|
العراقيون في مواجهة البعث .. اجتثاث أم تحدي
احمد البديري في حديثه المقتضب لشبكة الفيحاء الإخبارية قال القاضي جعفر الموسوي رئيس الادعاء العام في المحكمة الجنائية العليا لمحاكمة الطاغية صدام في قضية الدجيل سابقا أنه ينصح أعضاء مجلس النواب العراقي بعدم اتخاذ قرار حجب الثقة عن الهيئة التميزية وإنما يتعين اللجوء إلى المحكمة الاتحادية للحصول على نقض لقرار الهيئة التميزية .وعودة إلى حيثيات الموضوع فأن لجنة المسألة والعدالة والتي حلت محل لجنة اجتثاث البعث أصدرت قرار يقضي بإبعاد (500) مرشح للانتخابات التشريعية المقبلة ومن كافة القوائم عن خوض غمار تلك الانتخابات بسبب شمولهم بقانون اجتثاث البعث الصدامي . ورغم أن قرار الإبعاد استند إلى أصول دستورية نظرا لما اقره الدستور العراقي في المادة ( 7 ) والتي نصت على أنه ( يحضر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الإرهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له ، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه ، وتحت أي مسمى كان ، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق) ، إلا أن الإشكال الرئيسي من قبل المتضررين تمثل بادعائهم عدم قانونية لجنة المسألة والعدالة وذلك لعدم التصويت على أعضائها ورئاستها من قبل مجلس النواب وبالتالي فأن قرارها الصادر يعّد باطلا ، ولقد كان سبب عدم اتفاق الكتل السياسية في البرلمان على التصويت على هيئة المسألة والعدالة سبب سياسي يتعلق بالمحاصصة السلبية والتي طغت على كل مجريات الساحة السياسية في العراق ، وبسبب إصرار قيادات حزب الدعوة على الحصول على رئاسة الهيئة من خلال ترشيح وليد الحلي الذي لم يلقى ترشيحه أي تأييد مقبول فأن تلك الهيئة لم تخرج رسميا لترى النور وتبدأ بممارسة أعمالها بصفة قانونية لا تقبل التأويل والاعتراض. هذه الإشكالية كانت نقطة طعن البعثيين المتضررين من قرار الاجتثاث ولما وجدوا ان اغلب الكتل متفقة على قرارا استبعادهم وشرعيته الدستورية لجأ هؤلاء النفر إلى العدو الصديق الولايات المتحدة الأمريكية ليعزفوا اسطوانة المظلومية ويبرروا الاجتثاث بالطائفية مع أن أكثر من نصف الأعضاء هم من الطائفة الشيعية بل إن عدد معتد منهم كانوا مرشحين عن ائتلاف دولة القانون الذي يتزعمه رئيس الحكومة السيد نوري المالكي الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية الراعي للائتلاف . وبزيارات خاطفة إلى البيت الأبيض وفروعه في الدول العربية استطاع البعثيون المجتثين وبدعم من البعثيين السلطويين الغير مشمولين بالاجتثاث لأسباب سياسية أن يقنعوا الأمريكان بتبني مظلوميتهم واسترجاع حقوقهم المهدورة دستوريا ، لذلك لم تجد الإدارة الأمريكية من رئيسها ونائبه ووزيرة خارجيتها وقائد قواتها في المنطقة الوسطى حرجا أو ضيرا في المطالبة بركل الدستور العراقي وتشريعاته والطلب بصفاقة ووقاحة بإلغاء قرار الاجتثاث واتهام من أعضاء هيئة المسألة والعدالة بالتبعية لإيران والموالاة لأجهزتها الاستخباراتية ، ولما لم تجد أذن صاغية لطلبها أرسلت غراب الشؤم إلى قادة العملية السياسية لإجبارهم على التراجع والرضوخ لارداة البعثيين الصداميين الذين يمثلون إرادتها اليوم وما أشبه ذلك بالأمس ؟! وكان نتيجة هذا التدخل السافر والضغط المباشر أن أذعن واستسلم البعض ليتجلى ذلك في قرار باطل ومخالف للدستور العراقي صدر بعجالة سببها الخوف والرعب من غضب العم سام يفضي بإرجاء قرار الإبعاد لما بعد الانتخابات في قرار محير ويبعث على العجب ، ولذلك ليس من العجيب والغريب في بلاد العجائب والغرائب أن يتهم البعض القضاء العراقي بخضوعه للتسييس والتدخل في قراراته من قبل جهات وأطراف داخلية وخارجية واستسلام قادة السلطة القضائية لإرادات أولئك المتنفذين تحت ضغط وتهديد وابتزاز رهيب . ونظراً لأن الفتنة أيقظت من قبل الهيئة التميزية وبقرارها السافر والعاجل ومن أجل سحب البساط من تحت أقدام قوى الاحتلال وقوى البعث الصدامية المتصيدة على حد سواء فأنني أجد نصيحة القاضي الموسوي هي الحل الأمثل والأنجع لمعالجة التوتر الذي تشهده الساحة العراقية ، فأن اللجوء للمحكمة الاتحادية العليا هو عين القانون وفي صلب الدستور ولأن الأمل لا زال يحذو بنفوسنا في عدم استسلام وخضوع القضاء العراقي بأجمله لرغبات وأهواء المتكبرين فأن مما لا شك فيه ان القضاء سوف ينصف حقوق العراقيين الدستورية وسيقف إلى جانب المظلوم ضد الظالم لأنه لو حصل العكس لا سمح الله فعلى العراق السلام إذا ابتلي بحكام كالمطلك والعاني ، وأكيد أن قرار لنقض ما أعلنته الهيئة التميزية سوف يكون هو المؤمل والمرتجى من القضاء الذي لا زال يواصل قصاصه وبشجاعة من قتلة الشعب العراقي وسراق خيراته في الماضي والحاضر . إن دستور العراق الذي أمضي من قبل الأكثرية من أبناء العراق وبمختلف مكوناته وأطيافه القومية والدينية والمذهبية أقر على ضرورة اجتثاث البعث الصدامي وفكره الهدام ورموزه النكراء وكل من يمجد في مسيرته الدموية ومجازره الوحشية وعدوانه المستمر على أبناء العراق وجيران العراق ، لذلك يجب على جميع المسؤولين الوطنيين العمل على الإسراع للخلاص من كل من يمثل البعث وفكره الشوفيني ولا يكتفي البعض بإبعادهم عن المشاركة في الانتخابات فقط بل ان منعهم من ممارسة العمل السياسي ضرورة وطنية حتمية ، أما من يدعي البراءة من البعث الصدامي ممن لم تتلطخ يداه بمظلومية أبناء العراق فأن عليه أن يثبت تلك البراءة بالممارسة والتطبيق قبل ان يعلن براءته إعلاميا وشفويا ، غير ذلك فأن أي انقلاب على أو خرق لهذا المطلب هو خرق وانقلاب على دستور العراق ومن يتبنى هذا الخرق والانقلاب سيكون أحرى بالاجتثاث من غيره كائنا من كان ، والانقلاب السياسي يبدو انه أصبح الخيار الراجح لأعداء العراق للانقلاب على العملية السياسية بمعية ومباركة الولايات المتحدة في مسعى لإعادة عقارب الساعة في العراق إلى ما قبل 9-4-2003 ولإعادة نصب تمثال جديد لبديل صدام القديم يكون إيذانا بولاية حاكم ينوب عن البيت الأبيض في حكم بلاد الرافدين . أن من أهم أسباب التطورات السلبية الأخيرة التي شهدتها الساحة السياسية العراقية هو السكوت المطبق لقادة وممثلي الشعب في البرلمان وموظفيه في الحكومة عن واجبهم في التصدي للمنحرفين البعثيين الذي صالوا وجالوا بثقة وقوة خلال السنوات الخمس المنصرمة دون ان يردعهم رادع او يوقف انتشار إرهابهم الفكري والدموي في أوصال الشعب العراقي الأشد فقرا وبؤسا فكانت حواضن إرهابهم تتاح لتنفيذ مخططاتهم مقابل بضع مئات من الدولارات وبمباركة وحماية مكشوفة ومعروفة من قبل السياسيين البعثيين المتنفذين في أركان السلطة ، ولكن يبدوا ان المصالح والمنافع المتبادلة بين الكتل السياسية حالت دون ان ينتبه السياسيون من غفلتهم وغيبوبتهم إلى أن وجدوا أولئك البعثيين الصداميين أصبحوا يهددون مستقبلهم السياسي وقد يقودهم إلى المنافي والهجرة مرة أخرى فعند ذلك سارعوا للتحرك لاستنقاذ ما يمكن استنقاذه من ماء الوجه أمام أبناء شعبهم المنكوب سابقا والمحروم لاحقا . وأخيرا هل تنتصر العدالة والقضاء العراقي لأصوات ومشاعر الملايين من أبناء الشعب العراقي الذين اكتووا ولا يزالون بإجرام البعث الصدامي وعبروا عن غضبهم من قرار الهيئة التميزية بتلك المظاهرات العفوية التي أطلقوا فيها العنان لحناجرهم الصادحة بالرفض والاستنكار لأي محاولة للالتفاف على حقوقهم الدستورية ، أم إن ساسة العراق من معارضي البعث الصدامي سوف يستجمعون إرادتهم ووحدة موقفهم للوقوف بوجه المحاولات والتدخلات الخارجية في شؤون العراق وبالتالي سوف يمتلكون أولئك السياسيين القول الفصل في القرار الأخير وينجحوا في إثبات استقلاليتهم عن رغبات وأهواء قوى الاحتلال وإرادتهم الغاشمة . أم إن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تنفذ إرادتها المتفقة مع طموح ومخططات البعثيين الصداميين في الداخل ومن يقف من ورائهم في الخارج من حكومات وأمراء دول الجوار المتحكمة في القرار العربي والراغبة بقوة في التأثير ومن ثم التغيير في المعادلة السياسية في العراق وإرجاع العراق إلى حقبة الحلم العربي القومية والمتمثلة بتسلط بعث جديد في البوابة الشرقية للأمة الممزقة والتي تبحث عن استعادة أمجادها التليدة . أم أن الأمر كله لا يعدوا لعبة انتخابية سياسية اتُفق على الإعداد لها وصياغتها والتخطيط لمضمونها الجهنمي من قبل الطرفين المؤيد للاجتثاث والمعارض له على السواء ولغايات انتخابية تستهدف الإيقاع بالناخب العراقي وشحذ همته للخروج إلى صناديق الاقتراع والانتخاب تحت تأثير دوامة الصراع الأيدلوجي والطائفي المصطنع .. ولا أقول في الأخير إجابة على استفهامي سوى قول الشاعر : ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالإخبار من لم تزود
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |