|
بين حانة ومانة لكي لا تضيع لحيانة ..
مثل قديم تناولته كتبنا ألأدبية لطالما قراناه وسمعناه في أحاديثنا اليومية داخل مجتمعنا العراقي خاصة، يتلخص المثل بأنه كان هناك أحد كبار السن متزوجا من امرأتين إحداهن وهي ألأولى كبيرة في السن والثانية صغيرة جميلة أراد من خلالها تجديد شبابه، فكلما كان يزور زوجته الأولى فتقوم بقص ونتف الشعرات السوداء التي تتخلل لحيته البيضاء وفي مخيلتها أن ذلك سيضمن أن زوجها لن تنظر إليه أية من النسوة ولا تفكر في الزواج من عجوز ولحيته بيضاء ويزيد الطين بله بان يتزوج الثالثة، صاحبنا هذا عندما كان يزور زوجته الصغيرة الجميلة كانت تقوم بقص ونتف كل الشعر الأبيض الذي شاب لحيته لكي لا يتحدث الناس بان هذه الصغيرة الجميلة قد تزوجت من هرم مسن لا حول ولا قوة له، الأولى هي مانة والثانية كانت حانة حتى خسر الرجل المسكين لحاه كلها بين حانة ومانة فجاء المثل بين حانة ومانة ضاعت لحيانة . أخشى ما أخشى أن ينطبق مثل حانة ومانة على المشهد السياسي العراقي فيضيع الشعب العراقي وتضيع ألانجازات التي تلت عملية تحريره وإسقاط صنم الطاغية، انجازات طالما تحدثنا عنها من قبيل وجود انتخابات دورية رغم وجود الخروق التي تقوم بها بعض الأحزاب أثناء تلك الممارسة الانتخابية، ووجود دستور يحفل بالعديد من النقاط ألايجابية (رغم وجود السلبيات ) بالإضافة إلى حرية الإعلام والصحافة ( رغم وجود التدخلات والانتهاكات العديدة شمالا وجنوبا ) والنقطة المهمة التي لا تسبقها أية نقاط أخرى هي إقرار الدستور فقرة تخص بحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو ألإرهاب والتكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد ويروج له بخاصة البعث ألصدامي ورموزه وتحت اي مسمى كان، ولعل كل هذه الفقرات تنتهجها تيارات وأحزاب ومنظمات إرهابية كل حسب أهدافه ودوافعه، والمشهد الأمني والخروق اليومية لا تحتاج إلى أي تعليق . لعل فقرة ألاجتثاث هي من أهم الفقرات التي تضمنها الدستور والتي أثلجت قلوب عائلات الضحايا والمنكوبين إبان عهد الطاغية وبعد عملية إسقاط نظام البعث البائد وبدأ المسلسل الإجرامي لفلول البعث ومن تلون وتستر تحت عباءة حزب قومي أو إسلامي، ولم يدخر كل هؤلاء الجهد في أضعاف المشروع الديمقراطي، وقد نستطيع تشبيه العملية الديمقراطية في العراق بمريض قد خرج توا من صالة العمليات وقد أجريت له العديد من العمليات الجراحية الحساسة ويعاني من مضاعفات تؤرق حالته ويطمئنه المشرفون والجراحون أن حالته مستقرة ولكن تحتاج فترة من النقاهة والعلاج والراحة والرعاية، أذا فالتفاؤل قائم رغم حالة المريض الحرجة . في خضم الأحداث الأخيرة وقرب حلول موعد الانتخابات العراقية في آذار القادم واستفحال أزمة ما آل إليه قرار هيئة المساءلة والعدالة بإبعاد وإقصاء المئات من البعثيين من القوائم الانتخابية وما عقب ذلك القرار من سياسة الشد والجذب وتضارب التصريحات من المشاركين في الحكومة وأعضاء البرلمان بين معترض ومؤيد للقرار، في الوقت نفسه تشهد الساحة العراقية إراقة المزيد من دماء الشعب المسكين بعمليات دموية في بغداد وكربلاء والموصل وغيرها من المدن . هل بات قرار هيئة المساءلة والعدالة صفقة أخرى تتبناها بعض التيارات والأحزاب التي تشارك في العملية السياسية ؟ بغية استقطاع وإضافة المزيد من المكاسب إلى جعبتهم الممتلئة أصلا، فالتحالف الكردستاني يعيش تخبطا واضحا في مسألة إبعاد أو عدم إبعاد المستثنين بقرار هيئة المسالة والعدالة وهذا ما لوحظ من تضارب تصريحات المسئولين بدءا من هيئة الرئاسة ونواب قي الكتلة (الكوووردية) واعتقد جازما أنهم يمارسون سياسة فرض الأمر الواقع ولي أذرع (بعض) البعثيين المجتثين التي تضمنتها قائمة المساءلة والعدالة، تقاطعت بعض أرائهم السياسية مع أراء ورؤى واتجاهات التحالف الكوووردي في مسائل عالقة مهمة، منها المناطق المتنازع عليها ومسألة كركوك ( قدس الأقداس ) التي لا مجال وتنازل في شأنها حتى وان دخلوا في معمعة جديدة تحرق الأخضر واليابس حسب التصريحات التي يدلون بها بين الفينة والأخرى، هنا تذكرت الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر الذي قال في كتابه سنتي في العراق وهو يتحدث مع احد زعماء احد الأحزاب الكردية قائلا ( قدس واحدة قد جعل العالم يتيه وفي حيرة من أمره فما بالكم لتخرجوا لنا قدسا مقدسة أخرى ولم نجد حلا لحد ألان لقدسنا الأولى وتتحدثوا عن قدس ثانية ) . اللاعبون الوطنيون قليلون على الساحة السياسية وخصوصا من يتمتعون بالروح الوطنية والحرص على وطن وشعب واحد ومن يتمتعون وينتهجون لغة الحوار لا غيرها في حل جل المسائل العالقة بين كل ألأطراف والتيارات، ولعلني هنا سأقول وليس من باب الدعاية لقائمة ولشخص رئيس الحكومة المالكي، وعدم تلقينا أي منح ومناصب من هذه الجهة او تلك ولكننا من خلال المتابعة وسماع الحديث الذي يدلي به شخص رئيس الوزراء هو الحديث الواقعي القانوني الذي يصب في صالح قوة وبناء دولة قوية حديثة وديمقراطية مع عدم إنكارنا لوجود ضعف في تطبيق القرارات وتخبطا في بعض المفردات التي تمس حرية المواطن ليس بعيدا عن رقابة وأعين وضغط بعض الهيئات والمؤسسات الدينية والأحزاب بغض النظر عن أسماء ومسميات، فدولة القانون القادمة يجب أن تكرس لفصل السلطات وعدم إقحام المؤسسة الدينية في تكوين الدولة ومؤسساتها، وهذا ما نأت المرجعية الدينية نفسها عنه متمثلة بالسيد السيستاني في مناسبات عديدة في عدم إقحامها في شان العمل السياسي وضرورة احترام الحريات كافة وتأمين حقوق المواطنين . نرجو أن لا يأخذ قانون اجتثاث البعث والبعثيين منحا آخر في أن يأخذ كل طرف سياسي وحزب هذا القانون الذي أقره الدستور وصوت عليه الشعب العراقي بنظرة ضيقة لا تنم عن مصلحة عامة ووطنية بل من خلال نظرته بما يتعارض ما ذهب اليه من توجهات ومصالح آنية تخدم حزبه وتوجهاته القومية كردية أو عروبية . لا شك ان من بين الأسماء التي تم اجتثاثها من هم لم يبخلوا على الشعب العراقي بخطابهم وفعلهم المتطرف الذي يمجد النظام السابق ويذرف الدموع الغزيرة عليه كلما جاء الحديث في سياق البعث البائد ونظامه، ولكن الخوف كل الخوف من ألازدواجية في المعايير وان يصبح من يدعي الوطنية ويتحدث بالديمقراطية ويضحى ملاذا وحاضنة للبعث ويكرس أفعالهم ونهجهم على ألأرض . البعثيون لا زالوا يدعون للمقاومة ضد المحتل وأذنابه حسب قولهم المنافق، والعديد من هم في بعض الكتل المشاركة في الحكومة من قبيل الحزب الإسلامي (الحليف الإستراتيجي للتحالف الكوردي) وبعض المحسوبين على التيار الصدري يروجون وتناغم خطابهم مع هذا الخطاب بل ما هو الأشنع أن يشارك زعيم الائتلاف العراقي في مؤتمر عام شارك فيه مؤخرا يمجد للمقاومة في لبنان والعراق، إذا الفرق غير شاسع بين النائب المطلوب للعدالة (المجرم مشعان الجبوري) الذي يروج جهارا نهارا لعمليات ما يسميها مقاومة وبين من يروج لهذا المصطلح الخبيث من خلال أروقة الحكومة ومؤسساتها وعبر أحزابهم وكتلهم التي ينتمون اليها . نفاق وتخبط وازدواجية يعيشه بعض المحسوبين على هذه الكتل، فكيف يتوافق أن تدعو وتروجوا لهذا المصطلح الخبيث في وقت وقعت الحكومة العراقية لاتفاقيات مع (دول ما يسمونها احتلالا) تضمن شراكة طويلة الأمد تأخذ بين طياتها العديد من الجوانب العسكرية والمخابراتية والعلمية والاقتصادية في وقت أخر يحضرون مؤتمرات تمجد لخطاب البعث والأمة العروبية وتبيح للقيام بأعمال إرهابية تربك الوضع الأمني في بعض محافظات الشمال قبل الجنوب . وكذلك الحال فيما شاهدناه في شريط عصائب الحق الإرهابية وقد ظهر في هذا الشريط أحد العراقيين المختطفين الذين يحملون الجنسية ألأمريكية والتي أحد زعمائها هو وزير سابق في الحكومة العراقية هو سلام المالكي والذي كان يتقلد منصب وزير النقل العراقي وهي وزارة غاية في الحساسية والأهمية وسبق أن تبنت عمليات عديدة للخطف خطف البريطاني (بيتر مور المستشار في شأن المعلوماتية) وأربعة من حراسه داخل وزارة المالية من قبل عشرات المسلحين ارتدوا زي الشرطة العراقية الرسمي، هذه الأخطاء والتداعيات والخروق ألأمنية اليومية لا زالت تلقي بظلالها على وزارات عديدة أخرى كالدفاع والداخلية وجهاز المخابرات مع وجود أشخاص غير كفوئين في هيكلية هذه الوزارات بعيدون كل البعد عن الولاء للدولة وللمواطن وللقانون . لكي لا تضيع علينا ما قطعناه من مسافة وجهد لبلوغ هذه المرحلة ولكي لا نعود أدراجنا إلى الوراء يجب على الوطنيين العراقيين الذين همهم بناء العراق والارتقاء به، أن يبتعدوا كل البعد عن أية صفقات بين هذه الجهة وتلك وهذا الحزب وذاك وخاصة في مسألة أعادة البعثيين المجرمين تحديدا ومن الممكن مشاركة البعض منهم في أية عملية سياسية مع ألأخذ بنظر ألاعتبار تبرئهم من نهج البعث وسياساته ووضع شروط صارمة في تقييد الترويج لأي نهج عنصري وقومي وعدم السماح لأي خطاب وفعل تروج له المؤسسات الإعلامية البعثية المختلفة سواء داخل أو خارج العراق، لاسيما أن هناك كتلا وأحزاب أصبحت راعية وحواضن بعثية تفرخ بعثيين من نوع أخر متلونين برداء ومتخفين بقناع الوطنية والحرص على العراق فالحذر كل الحذر من هؤلاء ولكي لا ينطبق علينا المثل الشعبي، بين حانة ومانة ضاعت لحيانا .
|
|||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |