|
من ذوي المجرمين
كاظم فنجان الحمامي كانت هذه هي الصفة التي منحتها لي الدولة منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى يومنا هذ، وهي بطبيعة الحال من اخطر إفرازات التناقضات السلطوية في واقعنا المريض المراهق متقلب المزاج، وتعد من أغبى تصنيفات الافتراء والتنكيل، وأكثرها ظلما ووقاحة، تصنيفات تقسم المجتمع إلى فئات وطبقات موزعة في جداول سلطوية بغيضة، ومعايير تقبح وجه العدالة الإنسانية، وتثلم أركانه، كنت مضطرا إلى مراجعة المؤسسات الأمنية لإثبات حسن السير والسلوك، أعيش أسيرا وحيدا في بيتي، ينخلع قلبي من صوت حبات المطر المتساقطة فوق صفيح غرفتي، يزعجني مزاح الريح مع أعواد القصب والبردي في الليالي حالكة الظلام، تطاردني أشباح رجال الأمن حتى في منامي. يحاصرني قلق دائم، وتخنقني كوابيس مرعبة. تلتقي اليوم الوصولية مع الانتهازية تحت مظلة فوضى الديمقراطية الفتية، وتنبعث من جديد ثقافة تقديس الحاكم والصنمية، دفعات جديدة من ذوي الوجوه الزئبقية، يشوهون صورتي مرة أخرى، ويواصلون قذف الاتهامات جزاف، والمضحك المبكي إن المخبر الحزبي الذي كان مكلفا بمراقبتي، صار اليوم من وجهاء القوم، كان يجلدني في السابق بكتاباته الباطلة، وهو اليوم يمسح أحذية القادة الجدد، ويتزلف لرجال الشفافية الشديدة العتمة، لم ينقطع عن هواياته القديمة المفضلة في إيذاء الناس والإساءة لهم، ونجح في إضافة اتهامات جديدة إلى بطاقتي التعريفية، اتهامات مبتكرة ومتوافقة مع توجهات الأحزاب المتنفذة. كنت فيما مضى من ذوي المجرمين، وصرت في نظر البعض، في المرحلة الراهنة، من المجرمين، فأنا دوما متهم، ألوك التاريخ وأبصقه، وأدوس عليه، لا املك أمعاء ديناصور كي أهضمه، وبات من المؤكد إن إيماني المطلق بالاستقلالية السياسية والفكرية، وعدم انتمائي إلى الكيانات والتكتلات الحزبية، ورفضي الانضمام إلى صفوف حزب م، جلب لي الهم والغم، ووضعني في مواقف محرجة لم أكن أتوقعه، فقد انهالت عليّ الاتهامات الملفقة من كل حدب وصوب، وتعرضت لسخط وكراهية معظم المتحزبين، الذين واصلوا حملاتهم ضدي منذ ثمانينات القرن الماضي ولحد الآن، ومع كل هذا وذاك سأبقى مستقل، مسلم، عربي، عراقي، عاشقا لشمس الحرية، منحازا إلى ديني ووطني وبيتي وإنسانيتي، رافضا ثقافة الموت، ورافضا كل مظاهر العنف المسلح، وبخاصة المتستر منها خلف غطاء الدين، وارفض أن أكون معصوب العينين وسط القطعان البشرية المنقادة على غير هدى خلف المجهول. وأعلن التزامي بالصراحة في التعبير عن رأيي. ولم أقم بالتخفي خلف اسم مستعار. تمتد العقوبات عندنا إلى ما بعد الموت، وتحط فوق رؤوس ما تبقى من ذوي الضحاي، وأحيانا تسحق العشيرة بأسره، وربما تمتد لتشمل أناسا لا علاقة لهم بالأمر البتة. لا شك إن معظم هذه العقوبات ألغيت تلقائيا من الناحية القانونية بمجرد زوال الثقافات الشمولية، إلا إن ذلك لا يعني جفاف منابعها نهائي، ولا يعني اختفائها من الحياة السياسية والاجتماعية في العراق، ونخشى من ظهور ثقافات شمولية أخرى تحاول طرح نفسها بديلا عن الثقافات الموروثة البالية، الأمر الذي يدفعنا إلى التفكير جديا في إجهاض مثل هذه المحاولات، واستئصال طفيليتها التي حملها لنا الانتهازيون والوصوليون، وليس هذا بالعمل السهل، ولا يمكن النهوض به إلا بتبني مشروعا وطنيا كبيرا بمستوى مشروع مكافحة الفساد الإداري، وان تكون الحكومة العراقية صادقة في مسعاها نحو بناء دولة المؤسسات القوية، ولا تضحي بمستقبلها من اجل تمجيد زعمائها وقادته، فخير الناس من نفع الناس، والمسلم من سلم الناس من يده ولسانه ..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |