العراق قبل إنتخابات 2010 .. مشاهدات مؤلمة "8"

 

قرطبة الظاهر

 geniralif@yahoo.de 

بغداد والامانة ومجلس المحافظة

من الملفت للنظر والمؤسف لروح كل محب وعاشق مثلي لهذه المدينة التاريخية والثقافية والتي كانت في حقبة السبعينيات من القرن المنصرم تزهو بحدائقها ونافوراتها وتماثيل جواد سليم ونحاتين وفنانين آخرين تركوا آثار رائعة من الفن الحديث في قلب مدينتهم الغراء، ناهيك عن دور العرض والمسارح المختلفة والتنسيق والترتيب العمراني..من الملفت للنظر أن مدينتنا إبتدا الاهمال وسوء التخطيط العمراني والخدمات يكسو طابعها كعاصمة لدولة قد تستفيق يوما من أحزانها وتستعيد رونقها وجاذبيتها..أكتب هذه الكلمات والالم يعصر قلبي وأنا لست إلا ضيفة تحل على مسقط رأسها بعد فراق طويل..

قاطع الكرخ:

أهالي الكرخ بصفة عامة معروفون بحسن الجيرة والتعاون والوفاء فيما بينهم. فإنهم أهل نخوة كما يصفهم أهالي بغداد. وأني قد لمست ذلك من خلال مكوثي في أحد المساكن التابعة لهذا القاطع. الجيران يجعلونك تحس بانك احد افراد الاسرة ويسألون دوما عنك وعن احوالك ويقدمون لك اي مساعدة إن احتجتها بدون تردد او خجل. كنت أفرح كثيرا عندما يدق الجيران جرس الباب حاملين معهم ما صنعته اياديهم الخيّرة من حلوى وغير الحلوى . وقد اعجبني خاصةً خلال أيام اربعينية ذكرى الامام الحسين (سلام الله عليه)، طعمُ حلاوة الزردة اللذيذة. لم اتصور في حياتي أني ساتذوقها في بغداد مع جمع (لمة) الاهل والجيران الطيبين. كل ما يشكو منه اهالي الكرخ هو النقص الكبير في إمداد الكهرباء وسوء الادارة من قبل مجلس المحافظة والامانة فيما يخص العمران وتنظيف الشوارع ورفع القمامة والركام من الشوارع واعمال الصيانة والترميم. ليس بعيدا عن وزارة الخارجية وتقريباً مقابل العلاوي كانت هناك أعمال بناء من قبل وزارة التخطيط لعمارتين. وفي الشارع اعمال حفر واسعة لبناء جسر. تمتد اعمال الحفر في وسط الازدحامات في ذروتي الصباح والظهيرة ومع شلل حركة السيارات يرتفع ضغط الدم والغضب لدى سائقي السيارات وشرطة المرور الامر الذي يؤدي في بعض الحالات إلى نشوء نزاعات لا تخلو منها المناوشات اليدوية والتوعد بالانتقام من هذا الشرطي المسكين. لفت إنتباهي بان وزارة الخارجية تم ترميمها على احسن وجه بينما تخلد وزارة العدل تحت الانقاض في بحر من الركام والحطام يغطي كل مدخل شارع حيفا تقريبا. هذه الوزارة التي قدمت مئات من الشهداء إثر تفجيرات الاربعاء الدامي لازالت آثار الموت وروائح الموتى ترتفع منها تذكرنا بأن لا ننسى شهداءَنا الابرياء وان نقرأ الفاتحة على أرواحهم كل يوم عند مرورنا بها. لا استطيع ان اتخيل قوة التفجير التي أدّت إلى تحطيم زجاج نوافذ كل الابنية والبيوت المحيطة بالوزارة كليا. سألت احد القاطنين في شارع حيفا كيف واجهتم الانفجار؟ أجابني: احنة بيتنا مو بعيد عن الوزارة لمن صار الانفجار كل ابواب البيت والجامات تكسرن. ركضنا احنة الشباب صوب المكان شفنا الجثث وبقايا الاجساد البشرية متناثرة في الشارع. تطوعنا لمساعدة الجرحى والمصابين وكانوا كثيرين جدا. كان يوم مؤلم جدا في شارعنا! لكن ست المصيبة بهاي الظروف انو اكو مو خوش ناس يسرقون الموبايلات والجزادين من الضحايا! هذا عيب وحرام ..مع الاسف. سألته: وهل تم تعويضكم عن اضرار بيوتكم؟ فأجابني: رحت لمجلس المحافظة سالتهم عن التعويض. كلتلهم بيتنا تضرر بالانفجار، منو يعوضنا؟ قالو لي: روح اولا اخذ صور للاضرار وبعدين روح للمحكمة خل تسجل اثباتاتك وبعدين روح لمجلس البلدية وطلّعْ قرار بالتعويض وبعدين تعال النا احنة ننطيك تعويض. سألتهم وشكد اعلى مبلغ للتعويض تدفعوه؟ كالولي يعتمد لكن مو اكثر من 150.000 دينار!!

بغض النظر عمّا حل بهذا الشارع فلم ألاحظ أي مجهود من قبل أمانة العاصمة برفع الانقاض عن الشارع وتنظيف مكان الحادث وإعادة صيانة وترتيب الوزارة مثلها مثل وزارة الخارجية التي تم ترميمها على احسن وجه وكأنما لم يمسّها أيُّ ضرر. أما مبنى مجلس محافظة بغداد فهناك ايضا اعمال للصيانة والترميم بعد أنْ طاله مسلسل الارهاب بمواد السيفور شديدة الانفجار. يفصل الوزارتين ساحة الملك فيصل الأول (رحمه الله) وقد اختفى جمال تمثال الملك وهو يمتطي جواده ، مرتديا لباسه العربي، رافعا سيفه إلى السماء بكل فخر وإعتزاز..إختفى هذا التمثال في الاتربة والقمامة وصور المرشحين ورايات المواكب الحسينية. أما شارع حيفا فقد اصبح الطابع الريفي يغلب على اكثر معالمه الحضارية فانا اتذكر هذا الشارع عندما قمت بزيارة العراق عام 2003 وكان الشارع جميلاً ومشجّراً بالرغم من تواجد الدبابات الامريكية فيه. الان هذا الشارع مقفل، الاطفال يلعبون في وسطه، يُسمح فقط لسيارات سَكَنة هذا الشارع والذين في حوزتهم كتاب تأييد من "الجمعية التعاونية الخدمية لادارة المجمع السكني" ... يُسمح لها بالمرور من قواطع التفتيش (السيطرات). الشارع ايضا مُحفّر أفقيا لبناء قواعد للجسر الجديد. أما ليلا فتسقط كل بغداد تحت رحمة الكلاب السائبة. فلا ترى ولا تسمع إلا نباح قطعان الكلاب وهي تصول وتجول في الشوارع وكأنها ملوك الغابة في الليل الحالك بحثا عن مأوى وعن طعام تقتاته من أكداس واكوام القمامة. وهنا اوجه سؤالي لحضرة السيد أمين عاصمة بغداد: أين انت من هذه الكارثة الصحية والبيئية؟ وماذا قدمت لبغداد من إنجازات خلال فترة حكمك كأمين للعاصمة؟

قاطع الرصافة:

لا يفرق أهالي الرصافة في طيبتهم وطباعهم الجميلة عن أهالي الكرخ. لكن يشكو هذا القاطع أيضاً من إهمال شديد جدا في العمران والنظافة والتنظيم. الشوارع محفرة ومتروكة، الارصفة كثير منها محفر ومتروك بسبب الفساد المالي والاداري للمقاولين. الماء في قاطع الرصافة عملة نادرة إنْ وُجد فهذا عيد ما بعده عيد. في احد الايام كنت في زيارة لبعض  أقربائي وصادف إنقطاع الماء في الكرادة الشرقية وفي الكرخ ودام لخمسة ايام. إبتدأت المعاناة وكأن المواطن مكتوب على جبينه أن يعيش دوامة من المعاناة اليومية ناهيك عن الخوف من الارهاب والتصفيات الجسدية وشحة الوقود والكهرباء وغلاء المعيشة! شاهدت حشود الناس تتدفق لشراء جليكانات واوعية كبيرة لتعبئة الماء الصالح للشرب من سيارات توقفت في بعض الاحياء لتوزيع الماء. خمسة ايام وكل يوم تعد الامانة بتصليح العطل في الخزان. سؤالي لامانة بغداد ومجلس المحافظة: صارلكم سبع سنوات ما فكرتوا في يوم تبنون خزانات تحت الارض؟ ما فكرتوا انو هذه الخزانات اللي معلقين عليها اضوية حمرة وخضرة وصفرة وكأنها شجرة عيد ميلاد..ما فكرتوا انو هذه قد تكون في يوم هدف للارهابيين لا سمح الله؟ مجلس المحافظة يمتلك ترليونات من الدنانير لم يصرفها لاي مشروع استثماري قد يفيد العاصمة مثلا مشروع لرفع الانقاض وتنظيف المدينة بسيارات خاصة تقوم بغسل الشوارع بطرق حديثة وتهديم المباني الرثة وإنشاء مجمعات للتسويق او مستشفيات او مدارس حديثة أو ترميم الارصفة او تشجير قاطع الرصافة وتوزيع حاويات لرمي القمامة ذوات اقفال. أما أمانة بغداد فهي مشغولة باكبر عملية سطو على خزينة الامانة وتقدر الاموال المسروقة وبموافقة وتوقيع من قسم المالية باكثر من مليار دينار! بالاضافة إلى ذلك لم يستطع أمين العاصمة ان يضع ضوابط وقواعد شديدة للحد من ظاهرة وضع الصناديق والاجهزة الالكترونية والسلع على الارصفة والتي تعرقل المارة وبعض الاحيان تقفل الرصيف باكمله. هذه الفوضى برمتها لا تبدو امام انظار السيد أمين العاصمة ومجلسه الموقر كحالة نشاز تستوجب معالجتها بل اصبحت بغداد بأكملها عبارة عن سوق شعبي تزينه اكواخ الصفيح الريفية والبؤس والقمامة وتحرسها قطعان الكلاب السائبة ليلا.. فوا أسفاه على عاصمتك يا رشيدُ ويا مأمونُ ويا ابو الطيب المتنبي ويا أبو نؤاس...  

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com