي
مَـعَ دَمِ البَصَأل
يَرْضَعُـه
لَكِـنَّ دَمُـكِ
مُغَطَّـى بِسُكَّـرِ الصَّقِيـع
بَصَـلٌ وَجُـوع.
امْـرَأَةٌ سَمْـرَاء
ثَابِتَـةً فِـي الْقَمَـر
تَـذُوبُ خَيطـاً خَيْطـاً
فَـوْقَ الْمَهْـد.
اضْحَـكْ يَاطِفْلِـي
سَتَبْلُـعُ الْقَمَـر
حِيـنَ يَكُـونُ ضَرُورِيّـاً.
اضْحَـكْ
قَبَّـرَةَ بَيْتِـي كَثِيـراً،
ضِحْكَتُـكِ فِـي الْعُيُـون
لِلْعَالَـمِ نُـور.
اضْحَـكْ كَثِيـراً
حَتَّـى إِذَا سَمِعَتْـكَ رُوحِـي
رَفْرَفَـتْ فِـي الْفَضَـاء.
ضِحْكَتُـكَ تَجْعَلُنِـي حُـرّاً
تَمْنَحُنِـي أَجْنِحَـةً،
تُبْعِدُنِـي عَـنِ الْوَحْـدَة
وَمِـنَ السِّجْـنِ تَقْتَلِعًنِـي...
يَطِيـرُ ثَغْـرٌ
وَبَيْـنَ شَفَتَيْـكَ يُومِـضُ قَلْـبٌ.
ضِحْكَتُـك
هِـيَ السًّيْـفُ الأَكْثَـرُ انْتِصَـاراً
يَا مُنْتَصِـراً عَلَـى الأَزْهَـار
عَلَـى الْقُبَّـرَّات
يَا مُنَافِـسَ الشَّمْـس
وَمُسْتَقْبَـلَ حُبِّـي
وَعِظَامِـي.
اللَّحْـمُ الْمُرَفْـرِف
الْجَفْـنُ الْمُبَاغِـت
الْحَيَـاةُ الْمُلَوَّنَـةُ
كَمَـا لَـمْ تُعَـشِ أَبَـداً
كَـمْ طَائِـرٍ يُرَفْـرِفُ
يَرْتَفِـعُ مِـنْ جِِسْمِـك.
اسْتَيْقَظْـتُ مِـنْ طُفُولَتِـي
لاَ تَسْتَيْقِـظْ أَبَـداً.
أَحْمِـلُ الثَّغْـرَ حَزِينـاً:
اضْحَـكْ دَوْمـاً،
دَوْمـاً فِـي الْمَهْـد
مُدَافِعـاً عَـنِ الضَّحْكَـةِ
رِيشَـةً رِيشَـة.
كُـنْ ذَا تَحْلِيـقٍ عَـالٍ
مُتَعَـدِّد
فَلَحْمُـكَ هُـوَ السَّمَـاء،
سَمَـاءٌ مَوْلُـودَةٌ حَدِيثـاً.
لَـوْ أَنَّنِـي اسْتَطَعْـتُ
ارْتَفَعْـتُ إِلَـى بِدَايَـةِ طَرِيقِـك.
فِـي شَهْـرِكَ الثَّامِـن
ضَحِكْـتَ بِخَمْـسِ زَهَـرَاتٍ
بِخَمْـسِ شَرَاسَـاتٍ صَغِيـرَة
بِخَمْسَـةِ أَسْنَـان
مِثْـل خَمْـسِ يَاسمِينَـاتٍ
ياَفِعَـات.
حِيـنَ تُحِـسُّ بِسِـلاَحٍ
تُحِـسُّ بِنَـارٍ
يَجُـلُِ عَبْـرَ أَسْنَانِـك
بَاحِثَـةً عَـنِ الْمَرْكَـز،
تَصِيـرُ حُـدُودُ الْقُبُـلاَتِ غَـداً
فِـي أَسْنَانـك.
حَلِّـقْ يَاطِفْلِـي
بَيْـنَ قَمَـرَي الصَّـدْرِ،
هُـوَ، مِـنَ البَصَـلِ حَزِيـن
أَنْـتَ رَاضٍ.
لاَ تَنْهَـرْ.
لا َتَعْـرِف مَـا يَحْـدُث
وَلاَ مَـا يَجْـرِي.