|
حكايتي المندائية 9 عماد خليل بله
لم يكن شهر عسل زواج المتعة بين الحزب الشيوعي وحزب البعث، فالمضايقات والاعتداءات واغتيال شيوعين لم تتوقف منذ بدأ مفاوضات المرحومة جبهة وطنية، التي تمت المطالبة بها منذ 1969 ، فعلى سبيل المثال بعد توقيع اتفاق الحكم الذاتي لكردستان العراق في 11 اذار 1970، جال المرحوم ادريس وكاكه مسعود البرزاني بجولة في محافظات الوسط والجنوب للمشاركة بابتهاج الشعب العراقي بوضع حد للدم المراق ظلما ، ممثلين لوالدهما. عبر اهل الحلة عن فرحتهم فخرجوا في تظاهرة لتحية السيد مسعود ، تمجيدا للاخوة العربية الكردية ، في لحظات الفرح تلك صرخنا بالدعوة الى ( جبهة وطنية) ،وفي التظاهرة المشتركة مع البعثيين، وانا منفعا بالهتاف، جائتني عكسية بخاصرتي، اوقعتني ارضا، لفت عيني نحو الفاعل فمن كان؟ زميلي في المدرسة الابتدائية، وشريكي في مقعد الجلوس في الصف كوثر عجام. ومرة اخرى كان الفرح واسعا في الشوارع بين المخدوعين . النصير الشهيد علاء عبد الكاظم وانا منذ الصباح توجهنا الى ملعب الشعب ببغداد للمشاركة في الاحتفال الجماهيري باعلان الجبهة، تدافعنا لدخول ملعب الشعب حتى اصبحنا في المدرجات، واخذنا نبحث عن طريقة للنزول الى باحة الملعب، وفجأة اقترب احدهم من مجموعة الحليف ودفعني من فوق السور، فألتوت قدمي اليسرى ، واصبت برضوض جعلتني اعرج لايام ومنعتني من المشاركة في المسيرة، الا اني تجلدت وسرت اعرج في التظاهرة التي خرجت في الحلة مساء نفس اليوم حين ظهرت قيادة الجبهة على شاشة التلفزيون لتعلن الخبر، كان شباب ورجال الحلة التقدميون متجمعون في مقهى ابو سراج بانتظار المشهد، بينما سار البعثيون من مقهى سيد شاكر الشلاه ليهتفوا معا، ولم تخلوا التظاهرة من محاولات استفزازية كادت ان تشعل نارا لولا ان هدئها عقلاء. وفي 1978 اشتد الضغط على الشيوعيين في وزارة النفط مبتديا جغرافيا بحقول الرميلة لتصل الى بغداد في الثلث الاخير من السنة وباشكال متعددة. حين انعدمت وسيلة التخلص من العدوانية البعثية حين اخبرني خضر الجبوري ضابط شرطة مصفى الدورة بانه يسمح لي بالخروج هذه المرة لكن في المرة القادمة لن اخرج. كنت قد اعددت وثائق سفري لاجازة زواج قال لي خلالها سعد الله الفتحي مدير منشأة مصفى الدورة " اسمع ياعماد نحن نريدكم ان تخرجوا وتخلصونا ، سنفعل بكم كما فعل كاسترو بالمعارضة ، كم انتم مليون... مليونان .. خذوا جوازاتكم واخرجو احسن لكم" . ربما هي المرة الوحيدة التي يحالفني الحظ اذ غادرت وانا على امل ان سفرتي لن تطول اكثر من سنتين محتسبا الظلم لن يدوم طويلا. ولماذا كنت محظوظ؟ حين عدت لزيارة المصفى بعد سقوط النظام اخبرني زميل في العمل باني فعلت خيرا بالخروج اذ صدر امر اعدامي بعد يومين من سفري ، وقال ان مهندسا من جماعتهم كان يعمل بالقصر الجمهوري اتصل به وطلب منه ان يخبرني بان اهرب فقد صدر امر باعدام لثلاثة مهندسين واحدهم من مصفى الدورة اسمه عماد خليل. هذه المقدمة الطويلة تختصر بعض اسباب اوصلتنا الى بلاد الغربة التي بدأت بصوفيا بلغاريا، وهناك تواصلت حكايتي المندائية مع وجوه جديدة من الطائفة في مقدمتهم سلام وصارم الصكر ، وشابة لا اذكر اسمها تشاركت السكن في غرفة الفندق مع الشهيدة سهام راضي. لنحط بعدها بترحالنا بارض الناس الطيبين في عدن عاصمة الجمهورية المغدورة. هناك، حدث ان كنت ذاهبا الى فندق الجزيرة في منطقة كريتر بعدن حيث يسكن مجموعة من العزاب ، لتبليغ موعد اجتماع ، وبسيري نحو الغرفة المقصودة القيت السلام على مجموعة كانت تجلس في الغرفة رقم 27 القريبة من السلم غارقة كالعادة في نقاش ، وضمت كل من سلام الصكر وفلاح وسلمان العاني واسماعيل خليل وابو لهيب وعلي رسول وثائرة ومحمد الذي اوفا لصداقته مع الشهيد عطوان الساعدي فمنح ابنه اسمه ( الصورة مرفقة بدون سلام). حين عدت لاتناول السلم مغادرا لحق بي سلام الصكر وسألني مستخدما اللغة المندائية: هل انت مندائي ام مسلم؟ فاجبته بالمندائية باني مسلم ، فطار عائدا الى رفاقه ليؤكد لهم اني صُبي، ولكن محمد كان يصر باني مسلم ويقول له " لو كان صبي ما زوجه ابي لاختي" .. هكذا اخبرني محمد فيما بعد. بعد ايام التحق بنا بقية ال الصكر، صلاح وفلاح وعائلتيهما وصارم وخطيبته و زوجته لاحقا، لا ضرورة للحديث عن طيبة ووفاء العائلة فكل من تعامل معهم ادرك تلك الالفة والتواضع والمحبة العراقية الصافية، وجميع افرادها تتمتع بروح صداقة صادقة وثقة ، وكما يقول المصريون اجدع ناس،وكان وقتها صكر الصغير ابن صلاح صغيرا ربما في السابعة من العمر، في غاية النحافة وهادئا بعمق وخجول، وكلما زرناهم وجدناه قد هبط للتو من تحليقه، فقد كان صكر الصغير يتخيل انه يطير ويمنعه السقف من الانطلاق نحو الفضاء الواسع. احلام طفولة ام نبوءة بمركز عال في شأن ما، لا ادري فقد مرت ثلاثون سنة على الحدث واقل قليلا على الفراق. في سنة لاحقة جاءت الى زيارة اولادها الام الطيبة والحنون ام ستار واجتمع ال الصكر حول والدتهم في الشقة حيث يسكنون في الطابق الارضي بالعمارة الاولى من العمارات الجديدة بمنطقة خورمكسر، هي ذات الشقة التي سكنتها عائلة الدكتور عدنان الخزرجي ابو ياسمين، وكنت اسكن قريبا في شارع قتبان وعلى بعد امتار من مقر منظمة التحرير الفلسطينية، تمت دعوتي لرؤية الخالة ام ستار ، جاء سلام مهرولا واصطحبني ، كانت جلسة جميلة مع لمة صكرية ، ودار معي حديث بطابع تحقيقي، قادته الخالة، فادليت باعترافاتي المندائية التي اثمرت توكيد حالتي من قبل ام ستار ورسخت قناعتها باني انتمي للطائفة. تم الامر اساسا لاني اعتمدت على اسماء عائلات واقربائهم من المندائية تسكن جارة لال الصكر في الدوريين، وكما ذكرت سابقا الجميع اقارب العزيز عماد اسماعيل السداوي. وعمق هذا ثقة وعلاقة ال الصكر بي. الا ان الاستاذ جبار ابو نضال الذي سبقنا الى تلك الديار الطيبة بصحبة عائلته وخاصة السيدة ام نضال الرائعة. وهو واحد من المناضلين المخضرمين هرب مع عائلته عبر كردستان بعد ان غدر عزيز الحاج بالتنظيم وسلم كل مالديه الى صدام حسين. وابو نضال كان احد اعضاء القيادة المركزية، وحين تكاثر عدد العراقيين في اليمن عاد الى صفوف الحزب. في بيته القريب من مطار عدن جمعتنا العلاقة الحزبية والاجتماعية، كان يلح ليعرف من من والديَ ينتمي الى الطائفة المندائية فلقد قاده حدسه الى تصور ان احدهما مندائي، وانا اجيب بابتسامة. للاسف توفي ابو نضال غريبا في دمشق ودفن في مقابر باب توما الخاصة بالاخوة المسيحيين ولست متأكدا. وتزوجت نضال من احد اقربائها. وكان هناك مندائيا اخر مغرقا في الطيبة لا ادري ان كانت علة ذلك مندائيته ام حلاويته، الطيب ابو واثق. معلم من منطقة الثيلة او كريطعة بالحلة، و مشارك فاعل للشهيد حسن سريع في محاولته الثورية، ولعلي لا اكون فقد ذاكرتي حين اقول انه اخبرنا في محاضرته التي القاها في حديقة نادي البحارة عن المحاولة الثورية بانه كان مع الشهيد في نفس دبابة التي اطلقت الشرارة الاولى. ابو واثق ترك عائلته برعاية واثق الذي كان في المدرسة الابتدائية، ورغم ثقته به الا انه كان شديد القلق عليها، وكان يحدثني بغبطة ومحبة ولوعة عن الرسائل الحبيبة التي تصله من واثق رجل البيت الصغير، وطالب الصف الخامس الابتدائي، وجد ابو واثق كغيره من طيور المنفى مستقرا في احدى دول اللجوء ، وامل ان عائلته التحقت به. وضمت المجموعة المندائية في عدن مندائية صلبة تخطت قيود الطائفة وتزوجت مسلما لتعيش سعيدة في اختيارها، هي ام طيبة زوجة ثامر والذي كنيته ابو تموز حين عمل في فرقة الطريق، عائلة جميلة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |