العراق قبل انتخابات 2010 .. مشاهدات مؤلمة "3"

قرطبة الظاهر

 geniralif@yahoo.de

المساءلة والعدالة 

أيام تفصلنا عن الحملة الانتخابية وإذا بنا نواجه موجة من سياسة غريبة ومفاجئة تستهدف إقصاء العديد من الشخصيات السياسية بقانون إسمه المساءلة والعدالة. إستغربت من هذا الاجراء المجحف بحق المواطنة وحقوق الانسان وعلى رأسها الحقوق السياسية وكان الاجدر بمشرّعي هذا القانون مساءلة الفاسدين والمفسدين والمتورطين في أعمال ارهابية وتصفيات جسدية من برلمانيين سابقين وغير برلمانيين وإبعادهم عن الترشيح واحالة ملفاتهم للقضاء. ذكرني هذا القانون بقانون هتلر النازي لاجتثاث المفكرين واليهود والفنانين من الاحزاب الوطنية واليسارية والمسمى بقانون مدينة نورنبيرغ لعام 1935. يالسخرية الاقدار ان يعيد التأريخ نفسه وكأن العراق لم يتعلم من تجاربه المريرة في سياسات اجتثاث البعثيين للقوى الوطنية من شيوعيين وتقدميين وقوميين في الستينيات من القرن الماضي وسياسة اجتثاث ذوي التبعية الايرانية من مفاصل الدولة في حقبة الدكتاتور صدام حسين واجتثاث الفكر والحرية واقامة الشعائر الدينية والتحدّث باللغة الكردية كل ذلك لم يفكر به صانعو قانون المساءلة والعدالة..وأي عدالة؟ إن وجدت في العراق فهي منقوصة ومعطوبة تماما لان السلطة القضائية فاقدة للاستقلالية وهي مؤسسة مسيّسة من قبل الاحزاب الحاكمة. فالقضاة تم تعيينهم من قبل رئيس السلطة التنفيذية وهم جميعهم موالين له فعن أي عدالة يتحدثون؟ ولو كان في هذه الدولة عدالة لكان للانسان كرامة وحقوق وحياة رغيدة ولكان لهذه الدولة مؤسسات فعالة تعمل على خدمة المواطن لا على استغلاله وإهانته واللعب على إعصابه.. لو كان في هذه الدولة عدالة ما عاشت المرأة العراقية مسلوبة الحقوق والحرية، مشرّدة مُهجّرة تقطن الخيام او بيوت من الصفيح او تعيش عالة على اهلها او اقربائها ولما عاش اطفال العراق متسولين في الشوارع يفترشون الطرق ويتنافسون ليلا مع الكلاب السائبة في إيجاد مأوى يخلدون فيه للنوم! عن أي عدالة يتحدثون وحقوق المتقاعدين مسلوبة تماما وكأنهم ليسو بشرا خدموا الدولة لسنين ويستحقون التمتع بموارد الدولة. من 70.000 إلى 200.000 ديناراً راتب المتقاعد حسب قانون 25 لزيادة رواتب المتقاعدين لعام 2009 (1)! أنا اسال المسؤولين واحدا واحدا من منكم يستطيع ان يعيش بهذا الراتب؟ الكثير من المتقاعدين لم يستلموا رواتبهم لاكثر من اربعة اشهر! إنهم اباؤنا، معلمونا، اساتذتنا، عمالنا، مزارعونا، إنهم ابناء العراق..مسنين يجمعون كل ما لديهم من طاقات ليصطفوا امام مبنى دائرة التقاعد لاستلام رواتبهم..البعض منهم لا يستطيع الوقوف لساعات وبعضٌ آخر لا يستطيع حتى التحدث لان الشيخوخة صادرت من فمه كل اسنانه! هذه مأساة وطن يحمل كل الخير والجاه واهله يعانون الظلم والبؤس والهوان...يا له من وطن مسلوب منكوب! المتقاعدون يطالبون بتعديل قانون المتقاعدين ورفع مرتباتهم كي تتناسب مع غلاء المعيشة والحالة الاقتصادية وتكون معادلة للسنين التي خدموا فيها الدولة. مقارنة بسيطة مع رئيس مجلس النواب السابق: إنه يتقاضى راتباً تقاعدياً شهرياُ مدى الحياة مقداره 40.000 دولار!! أهذه هي عدالتهم؟؟

تتكون هيئة المساءلة والعدالة من خصوم سياسيين هم انفسهم مرشحون للانتخابات وبدأت ملامح اللعبة الاقليمية تنكشف. إجتثاث اكبر عدد ممكن من المتهمين في عدة جنح او جرائم او متهمين بإنتمائهم لحزب البعث او بالترويج للفكر البعثي حسب المادة 7 (اولا) من الدستور العراقي المعدل (2) من أجل إتمام المرحلة الاولى من إقصاء هذه النخب وإبعادها عن الانتخابات ثم تليها المرحلة الثانية وهي مرحلة سرقة اصوات الكيانات الوطنية المخلصة التي لها  برنامج إصلاحي وطني بحت وإفراغ الساحة السياسية من الوسط الليبرالي الوطني تماما. ربما يليه بعد ذلك والله اعلم الجزء الثالث من المخطط الاقليمي وهو سياسة التصفيات الجسدية وملاحقة المعارضين للاحزاب الكبرى! الخائف من مصيره السياسي وفشله من كسب اصوات الشعب لا يستحي من تزوير نتائج الانتخابات أو إرتكاب أي جريمة من أجل إقصاء منافسه. وإلا نحن نتساءل ماذا كانت مهمة المساءلة والعدالة في عام 2003 عندما سميت بهيئة اجتثاث البعث وحتى عام 2009؟ ولمَ لم تكن فعالة وسمحت للبعثيين ان يشاركوا بشكل نشط جدا في العملية السياسية وحتى في كتابة الدستور؟ ولماذا بدأت هذه الهيئة بأيام قبل الحملة الانتخابية بتفعيل هذه السياسة؟ كل هذه الاسئلة شغلتنا كما شغلت الشارع العراقي وشغلت قائمتنا أحرار الانتخابية التي نقص منها ما يقارب ال18 مرشحاً بسبب قانون المساءلة والعدالة. كثير من الاسامي وقع عليها الاشتباه. راجعنا مفوضية الانتخابات واطلعتنا على بعض الاسماء ووجدنا تشابهات بالاسماء والمعلومات الشخصية. كتبنا طلباً لاعادة النظر والتأكد من المعلومات الشخصية فقوبل الطلب بالموافقة وأعيد إثنان من مرشحينا إلى القائمة بينما اصرت محكمة التمييز على إبعاد ستة عشرَمرشحاً عن قائمتنا.

أوشكت الهيئة ان تخلق ازمة سياسية ودولية وتعطل عملية الانتخابات وتدخل المجتمع الدولي والولايات المتحدة في دوامة لا مخرج منها إلا أن إصرار الكتل الكبيرة لابعاد بعض الرموز السياسية والتي تتمتع بقاعدة جماهيرية واسعة كان اكبر تحد للمجتمع الدولي والذي رضخ لهذه الاجراءات والتزم الصمت. الاجتثاث أو الاقتلاع من الجذور هو عمل تعسفي مناف تماماً لحقوق الانسان الاجتماعية والسياسية. وكلنا يعلم بان كل إجتثاث سيولد حقدا وكراهية بين ابناء الوطن الواحد واللجوء إلى الانتقام لانه يهدد حياة الانسان بأكملها ويقلص حرياته ويقطع الارزاق ونحن في هذه المرحلة العصيبة نتطلع إلى تحقيق المصالحة الوطنية من اجل إرساء الامن والسلام واستقرار الدولة. كان على البرلمان السابق ان يفعل قانوناً للمتضررين كما هو في المانيا عقب الحرب العالمية الثانية من اجل إرساء العدالة الاجتماعية والسلام والمصالحة. فمن لديه ملفات او ادلة دامغة على أعمال إجرامية او أرهابية او جرائم ضد الانسانية تدين أي فرد عليه ان يقدمها لمحكمة الجنايات ويحاكم المدان ضمن قانون العقوبات وقانون المتضررين ويتم تعويضه بدلا من سن قانون المساءلة والعدالة. ولاني لم أستطع لحد الان ان اعرف الصفة القانونية لهذه الهيئة وأعضائها الذين لم تتم المصادقة على تعيينهم برلمانيا وهم اصلا ليسوا قضاة او رجال قانون! أتمنى مستقبلا أن يُفعّل دور السلطة القضائية وأنْ تُحترم إستقلاليتها وعملها الدؤوب وحل هذه الهيئة المشبوهة التي ينتمي اعضاؤها إلى الاحزاب الكبرى والمتنفذة في السلطة. لن يحل الامن في العراق بدون مصالحة وطنية حقة وإرجاع الحقوق للمظلومين والمنكوبين والمتضررين ولن نتمكن من إعمار الوطن وجلب الاستثمارات الاجنبية ودعم القطاع الخاص بدون استتباب الامن وتجهيز قواتنا المسلحة باسلحة متطورة تؤمن سلامة حدودنا وإراضينا وتعزز سيادتنا الوطنية.

بعد أن تم شمول احد القياديين والمثيرين للجدل في القائمة العراقية بقانون المساءلة والعدالة وتصعيد الموقف السياسي لدى القائمة العراقية أفقنا في اليوم التالي على خبر وواقع منع التجول في منطقة الكرخ. الشارع العراقي ينقل خبر محاولة إنقلاب داخل المنطقة الخضراء وإعتقال أحد الرموز السياسية في القائمة العراقية، طائرات هليكوبتر تنتشر في قاطع الكرخ محلقة على مستوى منخفض جدا بحيث كنت اشاهد بدقة الجنود داخل الهليكوبتر وانا اراقب الشارع من الشرفة. هدوء يصحبه حذر شديد، علامات إستفهام وتأهب للقتال مرسومة على وجوه الجنود التابعين لقوات عمليات بغداد وهم يستقلون مركباتهم و يقومون بمسح ميداني للمنطقة القريبة من المنطقة الخضراء في قاطع الكرخ. وزارتان لم يتم تفجيرهما في ذلك الشارع لذا فحراسة المنطقة جوا وبرا كان امرا مستوجبا. كان هذا يوما أخرا يضاف لايام العطل غير الرسمية في العراق وما أكثر هذه الايام...!!!!

--------------------------------------------

 المصادر:

 1.   قانون زيادة رواتب المتقاعدين – قانون 25 لعام 2009:

http://www.parliament.iq/dirrasd/law/2009/25.pdf

 2.   الدستور العراقي المعدل:

http://www.parliament.iq/dirrasd/2009/01/tad.pdf

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com