ذكرى الشاعر العظيم بيرم التونسي ...

 

خلدون جاويد

 khaldoun3@hotmail.com

هنيئا لوطنه به، كم هو اصيل في ديباجته، انه حقا شاعر الشعراء بيرم التونسي" 3 مارس 1893 ـ  5 يناير 1961" ذو المفردة المؤثرة، المشحونة بالصدق واللوعة والألم ... ممكن لسواه في أيامه، وهذه الأيام، ان ينشر نتاجا باهتا، يمر مرورا هامشيا، ولكن بعد حين لا الشاعر ولاشعره يذكر، أما بيرم فلأنه قمة شامخة، اما ابو القاسم الشابي فهو كشعره نسروي وقممي : "سأعيش رغم الداء والأعداء ... كالنسر فوق القمة الشماء"، أما أضرابهم من الشواهق  فهم لايُطالون ...ولقد قال الشاعر محمد صالح بحر العلوم :

"اذا الشعر لم يهزز لديك  مشاعرا

فليس جديرا ان يقال له شعرُ"

 بيرم المولود في غير وطنه والذي يلقب في حارته بالتونسي، قد رضع الإغتراب من اول يوم في حياته، وهو اليتيم منذ الرابع عشر من عمره، وهذا ما يضاعف الشعور لديه بالغربة، اضافة الى خسرانه في دكان ابيه وتعرضه الى الحاجة والعوز . كل هذه الظروف والتي تليها ستجعل من قصائدة حادة كشفرة السيف حمراء كالنار وقد كلفته قصائده وكتاباته المتاعب والعذابات الجمة . اولها انتقاده لمجلس الاسكندرية البلدي والتي انتشرت كالنار في الهشيم وسببت له الشهرة والتصدر في عالم الأدب والفن والجرأة. قام بانتقاد السلطة في شخص زوج ابنة الملك فؤآد واثرها نفي الى تونس ومن ثم سافر ليشتغل عتالا في مرسيليا . شاعر كبير يعيش آلام الكدح ويتذوق مراراته، لتشحذه تلك اللآلام بوهج الكلمة ونورها، لتمنحه موهبة تتحرق بالمحبة الى الحق والعدل والانسانية . لقد تعرض الى النفي مرة اخرى الى تونس بعد ان دخل مصر بجواز مزيف وبعد انتقاداته بالزجل اللآذع . لقد جاع بيرم وتشرد وحام كالطائر الجريح على عشه ـ وطنه . ليس لبيرم سوى الأزجال التي رفعته كالقمر في سماء بلاده . في سيرته الذاتية غرائب وعجائب منها انه كلما حل ببلد فان ازجاله الساخرة تتناول سلطات ذلك البلد وهذا ماحدث له في لبنان وسوريا التي تنفيه سلطتها الفرنسية الاستعمارية آنذاك الى بلد افريقي .

 يعود بيرم من المنافي ويقدم التماسا  الى الملك فاروق وفي زمن الرئيس جمال عبد الناصر يحصل على  جائزة الدولة التقديرية وعلى الجنسية المصرية وبذا فهو حامل لجنسيتين التونسية والمصرية . انه الشاعر الدؤوب ذو النشاط الأدبي الصحفي والاذاعي، جذوة ملتهبة لاتكل بل بطولة جريئة في نقد الظلم .

 قوة قصائده محط اعجاب كوكب الشرق التي غنت له احلى الأغاني. العظمة هنا في الكلام الخالد لا في الاجساد الفانية ! قل لي كم انت مستمر في الأزمان اقول لك كم انت شوقي جارة الوادي وعلي محمود طه الجندول كم انت رصافي التمرد و سياب المطر .. أما هؤلاء الذين يلطشون تافه الكلام في كتب لايقرؤها احد بقدر مايتصفحها بسخرية فهم فقاعات في مجرى الماء . أما اؤلئك من امثال "عوعو ومومو"!!! فقد ذهبت توافه اشعارهم مع ذهاب العروش والرؤساء الذين لطعوا احذيتهم وتقحبنوا في ايوانهم وقصورهم التي هي من دماء الشعب وجوعه .

 طوبى لشاعر تونس ومصر، للعذوبة التي هي ناي جبران في الوجود لبيرم الديباجة الجزلة والشاعرية النقية في كل قصائدة الرنانة التي تألقت كوكب الشرق " السيدة " بغناء شجنها ووجدها الاصيل ومنها حبيبي يسعد اوقاته الورد جميل الآهات هو صحيح الأمل الأوله في الغرام انا بانتظارك والحب كده ...

******

توْق ٌ أخير : كن في مجالك من الوزن الثقيل ! والاّ اترك الشعر للشعراء .. هذه اشارة الى الهامشيين من الذين يعكرون الأجواء والذين لن يحصدوا الاّ السخرية .. الاّ الأقاويل من ورائهم بأنهم مارسوا النفاق الحكومي  والوصولية الحزبية والتكسب والتعهر  الشخصي ـ الحديث عن الشعراء فقط ـ كن الرصافي  كن الزهاوي  كن أحمد الصافي النجفي كن شاعر الدهر المترفع عن حاويات الملك والرئيس كن انت الثقل الكوني  في كلـّك وبعضك  كن الحلاج  الخالد القائل :

" عجبتُ لكلي كيف يحمله بعضي

ومن ثقل بعضي كيف تحملني أرض ُ ".  

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com