|
الوحدة العربية هي الطريق الوحيد الى الحرية
حبيب عيسى منذ ان تحولت الدولة العربية القديمة التي بنى العرب من خلالها حضارة انسانية، ومجتمعا متقدما، الى سلطنات، وقبائل، وعشائر وطوائف .. ! منذ ان تحولت الأمة العربية إلى أجزاء، وتحولت الأرض العربية الى نتف يتحكم في كل منها أمير او سلطان أو شيخ قبيلة، او وال، إلى آخر الالقاب المستحدثة ! منذ ذلك الحين وموجات الغزو تتدفق على الأرض العربية من كل الجهات وتعمل فيها فتكاً، وتخلفاً، وتخريباً .. تلك الموجات الغزية التي بدأها هولاكو، ومهد بها لمن جاء بعده من اوروبيين تحت راية الصليب، الى عثمانيين تحت راية الاسلام، إلى أوروبيين مرة أخرى تحت راية الاعمار والحضارة، الى صهاينة تحت راية موسى .. الى ... ؟!!، والمستقبل قد يحمل لنا اشكالاً أخرى من الغزاة اذا لم يتقدم الشعب العربي ليقطع مسيرة التخلف هذه، ويتصدى لمسؤولية صياغة المستقبل العربي بطريقة حضارية جديدة .. بملامح متميزة .. بعقل تنيره المعرفة والعلم، وبعمل جاد قادر على التغيير والبناء . لقد مر النضال العربي الوحدوي بثلاث مراحل سعياً وراء تجسيد ارادته في إقامة الدولة العربية الواحدة : · المرحلة الأولى : ويمكن اعتبارها امتداداً لمسيرة التخلف العربي التي بدأت يوم ان تفككت أوصال الدولة العربية الأولى .. التي كانت قد تكونت نتيجة لثورة النبي محمد الى ممالك وإمارات ومشيخات، وبدأت رحلة العودة الى العشائرية والقبلية والاقليمية، والطائفية التي كانت سائدة قبل الاسلام، وتمكن بعض شيوح الاسلام الذين تحولوا الى كهنة من اغلاق باب الاجتهاد، واستخدام الدين كعامل تشتيت، وتفرقة، واقتتال بين العرب بعد ان كان عامل وحدتهم الاساسي، فارتفعت بذلك أصوات الطائفية والعشائرية، وطغت هذه الاصوات على الوجود القوي للأمة، كل ذلك مكن الغزاة من احتلال ارضنا، بعد ان كان العرب قد حطموا حضارتهم ووحدتهم بانفسهم قبل ذلك . واستمرت مسيرة التخلف هذه بشكل أو بآخر، واستمر تدفق الغزاة على أرضنا من اول هولاكو التتري الى آخر جمال باشا العثماني . وفي بدايات هذا القرن، وبالتحديد " نهاية الحرب العالمية الأولى " تقدم المنتصرون الأوروبيون لاقتسام تركة الرجل المريض في الوطن العربي . وللوطن العربي اغراءات كثيرة بالنسبة للمستعمرين الجدد، فرائحة الزيت الضروري لصناعتهم ونهضتهم تزكم الانوف في الأرض العربية، والموقع الجغرافي الهام استراتيجيا وعسكريا متوفر في هذه الأرض، والخامات والمواد الأولية، والثروات الطبيعية بكل اشكالها متوفر بغير حدود، والأهم من ذلك أن التخلف العربي الذي يسمح لهم باستغلال كل ذلك، ودون ثمن يذكر متوفر أيضا ً . وللغزاة الجدد طرقهم الجديدة أيضاً في الاحتلال، لهم طرقهم العصرية، بالاضافة إلى أن أهمية هذه المنطقة تتطلب منهم وضع خطة استراتيجية بعيدة الأمد للبقاء على هذه الأرض ... فتنادوا جميعا الى اجتماع سري، ووضعوا خارطة الوطن العربي على طاولة مستديرة فيما بينهم، وأخرجوا خناجرهم المسمومة ليقطعوا الجسد العربي المدد أمامهم، وليرسموا عليه ملامح التخلف، والذل إلى أمد بعيد، وكانت النتيجة تقسيم الوطن الواحد الى أقطار أو أقاليم، أقام عليها الاستعمار دولاً فأصبحت وحدات سياسية، وبعض تلك الدول لا تقوم حتى على " اقليم " بمعناه الأصيل، لأن أهواء المستعمرين لم تكن تتفق دائماً مع الطبيعة . فجاءت الحدود خطوطاً هندسية رسمت على الخرائط . وكان تفتيت الأمة العربية الى شعوب معزولة ومحصورة داخل حدودها السياسية هو الضمان الأقوى لتبقى عاجزة عن مواجهة الوجود الاستعماري بقوة موحدة تنهي سيطرته، وكان المصدر الأساسي للقوة هو التحام الجماهير العربية، ووحدة انتمائها القومي . وضمن مخطط تفتيت الأمة هذا رسمت الحدود، واقيمت اكشاك الجمارك وقوات الأمن عليها، وتوجت المرحلة كلها بإقامة السرطان الصهيوني في القلب العربي ليكون حارساً لكل ذلك، وانقلبت دول التجزئة الى مدارس ضخمة لمحاربة القوى القومية يتولى المستعمرون أنفسهم وضع برامجها واصطناع عملاء واساتذة ومعلمين وتلامذة لها ورصدوا حتى العروش مكافأة للمتفوقين والغاية من كل ذلك هي اختلاق مضمون اجتماعي وفكري " للاقليم " وتنميته على حساب المضامين الاجتماعية والفكرية للقومية العربية، من اول محاربة اللغة العربية الى آخر اختلاق أبطال " قوميين " لأمم موهومة تحت أسماء الآشورية، والفينيقية، والفرعونية .. المرحلة الثانية : ويمكن اعتبارها ردة فعل الجماهير العربية على كل المآسي السابقة .. فكل محاولات الغزاة لخلق " الاقليمية " كنقيض " للقومية " يتحول بها الولاء من الأمة إلى " القطر " أو " الاقليم " اثبتت عقمها لأن الزمان لا يمكن ان يغير في نصف قرن ما صنعه التاريخ خلال عشرات القرون، فالأمة العربية ككل لم تقبل المصير الذي أراده المستعمرون لها واستمرت المعارك التحررية القومية، كما ان سبق التكوين القومي – في الزمان – على العدوان الاستعماري حصن الوجود القومي ضد التجزئة، واصبح مستحيلا اعادة الأمة إلى أطوار من التكوين الاجتماعي تجاوزتها فعلا . ويمكن اعتبار مأساة 1948 بداية لهذه المرحلة فخلال محاولات الاقليمية العربية الدفاع عن الوجود القومي في فلسطين تعرت الاقليمية تماما، واثبتت عجزها، ليس في الدفاع عن الوجود القومي وحسب وغنما في بناء التقدم داخل اقاليمها، وتبين بشكل واضح لكل الجماهير العربية ما تعنيه التجزئة من تخلف، وهزائم، وذل، وانحطاط . لذلك بدأت الجماهير العربية تبحث عن طريق آخر لتحررها وعبرت عن انتفاضتها هذه بعدة انجازات ومؤشرات واضحة يمكن القول أن ابرزها ما يلي : § في مواجهة الحركات الاقليمية، والايديولوجيات التي تنكر وجودنا القومي، وتكوننا الحضاري تداعت الجماهير العربية الى تنظيم قومي للثورة العربية يتجاوز كل الأطر الاقليمية المرسومة فالتجزئة غير مشروعة موضوعياً لتناقضها مع وحدة الوجود القومي، وهي غير مشروعة سياسيا لأنها ثمرة عدوان غير مشروع، وقد عبرت الجماهير العربية عن ولائها القومي بأشكال عديدة كان ابرزها الالتفاف حول حزب البعث العربي الاشتراكي كحزب قومي يرفض الاقليمية، وكحزب اشتراكي يرفض الاستغلال، وكحزب مناضل من اجل الحرية ضد كل اشكال العدوان الخارجي، وقد بلغ التفاف الجماهير العربية حول الحزب في تلك المرحلة حداً تجاوزت معه تلك الجماهيرية تصور قيادة الحزب نفسها، وقدرتها على تنظيمها .. ! § في مواجهة عروش الخيانة الاقليمية فجر الضباط العرب الأحرار الذين عاشوا مأساة 1948 في فلسطين، وتبينوا من خلالها أن النضال القومي هو الطريق الوحيد الى الحرية ... فجر هؤلاء ثورة 23 تموز وأتت هذه الثورة بجمال عبد الناصر ليكون اول حاكم من أصل عربي لمصر منذ أيام الفراعنة الأوائل، وناضلت هذه الثورة بقيادة هذا المناضل الفذ من أجل توضيح الوجه العربي القومي لرأس العقاب العربي في مصر والذي يمتد جناحاه بين المحيط والخليج . § في مواجهة فرنسة الجزائر، وجد الثوار العرب هناك قاعدة لانطلاقهم في القاهرة، فشكلوا فيها قيادتهم وبدأوا حربهم التحريرية التي ساهم فيها شباب عربي من مختلف أرجاء الوطن الكبير حتى تكللت أخيراً بالنصر على المستعمرين . § في مواجهة 80 ألف جندي انكليزي على ضفتي قناة السويس بدأ المواطنون العرب حرباً فدائية اضطرت البريطانيين الى الرحيل عام 1954 . § في مواجهة احتكار السلاح، والعلاقات المقطوعة مع المعسكر الاشتراكي تم توقيع أول اتفاقية عربية لشراء السلاح من الدول الاشتراكية وبدأت العلاقات تتعمق بين تلك الدول وحركة التحرر العربية . § في مواجهة الاحتكارات، واستعادة الثروات العربية تم تأميم قناة السويس وواجه الشعب العربي كله، وفي جميع المواقع العدوان الثلاثي على بور سعيد فتجاوزوا بذلك كل الحكومات الاقليمية العربية . § في مواجهة محاولات ضم المنطقة العربية الى الاحلاف الاستعمارية، وميلاد حلف بغداد كتعبير عن ذلك، وقفت الجماهير العربية موقفا صلباً أصبح معه من المستحيل على أحد من الحكام العرب أن ينضم الى هذا الحلف فحوصر الحلف في بغداد، الى أن تمكنت الجماهير العربية من اسقاطه في بغداد نفسها . § في مواجهة الحشود التركية على سورية عام 1957 لاخضاعها لمخططات الاحلاف اشترك الجيش العربي القادم من مصر مع الجيش العربي السوري في تكوين سد منيع ضد كل محاولات التهديد بالغزو . § في مواجهة الاستعمار البريطاني المتواجد بشكل مباشر في الخليج والجنوب العربيين بدأت ثورة مسلحة هناك بمساندة كل قوى الثورة العربية . · المرحلة الثالثة : تتويجاً لهذه الانتصارات كلها، والتي حققتها حركة الجماهير العربية في وقت فقد فيه المستعمرون مواقع عديدة لهم في الأرض العربية، وأصبحت المواقع المتبقية لحسابهم محاصرة بالجماهير العربية تمهيداً لاسقاطها .. في هذا الوقت، وبضربة واحدة الغيت الحدود الاقليمية بين سورية ومصر، وخرجت الجماهير العربية داخل دولة الوحدة وخارجها تحيط هذه الوحدة بالتأييد، فكانت الجمهورية العربية المتحدة بذلك أكبر من حدودها الاقليمية حجماً، ومقدرة ... فسقط حلف بغداد بعد ذلك بشهور وشهدت الساحة العربية حركات جماهيرية واسعة النطاق، وتعززت الثورة ضد المحتلين في المناطق العربية التي كان الاستعمار يحكمها بشكل مباشر ... وتمكنت الجمهورية العربية المتحدة أن تعيد صياغة الحياة على أرضها العربية المطهرة من الاقليمية فصدرت قوانين الاصلاح الزراعي ووجهت ضربة قوية للاقطاع والرأسمالية، ووضعت خطة خمسية لتعمير الوطن، وبدأت الايدي العربية تشيد السد العالي على النيل، وبدأت دراسة اقامة سد عال آخر على الفرات، وصدرت القوانين الاشتراكية لأول مرة في الوطن العربي . في هذا الوقت كان المتضررون بالوحدة محلياً وعالمياً قد أعادوا ترتيب مخططاتهم بعد ان كانت الوحدة قد قلبت تلك المخططات على رؤوسهم، وتمكنوا في 28 ايلول 1961 من الإجهاز على الجمهورية العربية، وفصل شطريها . لكن، وحتى نضع الأمور في مكانها الحقيقي لا بد من القول ان تلك المخططات العادية، ما كان ليكتب لها النجاح في ضرب الوحدة، لولا بعض الثغرات التي ظهرت داخل البنيان الوحدوي ذاته، والتي استغلها الأعداء الى اقصى حد، ونفذوا منها الى ضرب الجمهورية العربية . ورغم أنه قد قيل الكثير عن اخطاء الوحدة، وسبب فشلها، فإن السبب الرئيسي في هذا الفشل يعود الى عجز قيادتها عن تنظيم الجماهير العربية داخل دولة الوحدة وخارجها لتكون درعاً واقياً لها، وهذا العجز أدى الى بقاء هذه الجماهير متسيبة، لا يجمعها غير الحماس، والولاء القومي .. لكن هل يكفي الحماس في حماية الوحدة من عتاة الاقليميين والطامعين في ضربها .. ؟! ان الجمهورية العربية المتحدة لم تكن تعني بالنسبة للجماهير العربية مجرد دولة اقليمية تضم سورية ومصر، وإنما كانت تعني بالنسبة لهذه الجماهير : دولة نواة لوحدة عربية شاملة بين المحيط والخليج، وكانت قيادة الجمهورية العربية مطالبة ان تعمل على تنظيم هذه الجماهير في إطار تنظيمي واحد محدد الاتجاه، والمنطلقات والغايات لاسقاط كل الحدود الاقليمية العربية بعد ان اصبح واضحا ان الاقليمية العربية لا يمكن ان تتعايش مع هذه الجمهورية . - فإما أن تتمكن دولة الوحدة من اسقاط الاقليمية . - وإما أن تتمكن الاقليمية من اسقاط الوحدة . لاخيار في ذلك لأحد .. ولعل ما تكشف حتى الآن عن تلك الفترة يوضح بكل جلاء أن المؤامرات لإسقاط الجمهورية العربية قد بدأت منذ ولادتها .. بل قبل ذلك .. منذ بداية التفكير لإقامتها . وبذلك يمكن القول ان غياب الجماهير العربية المنظمة، داخل حدود الجمهورية وخارجها ادى الى ارتفاع مكانة البيروقراطية، والانتهازية داخل دولة الوحدة، وهذا أدى بدوره الى اخطاء وثغرات داخل بنيان الدولة .. تمكن الاقليميون، والاعداء من استغلالها وضرب الوحدة من خلالها . المهم أن أنصار التخلف والتجزئة حققوا نصراً كبيراً في 28 ايلول 1961 . ووقف الاقليميون ينفشون ريشهم في الساحة العربية وهم يرددون : - ألم نقل لكم : ان الوحدة العربية لا يمكن أن تنجح، وانها مجرد حلم شاعري، أو شوفيني عنصري .. في أحسن أحوالها .. ؟ ! - ثم أرأيتم ماذا فعلت الوحدة .. ويبدأون بعد ذلك بتشريح جثتها .. يبحثون بين احشائها عن الأخطاء التي حصلت، والتي يمكن اختلاق وقوعها .. ويسلطون عليها مجاهرهم المكبرة الى مئات المرات ثم يتخذون من كل ذلك دليلاً على فشل الوحدة .. ! ويصورون بعد هذا وقبله مرحلة الجمهورية العربية المتحدة، وكأنها مرحلة الأخطاء والظلم، والارهاب، والانحرافات، كأن الحكومات التي كانت قائمة قبل 22 شباط 1958، والحكومة الانفصالية التي اعقيت 28 ايلول كانت أكثر تقدمية، وعدلاً .. !! وللأسف الشديد فقد انجرف بعض القوميين الى الشرك الاقليمي .. وشاركوا في تشريح جثة الوحدة، وتضخيم اخطائها .. لكن الجماهير العربية، وبحسها السليم كانت تعرف ما وراء هذه الحملات المضللة، فإن أحداً لا ينكر حدوث بعض الأخطاء في ظل الوحدة .. لكن ان يبرر الانفصال بسبب هذه الأخطاء .. فهذا ما لايمكن قبوله ... فالانفصال لا يمكن ان يكون إلا تراجعا، وتخلفا . ورغم كل الأخطاء التي وقعت فإن مرحلة الوحدة الأولى تعتبر مرحلة متقدمة تاريخياً، ومضيئة ثورياً واجتماعياً . بكل الأحوال، ومهما قيل عن دور الاقليميين ودعاماتهم العالمية في محاربة الوحدة .. فإن السبب الرئيسي لفشل الجهود الجماهيرية لتحقيقها تعود إلى قصور التيار القومي التقدمي ذاته .. فكرياً .. وتنظيمياً . . ! فقد كان من المتوقع، والواجب، ان يتنادى العرب القوميون التقدميون الى اعادة النظر في خط سيرهم، ودراسة واقعهم، ومن ثم الوصول الى حل لمشاكلهم الفكرية والتنظيمية .. تلك المشاكل التي تسببت في هزيمتهم، وتشتتهم، وانتصار الاقليميين عليهم وعلى دولتهم الوحدوية . لكن الذي حصل هو أن التيار القومي التقدمي وجد نفسه بعد كارثة الانفصال محاطاً بالاقليميين الذين اسقطوا الوحدة، وتسللوا الى داخل التيار القومي ذاته .. ليحدثوا أكبر عملية تخريب فكرية وتنظيمية شهدها تاريخنا الحديث، وكانت النتيجة الحتمية لكل ذلك اختلاط القوى في الساحة العربية الى الحد الذي لم يعد معه ممكناً فرزها ... فإذا بنا امام فصائل " قومية " لكنها تنطلق من منطلقات اقليمية، أو أمام فصائل قومية ترفض ان يكون لها منطلقات أصلاً، أو امام قوى اقليمية تلبس أثواب القومية الفضفافة، أو امام قوى اشتراكية لكنها تحارب الوحدة أو قوى وحدوية تحارب الاشتراكية . إلى أن اثبتت الأحداث أن هذه القوى ليست وحدوية، وليست اشتراكية، وإنما قوى اقليمية تتستر حسب – الطلب – تحت الرايات الملائمة لتخريب التيار القومي .. وكانت النتيجة الطبيعية لكل هذا الخليط العجيب اقتتال الفصائل القومية فيما بينها، وتراكم التناقضات وتراشق التهم، والشتائم كل ذلك مهد لنكسة 5 حزيران 1967، التي ما كانت لتحدث لولا أن يكون التاريخ العربي قد شهد قبل ذلك يوم 28 ايلول 1961 . وازدادت القوى الاقليمية شراسة بعد الهزيمة، وافصحت عن نفسها، وبدأت معركة مكشوفة ودون خجل هذه المرة ضد النضال الوحدوي العربي الاشتراكي .. حتى وصل بنا الأمر أخيراً الى نكران الوجود القومي للأمة العربية علانية، واننا ما زلنا في طور التكون الذي قد يكتمل وقد لا يكتمل .. ! - ونحن قد نفهم أن تحارب الوحدة من قبل الذين يدعون الى إلغاء التاريخ للعودة إلى حضاراتهم القبلية العريقة . - ونحن نفهم أن تحارب الوحدة من قبل الانتهازيين، والنفعيين الذين يجدون في ظل الإقليمية أماكن عديدة لهم . - وأخيراً قد نفهم أن تحارب الوحدة من قبل الطامعين في ثروات بلادنا، وهم لذلك مع التجزئة التي تعني بالنسبة لهم استمرار تخلفنا، وبالتالي استمرار استغلالهم لثرواتنا . قد نفهم كل ذلك دون عناء .. !! لكن الذي يحتاج الى توضيح هو أن تحارب الوحدة باسم الاشتراكية ومن قبل هؤلاء الذين يغدقون على انفسهم القاباً ثورية ؟ . - ثورية من هذه التي تحارب الوحدة ؟! - واشتراكية من هذه التي هي ضد الوحدة ؟ ! - ثم ألم تثبت التجربة ان لا اشتراكية بدون وحدة، ولا وحدة بدون اشتراكية .. ؟ ! - اذا كنا اشتراكيين .. ألسنا مطالبين بتحديد المجتمع الذي يجب ان نبني به اشتراكيتنا وما هي حدود هذا المجتمع، وأي جماهير كادحة نريد ان نحررها لنصنع بها الاشتراكية، وهل يمكن ان تكون الحدود التي رسمها المستعمر ظلما وعدوانا على أرضنا العربية هي حدود لمجتمعات الاشتراكية والتقدم .. ؟ اسئلة كثيرة .. ولا اعتقد ان الاجابة عليها عسيرة .. !! لقد كشفت التجربة لكل من يريد ان يسمع ويرى ان المستعمر الذي رسم حدود دولنا الاقليمية، كان يعرف ما يريد، ويعرف كيف يجعل من هذه الحدود عائقا ضد كل تقدم حقيقي .. لقد اثبتت التجارب القريبة والبعيدة، واثبتت نتائج حرب تشرين التحريرية اننا كأمة عربية – مكتملة التكوين – تتحدد مشاكلنا بحدود وطننا كله . وان الحل لهذه المشاكل لا بد ان يكون حلاً قومياً .. وهذا يفرض على مختلف القوى التقدمية العربية تعميق الخط الوحدوي الاشتراكي وتأصيل سير هذا الخط باتجاه تحقيق دولة العرب الوحدوية الاشتراكية الديمقراطية . وذلك من أجل ان نكون أكثر مقدرة على الحياة . وأكثر قدرة على البناء والتقدم وعلى دخول عتبة القرن الواحد والعشرين . وأكثر قدرة على مجابهة الأعداء والطامعين والغزاة ..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |