العراق قبل انتخابات 2010 .. مشاهدات مؤلمة (3)

 

قرطبة الظاهر

 iraq4iraqis@googlegroups.com

يوم الحملة الانتخابية:

لم تتمكن بعض الاحزاب من الالتزام التام بموعد اطلاق الحملة الانتخابية وقواعد السلوك الانتخابي الذي سنته المفوضية العليا المستقلة للانتخابات فبدأت مبكرا بحملاتها متخذة الطرق السرية والعلنية لدعاياتها الانتخابية. فالاحزاب الكبرى وزعت كارتات مرشحيها التعريفية في عدة مناطق من بغداد وضواحيها بشكل سري. قمت يوما بزيارة للتعرف على احدى القرى وإذا بأهالي القرية يقولون لي : بالامس كان السيد المرشح عن قائمة إئتلاف دولة القانون بيننا ووزع كارتاته وقبل امس المرشح الاخر عن الائتلاف الوطني وقبله المرشح عن العراقية وعن إئتلاف وحدة العراق وإلخ. أجبتهم لكن الحملة لم تبدأ بعد فكيف يوزعون بطاقاتهم التعريفية؟ أجابوني: عيني همّة كلهم ديشتغلون من جوا لي جوا بس انتو نايمين! لم تكن بطاقاتنا التعريفية جاهزة للتوزيع لانها كانت ما زالت قيد الطباعة فمتى استطاعت الاحزاب الاخرى ان تكمل طباعة كارتات مرشحيها وتوزيعها؟ قبل شهر؟ شهرين؟ او سنة؟ نقلت مشاهداتي إلى مقر تجمعنا وكان قرار الجميع هو الالتزام الكامل بقرارات المفوضية وعدم التجاوز على قواعد السلوك الانتخابي. كانت كل الاذاعات المرئية والمسموعة المحلية والدولية ضيفة في مقرنا يوميا وكنا ننقل مشاهداتنا فيما يخص الخروقات قبيل الحملة الانتخابية . وايضا كانت الاحزاب الصغيرة فريسة لدفع الغرامات المالية لدى المفوضية بينما غضّت الاخيرة النظر عن الخروقات الفادحة التي قامت بها الاحزاب الكبيرة. أُضطرَ الحزب الشيوعي على دفع غرامة مالية للمفوضية بسبب توزيعه بعض المنشورات للحملة الانتخابية ومحاولته رفع لافتات حمراءَ على ضفاف نهر دجلة حيث مقر جريدة طريق الشعب. إستغربنا كثيرا لهذه الاجراءات غير المنصفة وغير العادلة بحق الاحزاب الصغيرة.

خرجتُ في جولة إستطلاعية في منتصف ليلة 11/12 من فبراير وشاهدت فرقاً كثيرةً منتشرة في الكرادة والساحات العامة وفي أبي نؤاس تقوم بتعليق لافتات المرشحين..ثم جاء اليوم الموعود، صباح يوم الحملة الانتخابية 12 فبراير 2010: اول الصور التي عُلّقتْ بمحاذاة نهر دجلة هي صور السيد مثال الالوسي حيث ملأت كل اعمدة بغداد الضوئية. أما الساحات العامة فتكاثرت فيها صور المرشحين الجُدد والقدامى وكنتُ أبحثُ بين الصور عن شخصية جذابة في معانيها ونظراتها وتقاسيم وجهها قد تجذب إنتباهي في غابة الصور المتعددة الاحجام والالوان والارقام والتعابير.لكن ما لفت انتباهي هي التعابير التي اختارها المرشحون على لافتاتهم وفي منشوراتهم الأخرى . فهناك من كان يطالب الأن بالتغيير وهو كان يمثل احد اكبر الاحزاب التي لم تستطع منذ سبع سنوات أنْ تُعدّلَ أو تغيّرَ الواقع المأساوي العراقي فَلمَ تطالبُ الآن نفسُ هذه الاحزاب يا ترى بالتغيير؟ وهناك من ينادي: بكم نبني الوطن! وايضا كان هذا المرشح تابعا لاحدى القوائم الكبرى. فإذا يبني بنا الوطن، فعلينا أنْ نقرأ سورةَ الفاتحة على أرواحنا لاننا سنكون شهداء الكونكريت والطابوق والاسمنت الذي سوف يبنوننا به كما فعل الحجّاج بن يوسف الثقفي يوما بنا! أحد المنافسين يتعهد بمعاقبة المفسدين لكنه نسي بأنَّ حزبَه كان يشفط نفطنا ومواردنا الطبيعية ويبيعها في السوق السوداء ونفسه الذي كتب على 400 مسدس مهداة إلى شيوخ العراق عبارة: "هدية رئيس الوزراء إلى شيوخ العراق"!! وليس لهذا أية علاقة برئيس الوزراء! 400 مسدس هدية لشيوخ العراق... ذكّرني هذا التصرف بتصرف صدام حسين عندما كان يقوم بجولاته لمشايخ العراق كي يجددوا بيعتهم له ويتمتعوا بخيراته التي يقدمها لهم من سيوف وخناجر ومسدسات. وها قد يعيد التأريخ نفسه بشخوص يدعون تفهم الديمقراطية واسس الدولة المدنية الخالية من التسلح والعنف والعشائرية! كثرت في الايام المتتالية من الحملة الانتخابية لافتات المرشحين لكن الجميل في هذا البازار هو بلا شك صور المرشحات: لافتة السيدة فيروز المرشحة عن الائتلاف الوطني كانت بلا شك من ابرز اللافتات التي اثارت ردود افعال مرورية مؤلمة. فقد كانت نظراتها وابتسامتها الجميلة تجذب عيون الرجال والنساء اثناء قيادتهم لمركباتهم الامر الذي أدّى إلى وقوع  حوادث مرور كثيرة، فقد كان المكان وحجم اللافتة الانتخابية يلعبان دورا مهما في جذب الانظار والتاثير على الناخب. أيضا لافتة السيدة ميسون الدملوجي كانت ملفتة للنظر حيث إستطاعت من خلال فنون التناغم في الوان البوستر ان تُلفت إنتباه المارّة وقائدي المركبات. لم نعلق مناشيرنا وبوستراتنا بهذا الشكل المكثف لان إمكانيات مرشحينا المالية كانت محدودة جدا. لذا اكتفيت بتعليق 100 بوستر و10 فلكسات على عدة بوابات ومنافذ من المدينة وبمساعدة احد الخيرين من مدراء حملتنا الانتخابية. تكلفة الفلكس الواحد 50 دولار وتكلفة 100 بوستر 1600 دولار مع التعليق. إستغربت لكثافة الصور التي كانت في تنام مستمر وتساءلتُ من أين لهم كل هذه الاموال؟ ولو جمعنا جميعنا كل هذه الاموال لصرفناها وبكل تأكيد في إنشاء  ما يقارب 1000 وحدة سكنية للمهجّرين والفقراء في داخل العراق! سألت أحدَ العاملين في احد المطابع: "ماذا ستفعلون بكل هذه اللافتات بعد الحملة"؟ قال نحنُ بحاجة ماسّة إلى الركائز والخشب لاعادة إستعمالها أما اللافتات فسنتلفها من خلال حرقها"..حرقها؟ هذه كارثة بيئية لانَّ قطع الفلكسات تتكون من نسيج إصطناعي بلاستيكي خاص وبالتاكيد سوف تتطاير اثناء الحرق مواد سامة جدا للانسان والبيئة والتربة! هل فكرنا في هذه الامور قبل اطلاق الحملة الانتخابية؟ للمقارنة: جميع لافتات الحملة الانتخابية في المانيا مكونة من الورق المعاد تصنيعه تلصق على قطع من الصفيح ثمَّ يُعاد تصنيع الورق مرة اخرى بينما يتمُّ الإحتفاظ بقطع الصفيح!

كنت أتجول يوميا في شوارع بغداد الزاهية بالشعارات الرنانة والسيارات التي تحولت إلى لافتات متنقلة  سألت احد الباعة: هل تعرف مَنْ إكتشف الحملة الانتخابية ووسائلها؟ فاجابني: لا أعلم. فقلت له انه اللورد أشلي، المحامي البريطاني وحاكم مقاطعة شفتسبري الذي قاد حملته الانتخابية برفع المناشير وتوزيعها عام 1700 وكان مؤيدا شديدا للنظام البرلماني واللبرالية البريطانية.

ما شدَّ إستئناسي هو مروري بمقر قائمة إتحاد الشعب المطل على أبي نؤاس والذي كانت تعلو من مكبرات الصوت الاغاني الحماسية الوطنية "يلة ننادي، نرفع أيادي، بسم إتحاد الشعب صوتج بلادي". فكل مار كان يتفاعل مع اصوات هذه الانغام وكان يصفق مع الموسيقى وحتى عمال البلدية الذين ينظفون قاطع أبي نؤاس رأيتهم يرقصون على نغمات إتحاد الشعب..أجواء جميلة يكسوها الحذر والخوف من تنامي اعمال العنف والارهاب.. لكن الوضع بقي هادئاً ومستقراً بشكل عام أثناء الحملة الانتخابية.

من إبداعات الحملة الانتخابية توزيع ملابس داخلية نسائية ورجالية لعامة الشعب و كأن الشعب بحاجة ماسة جدا للملابس الداخلية وايضا توزيع الثلاجات والمراوح الكهربائية والتلفزيونات الملونة والهواتف النقالة. هل هذه رشاوى وهل هذه العطاءات والهدايا شرعية؟ طرحت هذا السؤال على احد أساتذة الحوزة العلمية في النجف فأجابني: اولا علينا ان نعرف ما معنى الشرع؟ ومتى يكون امرا شرعيا؟ اجبته إذا كان هناك حق لذلك. فسالني وكيف يوضع الحق؟ فاجبته عندما يتفق الافراد على امر ما ويتخذونه قاعدة لادارة شؤونهم والحفاظ عليها. فأكمل: هذا الاتفاق يجب ان يكون مكتوبا ومعروفا للجميع فيصبح حقا. لكن متى يكون هذا الحق شرعا؟ أجبته: عندما يقنن بقوانين. سالني ومن يضع هذه القوانين؟ اجبته المُشرّع وسالني ومن هو المشرع؟ اجبته الموكل عني وعنك. فسالني وهل كان هناك من الموكلين عنا أي النواب في البرلمان أحداً قد شرّع قانونا يمنع العطاءات والهدايا ويعتبرها رشاوى اثناء الحملة الانتخابية؟ أجبته: كلا، لا يوجد قانون للانتخابات يشمل هذه الخروقات! إنتهى الحوار! 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com