وردة حمراء للأغلبية الصامتة 

 

توفيق العيسى – رام الله

 tawfeeq_essa@yahoo.com

 طالما اهتممت بسيرة الحلاج حفظت أشعاره قرأت طواسينه – التي لم أفهم منها شيئا – ومع اهتمامي بالحلاج وأخباره اهتممت أيضا بسير المهمشين في التاريخ كالقرامطة والزنج وغيرهم

قد يكون مصدر الاهتمام هذا هو أنني انتمي لطبقة اجتماعية مهمشة او بمعنى آخر ( أغلبية صامتة) وقد يكون مصدر هذا الاهتمام ايضا هو محاولة تفسير لبعض الظواهر الاجتماعية السياسية ؛ أو نوع من التفريغ النفسي الذي يسمسه البعض " حقد طبقي"!!

وقد أذهب أبعد من ذلك لأعلن تضامني مع هؤلاء المهمشين محاولا انصاف من اضطهدهم التاريخ

الا أن الملاحظ في قرائتي لهذا التاريخ أن للأغلبية الصامتة وعلى امتداد التاريخ البشري صفات متشابهة أهمها الصمت على كل ما يجري من أحداث وقضايا – حتى عن سعر الخبز الذي هو دائما كابوسنا اليومي وحجتنا الدائمة – ومن ضمن هذه الصفات أيضا انتظار البطل المخلص – كالأفلام الهندية والمصرية – ولأنها أغلبية صامتة فان بطلها المخلص  سرعان ما يقدم للذبح وتتخذ الأغلبية موقف المتفرج من عملية الذبح

وهذا ما حصل مع الحسين بن منصور الحلاج

فبعدما غلبه الوجد وباح بالسر الدفين تبنى قضية الأغلبية الصامتة نطق باسمها اجتهد سهر الليالي اخلاصا لها؛ و بعض المؤرخين امتلك الجرأة ليعلن ان الحلاج هو نفسه حسين الأهوازي أحد مؤسسي الثورة القرمطية؛ الا أن العامة أي الأغلبية الصامتة ضاقت ذرعا به وشكته للخليفة ولشيخه ولجمهور العلماء وكانت الشكاوي في معظمها أن الحلاج يقارب الكفر في قوله ونطقه وأنه عطل على العامة بيعها وشراءها ؛ أي أن مشكلة العامة ثقافية اقتصادية؛ فهم لا يفهمون كلام الحلاج – وقد يكون عذرا لبعضهم – لكنهم في الوقت نفسه جعلوا من الحلاج شماعة علقوا عليها مشاكلهم فبدل أن يبحثوا عن السبب الرئيس لتردي أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية اعتبروا الحلاج مصدر التردي ومصدر الازعاج لأنه بات يذكرهم بعجزهم وبالمسؤلية الملقاة على عاتقهم ومن المؤكد أن هذا الأمر قض مضاجعهم وربما بكى أحدهم لأن الحلاج وضعه أمام نفسه وعراهم جميعا

الغريب في قصة الحلاج وهي في معظمها قصص شعبية أن ساعة اعدامه كانت مفارقة عجيبة ؛ فما أن صلبوه ورجموه بكت الأغلبية الصامتة عليه بصمت مر!! وتضامنا معه رماه أحدهم بوردة حمراء تعبيرا عن الحب الكامن في الصدور الا أن هذا التضامن " المشبوه" لم يمنع الخليفة من بتر يدي وساقي الحلاج وحرقه استجابة لشكاوى العامة وفتاوى الشيوخ – وأكرر العامة هنا هي الأغلبية الصامتة –

قتل الحلاج وأصبح ذكرى واستراحة العامة من ازعاجه وبكائها عليه؛ مفي مواجهة مشاكلها و الاستغلال الجتماعي الاقتصادي وردا على مصادرة الحريات العامة راحت العامة تنسج قصصا حول معجزات الحلاج وكراماته واتخذته رمزا للانعتاق من العبودية؛ وغالت العامة في روايتها فاعتقدت أن للحلاج – الذي سلمته لقاتله – عودة أخرى وظنو أنهم بذلك يواجهون خوفهم وعوزهم ولكي تبريء الأغلبية نفسها من جريمة الاشتراك في ذبح  الحلاج أكثروا من ذكر الوردة الحمراء التي رموه بها واستراحوا لهذه البراءة؛ الا أنهم باتوا متأكدين أكثر من أي مرة أخرى أنهم لا يجرأون الا على التضامن الصامت من خلال الوردة الحمراء

 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com