|
نهضة عاشوراء.. مشروع متكامل لحقوق الإنسان
عدنان الصالحي/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث واقعة الطف التي حدثت عام 61 للهجرة والتي يحاول البعض تصوريها على إنها معركة بين خطين مسلحين تقاتلا من اجل نيل السلطة، أخذت أبعادا لم يكن الكثير ممن يحسبون الامور بحسابات الربح والخسارة المادية يتصور بأنها ستؤول الى ذلك. فالفئة القليلة التي لم تزد عن سبعين مقاتلا يتبعها الأطفال والرضع والنساء صنعت فجرا جديدا لكل من يريد الارتواء من نهر الإيثار والحقيقة ومحاربة الجور والفساد والطغيان، فلم تكن تلك الواقعة إلا بذرة زُرعت من اجل أن ينمو شجر التصدي للفساد والإفساد ولتكشف رياح الحقيقة عن غيوم الطغيان وزيفه وإجرامه. (ما خرجت إلا لطلب الإصلاح في امة جدي) هكذا كان شعار الحسين (ع) عند بدء المسير فالإصلاح كان من أولويات التحرك لان الأمة التي تخضع للطغيان والتجبر لن يكون مصيرها بالمشرق وعليها أن تتحمل تبعات سكوتها، فالحكومات التي عاصرت الامام الحسين بن علي (عليه السلام) آنذاك لم تكن تقيم وزنا لحقوق الإنسان ولا لقيم المجتمع ولا القوانين الوضعية وحتى التي وضعتها الدولة لنفسها، وبالمقابل لم يكن المجتمع من النوع المتحرك للخلاص والتغيير والمطالبة بحقوقه، وهذا بدوره تطلب من سيد الشهداء آن يقف موقف الإصلاح والتعديل في مسيرة امة بدأت بالسقوط في مستنقع الخضوع والخنوع وتسلط الطغاة والفاسدين والانتهازيين. فلم يكتف سيد الشهداء عليه السلام ببيانات الشجب والاستنكار على حكومة الطاغية يزيد لحرمانها الناس من حقوقهم وتجبرها، وجعل أموال الناس بينها دولا وحقوقهم مضيعة بل سار بما تمليه عليه الشريعة الغراء وهو وصي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وهنا كانت الوسيلة التي استخدمها (سلام الله عليه) بحد ذاتها ترجمان آخر لرسالة الحسين ونهجه فلم يكن ينتهج بذلك أسلوب العنف طريقا ولا للقتال سبيلا فكان بحق كما قال احد الباحثين بوصف (اعتمد الحسين على قوّة المنطق، واعتمد عدوه على منطق القوة، ولما سقطت قوة عدوه، انتصر منطق الحسين، وكان انتصاره أبديا) لذا فكان سيد الشهداء حذرا في كل حركة يتبناها ويخطوها فهو لم يطلب الإصلاح على حساب الدماء والأنفس ولم يترك الواجبات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حساب الدنيا وزخرفها بل كان متزنا في كل موقف وموضع. لقد تبنى سيد الشهداء نهجا لا هوادة له ضد كل من يتلاعب بحقوق الناس ومصائرهم ولم تخفه شدة الحروب والمكائد ضده وضد أتباعه، بل أن قناعة الإمام كانت شديدة بان من يملك الحق والحقيقة فانه يملك أسس النجاح والنصر وقبل ذلك فانه يملك رضوان من الله اكبر وذلك هو الفوز العظيم والسلاح الأكبر. ولعل ما نعانيه اليوم من مآسي ومشكلات هو نتيجة حتمية لعدم الانتهال من ذلك الصوت المدوي بوجه الفساد في جميع المفاصل الحياتية، فقد اقتصرنا في معرفتنا للحسين إماما وسليلا لرسول الله فقط ولم نحاول ان نعرفه مصلحا ومواجها للانحراف والفساد بكل أنواعه، بحيث صرنا نتحدث عن شخصيات حديثة العهد بحقوق الإنسان وتركنا من أسس اللبنة الأولى لذلك وخطها بدمه الشريف. فقد كانت نهضة عاشوراء دعوة في مواجهة كل الانحرافات الاخلاقية والسياسية والتشوهات الفكرية والعقائدية بمنطق العقل والدفاع عن الحرية والحقوق والوقوف بوجه الفساد، أو كما يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي(دام ظله): ( إن ذكرى عاشوراء هي التي غرست في أعماقنا العبودية لله عزوجل ومبادئ الإنسانية والإيثار وخدمة الآخرين والعطف على الضعفاء والدفاع عن المظلومين ولأجل هذا يجب أن نحافظ على جذوة عاشوراء متقدة على الدوام). ولكي تكون عاشوراء واقعا نلمسه وحقيقة نتعامل معها كل يوم لا مجرد ذكرى تمر مر السحاب علينا أن نجسد مواقف شخوصها فردا فردا، فلكل واحد منا دور في رسم نهضة جديدة تتخذ من عاشوراء أساسا لها في بناء القيم الإنسانية ونهجا لقيام دولة العدل والكرامة وحقوق الانسان والتي تتجسد من خلال: 1- لنجعل من شعار الإمام الحسين(ع) في محاربة الفساد والطغيان شعارا لكل فرد منا في بناء نفسه ومحاربة الفساد الذي يعشعش في بعض زوايا أنفسنا ومجتمعاتنا، متخذين من قوة المنطق والكلمة الطيبة سبيلا لذلك. 2- لم يكن أصحاب الحسين قوات عسكرية بل كانوا مشاعل للفكر والإرشاد والنصيحة، ومن ذلك نسترشد بان لا نجاح بلا جماعة مخلصة ومؤمنة ومفكرة ونزيهة، تقوم على التعاون والتعاضد والتنظيم الاستشاري المتماسك. 3- لقد اوجد الإمام عليه السلام نموذجا حضاريا بالتعامل مع كل فئات المجتمع ليشركه في تلك الثورة ضد ذلك الانحراف والدفاع عن حقوق الانسان، فكان للطفل الرضيع موقف وللنساء موقف وللرجال والشباب موقف وكذا كانت صنوف البشرية حاضرة ف(جون) صاحب البشرة السوداء كان قائدا في ذلك اليوم ولم يكن يختلف عن باقي الأصحاب، فلا تفرقة في مواجهة الباطل ولا تمييز بين أي طائفة إلا بالتقوى والاجتهاد والعمل الصالح والموقف الشجاع. 4- ثم إن سيد الشهداء لم يترك البيان وإيضاح الحقائق حتى لمن جاء لمقاتلته فكانت خطبه الواحدة تلو الأخرى تبين للقادمين لملاقاته بأنهم لم يفهموا معادلة الحالة وإنهم إنما يساقون لحرب هم أول الخاسرين فيها آجلا أم عاجلا، فعلينا أن لا نمل من أسلوب الخطاب والبيان والتوضيح وان نكون واضحين في كل المواقف لان رسالتنا هي هداية الناس وصلاحهم. 5- الاهتمام بالنفس الإنسانية في كل شيء فالإمام كانت مشاعره الجياشة لا توصف فالبكاء على أعداءه في ذلك اليوم الى ساعة استشهاده، تجلت فيه المشاعر الإنسانية بأعلى مراتبها لأنه يعرف إن المصير المحتوم لمن سيقاتلونه هو الخزي في الدنيا والجحيم في الآخرة وهو لا يرغب بذلك لهم، فعلينا أن نتحلى بشيء من تلك النفس الكبيرة وتكون روح الإنسانية لدينا هي اكبر من أي دوافع أخرى. 6- الصدق والوضوح في كل شيء فهو أساس النجاح في كل أمر وهذا ما كان الإمام يتبعه مع أصحابه ورعيته فهو أعلمهم بان الأمر مختص بشخصه وان القوم إذا ما ظفروا به فأنهم سيذهلون عن غيره وترك لأصحابه حرية الاختيار في البقاء او الذهاب، فكانت نتيجة الصدق هو النصرة والقرار المشرف لهذه الثلة الشريفة مع إمامها. 7- صلابة الموقف والمطاولة في المطالبة بالحقوق والدفاع عن الحقوق الإنسانية رغم قلة الناصر وضياع الحقيقة عن أكثر الناس، وهذا بدروه يدفعنا إن لا نجعل من كثرة المشكلات سببا للانسحاب من ساحة الإصلاح والانزواء بحجة عدم الفائدة من العمل فرب عمل قليل يكون أثره كبيرا، وقد عبر المرجع الديني السيد صادق الشيرازي عن ذلك بكلمة حكيمة قال فيها: (لا لليأس لا للتحير.. نعم للمشكلات).
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |