|
العراق قبل إنتخابات 2010 .. مشاهدات مؤلمة "6"
قرطبة الظاهر إنعدام قانون الاحزاب وعواقبه! تتمتع الدول المتحضرة التي تحكمها أنظمة ديمقراطية تعددية برلمانية بقانون خاص للاحزاب تلتزم بموجبه الاحزاب المتنافسة بمبدأ المحافظة على السلوك السياسي والكشف عن ذممها المالية للمجتمع وللسلطة القضائية. في ألمانيا يتمتع كل تجمع سياسي ذي منهج ديمقراطي يحترم الاسس والمبادئ الدستورية بتسميته حزبا عندما يملك قاعدة جماهيرية لا تقل عن 100.000 مواطن ( مائـة الف مواطن ). وعندما يتم تسجيل هذا التجمع لدى السلطات القضائية يصبح حزبا وله دعم مالي من قبل الدولة لانَّ الدولة تعارض إستلام أي حزب دعما خارجيا سوى التبرعات وهذه إيضا لا تتجاوز الحدود المالية. في حال تخطّي هذا الحزب أو ذاك الحد المالي المسموح به يُلزم هذا الحزب ان يكشف الجهة التي تبرعت له. حينئذ تتمُّ محاكمة الحزب ويُعاقب بدفع غرامة ومصادرة المال المُستلَم من الجهة المتبرعة. تعرض الائتلاف المسيحي الديمقراطي الالماني في عام 1999 لفضيحة تبرع بطريقة غير شرعية في ظل حكومة هيلموت كول وتم اعتقال أمين صندوق الحزب بسبب إستلام الحزب 1,3 مليون مارك كفائدة من شركة ثوسسن ومبلغ 2,1 مليون مارك أخرى دون علم وزارة المالية ودون علم الاعضاء الاخرين في الحزب. أعترف السيد هيلموت كول بهذه الامور وتنحّى عن منصبه كعضو شرف في الائتلاف المسيحي الديمقراطي. لم يكشفْ السيد كول أمام المجتمع الالماني وامام الرأي العام لحد هذا اليوم أسماء المتبرعين مخالفا بذلك الدستور والقواعد القانونية. بين الاعوام 1999 و2002 أسس البرلمان الالماني لجنة تحقيق داخلية للنظر في أمر التبرعات للاحزاب وقام بعد ذلك بالعمل على تشديد قانون الاحزاب في المانيا. إضافة إلى ذلك مُنع حزب السيد هيلموت كول من إستلام 21 مليون مارك من الدولة لخوض حملته الانتخابية في تلك الحقبة! في عراقنا اليوم يُعدُّ كل من هو منتم لحزب من الاحزاب الكبرى وإستطاع ان يصل إلى هرم رئاسة الحزب ... يُعدُّ من الطبقة الارستقراطية لما يتمتع الحزب به من قاعدة مالية فائقة تستطيع بها ان تبني وتعمر كل العراق إذا ما جمعنا ميزانيات كل الاحزاب في العراق ناهيك عن الراتب الذي يتقاضاه كل نائب تابع للحزب مع الامتيازات و البيوت الفارهة والعديد من رجال الحماية والخدم والسيارات الكبيرة ذات الدفع الرباعي. بالاضافة إلى ذلك يتمتع الحزبي القيادي بحرية الحركة في الشوارع العامة وذلك من خلال عملية تحرك سياراته الكثيرة والتي تتقدمها فرق مسلحة تقوم بترهيب المركبات الاخرى من خلال مكبّرات الصوت الخاصة بها ومن خلال إشهار أسلحتها على السيارات تأمرها بالتحرك جنبا وفسح المجال لتمرير المسؤول المهم جدا! كنت أستقل سيارة أجرة عندما شاهدت منظراً كهذا لموكب هائل من السيارات فسألتُ سائق الاجرة: لو كسبت مقعدا في البرلمان هل ستصبح مثلهم؟ فأجابني: سأكون مُجبرا على مثل هذا الاجراء لاسباب أمنية. سالته: حتى لو انت لم تقدم شيئا للمواطن؟ فأجاب: ليش هو المواطن شمدريه منو كاعد بالسيارة؟!! لو توفرت لهذه الدولة قوانين صارمة تحد من هكذا تصرفات غير حضارية في شوارع المدينة لما عشنا وعانينا من هذا السلوك الذي يعتدي على حرية التحرك للمواطنين ناهيك عن إقفال الشوارع ووضع المتارس الكونكريتية الامر الذي أدى إلى زيادة ملحوظة في الازدحامات المرورية. سؤالي: أين كان البرلمان في الحقبة الماضية من كل هذه التجاوزات على حرية التنقل والتحرك للفرد والتي نص ايضا عليها الدستور العراقي؟؟ أم ان هذه الامور تنضوي تحت يافطة "الحالات الاستثنائية"؟ تعتبر عملية الترشيح للانتخابات هي الفرصة الوحيدة حاليا لتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمواطن الذي عاش سنينَ طويلةً في بؤس وحرمان وكان ضحية للنظام الصدامي الذي حرم شعبه من التمتع بحياة كريمة مُرفّهة وحصرها فقط في نطاق حاشيته وأبناء عشيرته والموالين له من المسؤولين في الدولة. ولان النظام الحالي ايضا حرّم أكثرية ابنائه من نفس الحقوق ولازال يفرض سياسة التقشف والبطاقة التموينية بدلا من تحسين الوضع المادي والعملي للمواطن ووضع خطط إنمائية وإستراتيجية لبناء مجتمع يعيش في منظومة إقتصادية تضمن تكافؤ الفرص ومكافحة البطالة والفقر. لقد أصبح المواطن سواءً كان سياسياً مُحنّكاً او هاويَ سياسة يتطلع للترشيح في الانتخابات علّه يستطيع أنْ يُحسّن وضعه المزري ويحقق طموحاته التي حُرم منها لسنين طويلة جدا. لكن هذا التصرف أدى إلى تحول هذا الانسان من إنسان طبيعي فقير إلى إنسان أنانيّ جشع يحاول بشتى الطرق الحفاظ على الكرسي النيابي ودرجته الحزبية من خلال استغلال نفوذه لتصفية منافسيه وخصومه او من خلال إبرام عقود وصفقات تجارية خارجة عن دائرة مهماته السياسية التي أوكلت له وفتح أرصدة بأسماء مستعارة خارج العراق وغيرها من الامور الاخرى المنضوية تحت ظاهرة الفساد والجريمة المنظمة. هذا الانحراف يعود لعدم سن قانون للاحزاب في العراق والذي ترفضه الاحزاب الكبرى خوفا من كشف ذممهم المالية وعمليات البطش والفساد والاجرام التي إرتكبوها. ولان المواطن كان يتابع خلال الفترة السياسية الماضية الامتيازات والحقوق التي تمتع بها كل نائب، اصبحت العملة السياسية في هذه المرحلة ذات وجهين واضحين: الوجه الاول من هذه العملة يتمثل في ظن الكثير من الستة آلاف 6000 مرشح أن الاحزاب سوف توفر لكل مرشح ميزانية مالية لا تقل عن المليون دولار توصله إلى الطبقة الارستقراطية في وقت قصير جدا! لقد إتضح لي بأن العديد من المرشحين في قوائم الاحزاب لم يستهدفوا الترشيح من اجل العراق ومصلحته او من اجل تغيير وتصحيح مساره السياسي بل إنهم إرادوا فقط تعديل مستواهم المعيشي ولو لمدة ثلاثة اسابيع فقط! عندما إكتشفت قيادة إحدى القوائم واقع الحال وكاشفت الجميع بأنَّ الاموال لا يُمكن أنْ تُصرف بهذا الشكل بدأ العديد من مرشحي القائمة بالتهديد بالانسحاب وقد إنسحب بالفعل عددٌ منهم. يتمثل الوجه الاخر من العملة في توجه الكثير من الشباب الذين ضحوا بوظائفهم للترشيح للانتخابات وهم يصرفون المال من جيوبهم الشخصية ولم يطلبوا دينارا واحدا من رئيس قائمتهم. كلما انظر إليهم اشعر بان العراق لازال يحمل بين ذراعيه أبناءً مخلصين شرفاء وكنت احمد الله واشكره كلما اراهم يتوافدون إلى مقرنا لإطلاعنا على تحركاتهم ونشاطاتهم. كنت فخورة أيضا بالنساء اللواتي تشجعن لخوض الانتخابات بالرغم من إلتزاماتهن العائلية والوظيفية وقمن بترشيح انفسهن بكل شجاعة وهن يحملن بصبر آلام فقدان ذويهن وازواجهن من ضحايا النظام السابق والارهاب الدموي الحالي. لو كان هناك قانونا للاحزاب لوضعت ضوابط شديدة وميزانيات شفافة للنشاطات الحزبية وللعمل الحزبي. فكل حزبي قيادي يتمتع براتب من الدولة أما الاعضاء المنتمون فيتمتعون بالمحاضرات التوعوية المجانية والسلم الحزبي مقابل تسديدهم للاشتراكات. المشكلة التي تواجه اكثر التجمعات السياسية في العراق تكمن في أن جلها لا تسمى باحزاب وليس من المنطق أن تطلق على نفسها تسمية "حزب" لانها غير مُعرَّفة قانونيا بسبب إنعدام قانون الاحزاب. أيضا العطاءات والرشاوى التي أعتاد العراقيون على تقاضيها أثناء الحملة الانتخابية بحيث اصبح كل مواطن ينتظر بداية الحملة كي يهدى له تلفزيون ملون او ثلاجة في ظل إستمرار انقطاع التيار الكهربائي يوميا تعد عملية شراء الاصوات وكاننا في سوق للخضار بحيث اصبح الصوت يباع بين ألفين إلى عشرة الاف دولار!! أتمنى ان يسن البرلمان القادم قانون الاحزاب وان توضع قواعد وضوابط شديدة لكل الاحزاب التي تعمل على الساحة العراقية وان تتبنى الدولة تمويل الحملات الانتخابية للاحزاب ذات القاعدة الجماهيرية العريضة كما يستوجب على البرلمان ان يؤكد على ضرورة شفافية عملية تمويل هذه الاحزاب كي لا ننخدع بواقع احزاب هي في الحقيقة عبارة عن مجاميع استخباراتية إجرامية تقوم بتنفيد عملية تطبيع الاوضاع الاقليمية داخل العراق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |