|
هل يعيد التاريخ نفسه!!!
محمد علي محيي الدين بعد الجهد والعناء والأزمة النفسية التي عانيت منها هذه الأيام انصرفت الى قراءة بعض الكتب القديمة من قصص بوليسية أو روايات رومانسية لأتجاوز بعض مما أشعر به لأن الكتب المسلية كالمورفين لمدمني القراءة أو من ابتلوا بالسياسة واكتووا بنارها ،فكان مما قرأت ديوان للشاعر الشيخ محمد علي اليعقوبي وهو من شعراء النجف المجيدين ممن لهم مواقف مختلفة متناقضة تختلف باختلاف السنين والأعوام ،فتارة يمخر عباب الوطنية ليصلي الاستعمار نار حامية وأخري يتيامن ليكون في أقصى اليمين ،الى جانب نوادر وفكاهات شعرية عرف وتميز بها يقولها ارتجالا لتكون أحدوثة بين الناس لأنها تصيب الهدف وتأخذ طريقها للعقول لبساطتها وسلاستها ،فكانت رحلة طويلة معه وجدت من خلالها الكثير مما يصلح لسياسي هذه الأيام ومواقفهم التي لا تختلف عن مواقف أسلافهم من عملاء الاستعمار،ومصاصي الدماء أبان الاحتلال الإنكليزي أو في العهد الملكي المباد،رأيت أن أنقل بعض منها ليقارن القارئ بين الماضي الغابر والحاضر الزاهر!!،وما كان عليه رجال الحكم أيام زمان وما هم عليه رجال العراق الجديد من تكالب وتهافت لخدمة الاحتلال وأذنابه من دول الجوار،فيقول واصفا ما عليه الدولة العراقية وأبناء الرافدين الغيارى من جهل وتخلف في مختلف الميادين وهو لا يقل عن الجهل الذي تمر به البلاد هذه الأيام في ظل غياب الوعي وانعدام الرؤية للواقع المعاش: بلاد كلها سقم وجهل وليس الى التداوي من سبيل وهب داء الجسوم له دواء فقل لي كيف في داء العقول ويقول واصفا البرلمان الملكي يوم كان يضم الأميين والجهلة من عملاء الاحتلال وصنائع البلاط الملكي ممن رفعتهم الأقدار ليكونوا سادة البلد ومشرعيه وأكثرهم لا يجيد القراءة أو الكتابة ويستعمل الختم لإمضاء القرارات الخطيرة التي يتخذها البرلمان أو المصادقة على الاتفاقيات المشئومة التي ناوئها العراقيون،وقد أطلق عليهم الناس نواب(موافج) أي موافق لأنهم رحمهم الله وأجزل لهم الثواب وجعلهم في عليين،لا يفقهون شيئا في السياسة أو الحكم فيرفعون رؤوسهم بالموافقة بعد أن يرفع يده رئيس المجلس أو بعض الأعضاء المهمين كما هو حال مجلس النواب البائد الذي يتخذ أعضائه القرارات بعد موافقة رئيس الكتلة أو الحزب الذي ينتمون إليه : أرى البرلمان ونوابه سكوت به سكتة الأخرس تماثيل ينحتها الانتداب وتعرض في قاعة المجلس ووصف المعركة الانتخابية وصفا لا يختلف عن انتخابات هذه الأيام بأساليبها الملتوية وأهدافها المعلومة والذين يقفون خلفها لتكون النتائج على قدر ما يشتهون يتوسلون لذلك بمختلف الأساليب في التزوير واستعمال سياسة الترغيب والترهيب: للانتخابات قامت معارك ومعامع لكل حزب هتاف تستك منه المسامع وللجماهير حشد تغص فيه الشوارع تديرها حيث شاءت يد العدو المخادع فللشباب طموح وللشيوخ مطامع سوق الضمائر فيها ما بين شار وبائع ما كنت من قبل أدري إن العقول فضائع وليس يربح إلا من رشحته المراجع تسن كل نظام إشارة بالأصابع ويصف حكام العهد المباد وصفا لا يختلف عن حكام هذه الأيام في توجهاتهم وأهدافهم المريبة،فالفساد المستشري في ذلك العهد يقف ذليلا حاسرا أمام ما نراه بأعيننا هذه الأيام : إلا قل للوزارة وهي تبغي مكافحة الجراد عن البلاد فهلا كافحت في الحكم قوما أضر على البلاد من الجراد وقال واصفا ظلم الظالمين وجور الجائرين ونهاياتهم المحتومة: ودار على ظلم الضعيف تأسست وللجور أطناب بها وقباب دعا أهلها داعي الفناء فأصبحت خراب ودار الظالمين خراب ومن روائعه السائرة ما قاله في الشيخ كاظم السوداني الذي كان على رأس الشعراء الشيوخ في محاربة الشعراء الشباب الساعين لتطوير القصيدة والارتقاء بها بما يتوافق ومتطلبات العصر،مشيرا الى قصيدة المتنبي في هجاء كافور: يا ابن الحسين وقد جريت لغاية قد أجهدت شعراء كل زمان لكنما السودان حين هجوتهم ثارت عليك ضغائن السودان ويقول فيه أيضا: يا هاجيا رب القوافي أحمد بلواذع من قوله وقوارص حسبي وحسبك في جوابك قوله وإذا أتتك مذمتي من ناقص ومن أصدق ما قاله في أهل الكوفة عندما أقيمت احتفالية في قاعة المتنبي للأستاذ حسن الجواد قائمقام الكوفة وطلبوا منه في كلماتهم وقصائدهم المبادرة لانجاز مشروع إسالة الماء الى الكوفة فارتجل اليعقوبي هذين البيتين: لا تعر أهل كوفة الجند سمعا ودع القوم يهلكون ضماءا كيف تسقي يا ابن الجواد أناسا منعوا جدك الحسين الماءا وقد خمسها ألشاعر الكبير محمود الحبوبي على البديهة فقال: لا تعر أهل كوفة الجند سمعا خطباء جاءوك أو شعراءا طلبوا الماء بعد أن فعلوها فدع القوم يهلكون ضماءا كيف تسقي يا ابن الجواد أناسا قد سقوا منكم السيوف دماءا "حسن" لا تجد بماء لقوم منعوا جدك الحسين الماءا وقال مرتجلا عند زيارته لضريح الزعيم الباكستاني محمد علي جناح: بلادك يا جناح بك استقلت وتم على يديك بها النجاح لئن نهضت وطارت للمعالي فان جناح نهضتها "جناح". فهل في العراق جناح يستطيع التحليق بالعراق الى أفاق أوسع من التقدم والازدهار أم يبقى العراق رهن الإرادات الخارجية وما يخطط له في البنتاغون أو الأراغون أو أصحاب البزرنجون،ومتى يعي الشعب العراقي الحقائق ليكون بمستوى تاريخه المعروف ،وهل يبقى التخلف سمة ملازمة لنا نحن العراقيين أم نرتقي بأنفسنا الى المعالي لنكون كما أردنا أن نكون،هذا ما أشك فيه،واعتقد أن العراق سيبقى في آخر الأمم والشعوب لأن شعبه لا يريد أن يكون بمستوى الشعوب التي تستحق الحياة الحرة الكريمة.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |