أحلام

 

حيدر قاسم الجامي

على غير عادتي نهضت من فراشي المغطى بخرقة مزركشة،وبدأت الُملمُ جسدي الممتد فوق هذه الوسادة ،جلست القرفصاء ،الغرفة موحشة الجدران مطلية بدهان ابيض أحالت بياضه أعمدة الدخان المنبعثة من شموع أوقدها ليلاً للاحتفاء بقداس الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي،إحالتها الى ما يشبهُ جلد قطة بيضاء لاحقتها أحجار صبية يتلذذون بمنظرها وهي تركض إمامهم وتقتحم السواقي المكتظة بالآسن ولا تدرك مدى متعة صبيان وهم يرون أنهم قادرون على إزعاج كائن ما في هذا الفضاء ويملئون إحداقهم بالضحكات والقهقهة  ، لون الجدار وإضاءة المصباح الأصفر الخافت تجعلان الرؤية شيئا من المجازفة ،نظرات الى أعلى الجدار فوق الباب  الخشبي  ساعة تتحرك أميالها ببطئ وقد اجتمعت الأتربة منذ زمن ،ألان التاسعة  مساءاً  ..في النفس اختلاط مبهم  لبحث تجريدي واشتهاء غريب في جنح هذا الظلام الكئيب ،المرأة  ،المال ،المتعة اللذة ،السفر ،البوح باشتهاء لا ينتهي  ،اجلس القرفصاء دونما كلمة واحدة ،روحي  شاردة ،الصمت لن يبدده غير الطعام هكذا فكرت ،اللذة المتوفرة معي دائما على الأقل هي لذة الطعام ،نهضت باتجاه خزانة الطعام ،فتحت الباب الصغير لاشيء متبقي معي ،سوى كيس من حب "الأكراد الأسود" تلقفت الكيس وعدت باتجاه سريري البائس فتحت الراديو أصوات ألاذعات المتداخلة تجعلني اشعر بالغثيان رغم خواء معدتي ألان، ولكن لابد من الخروج من هذه العزلة حركت الموجة الى اليسار في إحدى المحطات أغنية لأم كلثوم"أنت عمري"أخرجت الكيس من جيب سروالي الأزرق وفتحت الكيس ونشرت تلك الحبيبات على المنضدة المكتظة بالصحف القديمة والأوراق وبعض القناني الفارغة وبقايا أطعمة متعفنة،أنت عمري تملا المكان ،جلست وأخذت أتناول الحبات واصدر اصواتا كأنني فار صغير جائع  وقد استولى على قطعة من الخشب... طق ...طق.. ،الأحلام البعيدة تقترب مني بينما إنا مازلت صامتا لا شيء أبدا سوى تلك   الأصوات التي تبدد سكون الغرفة الرطبة   بدأت أحلام اليقظة تجتاحني ، لحظات تشبه الخيال رحت احلمُ ،  جميل ان تشعر بالضياع ،لكن الأجمل حينما ترى انك تشبهُ زهرة برية تنمو وحيدةُ  في صحراء قلب صغير من هذه الأرض اليباب ، العالم يغرقُ  ، وتقترب مني أشرعة مغادرة نحو فضاءات العزلة فارحلُ باحثاً ومهاجراً  ،  علَ تلك الأمكنة الجديدة في قارة اسميها وحدتي تروي عطش السنين التي حاصرتها الأسئلة الجائرة من نكون ؟؟؟...ولما نكون ؟؟؟  روحي تحتضن حبات رمل حمراء تتلقف وجه الشمس التي  تتمايل في غنج وتهدهدها رياح الصباح الباردة  موسيقى تدغدغ مشاعر الظل وتكسو خيوط  الفجر بأقنعة الحرير بنعومة أنثى بيضاء  تطل ُ على الأمكنة تفتح صبحاً على الأزمنة تنسلُ عبر شذى عطر قارورة ساكنة،  نافذة مفتوحة  من ثنايا آمنة ، وارددُ مع نفسي يا عناقيد اللؤلؤ لاتتركي أوجاعنا دونما ان تنالي منها ، لاتتركي خزائننا خاوية دونما تملئيها من خزانكِ الباغية ببهرجة تعشقها الإناث ، لاتتركي قصائدنا مشرعة بالرحيل دونما ان تساليها عن المعاني الكبيرة ، ولا تبقي إسرار هولاء المجانين أحاجي متداخلة تموت على مقربة من القمر ! ...

وحلمت إني عدتُ الى تلك المدن المؤجلة في اليقظة ...بعد ان فارقتُ شجر الصفصاف

وأكوام الرمل الأحمر ورحلتُ باتجاه مدن لا تعرفني علي القى من يعرف ُ إني مجنون.!!وحلمت انني عدتُ ألان لأسال نخلة فارقتها فسيلة صغيرة عن أخر ذكرى..عن أخر قبلة.. عن زيتونة دائمة الخضرة  كانتُ تقف تحت ضوء  مصباح الشارع حين كنتُ أمر بجانبها اسمع زقزقة تشبهُ صوت ملاك يتعبد ُ في محراب صلاة ..يخترقني صوت العصافير وأتمنى ان احضى بفرصة لأكون ولو ليوم عصفوراُ صغيراً ينامُ على تلك الأغصان الطرية ...  كنتُ أسير في مساءات وحلمتُ إني ألان وسط الإحياء المليئة بالفقراء والحسناوات  الكل ناموا  بعد ان سئموا من عد نجوم وزعها الرب على خارطة هذا الفراء الأسود كحبات ماس ... أسير على إطراف أصابع قدماي علي احضى بلقاء عابر بعيداً عن عيون الحراس الليلين الذين يملئون ليالي  الحي بصفارات خائفة وبأقداح الشاي الساخن واختلي بتلك المخاتلة الجميلة التي ملئت قلبي الصغير حباً وولهاً ...مراهق عاشق إنا بعد كل هذه الأعوام وبعد هذه الرحلة الشاقة ... وحلمتُ بان المدينة الصغيرة لم تكبر وان طلفتي الصغيرة لم تكبر وان أحلامي الصغيرة لم تكبر ... أحلام الطفولة حين كنت العب في درابين مدينتي الصغيرة وأتذكر ضحكات الصغيرات ونظرات الجميلات كنت شبقاً لأراكِ  وأمس تلك الأصابع  الماسية وارتضعُ  تلك (.....)  برغبة صبي باغته الفطام ، حملت انني اصرخ بصوت عال: أيتها الحياة .. لاتتركي كل من مروا دونما أسئلة ،كم نحتاج لتلك الأسئلة !!، أيتها اللعبة البائسة متى نخلع عن وجه الحقيقة هذه الالبسه ، محترفة أنت باقتلاع أشجار العشقِ وهي لما تزال طرية الجذور ،وانأ  وتر حزين يعزف الدمع ،لا شيء سوى  دمعي ، وحدي أعيش على لحن الاغتراب اعزف مثل الآخرين ، أريد ان أعود من قارة وحدتي ،سئمت المنفى ...  لحظة انقطع صوت أم كلثوم وخيم الصمت والظلام على المكان ، ها... انقطع التيار الكهربائي علي ان أضع راسي تحت وسادتي بانتظار صباح جديد ، فلا أمل ان تعود سيدة المساءات الباردة من رحلتها الطويلة  . 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com