السياسة الحسينية(20)

 

 

الحاج هلال فخرالدين

hilal.fakhreddin@gmail.com

 

حملة التوعية الاعلامية الحسينية

 فى تلك الاجواء الخانقة التى عصفت بالامة على ايدى زمرة الطلقاء وانتهاكهم لكل القيم والاعراف ومصادرة الحريات واستعباد الامة والتنكيل بالصلحاء وتحريف مسار الاسلام واستشراء الظلم.. 

 فتخذ سليل الانبياء الامام الحسين اسلوبا اعلاميا مبرمجا  وعلى اسس قويمة لمقارعة النظام الاموى  فى سياسة بلاغ وتوعية رصينة واضحة المعالم محددة الهدف مقبولة لدى الامة بل من اسس عقائدها وانسانية متساوقه لما تتوق اليه مكونات المجتمع والشعوب المختلفة ومتعددة الابعاد و باليات حضارية متنوعة من (طلب الاصلاح)..

على عكس ما تتخذ وتتفنن به الحملات الانتخابية والدعائية فى عالم اليوم من شعارات براقة ووعود خداعة مزركشة جذابة وتناقض شاسع بين الافكاروالممارسات والتلفع بالمقدسات لتأليه الاشخاص وتمجيد الاحزاب وتسخر  كل مؤسسات البلاد وتنفق عليها المليارات لاجل فوز حزب او شخص والوصول الى سدة التسلط  وان زايدت على القيم . انه اعلام التضليل وابواق التشهيروالمتاجرة الرخيصة للاستقطاب والفوزولو بالعبورعلى المصالح العامة والاهداف العليا وسحق الشعوب...اماالاعلام الحسينى فقد كان نابع من مأساة الامة وناطق بظميرها وما تتوق اليه من الخلاص والفرج على يد المحرروالمنقذ سليل الانبياء ...بعد همود واستسلام وخنوع حتى من يطلق عليهم اهل الحل والعقد للسلطة الاموية الجائرة وهنا ننقل مايقوله الامام احمد بن حنبل فى الحسين ونهضته وجرائم يزيد وشنائعه وتصوير واقع الامة :(فتحصل أن يزيد بن معاوية هو الذي حكم بغير ما أنزل الله وبقتل الصحابة من أهل المدينة حتى الحسين بن علي من أهل بيت النبي (الذين أذهب الله عنهم الرجس وأوجب مودتهم) ظلما وعدوانا وافتضاض الفروج المحرمة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لما وردت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في لعن الأمراء الظلمة
وكان على معاصريه أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر كما عمل بها الحسين بن علي واستشهد في سبيل الله لذلك فمن بكى للحسين كان متأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في بكائه للحسين عند إخبار جبرئيل بقتله ـ مسند أحمد في مسند عائشة ومسند أم سلمة.

          فلم يتكل على حسبه او نسبه الشريف وعظيم فضائله لحطام دنيوى بل سخرها للاصلاح كما انه لم يستسلم للاقداراوماهو مقدرعليه من الشهادة

وكذلك(ع) لم يستسلم للقهروالتفرعن  بل اعد لكل امرعدته وما يتطلبه وجاهد فى الله حق الجهاد :(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)التوبة:105ما النصر الامن عند الله ..

فقد عقد اول مؤتمر ضم القراء والعلماء فى عرفات ومنذ عام 59 هجرية ووجه ندائه الى قلب الامة النابض وعقلها المفكر العلماء والقراء وحملة السنة لكونهم ورثة الانبياء واهل الخشية من الله واصحاب المسؤولية الكبرى في التبليغ و قادة الامة  ورواة الحديث  فالامام الحسين يحث ويؤكد على ضرورة نهوض العلماء بمسؤولياتهم فقد جاء في خطبة طويلة لابي الاحرار وسيد الشهداء يخاطب بها علماء عصره محذرا منذرا من سوء العاقبة :(...وأنتم اعظم الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لوكنتم تشعرون ذلك بان مجاري الامور والاحكام على ايدي العلماء بالله الامناء على حلاله وحرامه فانتم المسلوبون تلك المنزلة وما سلبتم ذلك إلا بتفرقكم عن الحق واختلافكم في السنة بعد البينة الواضحة ولو صبرتم على الاذى وتحملت المؤونة في ذات الله كانت امورالله عليكم ترد وعنكم تصدرواليكم ترجع ولكنكم مكنتم الظلمة من منزلتكم)تحفالعقول ص 237

 فوجه الامام الحسين من المدينة رسائله للزعماء وقادة الامة وشيوخها في مختلف الامصارحتى الشام  شارحا وموضحا سيرة معاوية وقتله للصلحاء ونقضه للعهد مع الامام الحسن وسمه له ونهب اموال المسلمين وتوليته النزق الفاسق يزيد على سدة الخلافة الاسلامية من دون مشورة ويؤذن في كل فجاج الارض ويكاتب ولاة الامصار بنفض الطاعة ليزيد وترك حطام الدنيا والالتحاق بالحق والانظمام الى الاصلاح ونصرة المظلوم..وقامت تترى عليه رسائل القوم وكتبهم ووفودهم بالطاعة

خروج الحسين من المدينة ..البيان الاول

عندما قررالحسين عليه السلام الرحيل وعند الاستفهام منه عن سبب الخروج اجاب عن برنامجه الخالد  بكلمات مقتضبة لكنها توحى بمعانى عظيمة كثيرة :( ما خرجت أشرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مفسدًا وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمتي جدي أردت أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكركما كان يفعل جدي وابي )الى بيان ما وصلت اليه الشريعة من طمس واحوال الامة من تردى :(الاترون الى الحق لايعمل به والى الباطل لايتناهى عنه وان من رضى بعمل قوم حقا على الله ان يدخله مدخله وان من رضى بعمل قوم حشر معهم الم تبيد الخلافة قطعان الناس في نزوات الخلفاء .) فقد شخص الامام الحسين ماتعانية الامة بكل دقة ووضوح ومن هنا كان الخروج من بعد الوثوق بصدق الدعوة وتهيأ كل مستلزمات النهوض حتى يأم الذين طلبوه اماما عليهم  وهذا يستدعي ان يرحل الى الكوفة ومعه عياله وذويه وبالرغم من ذلك فانه عليه السلام كتب الى بني هاشم: (بسم الله الرحمن الرحيم ؛ من الحسين بن على إلى بني هاشم ، أما بعد ، فإنه من ألحق ( لحق ) بي منكم استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح  والسلام)...فان شهادته ضرورة لبلوغ الفتح ولم يقل النصرالرامز للوقتى او المادى العسكرى لكن الفتح تتجلى فيه ديمومية العطاء وروحانية البقاء واستقامة المنهاج حيث اصبح مدرسة تقتفى ودليل يتبع ورب سائل يقول كيف..؟ فنجيبه ان كثيرا من القادة انتصروا فى المعارك لكن حصلت بعدها هزائم وحتى النبى(ص) انتصرفى غزواته وحروبه لكن كانت الردة بعد وفاته الا ما جاء فى مكة من ( نصرالله والفتح) او(انافتحنا لك فتحا مبينا) حيث كانت ولازالت وستبقى قبلة للتوحيد يحج لها الحجيج من كل فج عميق كذلك نهضة الحسين كانت ولازالت وستبقى منارهدى وسفينة نجاة رغم كل ماتعرضت له من قبل الجبابرة والطغاة والهمج الرعاع على طول العصورفما يزيدها الاسموا وتجذرا واتساعا 

فدم ارقت كانه من جدة   الان يعطر فى الثرى ويخضب  

فقد خرج الإمام الحسين من المدينة المنورة متوجها الى مكة المكرمة يوم الأحد 29 رجب سنة 60 هجرية و المصادف يوم 6/5/680 السادس من شهر مايس مايو سنة ستمائة و ثمانين ميلادية . عدد الأيام التي قضاها الإمام الحسين بين المدينة المنورة و مكة المكرمة (5) خمسة أيام ووصل الإمام مكة المكرمة يوم الجمعة 4 شعبان سنة 60 هجرية ، المصادف يوم 11/5/ 680 الحادي عشر من مايس مايو عام (680)  ستمائة و ثمانين ميلادية.

وعندما حط رحل الامام الحسين فى مكة واستقر به المكان لم يترك عمل او موقف يصب فى مصلحة النهضة وتوسيع دائرة المعارضة وتقوية عمقها وربط الامة به الا سعى اليه فقد شن الامام حربا اعلامية منظمة واسعة مؤثرة على النظام الاموي الجائروعلى مختلف الاصعدة وبكافة الاساليب الاعلامية القاء خطبا كثيرة وفى مناسبات متعددة عقد لقاءات منتظمة مع المعارضة ابن عمر ابن الزبير ابن عباس وغيرهم  من بقايا الصحابة وجيل التابعين لبلورة مشروع اصلاحى متفق عليه ارسال الرسل وبعث السفراء الى اليمن والبصرة والكوفة والشام وغيرها لبيان اسس واطر اطروحة نهضته الاصلاحية  الشاملة وحتى الايام الاخيرة امثال قيس ابن مصهر الصيداوى وعبد الله ابن بقطر.. وكتابة الرسائل للشيوخ والزعماء يستنهضهم ويحثهم على النصرة لاجل الحق وابطال الباطل

كان يخطب بالملىء من الناس ومجاميع وافراد الامة ويعظهم ويذكرهم بالسنة واحاديث الرسول في التنديد بالطغيان وان سيد المجاهدين من قال كلمة حق بوجه الظالم  وان افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر...وان الامة اذا تركت الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سلط الله عليهم شرارهم ثم يدعون فلايستجاب لهم ...الى غيرها من النصوص التي تحث على مقاومة الطغاة وعدم الركون الى الظالمين. صحيح انه مكلف ومامور بخوض ذلك الصراع غير المتكافيء ولكنه لم يخلد الى الدعة او الانطواء والانكماش والاستجارة بالبيت والخلود لقراءة القران والدعاء والصلاة فقط لان شهادته قدرا مقدرا وكذلك لم يترك العمل اعتمادا على مقامه الكبير وانه بن بنت المصطفى(ص) ورياحنته اي اعتمادا على النسب بل نراه لم يغفل عن اى امرمهما صغراو دق يخدم مشروع الثورة وتجييش الامة ضد الطاغوت ويستحثهم على نصرة (الحق)

فقد اتخاذ كل وسيلة تثير مشاعرالامة وتننبه على كيل طفح الظلم كخروجه يوم التروية ولم يتم حجه ..الى زيارة القبائل والالتقاء بشيوخها وحثهم على مقارعة الظلم وطلب النصرة  فى مسيره الى العراق .الى سياسة السلام التى اتبعها مع الحر..الى اساليب التفاوض والحوار مع قائد الجيش الاموى لكشف النفوس المريضة ...الى مخاطبة جيش ال ابي سفيان المطبق عليه من كل حدب وصوب ومحاورتهم وتخويفهم من غضب الرحمان وان يعودوا الى رشدهم قبل نزول البلاء عليهم ..الى استثمار كل نقطة فى ظلامته وكل قطرة دم سفكت لاستنهاض روح الامة والاطاحة بالظالمين ولو بعد حين ..اذن استعمل كل الوسائل الاعلامية النيلة الهادفة وجندها لصالح مشروعه الاصلاحى

 

 

 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com