السياسة الحسينية (19)

 

الحاج هلال فخرالدين

hilal.fakhreddin@gmail.com

 

السياسة الحسينيه من عمر الخليفة الى عمرقائد جيش الخليفة

اوحكمة السياسة الحسينية ايام المحنة

صحيح ان معاوية اصبح الرجل المهيمن المتسلط على رقاب الامة بلامنازع وان استبداده لايحده شيء كما هو مسرود فى المصادر التاريخية لكن لم يستشف من تلك المصادر بان الامام الحسين (ع)بايع معاوية بل بقى صابرا طوال فترة المحنة  وبعد شهادة الامام الحسن (ع) بغدر معاوية وسمه له لذلك نلاحظ  ان معاوية وجه جل اهتمامه للحسين فيتوعده وينذره من مغبة الخروج عن بنود الصلح و ينكر عليه اشد النكيرلاجل استفزاز الامام الحسين دون بقية ابناء الصحابة الكبارامثال ابن الزبير وابن عمروذلك لعلمه بعلوا مقام الامام الحسين وفضله من جهة ومن جهة اخرى ما كان يقوم به ربيب المصطفى (ص)من طعن ورفع عقيرة النكير والتنديد بقسوة وبربرية معاوية ومرتزقته من ملاحقة وابادة الصالحين وما كان الحسين ليسكت عن مظالم  معاوية واجهزته القمعية فيقرعه وينكرعليه ظلمه وتولية الفساق واكتنازه لاموال المسلمين واماتت السنة واحياء البدعة  وان مغبة سيا سته الغاشمة هذه ستكون مبعث فتنة عمياء وشر مستطيرمما يثير حنق وحفيظة معاوية حياله لذلك ما كانت مجريات الامور بين الاثنين على مايرام على الاطلاق وكان اهم مايقلق معاوية ويثير هواجسه حنكة سياسة الامام الحسين وفاعليتها فى الامة وانه العقبة الاصعب والاخطر فى  طريق معاوية بتوريث السلطة ليزيد..لذلك ما فتأ معاوية من اثارة التهم والتخويف للحسين ويتوعده بسوء سواء في رسائله او في لقائه به وان كان يعظمه ظاهريا امام الامة .لكن معاوية ظل يولي جل اهتمامه ومراقبته الدقيقة  للامام الحسين لخشيته منه ولمعرفته الجيدة بخصوصياته وارتباط الامة الشديد به دون غيره لذلك كان يخشاه اكثرويحذره من اي شخص اخرمن بقية الصحابة او ابنائهم اوغيرهم لذلك افرد له مساحة واسعة من مخططاته التي غذاها يزيد ولكن لم يستوعبها او ياخذ بها..

وهنا اود ان اشير الى مفهوم خاطيء اشيع عن معاوية كسياسي قديرلايقطع الصلات المعبر عنها ب(شعرة معاوية) وهذا خطأ شائع  فلم يكن معاوية سياسيا بل كان طاغية يمثل القمة فى الدهاء والفجوروالغدروالخسة لادنى مستوى وكل ماكان يعتمده في سياسته قائم على بعدين :اما الاستعباد وشراء الذمم  واما الاستبعاد والسيف والارهاب ولا خياراخروعلى نهجه سارالطغاة والى صدام  وهذا ما سوف اتناوله في بحث خاص ...

وقبل الخوض في جريانات الاحداث السياسية بعد هلاك معاوية يجدر بنا تسليط الاضواء على واقع الامة واحوالها زمن تفرعنه على سدة السلطة ..

فان الحسين رغم تعقيدات الاوضاع وتشابكها والظروف القاسية والصعبة التي واجهته سواء من التعمد فى تحريف النصوص وشدة هجمة الكذب والوضع فى الحديث لخدمة الظلمة والاستسلام المطلق للسلطة وان كانت غاشمة قاهرة ومن جهة اخرى ظهور طبقة كبيرة من علماء السوء تبرر للظلمة طغيانهم وتحالفها معها وافتائها بما تريد وان كان مخالفا لنصوص الدين واضفاء الشرعية على نزواتهم  وجعلها من صلب الدين حتى اصبح هذا النهج ولحد الان الثقافة السائدة فى المحيط السنى من عدم التعرض للحاكم مهما كان ظالما غاشما فاجرا فيجب الصبر والا تكون (فتنة) الا انهم فى الفتنة ركسوا بتخلفهم عن الامربالمعروف ..وبروزالاهواء والانحراف من قبل مدارس شجعت عليها السلطة مثل مفاهيم الجبر وفكرة القضاء والقدر وان الحاكم مجبور ..واشاعت مجالس القصاصين فى الجوامع بعد الصلاة التى تروى الاساطير والخرافات وبث الاسرائيليات وكان من اعمدة هذه المدرسة تميم الدارى الذي تحفل كتب الصحاح بتخريفاته وخرافاته كحديث الجساسة مثلا الخ  وبلغ من عدم تورع السلطة الاموية ليس فقط بمهادنة الاعداء من الروم بل وعقد التحالفات لاجل التفرغ لقمع الامة واتخاذ المستشارين وراسمى سياسة البلاط الاموى منهم امثال سرجون ..انظر الطبرى والكامل وبلغ استهتارهم اشواطا بعيدة لاتخطرعلى بال من التنكرليس فقط لكل ماهو مقدس بل والابسط القواعد الاخلاقية  انظر الاغانى للاصبهانى ..وبعدا اخر عملت عليه السلطة الاموية  فتح باب النعرات الجاهلية من جديد وعلى مصراعيها من التعصب العنصري للعنصر العربى والغاء ومحاربة شعوب الامة الاسلامية الاخرى المعبر عنهم (المولاة )او(الحمر)..وامر اخرمهم فى سياستهم الهوجاء هوالتفريق بين العرب انفسهم عرب الشمال وعرب الجنوب ومرة بين القحطانية والمضرية وبعث النقائض فيما بينهم وبث المثالب بين القبائل ولم تتوانى السياسة الاموية من شق صفوف الاسرة الواحدة (بنى هاشم) باستمالة اولاد العباس وشراء حيادهم  خلال تسلطهم وكل ماارتكبوه من مجازر وفضائع حيال العلويين فلم يسعفنا التاريخ ولابموقف واحد منهم مناهض للسلطة الخ ..ولاجل  تفرق الامة وشق عصاها اوضرب بعضها ببعض حتى يخلوا الجو للحاكم من العبث بمقدرات العباد والبلاد  حتى بلغت حالتها المتردية امرا لايوصف في الاستسلام والخنوع للسلطان وتفريغ الاسلام للكثيرمن محتواه وهيمنة السلطة وقبضتها الحديدية على الامور واحصاء الانفاس وسوقها للامة بالرعب والعنف والقتل على الضنة والتهمة والنفي وقطع الارزاق وابتناء السياسة الاموية على سياسة الممالات التي اصطنعها من كان قبلهم من خلفاء مدرسة السقيفة  في تقريب الظلمة وتنصيبهم امراء على البلدان وتخويلهم حكم الامصار والاقاليم بحد السيف والارهاب واشاعة الخوف والرعب الى اقصى الدرجات لاصطفاء الاموال .. فكان معاوية عندما ياتى الى الحج او الى المدينة لجس نبضها كان يغلظ عليهم بالقول ولم يستثنى من ذلك الصحابة او التابعين ملوحا ليس بالعصا الغليظة بل بالسيف فعندما عزم معاوية على اخذ البيعة ليزيد خطب احدهم قائلا :امير المؤمنين هذا فان مات فهذا واشار الى يزيد ومن ابى فهذا واشارالى سيفه فقال له معاوية انت ابلغ الخطباء علما بان من شروط البيعة ان لاتكون بالعسف او القوة والارهاب لانها تكون باطلة  لانها بيعة الاكراه والمكره بالقوة على البيعة تكون غير ملزمةاوباطلة وهذا ما يؤكده حتى أئمة السنة امثال ابو حنيفة ..لذلك ان والى يزيد  على المدينة الوليد بن عتبة جاءه كتاب يزيد باخذ البيعة له بالقوة من الناس عامة والحسين خاصة ..فى خضم  سبات الامة العميق لكن هذا لم يفل من عزيمة الحسين بل زاد اصراره فرفض الامام كل انواع الترهيب لاجل مبايعة يزيد  بكل اباء وشمم ..حتى ان الامام الحسين اصبح  مرصودا ومراقبا وقد دس النظام الاموى اشخاصا لاغتياله وقد اخذت عليه الافاق وسدت في وجهه الامصار لاجل شل تحركاته وتحجيمها وذلك لوجود نظام قمعي قوي امتدت اذرعه واتسعت  في الامة وله افواج من الجلاوزة وعصابات القتلة

فهل استسلم الامام لكل هذه الضغوط وجلس وانطوى على ذاته ولم يحرك ساكنا ام انه اخترق كل تلك الحجب والاطواق التي ضربت حوله وكذلك الركام الهائل من المشاكل العويصة المستديمة المتشابكة الخطيره التي كانت تلف الموقف العام من تفشى الكذب فى السنة وتغييرالاحكام وفقالاهواء الخلفاء وانتشار ظاهرة ظلم الرعية وسلبها كافة حقوقها وجعلهم (خول) اى عبيد للسلطة

واذا كانت السياسة هي (فن الممكن)

ليس فقط  اجاد استخدامها الى اقصى الحدود بل وفاق الاخرين  تخطيطا وبعد نظر ليس للحدث عند وقوعه بل اخذه كل الاحتمالات قبل حدوث الحدث والتأهب له وهذا ما لايحظى به الا الندرة من الساسة الذين لديهم حاسة سادسة سياسية وجند لها كل الامكانيات ووظف لها جل الوسائل واستثمرها استثمارا دقيقا وحصيفا الى ابعد الحدود للحصول على افضل النتائج وكان يختار اشدها خطرا واكثرها حساسية واعمقها تاثيرا فيضرب عليه ضرب العارف ببواطن الامورالذين حنكتهم التجارب من رجال الدولة ..كما كان (ع) يوازن بين الاحداث والمواقف وياخذ بالاهم ويتدرج الى المهم  لكي يفتت ويكسر اطواق ما بنته السلطات المتلاحقة من قواعد سميكة وقوية تحول بين (الحق واهله )وتزوير للاسس والمباديء وافرزوا اعرافا وانماط  جديدة  شب عليها الناس واصبحت مالوفة على انها (الشرعية) كما واصبحت (الشرعية الحقيقية) معزولة وهي الاستثناء ولا يعرفها الا الخواص من اهل البيت ..وهذا ما سنلاحظة 

الحركة الدبلوماسية الحسينية

يذهب البعض مذاهب الشطط من قوله ان ثورة الحسين كانت ارتجالية او عفوية وانه وقع في فخ دعوة الكوفيين اهل الغدروالمكر الذين عند الوثبة تخلوا عنه واسلموه للسيوف ..لكن البحث الموضوعى يفند ذلك ..

فقد كان الامام الحسين منذ زمن وهو يتابع الاحداث ويراسل الزعماء ويلتقى الانصارفي المواسم  ويشحذ هممهم ليوم معلوم محدد بهلاك الطاغية معاوية بن اكلة الاكباد ...

وفخرج من المدينة وهو في طريقه الى مكة يتكلم مع كل من يراه مبينا فضائع بني امية ومسلسل فتنتهم الهوجاء ومنظومة وسائلهم الاجرامية وتطاولهم على الشرع لمسخه 

فعندما دعاه والي المدينة الوليد بن عتبة  من قبل السلطة الاموية  اجابه الحسين والتقى به –علما بان الحسين عرف من قبل بفحوى الدعوة وما يرادمنها فقد اخبر اهل بيته وانصاره بهلاك معاوية والبيعة ليزيد لذلك تحرز للامر وطلب من غلمانه ان يكونوا خارج القصر فاذا سمعوا صوته هجموا على القصر – فقرأعليه نبأ هلاك معاوية وحصول البيعة ليزيد فقال له الامام بمنطق الدبلوماسية (نصبح وتصبحون ونرى وترون ) وهذا ما معناه رفض لبيعة يزيد لكن باسلوب دبلوماسي رفيع والا فالامر واضح ولايحتاج الى تفكير وخلاصته هلاك معاوية وجيء بيزيد العهر والفساد خليفة للمسلمين وليس في الامر تغير او سوف يستجد جديد

فعندما الح عليه قال كلمة قصيرة جدا (مثلي لايبايع مثله ) فلاحظ مدى التناقض الغريب بين الاثنين والبعد بينهما بعد المشرقين  

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com