|
نظرة مستقبلية في تشكيل الحكومة العراقية القادمة
د. خالد عليوي العرداوي/ مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية ورد الحديث عن كيفية تشكيل السلطة التنفيذية في العراق وفقا لدستور 2005 النافذ في المادة 70 منه الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية من بين أعضاء المجلس البرلماني بأغلبية الثلثين أي 216 وفقا للانتخابات الأخيرة، وفي المادة 76 الخاصة بتشكيل الحكومة إذ يكلف رئيس الجمهورية المنتخب خلال 15 يوم بعد انتخابه رئيس الكتلة التي حصلت على العدد الأكبر من المقاعد بتحديد تشكيلته الوزارية خلال 30 يوم ولا يتولى رئيس الوزراء المكلف منصبه إلا بعد منحه الثقة البرلمانية بالأغلبية المطلقة للأعضاء(50 +1) وفي حالة فشله يتم تكليف شخص آخر بهذه المهمة خلال 15 يوم. والسؤال المطروح: هل نحن في الوقت الحاضر إزاء حكومة أغلبية أو حكومة ائتلافية؟.والمقصود بحكومة الأغلبية هو أن الكتلة التي حصلت على أغلبية المقاعد تقوم بتشكيل الحكومة لوحدها بعد منحها الثقة البرلمانية المطلوبة. أما الحكومة الائتلافية فيقصد بها تلك الحكومة التي تتشكل من خلال ائتلاف كتلتين أو أكثر وحسب التوافقات الحاصلة بين هذه الكتل.والفرق بين هاتين الحكومتين كبير: سواء على مستوى الاستقرار السياسي، أو على مستوى التماسك الحكومي، أو على مستوى صنع القرارات وتنفيذها. فغالبا ما تكون حكومة الأغلبية أكثر استقرارا سياسيا وأكثر تماسكا حكوميا واقدر على صنع القرارات وتنفيذها بسرعة ودقة من الحكومة الائتلافية، ولكن مع هذه الايجابيات لحكومة الأغلبية لابد من الاعتراف بحقيقة مهمة هي أن نتائج الانتخابات العراقية لا تشجع، بل ولا تعطي المجال لتشكيل مثل هذه الحكومة فنحن متجهون إلى تشكيل حكومة ائتلافية وليست حكومة أغلبية. إذا ما هي الكتل التي سوف تشكل هذه الحكومة؟، إنها الكتل الخمس الرئيسة: الائتلاف الوطني العراقي، ائتلاف دولة القانون، العراقية،التحالف الكردستاني، و جبهة التوافق. وعند الاطلاع على البرامج الانتخابية لهذه الكتل نجد أن هناك مظاهر تشابه كثيرة بين هذه البرامج مع وجود بعض مظاهر الاختلاف نذكر منها: أولا: مظاهر التشابه - كل الكتل باستثناء التحالف الكردستاني تؤكد على بناء دولة قوية أو حكومة اتحادية نزيهة. - كل الكتل أكدت على حماية حقوق وحريات العراقيين. - كل الكتل ركزت على محاربة الفساد المالي والإداري. - كل الكتل أكدت على دور المرأة ومشاركتها في العملية السياسية. - كل الكتل أكدت على تحسين الخدمات المقدمة للمواطنين. - كل الكتل أظهرت قبولا بالنظام الفدرالي في العراق ولم ترفضه. - الاهتمام بالمهجرين والمتضررين ورد في كل الكتل. - باستثناء التحالف الكردستاني أكدت كل الكتل على حصر السلاح بيد الدولة وتطوير المؤسسات العسكرية والأمنية. - تحقيق التنمية الشاملة – زراعية، صناعية، علمية، بشرية كان منطلق البرنامج الانتخابي لكل الكتل. مظاهر الاختلاف: - ورد دعم الشعب الفلسطيني ورفض إقامة علاقة مع إسرائيل في برنامج الائتلاف الوطني ولم يرد في بقية البرامج. - ورد التأكيد على دور العشائر العراقية في برنامج الائتلاف الوطني وائتلاف دولة القانون ولم يرد في بقية البرامج. - ورد التأكيد على تطهير مؤسسات الدولة من البعث الصدامي في برنامج الائتلاف الوطني ولم يرد في بقية البرامج. - ورد التأكيد على قانون العفو العام، وإطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء قانون الإرهاب وهيئة اجتثاث البعث (المساءلة والعدالة) وتشكيل هيئة قضائية تحل محلها فضلاً عن الدعوة إلى عودة ضباط الجيش السابق في برنامج العراقية وهناك إشارات تؤيده في برنامج جبهة التوافق ولم يرد مثل ذلك في بقية البرامج. - ورد التأكيد على تعديل الدستور في برنامج الائتلاف الوطني والعراقية وجبهة التوافق ولم يرد مثل ذلك في برنامج دولة القانون والتحالف الكردستاني، بل العكس لمسنا تأكيدا على ترسيخ الدستور لدى التحالف الكردستاني. - ورد التأكيد على ضم مناطق جغرافية معينة لإقليم كردستان في برنامج التحالف الكردستاني ولم نجد مثل هذا الطرح لدى بقية الكتل. - أكد برنامج ائتلاف دولة القانون على ترسيخ انجازات حكومة الوحدة الوطنية ولم يرد مثل ذلك في بقية البرامج. - ورد التأكيد على إحياء بعض مؤسسات الحكومة المؤقتة (حكومة إياد علاوي) في البرنامج الانتخابي للعراقية ولم يرد مثل ذلك في بقية البرامج. من خلال ما تقدم يمكن القول أن هذه البرامج الانتخابية تسمح برسم خريطة الائتلافات القادمة بين الكتل الخمسة ووفقا لما يلي: السيناريو الأول: سيناريو حكومة – معارضة ينطوي هذا السيناريو على عدة احتمالات هي: الاحتمال الأول: سيناريو حكومة – معارضة ذات استقطاب ديني – علماني ونقصد بهذا السيناريو إن القوى الدينية (الإسلامية) تأتلف مع بعضها فتشكل الحكومة وتكون القوى العلمانية جبهة معارضة لها في البرلمان أو بالعكس بالنسبة للقوى العلمانية،لكن هذا الاحتمال لا يمكن تحققه لأنه لا يوجد مشروع دولة دينية لدى كل الكتل والأحزاب الدينية الإسلامية في العراق وما تسميتها بالإسلامية إلا شعار سياسي لا أساس له من الواقع والدليل على ذلك انه لم يرد في برامج الكتل الخمسة أية إشارة لهذا الموضوع وإن الإشارات ذات المغزى الديني كانت هامشية لدى ثلاث كتل فقط هي الائتلاف الوطني العراقي الذي يشترك مع ائتلاف دولة القانون في التأكيد على دور المرجعية،كما ذكر البرنامج الانتخابي للائتلاف الوطني بعض الإشارات الدينية التي تتحدث عن دعم الثقافة والأدب والفن.. بما يتلاءم مع القيم الدينية (ف17 أسس وثوابت) والتأكيد على الدور الحضاري والتاريخي والديني.. للعراق (ف18 برنامج سياسي) والاهتمام بمنهج التربية الدينية والاجتماعية والوطنية.. (ف 24 برنامج سياسي)، كما وردت مثل هذه الإشارات في برنامج جبهة التوافق ولم يتحدث برنامج دولة القانون الذي يتزعمه حزب الدعوة الإسلامية عن أي شئ يعطي الانطباع بانطلاقه في العمل السياسي وفقا لمشروع بناء دولة دينية. نستنتج مما تقدم أن الكتل الخمسة المذكورة آنفا هي علمانية في الأداء وإن كان بعضها إسلامي في الطرح وعليه فأن الاستقطاب السياسي بين القوى الخمس وفقا لهذا الاحتمال بعيد عن التحقق وضعيف جدا. الاحتمال الثاني: سيناريو حكومة – معارضة ذات استقطاب محافظ – ليبرالي. والمقصود بهذا الاحتمال أن القوى المحافظة إيديولوجيا هي التي تشكل الحكومة بينما تأخذ القوى الليبرالية جانب المعارضة أو بالعكس إلا أن الملاحظ على الكتل الخمس إنها لم يترسخ لديها ثبات عقائدي يمكن أن تميز على أساسه من هي القوى المحافظة ومن هي القوى الليبرالية، إذ كل القوى تحرص على أن تظهر نفسها ليبرالية وبعيدة عن المحافظة في أطروحاتها الفكرية، لذا يمكن القول بثقة – في الوقت الحاضر على الأقل – بأن تشكيل الحكومة لن يستند إلى هذا الاحتمال على الرغم من أهمية الوضوح الإيديولوجي في بناء التحالفات السياسية وتحقيق النضج السياسي. الاحتمال الثالث: سيناريو حكومة-معارضة يستند إلى تحالف ائتلاف دولة القانون مع الائتلاف الوطني والتحالف الكردستاني لتشكيل الحكومة وأخذ ائتلاف العراقية وجبهة التوافق جانب المعارضة. إن وجود كثير من المشتركات بين الكتل الثلاث الأولى قد تدفعها إلى التحالف لتشكيل الحكومة، فضلاً عن وجود مشتركات مشابهة تدفع الكتلتين الأخيرتين لتشكيل المعارضة، ونجاح هذا الاحتمال يعتمد على تنازل القوى الثلاث الأولى عن بعض مواقفها المتشنجة في توزيع المناصب وقبول حلول وسط تعمل على إزالة عوامل التقاطع بينها، ومؤشرات تحقق هذا الاحتمال كثيرة وهو من أكثر الاحتمالات ترجيحا لكن لا يمكن اعتباره الاحتمال المرجح الوحيد. الاحتمال الرابع: سيناريو حكومة – معارضة يستند إلى تحالف الائتلاف الوطني العراقي مع العراقية مع التحالف الكردستاني مع جبهة التوافق وأخذ ائتلاف دولة القانون جانب المعارضة. وحصول مثل هكذا احتمال ممكن في حال قدمت الكتل الأربع تنازلات في مواقفها واتفقت على عزل ائتلاف دولة القانون لمنعه من أن يكون له دور في السلطة التنفيذية، ولكن هذا الاحتمال ضعيف لأن توازنات القوى لا تميل بمجملها ضد دولة القانون فضلاً عن عناصر التقارب التي تجعل دولة القانون أقرب إلى الائتلاف الوطني والتحالف الكردستاني من غيره. الاحتمال الخامس: سيناريو حكومة – معارضة يستند إلى تحالف العراقية مع ائتلاف دولة القانون وأخذ الكتل الثلاث المتبقية جانب المعارضة. فالسياسة كما يقال لا قلب لها وقيام مثل هذا الاحتمال ممكن لاسيما انه يوجد نوعا ما تقارب بين البرنامج السياسي للكتلتين لولا وجود العامل الشخصي المقترن بزعامة كلا الكتلتين وطموح كل منهما في أن يكون رئيس الوزراء منها ثم إن بقية الكتل لا يمكن أن تقنع بدور المعارضة فقط إذ لها أطروحاتها الخاصة القائمة على لعب دور مؤثر وفعال في تشكيل الحكومة. يبقى أن نقول قبل التحول عن هذا السيناريو ان من حسناته في حال تحققه هو انه سوف ينتج حكومة قوية نوعا ما إلى جانب معارضة قوية، لا سيما عندما تكون الحكومة والمعارضة كل منهما يتقاطع مع الأخر بشكل قوي، فيجعل ذلك الحكومة تحرص على بذل أقصى ما لديها من قدرات في خدمة المواطن وتحقيق النجاح لبرامجها من اجل سحب البساط من تحت المعارضة، وفي الوقت نفسه سوف تستخدم المعارضة أقصى ما لديها من قدرات في مراقبة ومحاسبة الأداء الحكومي لكشف ضعفه وعجزه تمهيدا لسحب الثقة من الحكومة، وسينعكس هذا الصراع ايجابيا على الحراك السياسي بمجمله وعلى نوعية وكفاءة الأداء الحكومي. السيناريو الثاني: سيناريو حكومة تشاركية بمعنى إن كل الكتل تشارك في تشكيل الحكومة وفقاً لنسب معينة قد نسميها محاصصة أو توافق أو غير ذلك، ومثل هذا السيناريو غير مستبعد لسببين: - كل الكتل تريد أن يكون لها دور في السلطة التنفيذية. - سبق لهذه الكتل أن اشتركت في تشكيل هكذا حكومة. لكن ما يقف حائلاً بين هذا السيناريو وبين تحققه هو كثرة الرموز والشخصيات في الكتل الخمس وبعضها تقف على مسافة واحدة من حيث القدرة والنفوذ والرغبة في الوصول إلى منصب رئيس الوزراء وهي لن تقبل أبداً بالتنازل عن هذا الطموح، كما أن تشكيل مثل هذه الحكومة سابقاً كان محل انتقاد من قبل الجميع ولأسباب كثيرة أبرزها رداءة الأداء الحكومي وشيوع الفوضى الإدارية ومظاهر الفساد المالي والإداري، ومع ذلك لا يمكن استبعاد هذا السيناريو في حال فشل الاحتمالات السابقة الواردة في السيناريو الأول وبقاء العراق بلا حكومة جديدة لمدة طويلة تجعل القوى السياسية مضطرة للقبول بهذا السيناريو خيراً لها من النقمة الشعبية وخسارة كل مكاسبها الانتخابية. ولتجاوز سلبيات قيام مثل هكذا حكومة لا بد أن تتفق القوى السياسية على أمر في منتهى الأهمية هو نعم لتكن الحكومة ائتلافية في توزيع المناصب ولكن يجب أن تكون تكنوقراطية في الأداء، وان تعمل كفريق واحد في تنفيذ وتحمل المسؤوليات، وهذا يتطلب من الكتل المختلفة أن تختار أكفأ أفرادها في تولي المسؤوليات الحكومية بعيدا عن مقتضيات الولاء الحزبي والتأثير الشخصي، هذا من جانب، ومن جانب آخر يجب أن يكون أعضاء الفريق الحكومي مسئولين مسؤولية مباشرة أمام رئيس الحكومة وليس أمام كتلهم لتجاوز حالة الشلل الحكومي الذي شهدناه سابقا عندما كان رئيس الحكومة يقف عاجزا عن التدخل لمحاسبة وزرائه بسبب المحاصصة الحزبية وما فرضته من شللية داخل الحكومة إذ لم تكن الحكومة تعمل كفريق واحد أبدا. أخيرا وبصرف النظر عن شكل الحكومة القادمة، لا بد من تذكير الساسة بأهمية وروعة ما قدمه الشعب العراقي في 7/3/2010، ومثل هذا الانجاز لابد من استثماره من قادة حكماء لا يقلون في روعة أدائهم وتحملهم للمسؤولية عن الشعب الذي منحهم ثقته ومصيره.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |