|
حكايتي المندائية 10 عماد خليل بله طار ال الصكر من عدن مبكرا، ولم ار واحد منهم حتى عام 1985 حين مررت في صوفيا، كنت والعائلة مغادرين بودابست، ومتجهين الى دمشق، حشرنا اجسادنا ومقتنياتنا في سيارة باصات الماني وليست البرازيلي العراقية. قررنا الاستقرار في سورية لحماية البنات من الانفتاح بلا حدود في تلك البلاد فتركت دراستي العليا. لا تخشون شيئا لم اضيع حق احد كانت دراسة على حسابي الخاص، فلم احظ بزمالة دراسية. لماذا؟ لحكمة لايعلمها الا القيادة. ومن اين تجيني الزمالة وقد وجد المسؤولون عنها اني لا استحق، لعلهم اكتشفوا على مقياس رختر نسختهم الخاصة بان درجة الغباء التي امتلكها لا تؤهلني للدراسة عليا. وعليمن تعترض! (قابل انت تفهم اكثر من المكتب السياسي ) كما يقال على لسان الشهيد علي عنتر في احدى نكاته. يلله همه حيروحوا من ربنا فين. أحد الرفاق السابقين علق بخباثة وهو يقرأ مسودة هذه الحلقة اذ قال: جان حصلت على زمالة لو جان على .... جرس. بس اني احلفلكم حسب كلام المرحومة الوالدة جان اكو جرس، وحتى لبسوني جناجل وسرقها احدهم حين كنت اجلس بباب الدار... يبدو دكات جرسنه ماجت وي ركصهم. للحقيقة عرضت علي الدراسة عند اعتقالي في 1970 وكنت خريج بكلوريا تازة، ربما عرضها شرطي الامن كاغراء، ومرا اخرى من قبل الرفيق عبد الغني عبد القادر عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني تقديرا لعملي، ورفضتها شاكرا. في الفندق ذاته الذي سكنا به عام 1979 ايام خالد الذكر ابو نجم، استأجرنا غرفة، وجدنا نفس العاملات هناك، وكانت احداهن ترتدي واحدة من بلوزات اخذتها من زوجتي حين غادرنا الفندق قبل ستة سنوات. ذهبنا للتسوق في (مجمع الدسوم) ورأينا اثر الانفتاح الذي بدأ في بلغاريا، كاد المجمع ان يكون فارغا مقارنة بما حواه في الايام الخوالي. نعرف ان لنا اصدقاء في المدينة، لكن اين نجدهم؟ لندور.. ودرنا ... قدنا سيارتنا هنا وهناك حتى وصلنا الى الشهيدة سهام راضي، تفاجئتُ برؤية ابنتها فهي نسخة من ابيها تملك ذات الملامح واللون، وتعرفنا على زوجها، قاتلها لاحقا، وكعادة اصحابنا حين يلتقون كانت امسيتنا بجزئها الكبير عن العراق وما جرى له ولنا منذ الفراق. حدثتنا سهام عن برنامجها التلفزيوني وفيلمها الوثائقي عن معاناة المهجرين العراقيين في ايران الذي اثار غضب حكومة البعث وقررت التخلص منها. قام الزوج المفترض به حمايتها بعمليته الاجرامية البشعة واختطف البنت وغادر برعاية السفارة العراقية الى العراق. يضع مقر الحزب الشيوعي في الحلة صورة سهام راضي في واجهة مع بقية الشهداء والذين جمعتني بهم علاقات منوعة فمنهم اساتذتي ومنهم زملاء دراسة، ومنهم ابناء المحلة، واصدقاء. قلت لمن يجلس خلف الطاولة وانا انظر الى ملامحها الجميلة وعينيها تشع املا، الم تعثروا عليه؟ رد الرجل " اين هو؟ ".. لقد بحثنا". رغم انشغالها وجدت سهام وقتا لتدعونا على الغداء في اليوم التالي، وكانت صدفة جميلة ان يسكن نفس البناية ابن الحلة الجميل والمبدع رياض ابو خمرة الذي لم يفلتنا دون دعوة عشاء اعدها بنفسه، ثم ليظهر امامنا صارم الصكر وزوجته المغرقة براءة وحنية، هذا الجزء من عائلة الصكر بظني اكثرها طيبة وتواضعا، وكان لنا دعوة لغداء اخرى. عندما غادرنا حملني صارم رسالة الى ابو سامر فلاح الصكر المقيم في دمشق، وحين التقيته في برج الروس كان كما هو جاد، قليل الكلام، اخذ الرسالة، وبعد يومين سلمني الامانة ولم اره مذ ذاك. قادتني كتابة الذكريات لاكتشاف ان حكايتي المندائية لم تبدأ حين تعرفت على ( تكي) عماد اسماعيل السداوي، وانما هي تمتد للطفولة، فذات يوم غير واضح زمنيا في المخيلة، كانت حصتنا من بيت جدي غرفتين كبيرتين يوصل بينهما فتحة باب داخلي يفصل ببردة للاستغناء عن حاجة الخروج الى ساحة الدار. تلك الليلة كنا اخوتي وانا صغار ننام على ارض الغرفة الاصغر التي تحوي سرير نوم الوالدين بينما كانت امي تعاني من الام لذا وضعوها في غرفتنا التي هي ايضا مكان جلوس العائلة المصغرة. في ذلك الليل الشتائي وبرده القارص، و ثقيل مطره، لم ينم سكان الدار وشعرت بقلق يجري في البيت، رعد مدوي يضرب ارضية ساحة الدار وحيطان البيت مزمجرا، وحركة متواصلة لكل نساء ورجال المنزل. غط الصغار بنوم تحت دفء الاغطية، وبقيت اصغي للاصوات مخرجا راسي من تحت اللحاف بين حين واخر لعلي انال قبسا مما يجري. أُمي تعاني من الام شديدة ظنوا انها على وشك ان تضع حملها، ربما تعسرت الولادة وربما لم يحن وقتها. لم تستطع بيبي ام هادي الحسون القابلة الخبيرة ان تعمل شيئا ( بالمناسبة هي جدة امجد ناصر والد الفنانة شذى حسون)، برغم خبرتها المشهودة وكفائتها ما يريح المريضة واهل الدار.مضى الوقت مضطربا حتى صاح والدي تفضلي دكتورة. وبعين شبه مغمضة رأيت امرأة ترتدي تنورة، وتحمل حقيبة تعبر فوقنا ببطء محاولة ان لا تدوس احدا نحو الوالدة في الغرفة الاخرى. تمت المعالجة وتبين ان وقت الولادة لم يحن بعد. مرت الدكتورة فوقنا وهي تخرج وكنت حينها قد غطيت رأسي لان والدي كشفني ونظر اليَ .. نم.. حين نهضت صباح اليوم التالي سمعت حديث اهل الدار بمحبة وتقدير وعرفت ان السيدة التي عبرت فوقي هي الدكتورة سلوى عبد الله. قال والدي ان اخاها دكتور عالم مشهور اسمه عبد الجبار عبد الله وحكى لي ما سمعه مرة عن خروج الدكتور في يوم صافِ بمظلته ( الشمسية ) ولم يصدقه معارفه حين اخبرهم انها ستمطر بعد ساعات. نزل المطر ما ان مرت السويعات وامنوا. واظاف والدي مادحا: اتصلنا بالدكتورة وجاء بها زوجها، المدرس الشيوعي الذي اتهموه مع معلمة صديقة لزوجته وطلعت براءة. والحكاية كما يعرفها اهل الحلة هي ان عبد الرزاق عبد الواحد كان يوصل بسيارته صديقة لهم، ولا ادري ان كان الطريق يقود الى البساتين ام ذهبا متعمدين. لسبب ما خرجا من السيارة واتخذا مقعدا على ارض داخل بستان بقرب (مقام الفارسي) الواقع عند ضفة النهر بعد انتهاء بناء المدينة( الاحتمال الاكبر كعدة شاعرية وليس لقاء حزبي)، فشاهدهما الفلاحون وهجموا عليهما واقتادوهما الى مركز الشرطة وصارت القضية، يقال ان المفوض المحقق بالقضية بعد انتهاءها تزوج من المعلمة البريئة. غادرت هذه العائلة المندائية بعد فترة مدينة الحلة، وحين شاهدت عبد الرزاق عبد الواحد في نادي التعارف تذكرت اني رأيته سابقا، لكني لم اسلم عليه فهو لم يعد المدرس الذي عرفته مدينتي. لا ادري ان كان ذلك عام 1963 ام قبله او بعده، فقد اكون اخلط بين حدثين، فخلال الايام الدامية لانقلاب شباط الاسود كانت والدتي في حالة ولادة، وولدت صبي وهي اول مرة تلد في مستشفى، هو مستشفى الولادة كان يقع في منطقة حي بابل، ربما قرضه التطوير الحضري للمدينة. مات الوليد بعد اسبوع بسبب سوء الرعاية الصحية خلال فوضى تلك الايام. اطلقوا عليه اسم ماجد تيمنا باسم الشهيد ماجد محمد امين وزير دفاع حكومة ثورة 14 تموز، و ابن الحلة الامين. كبرنا بعد ان مرت السنون دون ارادتنا وصرنا في المدرسة الثانوية لنلتقي بمدائي اخر، علمتنا خصاله الكثير من الاخلاص بالعمل والشعور بالمسؤولية، ومحبة الوطن، هو لم يتحدث عن هذه الامور، هو كان يتصرف، يتحرك بما يعلمنا ذلك. لم يكن المربي الفاضل فاضل فرج لطيف مدرسا لمواد الاحياء، والنبات، والحيوان يمضي ساعاته و كفا الله المؤمنين شر القتال. بحرص الاب الذي يجهد عل تعليم ابناءه واعدادهم لنيل درجات امتحانية عالية في البكلوريا بجانب المعرفة. وكان ان اكتسب من معرفته من اراد. فدفتري ابو الميتين ورقة تسطر بالتعاريف والاختصارات والرسوم المفضلة، جمعها لنا استاذنا فاضل فرج استعدادا لبكلوريا السادس علمي، واصبح هذا الدفتر متنقلا لسنوات لاحقة لمن تبعنا. لم يحدث خلال سنوات الثانوية الستة ان حدثت مشكلة معه، وكيف وهو عادل في معاملته، حانيا في تربيته. ويسعدني ان حلقات الحكاية قادتني اليه بعد فراق تجاوز 40 سنة، لتصلني ايميلاته الرقيقة تشجعني كما كان في ذاك العهد الجميل، وللاسف قد اضحى مثلي غريبا في بلاد بلا نخيل، وان جرت مياهها، فهي لا تملك طعم الفراتين. اطال الله في عمرك سيدي الفاضل. اعتقد ان استاذي الجليل فاضل فرج، واستاذنا الحلي المتعدد الكفاءات الدكتور العزيز عدنان الظاهر يمكنهما ان يخبرانا بحقيقة ماجرى في حكاية عبد الرزاق عبد الواحد والمعلمة، فقد عاصرا الحدث وكانا زميلين له على الظن. هل نختم الحكاية ونحن لم نجد بيت العم اسماعيل السداوي ابو عماد... بالتاكيد عيب... شيخلصني من لسانه. عندما وجدت ان البيت الذي اعرفه قد اختفى، اخبرت اخي الحبيب علي فتذكر ان لديه تلفون لؤي اسماعيل الذي يعمل مهندسا في وزارة النفط، فاتصلت بالرقم وجاء صوت لؤي فرحا، واتفقنا على اللقاء واعطاني عنوان البيت. ذهبت مع اخي كاظم نبحث على البيت في السيدية حتى صرنا امام الباب فرأيت رجلا كبير السن اشيب الشعر، يرتدي بنطلون وفانيلة، بدت عليه امارات التعب. كان الرجل يتسلى بسقي زرع حديقة الدار... سلمنا فرد السلام ... ثم سألته هل هذا بيت المهندس لؤي اسماعيل فقال نعم ... قلت هل ممكن تناديه لنا... سأل مستغربا.. ومن انتم وماذا تريدان... قلت نحن اصدقاءه من ايام الكلية، وهل انت عمه... فنظر الي متفحصا و قال بسخرية شابها قليل من حدة: لا " نياج امه"... كمن كفخ على راسه، فزعنا اخي وانا للجواب الصدمة واستغربت ان ينطق رجل بهذا الشيب الوقور بكلام مثل هذا على المرحومة ام عماد، نظرنا الى بعضنا مستغربين، لكنه لم يبالي لجفلتنا، واستدار نحو الداخل وصاح باعلى صوته " لؤي تعال"، فخرج لؤي من داخل الدار وحين رأنا صاح بفرح ودهشة " هللللللللللوووو عماد"، عندها لم يترك الرجل فرصة والتفت اليَ مغاضباوقال " ابن الكحبة خوب كول اني عماد خليل" فاسرعت استر خجلي بقول " العفو عمي والله ما عرفتك" واحتضنته. قضينا حوالي ساعتين مع العائلة، تحدثنا عن كل شيء، وعرفت حينها ان عماد في استراليا، وانهم لا يعرفون له عنوان الكتروني. (شوفوا التخلف). اجبرنا اقتراب المساء على الخروج مودعين على امل اللقاء ثانية، فزرت لؤي في الوزارة مرة. حدث ان تعقد الوضع الامني وازدادت جرائم الارهابيين، وتعقدت لي خاصة بعد اغتيال اخي علي من قبل عصابات زوبع الارهابية للمقاومة الشريفة، ثم جرت على العائلة سلسلة اغتيالات طالت ستة من اولاد عمي وخالتي، فانشغلت عن متابعة الاتصال، ثم غادرت العراق ثانية الى المنفى بعد ان اصبحت الحياة غير ممكنة بسبب معاناة الوضع الجديد واضطهاد نظامه الديمقراطي، ولما بات بالنسبة لي من غير المنصف استلام راتب وظيفي دون عمل، لان لا احد من متحكمي سلطة الديمقراطية يريد ان يقوم بمهمته كما يوجب. والى هنا انتهت حكايتي المندائية بفصولها المكتوبة في الموقع، لتبدأ فصولا جديدة عبر الانترنت مع اخي وصديقي الدكتور المهندس عماد اسماعيل السداوي، والذي اسعدني نشاطه المتواصل والمكثف بين اوساط الجالية العراقية في استراليا، وان له حكاية معاناة من القمع البعثي ياريته يكتب عنها فهي جديرة بالتوثيق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |