حرامية ليلة الجمعة

 
كاظم فنجان الحمامي
kfinjan@yahoo.co.uk

  هذا اصطلاح من الاصطلاحات الشعبية القديمة المتداولة في الخليج قبل تفجر لعنة النفط الأسود، فالخليجيون بصفة عامة يتفقون على إن ليلة الجمعة من الليالي المباركة العظيمة الشأن، والعمل فيها مضاعف، وقد اعتاد الناس في المدن الخليجية على مغادرة بيوتهم في هذه الليلة الكريمة، والتوجه إلى المساجد للإكثار من الصلاة وقراءة القرآن، والانصراف كليا إلى إحياء مجالس الذكر والدعاء، وغالبا ما يخصصون هذه الليلة لإقامة الأفراح والولائم والاحتفالات، فيجتمع الناس في مكان واحد تاركين وراءهم بيوتهم مفتوحة الأبواب، ما يعطي فرصة لذوي النفوس الشريرة، من اللصوص والسراق لنهب محتويات البيوت والدكاكين، متسترين بالظلام الدامس، ومستغلين غياب الناس، وانشغالهم بالعبادة، فاستحقوا لقب (حرامية ليلة الجمعة)، وهم من أسوأ أصناف اللصوص والحرامية وأكثرهم خسة ونذالة، ويعكسون أبشع صور الانتهازية المريضة، ثم شاع استخدام هذا الاصطلاح شيئا فشيئا،

وتشعبت استخداماته على نطاق واسع في الوطن العربي، وصار يُطلق هذه الأيام على كل من تسول له نفسه استغلال طيبة الناس من اجل تحقيق غاياته ومآربه الذاتية الدنيئة، ويُطلق على كل من يشغل مكانا أو منصبا يقع فوق مستوي استحقاقاته المهنية والتأهيلية، ويُطلق على زمر الدجالين والأفاقين الذين تجلببوا بجلباب الورع والتقوي، وتظاهروا بالعفة والنزاهة، وكل من يتاجر بهموم الناس وآلامهم، ويجيز سرقة قوتهم اليومي، ويُطلق أيضا على جميع المتفننين باللغف والخمط السري والعلني. وما يثير العجب ويبعث على الغضب، إن حرامية ليلة الجمعة كانوا، فيما مضي من الزمن، يمارسون السطو الليلي في إطار ضيق، وتنحصر نشاطاتهم في هذه الليلة دون غيرها من الليالي الحالكات، في حين يمضون بقية أيام الأسبوع في التخفي والتواري عن أنظار الناس. اما جماعتنا من عرب الشيخ (فرهود) فقد برعوا في النهب والسلب والتهريب والقرصنة ومصادرة حقوق الناس، وصاروا عباقرة في تطوير نظريات السطو الليلي والنهاري وتنفيذها بأساليب حنقبازية متقنة، وبمعدل سبعة أيام بالأسبوع وبراءة الأطفال في عيون عشيقاتهم. ويعد في نظر المجتمع من حرامية ليلة الجمعة، العضو البرلماني الساكت عن الحق، أو الذي لاذ بالصمت المطبق، وصار في حكم المتواطئ مع الفساد، وخان الأمانة التي سلمها له الفقراء، الذين أجلسوه على أرائك البرلمان في ليلة من ليالي البنفسج. ويعد منهم أولئك الذين مارسوا مع الناس كل صنوف الغش التجاري، وابرموا عقود استيراد المواد الغذائية الفاسدة والمتعفنة، ودسوا السموم في حليب أطفالنا، وعلموا الشركات الصينية أصول ومبادئ العتاكة، ودربوهم على فنون تجار السكراب والخردة.

ومنهم أولئك الذين اشتغلوا ببورصة المتجارة بالأسئلة الامتحانية للمراحل الدراسية المنتهية، وباعوها بالجملة لأصحاب الأدمغة المعطلة وذوي العقول المشلولة، ويعد منهم الموظف المتعجرف، الذي مارس الابتزاز الوظيفي العلني، واستغل موقعه الإداري لتضييق الخناق على المواطن البسيط بغية الاستحواذ على مدخراته المالية المتواضعة بأسلوب الابتزاز الوضيع. ويعد من حرامية ليلة الجمعة أولئك الذين مارسوا الدعارة السياسية، وشطبوا المصالح الوطنية العليا من أجندتهم، واسترخصوا دماءنا من اجل حفنة من الدولارات قبضوها عربونا من أسيادهم، ثم اشتغلوا في إنتاج وتوزيع الدسائس والفتن، ما ظهر منها وما بطن، وتلاعبوا بعواطف الناس البسطاء، وأشاعوا روح الفرقة والتشرذم بين عناصر المجتمع المتجانس، وأوقدوا نيران الحقد والضغينة بين أبناء الشعب الواحد المتماسك. ختاما نقول إننا لسنا في المدينة الفاضلة الخالية من الفساد والرذيلة، لكننا نأمل أن نشدد الرقابة في المرحلة المقبلة، ونتربص بالتصرفات والسلوكيات المرفوضة، التي لا تخدم الناس، وهذه أمنية سيسعي المخلصون إلي تحقيقها على قدر ما تجود به شهامتهم الوطنية الصادقة اتجاه ثرواتهم المسروقة منذ تريليون ليلة وليلة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com