|
الدوَل المؤسساتية وصناعة القرار
حامد كعيد الجبوري من خلال عنوانة المقال قد يتصور البعض أنني من أنصار الدول المؤسساتية ومن دعاتها، وواقع الحال غير ذلك رغم قناعتي أن دول المؤسسات لا يمكن أن تخلق دكتاتوراً بعينه، بمعنى أن الدول المؤسساتية تتخذ قراراتها من خلال ما يرشح من تداولات معمقة مستوفية لكل مناهج الموضوع المدروس لديها، والخلاص لقرار واحد يُسلم لصانع القرار لتبنيه بعد أن يقتنع بما جاء بذلك القرار، فلكل رئيس بهذه الدول طاقم متخصص يرسم لرئيسه السياسات المهمة لبلاده سياسياً ومالياً وصناعياً وزراعياً وتجارياً .. ألخ، والمتخصصون بوضع هذه المقترحات يعطي لرئيسه أكثر من مسلك يتخذه وطرق معالجة الإخفاقات أن وجدت وجل من لا يسهو، ومن كبار هذه الدول المؤسساتية أمريكا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إسرائيل، وهذا على نقيض ما تسير عليه حكوماتنا العربية، فالرئيس لدينا نحن العرب لا يخطئ وأن خطأ فخطأه صواب، ويشيعون أن حديثاً نبويا شريفاً لمحمد (ص) يقول ( أن أصاب العالم – الرئيس – فله عشر حسنات وأن أخطأ فله حسنة واحدة)، وبهذا برر الطاغية المقبور إعدامه لخيرة رجالات العراق على أنها خطأ غير مقصود ويبعث مع جثته كتاب اعتذار ومبلغ من المال، ناهيك من أن حكامنا العرب أن استلموا كرسيا فسوف لن يسلموه إلا بموت أو انقلاب، وكم منهم من عزل أخيه عن سدة الحكم أو عزل والده الذي غاب عن بلاده بجولة رسمية ولم أرصد لحكام العرب المعاصرين إلا حالتان من التنازل عن السلطة، وهما (سوار الذهب) السوداني، و(علي صالح البيض) اليماني، ونشترك نحن الشعوب بخلق هذه الرموز الكارتونية وكما يقول الشاعر الحلي (موفق محمد)، (لابد من صنم / لكي نموت دونه ونسبق الأمم) . ما تقدم نظرة أولية للولوج لأصل الموضوعة، نهاية الستينات من القرن المنصرم وأبان دورة الرئيس الأمريكي (نكسن) تشاور مع خواصه الاقتصاديين وخلص الى إجراء تخليص الدولار الأمريكي من دائرة الدعم الذهبي، وقرر بيع ما في خزانته من ذهب، فقال له الآخرون يا سيادة الرئيس معنى ذلك أن أسعار الذهب ستنخفض – العرض والطلب -، وكما أن الدولار ستهبط قيمته الشرائية لعدم وجود احتياطي وطني له، وفعلا هبطت قيمة الدولار الشرائية مقابل السلع الأخرى ولم يستطع الدولار الأمريكي حينها شراء نفس الكمية من الذهب لارتفاع سعر الذهب مقابل انخفاض الدولار، أوعز (نكسن) حينها لشركات النفط الأمريكية التحرك لشراء النفط من مصادره العالمية وتركيزاً على النفط العربي، بدأت أسعار النفط بالتصاعد تدريجيا مما فتح شهية مصدريه لإغراق الأسواق العالمية وخاصة الأمريكية به، تصور أن السوق الأمريكي كان يشتري النفط العالمي لقاء ذهب لأن الدولار الأمريكي محمي به، أما الأن بمشورة (نكسن) فأنه يشترى لقاء ورق مطبوع لا يكلف إلا سعر ذلك الورق، ولأن السوق الأمريكية هي الكبرى لتصريف النفط العالمي، أذن أصبح النفط الغطاء الداعم لقوة الدولار الأمركي – إعتباريا- مضافا له الأموال الأمريكية المودعة لدى السذج من مصدري النفط سواء ببلدانهم أو المودعة لدى المصارف الغربية، ويساعد بقوة الدولار الأمريكي كعامل مساعد أخر هو أن العملة الثانية في أغلب بلدان العالم وبخاصة الدول المصدر للنفط وعلى رأسها الدول العربية هو الدولار الأمريكي – كافة دول الخليج العربي والعراق بعد الأحتلال -، عام 1959 م أنتبه الزعيم الوطني العراقي الشهيد عبد الكريم قاسم لهذه الحقيقة المرة لذا أصدر أمراً يلزم بموجبه وزارة النفط العراقية بيع النفط بالدينار العراقي، وبهذا ارتفعت القيمة الشرائية للدينار العراقي وغدا يعدل أو يفوق قوة شرائية لعملات دول المنطقة، وكان هذا سببا يضاف لأسباب أخرى قوضت نظامه الوطني الشريف، وبرعونة صدامية أثناء فترة حصار العراق قرر الطاغية بيع النفط العراقي ب (اليورو) الذي كان يسير بخطى الدولار الأمريكي ولا يفترق عنه، وبهذا أرتفعت القدرة الشرائية ل (اليورو) ليصبح (اليور) يعدل (1،5) دولار، وحذت دولة فنزويلا وإيران وليبيا هذا النهج، وكأنها عقوبة لأمريكا، وهي كذلك كانت من مسببات سقوط الطاغية لا لوطنية إنتهجها ولكنها لرعونة أبتدعها لم تصمد طويلا . واهم من يظن أن أمريكا أطاحت بنظام الطاغية لخلاف أيدلوجي أو أنها أرادت بناء نظام ديمقراطي تعددي يحكم العراق، فأمريكا غير معنية بمن سيحكم العراق سواء كان إسلاميا أو علمانيا، حكم بالديمقراطية أو بنقيضها، جاع الشعب العراقي أم أكل من فتات حكامه طالما أنها أوجدت رموزا سياسية تسير وفق ما رسمته المؤسسات التي ذكرناها بصدر موضوعتنا، مايهم أمريكا أنها تسيطر على منابع ومصادر النفط العربي، وخيرا فعل لأمريكا وزير النفط العراقي – الشهرستناني - حيث أعطى أغلب إستثمارات النفط لشركات أمريكية أو لشركات تسير بخطاها، وكارثة التصريح الذي أدلى به الشهرستاني بأنه بصدد إيصال الأنتاج من النفط العراقي لعشرة ملايين برميل يومياً،فعلى العراق ونفطه ألف سلام .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |