|
أنـا والخــوف تــوأمــان
زاحم جهاد هذا العنوان ليس من إبتكاراتي ولكنهُ قول لمفكر عظيم هو (توماس هوبس) قالها الرجل لأنهُ ولد وعاش في ظروف حروب خرجية وثورات أهلية بين الفئات الدينية والسياسية المختلفة في بريطانيا. عاش هوبس ليستوحي أفكارهُ حول الإنسان والمجتمع والسلطة. وجدت شخصياً هناك تشابه كبير بين تلك الظروف وبين الظروف التي عشناها والتي نعيشها في العراق حالياً ولكن بصورة أكثر إيلاماً جو الحروب والإقتتال أدخل الرعب في قلب والدتهُ فوضعتهُ قبل أوانهِ إضافة الى ظروف ولادته والى الأجواء السياسية السائدة والمشحونة بالمناقشات السياسية والدينية وصف نفسهُ ( أنا والخوف توأمان). أنا كأي مواطن آخر ولدنا والخوف معنا تربيتنا هكذا الخوف من المجهول الخوف من الظلام الخوف من كائنات وهمية تخطف الأطفال والأمهات كائنات وحشية لصوص كلاب ذئاب وحتى الآن الأم عندنا إذا تريد أن تنوم طفلها تهددهُ بالحرامي المخيف والمرعب حتى ينام الطفل وبالفعل ينام فور سماعهِ مثل هذه الكلمات. وأعتقد بأن هذا القول ينطبق على المواطنين في العراق وأنا منهم أكثر من (توماس هوبس) هذا المفكر العظيم والخوف مزروع في تربيتنا بعد الخوف من المجهول الخوف من الأب الخوف من الأم الخوف من هو أكبر منا ويتدرج هذا الخوف الى خوف أكبر خارج البيت حيث الشرطي وضابط الأمن والإستخبارات والمخابرات وعيون السلطة في كل مكان بحيث يلازمك الخوف في كل مكان حتى المعلم هذا المربي الفاضل تحول في أذهاننا الى رجل يحمل العصا ويهوي علينا إذا أجبنا على سؤال بالخطأ أو لم نكمل واجبنا المدرسي لأي سبب من الأسباب. نخاف من كل شيء من الحقيقة ومن الإعتراف بالخطأ ومن القانون والنظام نخاف من الشيخ والسيد نخاف من قول الحقيقة نخاف أن نقول ما بداخلنا ولهذا نجد الكثير من إزدواجي التفكير والتصرف وهذه الإزدواجية جعلتنا نحمل في جيوبنا وجوه عديدة نبدلها حسب الظروف وحسب الشخص الذي نتحدث معهُ وهذه الإزدواجية أدت بنا الى أن نكون منافقين نجامل على حساب الحقيقة لأن الصراحة تخيفنا ، لأننا لانقبل أن يقول الآخر علينا بأننا اخطأنا حتى لو كان خطأنا فاضحاً وأدى الى نتائج خطيرة. قد يقول قائل هذه مبالغة أقول لا بإمكانك أن تسأل عن أي شخص في مجتمعاتنا. وتتأكد كيف أصبح الخوف ملازم لنا في كل حياتنا من المهد الى اللحد لا نستطيع إتخاذ قرار لأننا نخاف من صاحب قرار أكبر وهذا بدورهِ يخاف من الأكبر منه وصولاً الى صاحب القرار الوحيد الذي هو الحاكم وهذا ما نلاحظهُ اليوم ، لا احد يستطيع أن يتخذ قراراً وهذه مشكلة وما دمنا ( أنا والخوف توأمان) فالخوف ملازم لنا حتى بعد سقوط صاحب القرار الوحيد هذا يذكرني بفيلم الرعب الأعظم والخوف الأعظم وغياب الدولة والسلطة والقانون وكما يقول صاحبنا (هوبس) ( كل شخص عدو لكل شخص خوف دائم وخطر من الموت العنيف وحياة الإنسان وحيدة فقيرة قذرة حيوانية وقصيرة) كلمات تنطبق على مجتمعاتنا وكأن السيد (هوبس) يعيش معنا الحالة الآن نعيش خوفاً دائماً وخطراً من الموت وهذا صحيح نعيشهُ في البيت حيث لانعلم في أية ساعة تدخل عليك مجموعة مسلحة وتقتلك أو تخطفك وفي الشارع لا تعلم في أية لحظة تتبخر بانفجار سيارة مفخخة أو عبوة ناسفة أو طلقة طائشة. إنه خوف دائم ومستمر خائفين من كل شي من إنقطاع الماء والكهرباء والراتب اليومي . أنت معنا يا سيد (هوبس) وأراك أن تنظر بإمتعاض وإنزعاج الى ما يجري من مناقشات ومداولات ومهاترات وجدال عنيف بين السياسين ورجال الدين والأحزاب والكتل إنهم يتوحدون ليتفرقوا ويتفرقون ليفرقوا الشعب أكثر. وأنت تشاهد وترى إن من يتحدث بالسياسة ليس سياسياً وأنما دخل عالم السياسة من باب آخر وقد لا يعرف تعريف السياسة أو قد تجدهُ سياسياً صغيراً لم يتعلم الف باء السياسة جعل من نفسهِ منظراً قديراً ومخططاً ستراتيجياً لا يهمهُ ما ينال من إنتخبه من الويل والهم اليومي، بقدر ما يحتاج من أن يقف أمام الكاميرات يومياً ليدلي بأرائهِ التي يبدلها في كل تصريح. سيد هوبس. كما أتذكر كلماتك التي تقول فيها ( أعتقد بوجود نزعة عامة لدى جميع الناس شهوة مستمرة لا تهدأ من أجل الحصول على القوة والمزيد من القوة. شهوة لا تتوقف إلا عند الموت والسبب في ذلك ليس دائماً لأن الإنسان يطمع في لذة أشد قوة مما حصل عليه من قبل أو لأنهُ لا يكتفي بالقوة التي في حوزتهِ ولكن لأنهُ لا يستطيع تأمين القوة والوسيلة المتوفرتين للعيش الكريم بدون الحصول على قوة إضافية ولهذا السبب فأن أكثر الملوك والحكام قوة لا يكفون عن بذل المزيد من الجهود من أجل تأمين القوة داخلياً بواسطة القوانين وخارجياً بواسطة الحروب ومتى ما أنجزوا ذلك تثور شهوة جديدة لديهم لدى البعض من أجل الشهوة الناجمة عن إنتصار جديد ولدى البعض الآخر من أجل الحصول على الإطراء والإعجاب) . وهذا ما يجري عندنا بأسوأ أشكالها وصورها على حساب الإنسان المظلوم في العراق الخائف بل المرتعب حتى في منامهِ إذا قدر لهُ أن ينام كنت أتمنى أن يقرأ كلماتك كل من يدعي السياسة أو القيادة لوزارة أو حزب أو من كان مندوباً في البرلمان أو سياسياً صغيراً ما يزال يحبو كطفل في سنتهِ الأولى ويكدس فوق خوفنا المتراكم خوفاً إضافياً تصور يا سيد (هوبس) سياسي برلماني يفجر البرلمان على رفاقهِ البرلمانيين أية شهوة وحشية لديه وبعد حصولهِ على هذه الشهوة الوحشية واللذة القذرة ما هي الشهوة الجديدة التي سوف تظهر لديهِ؟ لست أدري يا سيد (هوبس) إذا كان كلامك حول توفير ساحة للسلام والتسامح ينطبق عندنا لأننا بعد أربع سنوات ما زلنا غير مستعدين إذا كان الآخرون كذلك والى الحد الذي نعتقد إنهُ ضروري من أجل السلام ومن أجل الدفاع عن النفس للتنازل عن هذا الحق في كل شي وأن نرضى بذلك القدر من الحرية تجاه الآخرين الذين نسمح لهم بهِ تجاهنا لأنهُ طالما تمتع كل شخص وكل طرف بهذا الحق في عمل أي شيء يريد سوف نبقى في حالة حرب والمصيبة الأكبر فأن حوارنا بالطلقة والمدفع وبالسيارات المفخخة والعبوات الناسفة وحظك جيد لأنك لم تعش هذه الحالة هنا لا يوجد كلمة تنازل للآخر فكيف تريد أن يتنازل عن حقهِ للآخرين والآخرين كذلك غير مستعدين للتنازل عن شيء هي ليست من حقوقهم. هنا يريد الآخر منك أن تكون لهُ فريسة وهذا ما لايجب عملهُ كما تقول. الآن أقتنعت يا سيد (هوبس) بأن خوفي ليس هو توأمي بل أصبح جزء مني يعيش معي وينام معي ويفكر معي وهذه النقاشات تثير في خوفاً من نوعاً آخر خوف التقسيم خوف الحرب الأهلية خوف سلبي لحقوقي المدنية خوفي من مسؤول أرفض رأيهُ خوفي من جماعة لا أؤيد نهجها الفكري و... و... الخ. فكل أنواع الخوف أصبح جزءً مني وأنا جزء منهُ تصور لا استطيع الكلام إلا وأنا خائف ولا أستطيع أن أتناول طعامي إلا ويداي ترتجفان ولا أستطيع أن أشرب شيئاً إلا وأغص بهِ نتيجة لخوفي.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |